بالرغم من أن المنطقة تموج بأحداث عنف وإرهاب عديدة، أخذت تنتعش وتستعيد قدر من زخمها ولو نظريا في الآونة الأخيرة، إلا أن حادث إطلاق النار في محيط مسجد الوادي الكبير يوم الاثنين الخامس عشر من يوليو الجاري ورفع مرتكبي الحادث راية تنظيم داعش الإرهابي قبل أن يدفعوا حياتهم ثمنا لتمسكهم بالمواجهة مع قوات الشرطة، كان مفاجئا وصادما في الواقع ليس فقط لمن عاشوا في رحاب عُمان ولمن اختلطوا مع أبنائها على كل المستويات ومن كافة شرائح المجتمع سنوات طويلة، بل ولمن تسنى لهم معرفة العمانيين عن قرب.
ومع ذلك فإن مما له دلالة عميقة أن حادث الوادي الكبير ليس حادثا نمطيا في عُمان، ولكنه في الواقع وعلى الأرجح هو حادث مصنوع ومصمم من أجل محاولة تشويه الخصوصية العمانية، والتي يشير إليها الجميع على مدى العقود الأخيرة، وهي الخصوصية التي يندهش الجميع حيالها ويتساءل الكثيرون عن سر هذا الهدوء والترابط المجتمعي وعدم وقوع المجتمع العماني في هوة الصراع الذي يطحن مجتمعات أخرى في المنطقة وخارجها من حوله، ومن ثم تحولت هذه السمة والخصوصية من عنصر تميز في طبيعة المجتمع العماني إلى عنصر أثار بالفعل حنق وحفيظة البعض ورغبته في كسر هدوء وسكينة المجتمع العماني الذي عاش قبل عام 1970 عقودا من الخلافات والصدامات التي تغلب عليها بحكمة القيادة واستمرارها حتى الآن وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، من أهمها أولا: إن المجتمع والدولة العمانية ليس مجتمعا طارئا ولا حديثا ولكنه مجتمع قديم قدم التاريخ في هذه المنطقة ومن ثم فانه يمتلك كل مقومات هويته الوطنية التي تتسع لتضم كل قوى المجتمع وشرائحه رغم تنوعها في تماسك وترابط عميقين، ومن ثم فانه أدرك أهمية وضرورة إرساء قواعد راسخة للتعايش في بوتقة المجتمع العماني المميزة على امتداد التاريخ، وكذلك أهمية إقناع دول المنطقة بها لإرساء علاقات من التعايش والعلاقات الطيبة والوثيقة والموثوق بها ولصالحها جميعها.. والمؤكد أن بناء ذلك لم يكن سهلا ولكنه استغرق الكثير من الجهد والوقت والصدق والصراحة والشفافية، حتى أصبحت العلاقات بين سلطنة عمان والدول الشقيقة والصديقة نماذج تحتذى على صعيد التعامل بين دول المنطقة والإسهام في حل مشكلاتها بكل مستوياتها وهو ما جعل من عُمان ليس فقط حمامة سلام بين دول المنطقة ولكن أيضا زاد من رصيدها لدى شعوب المنطقة. وجاءت حالة الأمن والأمان التي تعيشها عُمان لتجعل منها نموذجا تتطلع إليه الكثير من دول المنطقة كنموذج ناجح على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية بوجه عام. ومن المعروف أن بعض دول المنطقة تبني بالفعل مبادرات وسياسات تبنتها سلطنة عمان في إدارتها لسياساتها الخليجية والإقليمية والعربية في وقت سابق، وقد ساعد الاستقرار والتماسك الداخلي على قوة وترابط المجتمع العماني وتغلبه على مختلف التحديات التي واجهته في ظروف أو أخرى. وبينما استطاعت السياسة العمانية كسب ثقة وتقدير الدول الأخرى في المنطقة وخارجها ومن ثم كسب تعاونها ومواقفها الإيجابية لصالح التقريب بين وجهات النظر والعمل على حل الخلافات بين الأشقاء والأصدقاء، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى، وذلك برغم أن سلطنة عمان لم تعتمد على سياسة التمويل بشكل أو بأخر وكانت الشفافية والصراحة ووضوح المواقف السبيل لبناء الثقة المتبادلة والسبيل إلى حل الخلافات والتقريب بين المواقف.
ثانيا، إن النجاح السياسي والاقتصادي العماني والذي لم يعتمد على فائض من الأرصدة الدولارية، بل على فائض من الإيمان بالقيم والصراحة وبمبادئ القانون وبقيمة التعاون المخلص لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، جعل البعض يتصور أنه ليس صعبا أن يتم الإساءة إلى عُمان وإلى سياستها وإلى تميزها على الساحتين الخليجية والعربية خاصة فيما يتصل بعدم تورطها لا هي ولا أي من أبنائها في أي أنشطة إرهابية ولا أي إساءة إلى أي من جيرانها تحت أي ظروف، بل على العكس كثيرا ما تحملت وصفحت وتجاوزت من منطق الأخوة والصبر الجميل حتى يثوب الآخرون إلى رشدهم. وبالنسبة لحادث الوادي الكبير، فإن مما له دلالة أن تكون العناصر المتورطة في الحادث عناصر عمانية، بل من «أسرة واحدة تأثرت بالأفكار الضالة»، حيث لم يتم اتهام عنصر واحد فقط ولن يكون ذلك بمثابة دعم للاتهام الجمعي، خاصة أنه على امتداد العقود الماضية لم يتم اتهام ولا عنصر واحد بالانتماء إلى تنظيم داعش ولا لأي تنظيم إرهابي مماثل، أما تورط ثلاثة أخوة في الحادث فإنه يعطي دلالة معاكسة خاصة لمن يريد أن يبحث عن اتهام أو دليل ما لتشويه السياسات العمانية التي نشطت في الآونة الأخيرة، إذ إنه من المعروف أن لعُمان سياستها الداعمة للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية منذ عقود عديدة وليس منذ سنوات قليلة كما قد يعتقد البعض. من جانب آخر فإن عُمان لا تتبع سياسة تصادمية ولا صراعية مع أي طرف عربي أو إقليمي، بل تؤثر دوما الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وترفض بقوة التدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل، إذ إنها تبحث عما يجمع بين الأشقاء والأصدقاء ويعزز مصالحهم المشتركة والمتبادلة. ومن هذا المنظور فإن حادث الوادي الكبير «المصنوع» بغرض الإساءة المتعمدة لعُمان سريعا ما سينتهي بعد الإحاطة بكل ملابساته، وبرغم أهمية وقيمة المسارعة في الإعلان والتعامل بشفافية مع الحادث إلا أنه من الطبيعي أن تكون هناك معطيات ما قد تقتضي المصلحة الوطنية عدم الإعلان عنها بشكل كلي أو جزئي حسب تقييم الجهات المعنية لما تقتضيه المصلحة والأمن الوطني في هذه المرحلة أو المراحل القادمة، وهو ما يتم التعامل معه على أعلى المستويات.
ثالثا، إن سمة الأمن والأمان المترسخة في المجتمع العماني لم تظهر فجأة، ولكنها ظهرت ونمت وترعرعت عبر إيمان عميق بقيم المجتمع العماني وتماسك وتعاضد أبنائه من ناحية وحرص القيادة والحكومة على تنمية ورعاية القيم العمانية النبيلة والمتسامحة في التعامل مع الآخر، ومن ثم نبذ مختلف مظاهر العنف والتطرف والصراع في حل أي خلافات قد تطرأ أو تظهر لسبب أو لآخر من ناحية ثانية، ومن المعروف أن كثيرين دهشوا وتساءلوا عن سر الهدوء والاستقرار الذي ينعم به المجتمع العماني منذ انطلاق مسيرة النهضة العمانية الحديثة واستمررها في إطار النهضة العمانية المتجددة. وبالرغم من حادث الوادي الكبير، إلا أن الحادث يظل في النهاية حادثا وحيدا ويصعب أن يكون سببا في تشويه الوجه المميز للنهضة العمانية الحديثة والمتجددة حتى لو أراد البعض الإساءة المتعمدة للمجتمع والمواطن العماني المعروف بقوة انتمائه وتمسكه بالحفاظ على وطنه والدفاع عنه في كل الظروف بل والتضحية من أجله بالغالي والنفيس.
وبالنظر إلى أن المجتمع العماني هو مجتمع طبيعي وليس مجتمعا من الملائكة، فإنه من الطبيعي أن يواجه بعض المشكلات وأن تظهر بعض التحديات خاصة في ظل التفاعل مع ما يجري من حولنا من مشكلات وتدخلات زاد من حدتها تداخل الحركة بين المجتمعات والأثر السلبي في بعض جوانبه لوسائل التواصل الاجتماعي التي وصلت إلى كل أفراد المجتمع دون استثناء بكل ما يترتب على ذلك من نتائج مباشرة وغير مباشرة.
وإذا كانت حكمة التعامل مع حادث الوادي الكبير من جانب القيادة ومختلف المؤسسات المعنية في الدولة قادرة على الإحاطة بكل الملابسات والعناصر المؤثرة وذات الصلة بما حدث والمراحل التي مر بها، فإنه من المؤكد أن الحفاظ على أمن وأمان الدولة والمجتمع والمواطن ليس فقط مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمن ومجالاته المختلفة، ولكنه في الواقع مسؤولية الجميع في تلك المؤسسات وخارجها أيضا، وبوعي عميق وبعيد النظر لحقيقة أن الحفاظ على الأمن والأمان هو ركيزة الحفاظ على متطلبات النمو والتطور والازدهار وبتعاون كل أبناء الوطن في كل المواقع وعلى كافة المستويات، وهو أمر لا شك أن المؤسسات المعنية وضعته في الاعتبار منذ البداية وهو ما يتطلب التعامل والتعاون معه بوعي ومسؤولية وبعد نظر لصالح حاضر ومستقبل أمن وسلامة وتطور المجتمع والمواطن العماني بوعي ومسؤولية ليظل المجتمع العماني مجتمع أمن وأمان في الحاضر والمستقبل ولصالح كل أبنائه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حادث الوادی الکبیر المجتمع العمانی دول المنطقة ومن ثم
إقرأ أيضاً:
«الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
تعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في مناطق تواجه تحديات بيئية، وقد تبنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تقنيات مبتكرة لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي، ويمكن لسلطنة عُمان أن تحقق فوائد كبيرة من تبني تقنيات الزراعة الدقيقة خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف وندرة الموارد المائية، حيث تمكن هذه التقنيات من تحسين كفاءة الري عبر أجهزة استشعار ترصد رطوبة التربة وتحدد الاحتياجات المائية الدقيقة للمحاصيل، مما يقلل الهدر ويعزز الاستدامة.
ويعكس استخدام هذه التقنيات التزام سلطنة عمان بالابتكار لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز القطاع الزراعي وضمان استدامة الموارد وتحقيق الأمن الغذائي للمستقبل.
التقنيات الحديثة
أوضح الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن التقنيات الحديثة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية في سلطنة عمان، خاصة في ظل التحديات المناخية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، حيث إن أنظمة الري الذكية مثل الري بالتنقيط والري الأوتوماتيكي المزود بمستشعرات رطوبة التربة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك المياه وتوزيعها بكفاءة، مما يقلل الهدر ويُعزز نمو المحاصيل.
وأضاف: تستخدم تقنيات الزراعة الدقيقة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرون) لمراقبة صحة النباتات وتحليل التربة، مما يمكن المزارعين من تحديد المناطق التي تحتاج إلى أسمدة أو مبيدات بشكلٍ دقيق، كما تدعم البيوت المحمية المجهزة بأنظمة تحكم مناخي زراعة محاصيل عالية الجودة على مدار العام، حتى في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية، وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا في تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والآفات، مما يزيد من قدرتها على التكيف مع بيئة سلطنة عمان.
وأشار الخميسي إلى أن أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية تساهم في تشغيل مضخات المياه ومرافق الزراعة بشكلٍ مستدام خاصة في المناطق النائية كما تسهِم منصات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط الطقس وتوقعات السوق مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات استباقية.
كما يشير إلى أنه يجب أن لا ننسى دور الزراعة الرأسية والتقنيات الحضرية في توفير مساحات زراعية محدودة وإنتاج محاصيل سريعة النمو.
وأضاف الخميسي: تعمل تطبيقات الهاتف المحمول على ربط المزارعين بالخبراء والبائعين مباشرةً مما يحسن الكفاءة التسويقية ويقلل الفاقد، حيث إنه بدمج هذه الحلول يمكن لسلطنة عمان أن تحقق أمنًا غذائيًا مستدامًا وتعزز مكانتها كواحة زراعية متطورة في المنطقة.
وقال الخميسي: تساهم الزراعة الدقيقة في زيادة الإنتاجية عبر تحليل البيانات الزراعية لتحديد أفضل المواقع لزراعة المحاصيل المناسبة، مما يُعظّم الاستفادة من الأراضي المحدودة، كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) وخرائط GPS لمراقبة الحقول واكتشاف الأمراض أو الآفات مبكرًا، مما يحد من استخدام المبيدات الكيميائية ويخفض التكاليف، بحيث يمكن أن تساعد الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) في التخصيب الدقيق بناءً على احتياجات التربة، مما يعزز جودة المحاصيل ويقلل التلوث البيئي.
مشيرا إلى أنه يمكن لسلطنة عُمان من خلال تبني هذه الأساليب تعزيز الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي، خاصة في محاصيل استراتيجية مثل النخيل والتمور، حيث توفر الزراعة الدقيقة بيانات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة، مما يدعم تحول القطاع الزراعي نحو الاقتصاد الرقمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تجذب استثمارات تكنولوجية وتُطور الكفاءات المحلية في مجال الزراعة الذكية، مؤكداً أن الزراعة الدقيقة تعد ركيزة مهمة لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي والاستدامة، حيث يتطلب النجاح تطوير بنية أساسية رقمية وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الحديثة ذات العلاقة بالزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، كما ستعزز هذه الخطوة مكانة سلطنة عمان كدولة رائدة في تبني حلول مبتكرة لتحديات الزراعة في المناطق الجافة، مما يسهم في بناء مستقبل زراعي أكثر مرونة وازدهارًا.
استدامة الزراعة
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط تسهم في توفير المياه بنسبة تصل من 50 إلى 80% مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في محاصيل النخيل بمحافظات السلطنة، حيث توزع المياه مباشرة على جذور النباتات دون هدر، فقد تتيح أنظمة الري الذكية المزودة بمستشعرات رطوبة التربة تحديد الاحتياجات المائية بدقة، كما تلك المستخدمة في مزارع البحوث الزراعية بالرميس، مما يمنع الإفراط في الري ويحافظ على الموارد المائية.
وأضاف: كما يمكن أن يُقلل استخدام الري بالرش المحوري (مثل الموجود في مزارع محافظة الظاهرة) من تبخر المياه، ويُناسب المحاصيل العلفية كالبرسيم، مما يعزز كفاءة الاستهلاك في المناطق الواسعة، حيث تسمح تقنيات الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) بتغذية التربة مباشرة في مزارع شركة تنمية نخيل عمان، حيث تُستخدم لزراعة الخضروات في الترب الرملية، مما يحد من تسرب المياه والأملاح.
ويشير إلى أن أنظمة الري المُدارة بالذكاء الاصطناعي قد تدعم تحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد أوقات الري المثلى مما يُحسن إنتاجية المحاصيل، حيث تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الري في قرى جبال الحجر مما يُخفض تكاليف الكهرباء ويُعزز الاستدامة البيئية. حيث تعتمد مزارع الليمون في نيابة قلهات (مثلا) على أنظمة الري بالفقاعات (Bubble Irrigation)، التي توفر توزيعًا متجانسًا للمياه مع تقليل التبخر في المناطق الحارة، وفي محافظة جنوب الشرقية تُسهم مشاريع معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للري (مثل مشروع بركاء) في توفير مصدر مائي مستدام لمحاصيل الأعلاف، بحيث تُطبق تقنيات الري التكيفي في واحات الجبل الأخضر لزراعة الفواكه مثل الرمان، حيث تُعدّل كميات المياه تبعًا للمراحل الزراعية مما يُحسن جودة المحصول ويقلل الهدر، حيث إن تبني هذه الأنظمة عبر مشاريع مثل استراتيجية الأمن الغذائي 2040 يمكن أن تدعم بشكل كبير تركيب أنظمة ري حديثة في المزارع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء.
مقاومة التغييرات المناخية
كما قال الخميسي: يمكن تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية في سلطنة عُمان من خلال دمج تقنيات مبتكرة تلائم تحدياتها البيئية، مثل استخدام التعديل الوراثي (GM) لتطوير أصناف محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يمكن أن تسهم أنظمة الزراعة الذكية القائمة على أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء IoT في مراقبة العوامل المناخية والتربة لحظيًا، مما يتيح إدارة دقيقة للري والتسميد وفقًا للظروف المتغيرة. بالإضافة إلى تحليل البيانات المناخية للتنبؤ بموجات الجفاف أو الأمطار وتوجيه المزارعين لاختيار المحاصيل المُناسبة لكل موسم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تشمل الحلول تطبيق تقنيات حيوية لتحسين التربة، مثل استخدام الميكروبات المُثبِّتة للنيتروجين أو إضافة مواد عضوية كالبيوتشار لتعزيز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، حيث يعتبر إنشاء بنوك جينية لحفظ البذور التقليدية المقاومة طبيعيًا للمناخ خطوة حيوية لإحياء هذه الأصناف ودمجها في برامج التهجين المستقبلية، بحيث يسهم تبني هذه الحلول المترابطة في بناء قطاع زراعي مرن يتكيف مع تحديات سلطنة عُمان المناخية، ويُحقق أمنًا غذائيًا مع الحفاظ على الموارد المحدودة.
«الدرون » ومراقبة المحاصيل
كما أوضح مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الطائرات بدون طيار (المسيرة) ليست تقنية جديدة لكن استخدامها بدأ بالتزايد نتيجة للاستثمارات والتحرر في البيئة التنظيمية، حيث إن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الواعدة في هذا المجال وبالتالي يمكن للطائرات دون طيار أن تحل العديد من التحديات الرئيسية ويمكن أن تساهم الطائرات دون طيار في تجديد قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، حيث يمكن استخدامها خلال دورة المحاصيل: (من حيث تحليل التربة والحقول والتخطيط لزرع البذور، ويمكن أن تؤدي دورا عبر رسم خرائط دقيقة ثلاثية الأبعاد لتحليلات التربة الأولية، وجمع البيانات لإدارة عملية الري ومستويات النتروجين، كما يمكن للطائرات دون طيار أن تقوم بمسح الأرضي والرش في الوقت الفعلي وبشكل متساو، وترش المحاصيل أسرع بخمس مرات من الآلات التقليدية، ويمكن للصور الملتقطة على فترات زمنية منتظمة عن طريق الطائرات دون طيار أن تبين تطور المحاصيل وتكشف عن أي خلل في الإنتاج لتسمح بإدارة أفضل، ويمكن للطائرات دون طيار المزودة بأجهزة استشعار أن تحدد الأجزاء الجافة من الحقل أو تلك التي تحتاج إلى تحسين الري).
وأضاف مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الوزارة قامت بتطبيق استخدام الطائرات المسيرة (Drones) في تنبيت النخيل باستخدام التلقيح السائل وغبار الطلع، حيث تم تنبيت النخيل باستخدام غبار الطلع المخزن على صنفين هما المبسلي والخصاب وكانت النتائج واعدة وأدت إلى تحديد التركيز المثالي لمعلق حبوب اللقاح وكانت نسبة العقد جيدة أدت إلى تخفيف الاعتماد على القوى العاملة في تلقيح النخيل إضافة إلى توفير الوقت والجهد.
كما أن هناك جهودا مبذولة في المسوحات الجوية عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة للكشف المبكر عن حشرتي دوباس وسوسة النخيل الحمراء، باستخدام تكنولوجيا المسح الطيفي، وتسعي الوزارة إلى تطوير تقنيات رش المبيدات والمسوحات الجوية للكشف المبكر عن الآفات الزراعية ومكافحتها.
تقنيات الزراعة المائية
وأوضح أن الوزارة ممثلة بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية بعمل العديد من الدراسات البحثية ذات العلاقة باستخدام التقنيات الحديثة في البيوت المحمية والزراعة المائية، وإيجاد أصناف من محاصيل الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية ذات إنتاجية وجودة عالية، إضافة إلى استخدام تقنيات التحسين والتهجين للحصول على الأصناف المتحملة للظروف المناخية للسلطنة. كما تم تنفيذ تجارب تتعلق بإنتاج الخضار في غير موسمها للتغلب على التحديات المرتبطة بالمناخ وذلك باستخدام التقنيات الزراعية للبيوت المحمية المبردة وتقنية الزراعة المائية والأحيومائية وذلك بهدف تحسين الإنتاجية والتقليل من استهلاك المياه، حيث تم نقل هذه التقنيات لدى المزارعين في مختلف المحافظات.
ومن بين البحوث التي تم تنفيذها تبريد المحلول المغذي المستخدم في الزراعة المائية لتقليل تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل التي ساهمت بشكل كبير في رفع الإنتاجية إلى حوالي 40% من خلال تهيئة الظروف الملائمة للنباتات لامتصاص الأسمدة بكافة مكوناتها، وقد تم نشر هذه التقنية لدى المزارعين من خلال برامج نقل التقنية الذي تقوم به الوزارة في مختلف أنحاء السلطنة.
وأكد الخميسي أنه في الزراعة المائية التي تعرف بـHydroponic التي هي إحدى الأساليب الزراعية القائمة على استبدال التربة بمحلول يحتوى على العناصر الغذائية التي تحتاجها النبتة، ويتم استخدامها لزراعة الخس، والطماطم، والفلفل، والخيار، والفراولة، الخ.. يتم في هذه التقنية تزويد الماء بالعناصر الغذائية المناسبة حسب نوع المحصول المراد إنتاجه. حيث تم إجراء دراسة في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية حول تأثير المحاليل المغذية على إنتاجية الخيار تحت ظروف البيوت المحمية المبردة باستخدام تقنية الزراعة بدون تربة (النظام المفتوح)، وقد أشارت الدراسة إلى أن المحلول المغذي الجديد قد تفوق في إنتاجية أصناف الخيار بنسبة (8%)، وتم نشر هذه التقنية مع المزارعين من خلال برنامج نقل تقنيات الزراعة المحمية.
تقليل استهلاك المياه
ويشير الدكتور سيف الخميسي انه يمكن للتقنيات الحديثة أن تُسهم بشكل كبير في خفض استهلاك المياه بالزراعة العُمانية التي تعتمد حاليًا على الري التقليدي بنسبة 80% من مواردها المائية (وفقًا لوزارة الزراعة، 2022). فعلى سبيل المثال يقلل الري بالتنقيط الذكي (المُدمج مع أجهزة استشعار رطوبة التربة) الاستهلاك بنسبة تصل إلى (60%) مقارنة بالري السطحي، كما في مشروع تجريبي بمنطقة الباطنة حقق وفورات مائية بلغت (40%). أما الزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك) فتوفر (90%) من المياه، وهو ما طُبق في مزارع محلية بإنتاجية أعلى بنسبة (30%). كما تُشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الري قد يخفض الهدر المائي بنسبة (25-30%) في المناطق الجافة، ومن الأمثلة الواقعية مشروع «الزراعة الذكية» في ظفار الذي يعتمد على أنظمة مراقبة بالطاقة الشمسية، ووفر (35%) من المياه خلال عام 2023، هذه الحلول ليست ضرورية فقط لمواجهة ندرة المياه (حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في عُمان (100 ملم)، بل إنها تعزز أيضًا استدامة القطاع الزراعي في ظل تغير المناخ.
الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن استخدام الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا البيئية يُسهم في تعزيز الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، حيث تعتمد الأسمدة الحيوية (مثل البكتيريا المُثبِّتة للنيتروجين والفطريات المُسهِّلة لامتصاص العناصر) على تعزيز خصوبة التربة دون تلويثها بالمواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب في محافظة الظاهرة أن استخدام بكتيريا -Rhizobium- زاد إنتاج محاصيل البقوليات بنسبة (20%)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة (2023). أما التكنولوجيا البيئية مثل إضافة البيوتشار (فحم نباتي) إلى التربة، فقد حسّن احتباس الماء بنسبة (40%) في مزارع النخيل بمنطقة الباطنة، مما خفف آثار الجفاف.
وأكد أن تطبيق تقنيات التحلل الحيوي للمخلفات الزراعية أدى إلى تحويلها إلى أسمدة عضوية، مما خفض تكاليف الزراعة بنسبة (15%) وقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، حيث ساهمت تقنيات (المعالجة الميكروبية) للتربة المالحة في إعادة تأهيل (500 هكتار) من الأراضي المتدهورة في محافظة ظفار، وفقًا لدراسة محلية عام 2022. وفي دراسة أخرى قللت التكنولوجيا الحيوية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث خفضت مزارع عُمان التي تعتمد على الأسمدة الحيوية انبعاثات الميثان بنسبة (12%). ولا تُعزز هذه الحلول الإنتاجية فحسب، بل تحمي التنوع البيولوجي؛ فقد يساعد استخدام الفطريات المفيدة (Mycorrhiza) في زيادة نمو أشجار الليمون مع الحفاظ على الكائنات الدقيقة في التربة.
تحسين جودة المحاصيل
كما أكد الخميسي أنه يمكن تعزيز جودة المحاصيل الزراعية في سلطنة عُمان عبر دمج التقنيات الحديثة التي تحسن القيمة الغذائية والتسويقية، مثل استخدام الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات وأجهزة الاستشعار عن بعد، مما يرفع جودة محصول التمور (مثلا) بنسبة (25%) عبر تحسين عمليات التلقيح والري التسميد. كما يمكن أن تساهم الطائرات المسيرة في رش المغذيات الدقيقة بدقة على مزارع الليمون العُماني، مما يزيد حجم الثمار وحمضيتها وبالتالي تعزيز قيمتها التصديرية، أما تقنيات التعديل الجيني (GM Food) غير الضارة، فقد طورت أصنافًا من القمح المقاوم للإجهادات الحيوية واللاحيوية، مع زيادة محتوى البروتين بنسبة (15%) كما تشير الدراسات في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية. كما يمكن للزراعة المائية أنتاج خضروات عضوية (مثل الخيار والطماطم) خالية من المبيدات، بجودة تفوق المنتجات التقليدية، مما يرفع سعرها في الأسواق المحلية بنسبة (30%). كذلك، يمكن أن يحسن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراقبة نضج الفواكه، عبر تحديد الوقت الأمثال للحصاد مما يقلل الفاقد على الأقل بنسبة 20% ويزيد عمرها التخزيني. ومن خلال التقنية الحيوية يمكن إنتاج أصناف من النخيل مقاومة لآفة السوسة الحمراء، مع تحسين مذاق التمور وزيادة حجمها، أما التعبئة الذكية المزودة بمستشعرات لرصد الجودة، فقد ترفع قيمة تصدير الرمان العُماني إلى أسواق الخليج بنسبة (40%)، كما قد تساهم تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية في إنتاج الفواكه المجففة بالتجميد (مثل المشمش والتين) بجودة عالية وحفظ العناصر الغذائية مما يجعلها تباع بأسعار أعلى بنسبة (50%)، ونستطيع القول: إن دمج هذه التقنيات قد يعزز السمعة العالمية للمنتجات العُمانية، ويفتح أسواقًا جديدة، مثل تصدير العسل الجبلي الذي يمكن أن يراقب بتقنية البلوك تشين لضمان أصالته، مما يرفع طلبه في أوروبا وبقية دول العالم بنسبة قد تصل إلى( 60%) في الأعوام القادمة.