تفاعلت الحضارة الإسلامية منذ بدايتها مع الحضارات الأخرى، ففتحت حدودها الفكرية والاجتماعية والنفسية مع كل أنواع البشر باختلاف معتقداتهم وأهداف حضاراتهم، فأتت رسالة الإسلام الحضارية الخالدة للناس كافة لتخرج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن الاستبداد والجور إلى المساواة والعدل، ومن الشرك بالله إلى التوحيد.
فالدين الإسلامي جاء ليؤكد للإنسانية وحدة الأصل البشري، وإن التفاضل بين البشر مرده إلى الاستقامة، ونشر مبادئ الخير والفضيلة بين الناس والمساهمة في بناء أمة حضارية تقوم على مبادئ وقيم أخلاقية رفيعة، وحث أتباعه على النظر والبحث والتفكر، «فنبغوا وتميزوا في كثير من العلوم، التي يأتي في مقدمتها العلوم الكونية التي تتصل بالحياة، وهي علوم يمكن النظر إليها باعتبارها علوم إسلامية صرفة، حيث لم يقتبسها المسلمون من أمة سابقة، بل لم يكن لدى الأمم السابقة نظيرها». فبرع علماء المسلمين في مختلف المجالات والعلوم، كالفلك والطب والصيدلة والكيمياء والرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم التطبيقية والإنسانية. وبالرغم من تفرد الحضارة الإسلامية في كل هذه الجوانب وعلوها على العديد من الحضارات الأخرى لكونها اهتمت علاوة على هذه العلوم بالإنسان والرقي به وبقيمه وأخلاقه، إلا أن العرب والمسلمين مروا بفترات من الضعف والتردي لأسباب عديدة -لا مجال هنا لشرحها- في الوقت الذي ارتفعت فيه أسهم الحضارة الغربية وتطورت تطورا مذهلا، إلى الدرجة التي أقنعتنا وأنستنا كعرب ومسلمين تاريخنا الحضاري المجيد، وأصبحنا ننظر إلى الحضارة الغربية، نظرة انبهار، وإلى الإنسان الغربي نظرة إعجاب متناهية النظير، حتى أتت الحرب الإجرامية التي تقوم بها آلة الدمار في الكيان الصهيوني المجرم في غزة، والتي أوقعت حتى الآن ما يقرب من 40 ألف شهيد و90 ألف جريح وآلاف المدفونين تحت عشرات الآلاف من المباني المهدمة، إضافة إلى تدمير كل ما له ارتباط بالحياة من مستشفيات وجامعات ومدارس ومساجد وكنائس ومؤسسات حكومية وكهرباء ومياه وصرف صحي، في مشهد صادم يحرك مشاعر أي إنسان يحمل ولو جزءا يسيرا من الإنسانية، وما أكثرهم هؤلاء الشرفاء في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، الداعمة للعصابة الإجرامية التي تحتل فلسطين، وبكل أسف أظهر العدوان الصهيوني الإجرامي على غزة الوجه الحقيقي للمتحكمين بالحضارة الغربية، من حكومات رهنت قرارها بيد عصابة صهيونية مجرمة، وذلك من خلال دعمها لهذا الكيان المجرم، بالأسلحة المحرمة دوليًا، وبعشرات المليارات من الدولارات، وبالدفاع عنها في المحافل والمنظمات الدولية، وبنسف مطلق وصريح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني (اتفاقات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩م المعنية بتوفير الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية كالمدنيين وعاملي الصحة وعاملي الإغاثة وكذلك الجرحى والمرضى وأسرى الحرب، والتي تُعد بمثابة قانون دولي عرفي ملزم لكافة دول العالم)، وتقزيم مؤسسات العدالة الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتهديد القضاة فيها، إن هم تجرؤوا أو قاموا باتخاذ أي خطوات إجرائية وقانونية تجاه قادة الإجرام في الكيان الصهيوني الغاصب، في مشهد صادم لما يقارب 500 مليون من سكان الدول العربية و2 مليار مسلم وكل الشرفاء والأحرار في كل دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، في اللامبالاة حتى بأبسط مفهوم للمصالح المشتركة، من خلال وجود مئات المليارات من الأموال العربية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في العواصم الأوروبية الفاعلة، والتي تساهم بشكل كبير جدًا في تحريك الاقتصاد والمؤسسات المالية في هذه الدول. لقد كشفت لنا هذه المجازر والإبادة الجماعية لأطفال ونساء أبرياء عزل في غزة واستماتت قيادات هذه الدول وكبار الساسة فيها في الدفاع عن الباطل، ونكران ما يشاهده العالم كله من جرائم ومجازر يندى لها جبين الإنسانية، بل وقيامهم ومؤسساتهم الإعلامية، ببث أخبار كاذبة عن واقع ما يحدث في غزة بتكميم أفواه الشرفاء من الإعلاميين من مواطنيهم، وإنهاء خدماتهم من هذه المؤسسات الإعلامية، فقط لكونهم حاولوا أن يقولوا الحقيقة في مؤسسات صحفية وإعلامية يفترض أنها مؤسسات عريقة والمهنية تلزمها بالمصداقية. وكذلك اعتقال طلبة المعتصمين في جامعات الولايات المتحدة والغرب، المعتصمين بشكل سلمي، تنديدًا بجرائم الكيان الصهيوني في غزة، بل وطرد البعض منهم من الجامعات ومنع آخرين من أداء الامتحانات النهائية. قد أنشؤوا لنا قبل ذلك تنظيما إرهابيا يدعى «داعش» ليرتكب جرائم مروّعة لتشويه الصورة السمحة لديننا الإسلامي الحنيف في العالم، وهدم الاستقرار في دولنا العربية والإسلامية الآمنة -والتي من المفترض أن تكون حليفة وصديقة لهم- وهذا بشهادة أكدها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أثناء حملته الانتخابية في أغسطس من العام ٢٠١٦م، عندما ذكر أن الإدارة الأمريكية الديموقراطية برئاسة باراك اوباما ومعاونته هيلاري كلينتون، هما من أسسا «داعش». والأمر نفسه أكده عدد من الشخصيات السياسية والأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وأشارت إليه قبل ذلك بعض المصادر في يوليو من العام ٢٠١٤م، نقلًا عن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن، عندما قال: «المخابرات البريطانية والأمريكية والموساد عملا معا لإنشاء (داعش) في العراق وسوريا، لحماية الكيان الصهيوني، وأنشئت منظمة إرهابية قادرة على جذب المتطرفين في العالم إلى مكان واحد، باستخدام استراتيجية «عش الدبابير»، وتلقى زعيم داعش أبو بكر البغدادي تدريبًا عسكريًا لعام كامل على أيدي الموساد». وبالرغم من هذا كله فإنكم أزلتم الشك وأزحتم الغمامة عن وجوهنا، وأكدتم لنا الحقيقة التي كنا نشك فيها لسنوات!.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الکیان الصهیونی فی غزة
إقرأ أيضاً: