لجريدة عمان:
2024-09-06@20:39:40 GMT

على هامش حادث الوادي الكبير!!

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

بالرغم من أن المنطقة تموج بأحداث عنف وإرهاب عديدة، أخذت تنتعش وتستعيد قدر من زخمها ولو نظريا في الآونة الأخيرة، إلا أن حادث إطلاق النار في محيط مسجد الوادي الكبير يوم الاثنين الخامس عشر من يوليو الجاري ورفع مرتكبي الحادث راية تنظيم داعش الإرهابي قبل أن يدفعوا حياتهم ثمنا لتمسكهم بالمواجهة مع قوات الشرطة، كان مفاجئا وصادما في الواقع ليس فقط لمن عاشوا في رحاب عُمان ولمن اختلطوا مع أبنائها على كل المستويات ومن كافة شرائح المجتمع سنوات طويلة، بل ولمن تسنى لهم معرفة العمانيين عن قرب.

ومن الواضح أن الإعداد لهذه العملية، بما فيها تجهيز راية داعش والقيام بالعملية في وضح النهار تحت ستار الشعور العميق بالأمن والأمان في ربوع المجتمع العماني وكذلك الاستمرار في العملية لينتشر نبأها على أوسع نطاق كان فيما يبدو هدفا في حد ذاته وذلك، عبر صدمة حدث يحدث للمرة الأولى على مدى خمسين عاما في عُمان وعلى عكس أي توقعات في هذا المجال.

ومع ذلك فإن مما له دلالة عميقة أن حادث الوادي الكبير ليس حادثا نمطيا في عُمان، ولكنه في الواقع وعلى الأرجح هو حادث مصنوع ومصمم من أجل محاولة تشويه الخصوصية العمانية، والتي يشير إليها الجميع على مدى العقود الأخيرة، وهي الخصوصية التي يندهش الجميع حيالها ويتساءل الكثيرون عن سر هذا الهدوء والترابط المجتمعي وعدم وقوع المجتمع العماني في هوة الصراع الذي يطحن مجتمعات أخرى في المنطقة وخارجها من حوله، ومن ثم تحولت هذه السمة والخصوصية من عنصر تميز في طبيعة المجتمع العماني إلى عنصر أثار بالفعل حنق وحفيظة البعض ورغبته في كسر هدوء وسكينة المجتمع العماني الذي عاش قبل عام 1970 عقودا من الخلافات والصدامات التي تغلب عليها بحكمة القيادة واستمرارها حتى الآن وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، من أهمها أولا: إن المجتمع والدولة العمانية ليس مجتمعا طارئا ولا حديثا ولكنه مجتمع قديم قدم التاريخ في هذه المنطقة ومن ثم فانه يمتلك كل مقومات هويته الوطنية التي تتسع لتضم كل قوى المجتمع وشرائحه رغم تنوعها في تماسك وترابط عميقين، ومن ثم فانه أدرك أهمية وضرورة إرساء قواعد راسخة للتعايش في بوتقة المجتمع العماني المميزة على امتداد التاريخ، وكذلك أهمية إقناع دول المنطقة بها لإرساء علاقات من التعايش والعلاقات الطيبة والوثيقة والموثوق بها ولصالحها جميعها.. والمؤكد أن بناء ذلك لم يكن سهلا ولكنه استغرق الكثير من الجهد والوقت والصدق والصراحة والشفافية، حتى أصبحت العلاقات بين سلطنة عمان والدول الشقيقة والصديقة نماذج تحتذى على صعيد التعامل بين دول المنطقة والإسهام في حل مشكلاتها بكل مستوياتها وهو ما جعل من عُمان ليس فقط حمامة سلام بين دول المنطقة ولكن أيضا زاد من رصيدها لدى شعوب المنطقة. وجاءت حالة الأمن والأمان التي تعيشها عُمان لتجعل منها نموذجا تتطلع إليه الكثير من دول المنطقة كنموذج ناجح على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية بوجه عام. ومن المعروف أن بعض دول المنطقة تبني بالفعل مبادرات وسياسات تبنتها سلطنة عمان في إدارتها لسياساتها الخليجية والإقليمية والعربية في وقت سابق، وقد ساعد الاستقرار والتماسك الداخلي على قوة وترابط المجتمع العماني وتغلبه على مختلف التحديات التي واجهته في ظروف أو أخرى. وبينما استطاعت السياسة العمانية كسب ثقة وتقدير الدول الأخرى في المنطقة وخارجها ومن ثم كسب تعاونها ومواقفها الإيجابية لصالح التقريب بين وجهات النظر والعمل على حل الخلافات بين الأشقاء والأصدقاء، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى، وذلك برغم أن سلطنة عمان لم تعتمد على سياسة التمويل بشكل أو بأخر وكانت الشفافية والصراحة ووضوح المواقف السبيل لبناء الثقة المتبادلة والسبيل إلى حل الخلافات والتقريب بين المواقف.

ثانيا، إن النجاح السياسي والاقتصادي العماني والذي لم يعتمد على فائض من الأرصدة الدولارية، بل على فائض من الإيمان بالقيم والصراحة وبمبادئ القانون وبقيمة التعاون المخلص لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، جعل البعض يتصور أنه ليس صعبا أن يتم الإساءة إلى عُمان وإلى سياستها وإلى تميزها على الساحتين الخليجية والعربية خاصة فيما يتصل بعدم تورطها لا هي ولا أي من أبنائها في أي أنشطة إرهابية ولا أي إساءة إلى أي من جيرانها تحت أي ظروف، بل على العكس كثيرا ما تحملت وصفحت وتجاوزت من منطق الأخوة والصبر الجميل حتى يثوب الآخرون إلى رشدهم. وبالنسبة لحادث الوادي الكبير، فإن مما له دلالة أن تكون العناصر المتورطة في الحادث عناصر عمانية، بل من «أسرة واحدة تأثرت بالأفكار الضالة»، حيث لم يتم اتهام عنصر واحد فقط ولن يكون ذلك بمثابة دعم للاتهام الجمعي، خاصة أنه على امتداد العقود الماضية لم يتم اتهام ولا عنصر واحد بالانتماء إلى تنظيم داعش ولا لأي تنظيم إرهابي مماثل، أما تورط ثلاثة أخوة في الحادث فإنه يعطي دلالة معاكسة خاصة لمن يريد أن يبحث عن اتهام أو دليل ما لتشويه السياسات العمانية التي نشطت في الآونة الأخيرة، إذ إنه من المعروف أن لعُمان سياستها الداعمة للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية منذ عقود عديدة وليس منذ سنوات قليلة كما قد يعتقد البعض. من جانب آخر فإن عُمان لا تتبع سياسة تصادمية ولا صراعية مع أي طرف عربي أو إقليمي، بل تؤثر دوما الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وترفض بقوة التدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل، إذ إنها تبحث عما يجمع بين الأشقاء والأصدقاء ويعزز مصالحهم المشتركة والمتبادلة. ومن هذا المنظور فإن حادث الوادي الكبير «المصنوع» بغرض الإساءة المتعمدة لعُمان سريعا ما سينتهي بعد الإحاطة بكل ملابساته، وبرغم أهمية وقيمة المسارعة في الإعلان والتعامل بشفافية مع الحادث إلا أنه من الطبيعي أن تكون هناك معطيات ما قد تقتضي المصلحة الوطنية عدم الإعلان عنها بشكل كلي أو جزئي حسب تقييم الجهات المعنية لما تقتضيه المصلحة والأمن الوطني في هذه المرحلة أو المراحل القادمة، وهو ما يتم التعامل معه على أعلى المستويات.

ثالثا، إن سمة الأمن والأمان المترسخة في المجتمع العماني لم تظهر فجأة، ولكنها ظهرت ونمت وترعرعت عبر إيمان عميق بقيم المجتمع العماني وتماسك وتعاضد أبنائه من ناحية وحرص القيادة والحكومة على تنمية ورعاية القيم العمانية النبيلة والمتسامحة في التعامل مع الآخر، ومن ثم نبذ مختلف مظاهر العنف والتطرف والصراع في حل أي خلافات قد تطرأ أو تظهر لسبب أو لآخر من ناحية ثانية، ومن المعروف أن كثيرين دهشوا وتساءلوا عن سر الهدوء والاستقرار الذي ينعم به المجتمع العماني منذ انطلاق مسيرة النهضة العمانية الحديثة واستمررها في إطار النهضة العمانية المتجددة. وبالرغم من حادث الوادي الكبير، إلا أن الحادث يظل في النهاية حادثا وحيدا ويصعب أن يكون سببا في تشويه الوجه المميز للنهضة العمانية الحديثة والمتجددة حتى لو أراد البعض الإساءة المتعمدة للمجتمع والمواطن العماني المعروف بقوة انتمائه وتمسكه بالحفاظ على وطنه والدفاع عنه في كل الظروف بل والتضحية من أجله بالغالي والنفيس.

وبالنظر إلى أن المجتمع العماني هو مجتمع طبيعي وليس مجتمعا من الملائكة، فإنه من الطبيعي أن يواجه بعض المشكلات وأن تظهر بعض التحديات خاصة في ظل التفاعل مع ما يجري من حولنا من مشكلات وتدخلات زاد من حدتها تداخل الحركة بين المجتمعات والأثر السلبي في بعض جوانبه لوسائل التواصل الاجتماعي التي وصلت إلى كل أفراد المجتمع دون استثناء بكل ما يترتب على ذلك من نتائج مباشرة وغير مباشرة.

وإذا كانت حكمة التعامل مع حادث الوادي الكبير من جانب القيادة ومختلف المؤسسات المعنية في الدولة قادرة على الإحاطة بكل الملابسات والعناصر المؤثرة وذات الصلة بما حدث والمراحل التي مر بها، فإنه من المؤكد أن الحفاظ على أمن وأمان الدولة والمجتمع والمواطن ليس فقط مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمن ومجالاته المختلفة، ولكنه في الواقع مسؤولية الجميع في تلك المؤسسات وخارجها أيضا، وبوعي عميق وبعيد النظر لحقيقة أن الحفاظ على الأمن والأمان هو ركيزة الحفاظ على متطلبات النمو والتطور والازدهار وبتعاون كل أبناء الوطن في كل المواقع وعلى كافة المستويات، وهو أمر لا شك أن المؤسسات المعنية وضعته في الاعتبار منذ البداية وهو ما يتطلب التعامل والتعاون معه بوعي ومسؤولية وبعد نظر لصالح حاضر ومستقبل أمن وسلامة وتطور المجتمع والمواطن العماني بوعي ومسؤولية ليظل المجتمع العماني مجتمع أمن وأمان في الحاضر والمستقبل ولصالح كل أبنائه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حادث الوادی الکبیر المجتمع العمانی دول المنطقة ومن ثم

إقرأ أيضاً:

قصة الوادي الصغير (8)

 

بقلم/ حمد الناصري

قال كبير غُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة لثلّة من رجاله خلال لقائه معهم:

ـ علينا أنْ نتوصّل لطريقة نُطفي بها غضبهم ونُغيّر من قناعتهم بأننا غُرباء ذو وجوه حُمر لا خير فينا وأنّ وجودنا في الوادي الصغير لزرع الفتنة وتفتيت وِحْدتهم وتقسيم الوادي الصغير، و إيْقاد الصّراعات بين كبارهم على السُلطة .

ونحن وأولئك الشرقيون خُصوم في التوجهات والمنافع والمصالح منذ نشأة التأريخ، وحين علموا بأنّ الأعراب يَظنون بنا الظُنونا ، انتهجوا سياسة اللّين والمُسايرة ، إنّها حركة ماكرة لإغْراء الأعراب بِحُسن أهدافهم ونواياهم على أساس يَضمن لهم التغلغل إلى كيان أمة الوادي الصغير ..

   والحقيقة أشعر بالحرج، أننا رغم السّنين الطويلة التي قضيناها هنا ورغم تعاقداتنا وتجارتنا المُستمرين والطويلين إلاّ أننا لم نتوصّل لتلك الفكرة لمثل هذا الموقف والذي يُحقق لنا أهداف مشروعة في بلاد الأعراب..

ولذا أرى أن من واجبنا وإلْتزامنا بالتمسّك بمصالحنا في التجارة مع الأعراب، فيجب أنْ نقوم بالرد على مكائدهم بشنّ حرب دعائية ، ونُشِيع أخباراً مجهولة المصدر، مفادها أنّ الشرقيين ذو العيون الزرقاء هُم من أسّس العُبودية منذ زمن غابر ، وأنّ العُبودية نظام عُنصري مُجحف وظالم للبشرية ، وأنهم يَحقدون على كل ذي سُحنة حمراء أو سَمراء او شَقراء تُخالف سُحنتهم وعرقهم ويرون أنّ ذو السُحنة البيضاء والعيون الزرقاء هم الأحق بالحياة والريادة.. وأنهم يَنشرون أدوات المَكْر في بلاد الوادي الصغير، بثقافة الغزو الحضاري والفكري الشامل على أمّة الأعراب ، وبمنهجية ثُلاثية تبشير وانتشار واستعمار فكري... والأعراب وبسبب سذاجتهم سَيُصدقون الحكايات والقصص المَروية حتى وإنْ كانت بلا مَصدر معروف، ويَصنعون لها واقعاً مكذوباً ثُم يُصدقونها.!

ومن ثم سَنتّخذ مِن بين الغُرباء الشرقيين ذي العيون الزرقاء، شُخوصاً مُختلفين معهم في العقيدة والتوجه ونشحنهم بالأفكار المُستوحاة من البيئة الشرقية ليزيدوا النار اشْتعالاً، وبذلك نكون قد جيّشنا عليهم رجالاً منهم، وأوْقَعنا بينهم وبين الأعراب العداوة والبغضاء ليكونوا خُصُوماً بل وأعداءً وتَنفض شراكتهم ويَنقض حِلْفَهم. ونستخدم في حَملتنا تلك كل ما يتعلّق باخْتلاف المُعتقدات وروايات تفريق مُجتمع الوادي الصغير إلى مُجتمعات صغيرة قابلة للسيطرة والتحكّم، وأخص هنا تمكين الحارات العشر المُشتتة لتكون مُتحد مُستقل عن الوادي ، وعزل القريتين ، التراث والأعلى عن قرية البحر.

وبهكذا جدل وصِيْغة جديدة سنخلق كيانات مُمَزّقة ومُتفرّقة يَسهل علينا التحكّم بها  ، لتتوافق مع نظرتنا في جَعْل الشرق ضعيفاً ومُفككاً لا يُشَكّل أيّ خطر علينا في المُستقبل وبما يتطابق مع هدفنا الابْعد في استعمار بلاد الوادي الصغير.

تحدث أحد الحضور من المُجتمعين يكتمُ سِرّاً ، ويتحدّث بمكر قائلا:

ـ ما يهمنا الآن هو أنْ نفصل قرية البحر عن سيح الحارات ونعزل القريتين ونُشْعِل الفتنة في كل رمال الاعراب ونُفَرّقهم ، وندسّ أفكارنا في مَبادئهم ونُدعم الاضطهاد والظلم في مُجتمعاتهم ، ونُؤيد ما يُسرد من الحكايات المُلفقة كقصص السحر والاساطير عن عوالم العفاريت والجن ، ونسعى بجدّية على نشرها على أوسع نطاق ونجعلهم في حيرة من أمرهم  بين مُكَذّب ومُصَدّق ونبثّ مَفاهيم مُنحرفة ، عن الحقوق والعُقوق ، وعن أحقية الرجل في اسْتعباد المرأة ومُمارسة الفساد والإفْسَاد ، وأخيراً نُقدم نموذجنا الفكري والأخلاقي الذي سيرونه هو الافضل والمُنقذ لهم في التعايش وحُبّ الرفاه للناس.

قال شخص ضخم الجثة طويل القامة مُلتحي بلحية شَقراء :

ـ هذه أفكار رائعة وأنا أشدّ على يديك، ويجب أنْ نجد رجلاً قريباً من ملامحهم مُؤمن بخياراتنا وأهدافنا ، وندسّه بينهم ، مزارع ، بحار ، مُعلم.. تاجر عسل وتمر أو بائع لبن.

   ونُشيع كل ما يُفسد مُجتمعاتهم، ويُزعزع كيانهم واستقرارهم، ونُحبط الثقة والاحترام اللّتان تتحكّمان بتجارتهم مع الشرق ونهدم كل صِلة بينهم، وبطريقة مُحكمة، لا عُجالة فيها.

وبرأيي أنّ أهمّ ما نبدأ به الآن هو تفكيك علاقة التاجر فلوع بالمُجتمع، فنُشيع بينهم إشاعة عن مرضه ثم هربه إلى الغُرباء ذي العيون الزرقاء ونقول أنهم ، هُم من قاموا بتهريبه، ونٌشيع كذلك أنّ الغُرباء ذو العيون الزرقاء لا خير فيهم لمجتمع الوادي الصغير ، فهم الشرّ على المُجتمع ولا يمكن الركون إليهم والثقة بهم على قِيَم وأخلاق ومبادي مجتمع الوادي الصغير ..وهم قوم مُتهَتّكون يُؤمنون بتعرّي المرأة ويَدعون إلى خروجها كالرجل .. ويَدّعون بأحقيّتها في السُلطة والمَشيخة وفي استعباد الرجال كخدم وعبيد. لا حقوق لهم البتة.؛

   وندّعي أنّ زعيمهم الهارب" فلوع" يُؤمن بمعتقد ذي العيون الزرقاء ويَسْعى إلى نشره وتعميمه على أرض سيح المالح المُتحد ، ولهذا الغرض جاء تشكيل المُتحد.

قال كبير الغُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة وكأنّ أساريره أشْرقت وبدت عليه علامات الارتياح لما سمعه:

ـ الفكرة مُمتازة وفي الصّميم.. ولكن السؤال.. كيف نتمكّن من إخْفاء " فلوع " وتسريب كل تفاصيل تلك الرواية .؟

رد أحد القوم:

ـ لا تخف لدينا عُيون في عُمق الوادي والقريتين وقرية البحر وسيح المالح. ثم اطْمئن لنْ يَحدث في مُجتمع الأعراب ولن تكون هناك الكثير من الأسئلة والتحقيقات وسَيُصدقوننا بسرعة، وتعود الأمور إلى مجاريها؛ خاصة وأنّ مُعتقد الاعراب القديم في مُعتقدهم الأصيل يتعارض كُلّياً مع مُعتقدات ذوي العيون الزرقاء ويرونها مُخالفة للقيم والعادات.. لكننّا نحتاج إلى رجل تكتمل فيه الصورة ويحمل كل تلكم المُواصفات ، كالشخصية المُراوغة واللّبقة وذات المهارة الماكرة في الجدل والتنظير ، وإشعال الفوضى الغامضة والتي لم يَطّلع على أسْرارها أحد ولا يُكتشف أمرها بتاتاً.

إنْبَرى الجمع وأخذوا في البحث عن شخصية مُناسبة لتلك المُهمة الصّعبة والمُعقّدة وتنطبق عليها المُواصفات المطلوبة، وبعد جدالات ومُناقشات حول تلك الشخصية ومدى التوافق عليها.. وبَعد أخذ وردّ وجُهد كبير ، وقع الاختيار على رجل مُنزوي عن الجمع في أقصى المكان والْتَفوا حول " آرثر" ذلك الرجل الذي وقع عليه الاختيار والذي يَحمل ملامح أقرب إلى مُجتمع الوادي الصغير والقريتين ومُجتمع سيح المالح.

كان " آرثر" ذا ملامح قريبة من الأعراب وذو عقلية فطنة، ويمتلك فِراسَة كبيرة، مُتوقد الذكاء وسريع البديهة.. قال كبير الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة وهو يتفحصه:

ـ لقد تمّ وقوع اختيار القوم عليك لكي تضطلع بالمُهمة الشاقة والخطيرة وتكون المُخَلّص لبلادنا الكبيرة ومُجتمعنا المُتحضّر، فأنت واسع المعرفة وعلى علم ودراية كبيرين بثقافة مُجتمعات الأعراب، ذكي، سريع البديهة، نبيهاً، وذو حضور طاغي ، والمُهِمة هذه هيَ مُهمّة الربّ وكّلْناها إليك ومَسؤوليتنا جميعاً أنْ نُحقق أهداف شعبنا وما أمرنا به الربّ،  فكل مُهِمّة لخدمة الرّب هي مسؤولية جسيمة وكبيرة المقام.. والظروف الخطيرة تحتاج إلى قرارات خطيرة لكي نرتقي ببلادنا وتُساعد عُظمائنا وتَخذل من هُم دونهم.. وأنت من رجال بلدنا الأوفياء المُخلصين والربّ الأعلى يُحَمّلك رسالة الإنسانية، رسالة الغايات العالية، والرجولة في تحمّل قيَم مُجتمع الوادي والأعراب المُجاورة له ، هي رسالة من الربّ الأعلى إليك.. ومن الآن عليك أنْ تُكَيّف نفسك كواحد من مُجتمع الوادي، تنام أوّل الليل وتتكيّف على عاداتهم وتقاليدهم في العيش والمأكل والمَشرب حتى يتقبّل جسدك وعَقلك ظروف عيشهم وطرق حياتهم لتكون واحداً منهم، تتحمّل قسوة الحياة ومرارة العيش، ولا تُفكر بالعودة إلينا مُطلقاً والطريقة المُثلى للوصول إليهم هو أنْ تتسلّل إلى مُجتمعهم عبر البحر وأيّما يابسة تصل إليها، تكون هي نقطة انطلاقك لخدمة أهداف الربّ الأعلى.. وليكن في عِلْمُك أنّ كَسْب وُدّ الأعراب ليس بالأمر السهل، ولهذا وقع الاختيار عليك لمهاراتك في إقناع الآخرين بالكلام المَعسول والطّبْع الماكر، فكيّف نفسك مع الحياة الجديدة بالطريقة التي تختارها.. وسنُرسل لك صديقتك الداية المُحترفة كارينا" لتعمل كولاّدة للنساء وهذا أهم مَدخل إلى نساء الأعراب.؛

وكن واثقاً ولا تستبق الأحداث، و اشْتري المواقف ولا تبيع شيئاً وانتظر ردّة فِعْل المُجتمع وحَلّل كل مَن أمامك قبل الإقدام على أيّ خُطوة.

وانصحك أنْ تهتم بما يُؤمنون به لكأنك واحداً منهم وكذلك تفعل "كارينا" ولا تُخالفك فيما تذهب إليه من قرارات ومواقف.. أمّا مَدخلك إلى قلوب الرجال ومُجتمع الأعراب فسيكون عن طريق بناء مدرسة صغيرة وفق  أعرافهم وثقافاتهم الداعية إلى التسامح والألفة وتكون مُهمتك أنْ تكون مُعلماً .. وسنرسل أعْيُناً تُراقبك وتُرسل لنا أخبارك ونشاطك.. وحتى وإنْ تغيّرتَ أو قَلّ نشاطك أو فترتْ هِمّتك أو ضَعف عَزْمَك فسيتمّ التخلّص منك بالطريقة التي نراها مُناسبة.

يوم جديد يُشرق بعطاء جديد، وإشْراقة الحياة مُنْحَة السّماء، ومَشاعر عامرة بالدفء لكل الناس، تنبض بالعزم في رجال الوادي الصغير.

 

يتبع 9

مقالات مشابهة

  • “الزادمة” يؤكد على الرسالة الهامة التي يحملها الإعلام في خدمة قضايا المجتمع المختلفة
  • على هامش مؤتمر إعمار الجنوب.. اجتماع لمناقشة تطوير البنية التحتية
  • مسؤول حكومي يعري الاعترافات المُفبركة التي تنشرها مليشيا الحوثي لنخبة المجتمع في صنعاء
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • العمانية لحقوق الإنسان تشارك في مؤتمر المساواة بالنيبال
  • قصة الوادي الصغير (8)
  • المنطقة الغربية العسكرية تنفذ عدداً من الأنشطة والفاعليات لدعم المجتمع المدنى
  •  المنطقة الغربية العسكرية تنفذ عددًا من الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدني
  • قيادة المنطقة الغربية العسكرية تنفذ عددا من الأنشطة
  • الخارجية العراقية تهاجم تصريحات نتنياهو وتتهمه بتضليل المجتمع الدولي