لا ينبغي للاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بَـعد
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
مع هُـمود التضخم وارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة، يراهن المستثمرون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة. ففي وقت كتابة هذه السطور، تشير أسعار السوق ضمنا إلى احتمالات أقل من 2% أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة في اجتماعه لتحديد السياسات في سبتمبر، بل وتشير إلى احتمالات بنسبة 7% أنه سيخفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر.
الواقع أن الحُجّة لصالح خفض أسعار الفائدة واضحة وبسيطة؛ فوفقا لقياس مؤشر أسعار المستهلك، لم تشهد الولايات المتحدة أي تضخم في مايو، بينما شهدت في يونيو انكماشا، وفي الوقت ذاته كان معدل البطالة يتجه نحو الارتفاع منذ الصيف الماضي. فعند مستوى4.1% يزيد بنحو 70 نقطة أساس عن أدنى مستوى بلغه بعد الجائحة؛ فعند ارتفاع معدل البطالة قليلا فإن المستوى سيرتفع كثيرا، ولهذا السبب يعتقد كثيرون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يعلن النصر في معركته ضد التضخم ويبدأ دورة خفض أسعار الفائدة. لكن هذا الرأي، برغم أنه معقول، جانبه الصواب؛ لأنه يسيء قراءة توقعات التضخم وسوق العمل. ولا ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، وبالتأكيد ليس هذا الشهر. ويستهدف الاحتياطي الفيدرالي مؤشر الأسعار على نفقات الاستهلاك الشخصي، وليس مؤشر أسعار المستهلك، ومثله كمثل تضخم مؤشر أسعار المستهلك، تباطأ تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في مايو(لم تتوفر بيانات يونيو بعد). ولكن باستخدام هذا المقياس فمن المرجح أن تنمو الأسعار الشهرية بنحو 0.2% في يونيو. ووفقا لحساباتي، إذا استمرت هذه الوتيرة، فسوف يظل التضخم الأساسي عالقا بين 2.6% و3% لبقية عام 2024، وهذا يتجاوز كثيرا هدف الاحتياطي الفيدرالي عند مستوى 2%.
بالإضافة إلى حالة انعدام اليقين حول ما إذا كان التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، تظل المحركات الأساسية للطلب الاستهلاكي قوية. إذ يعمل انخفاض معدلات البطالة على زيادة المكاسب. وكانت الأجور المتوسطة في نمو بسرعة أكبر من نمو أسعار المستهلك لأكثر من عام، فعمل هذا على تعزيز قدرة الأُسَر الشرائية. كما أن تدفقات الدخل الثابت كانت قوية، وقد شهد حاملو الأصول انفجارا في الثروة من الإسكان والأسهم.
كل هذا من شأنه أن يدعم الإنفاق الاستهلاكي، ويفرض على الأسعار ضغوطا تدفعها إلى الارتفاع. علاوة على ذلك، وفي أعقاب صدور بيانات مبيعات التجزئة الأقوى فمن المتوقع لشهر يونيو كما تشير تقديرات نموذج «الناتج المحلي الإجمالي الآن» التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى نمو الاقتصاد الحقيقي بنسبة 2.5% في الربع الثاني، وربما يكون بوسعنا أن نقول إن معدل النمو هذا سيفرض على الأسعار ضغوطا تدفعها إلى الارتفاع.
صحيح أن سوق العمل تضعف، لكنها لا تزال قوية. ووفقا لحساباتي سيستمر الطلب على العمالة في تجاوز المعروض منها. وتعود فرص العمل إلى طبيعتها، لكنها تظل أعلى بنسبة 17% من المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة.
ينعكس هذا في تضخم الأجور. فقد سجلت الأجور المتوسطة نموا بنسبة 3.9% في يونيو على أساس سنوي، في حين انخفض تضخم الأجور (بموجب هذا المقياس) بنحو 80 نقطة أساس في العام الماضي، فلا تزال الأجور تنمو بمعدل أسرع مما يتفق مع هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي لتضخم أسعار المستهلك. ولا شك فإن اقتران تباطؤ التضخم بتراجع سوق العمل يشير إلى أن موقف السياسة الأقل تقييدا أمر مستحسن، لكن ما يهم السياسة النقدية هو الظروف المالية العامة، وليس مجرد سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية.
فمنذ تحول اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نوفمبر، أدى ارتفاع أسعار الأسهم وانخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل وفوارق الائتمان إلى تهدئة الظروف المالية بدرجة كبيرة. وقد تراجع قدر كبير من التشديد المالي الناجم عن سعر فائدة الاحتياطي الفيدرالي المرتفع نسبيا. ويبدو أن الأسواق تقوم بعمل الاحتياطي الفيدرالي نيابة عنه. وقد صَرَّحَ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بما يشبه هذا في شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي: «يبدو الأمر وكأن السياسة تقييدية، لكنها ليست شديدة التقييد». ولا تشير الظروف الاقتصادية الحالية إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يبدأ خفض أسعار الفائدة في الشهرين المقبلين، فبدلا من ذلك نجد أن الاستنتاج الضمني أكثر تواضعا؛ إذ يشير ارتفاع معدلات البطالة وبقاء التضخم الأساسي عند مستوى أقل من 3٪ إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يبدأ في الانتباه إلى جانبي تفويضه المزدوج، فقد لا يكون الوقت مناسبا لخفض أسعار الفائدة، لكن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون مستعدا لخفضها - وخاصة إذا اتخذت سوق العمل منعطفا دراماتيكيا نحو الأسوأ، أو إذا أظهرت قراءات نفقات الاستهلاك الشخصي للمرتين التاليتين أدلة واضحة تؤكد أن التضخم الأساسي يتحرك بشكل مستدام نحو هدف الاحتياطي الفيدرالي. لكن الخطر المتمثل في ثبات التضخم عند مستوى أعلى من 2.5٪ أكبر من أن يسمح لصناع السياسات بخفض أسعار الفائدة الآن. لقد دخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الميل الأخير في معركته ضد التضخم. ولا يجوز له في ظل المخاطر التي تهدد مصداقيته أن يتراجع قبل أن يَـبـلُـغ خط النهاية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی خفض أسعار الفائدة أسعار الفائدة فی أسعار المستهلک
إقرأ أيضاً:
البنك المركزي الأوروبي يقرر خفض الفائدة 25 نقطة أساس
قرر البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة للمرة السابعة، بعدما هزت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسواق وخيمت على التوقعات الاقتصادية.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة الرئيسية الثلاثة بمقدار 25 نقطة أساس.
خفض أسعار الفائدة بالبنك المركزي الأوروبي ،ووفقا لرويترز، تسير عملية خفض التضخم على المسار الصحيح، مع انخفاض كلٍّ من التضخم العام والأساسي في مارس.
كما تراجع تضخم الخدمات بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، وتشير معظم مؤشرات التضخم الأساسي إلى أن التضخم سيستقر عند مستوى يقارب 2%، وهو هدف مجلس الإدارة على المدى المتوسط، بشكل مستدام"، وفق ما ورد بالبيان المرافق لقرار الفائدة.
والتضخم في منطقة اليورو بدأ التراجع بالفعل قبل إعلان ترامب الرسوم، بما في ذلك في قطاع الخدمات الحيوي، وأظهر استطلاع أجراه البنك المركزي الأوروبي في الربع الأول بين شركات منطقة اليورو، أن توقعاتها لنمو الأسعار خلال عام شهدت تراجعًا طفيفًا، بحسب بيان نُشر الشهر الجاري.
وفي مارس، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد أمام المشرعين في الاتحاد الأوروبي إن الرسوم الجمركية ستمثل تحديًا لهذا التقدم، من خلال الإضرار بالنمو ورفع التضخم على المدى القصير