إن حادثة الوادي الكبير هي واحدة من أكثر الحوادث الدينية- السياسية التي أحدثت صدمة كبيرة في المجتمع العماني، وذلك يعود إلى ندرة الحوادث المشابهة التي تحدث في سلطنة عُمان، فإن التاريخ العماني المعاصر لم يكد يشهد حوادث مماثلة.
وعلى الرغم من الندرة وقدرة العمانيين المرنة في تجاوز الكثير من المحطات المشابهة التي تمر بها المنطقة، وسيطرة الأجهزة الأمنية الجيدة على حماية الدولة والمجتمع، وهذا الوصف مأخوذ من البروفيسور هوشانج حسن ياري في لقائه مع بي بي سي الفارسية بعد الحادثة مباشرة، حيث قال استطاعت -أي الأجهزة الأمنية- أن تجعل عمان حصينة من الحوادث التي مرت بها المنطقة منذ عقود عديدة، إلا أن وقوع هذه الحادثة يشي بحدوث فجوات في الهندسة الاجتماعية كان ينبغي الالتفات إليها من قبل، حيث إن وقوعها يعني أن هناك مشكلة يجب الالتفات إليها، ومراجعة آليات قراءة الواقع العماني المعاصر المتغير وإمكانية وقوع حوادث شبيهة لا سيما مع اشتعال المنطقة منذ أحداث الربيع العربي وظهور منظمات إرهابية جديدة عاثت فسادا في كثير من الدول المجاورة واستطاعت تنفيذ عمليات في مراكز مهمة.
لقد نشأت فجوة خطيرة يجب مراجعتها، وهي ما يركز عليها هذا المقال، وهي تشكل «العماني المتوهَّم»، حيث إنه تم تشكيل هذا العماني ليكون في قالب واحد، وهو المواطن المتسامح، المسالم، البريء، الصامت، والعديد من الصفات التي تصب في القالب المثالي الواحد، وعلى الرغم من أن كثيرا من هذه الصفات صحيح، لكن لا يمكن القول: إنه ينطبق على الجميع ثم وضعهم في هذا القالب بالضرورة، حيث إن المجتمع العماني مثل أي مجتمع آخر، فيه قوالب عديدة، تتعلق بالمعتقدات الدينية والسياسية والأفكار والرؤى.
كل هذا متعلق بتشكل الخيال، حيث إنه تم صنع خيال واحد عن الشخصية العمانية، واعتبار أن هذا اللباس ينطبق على الجميع، دون مراجعة السياقات المعرفية والاجتماعية الجديدة، ولكي يُفهم الخيال السياسي يجب في البداية تعريفه والتفريق بينه وبين الوهم السياسي، فالخيال هو «مجموعة من العمليات الحسية والإدراكية والمعرفية وما وراء المعرفية والانفعالية النشطة التي تكوّن الصور الداخلية وتحولها وتحللها وتركبها وتنظمها في أشكال جديدة يجري تجسيدها بعد ذلك في أعمال وتشكيلات خارجية»، وهذا مختلف عن الوهم السياسي الذي يمكن تعريفه على أنه «التصورات والأفكار والخرافات التي يعتقد المرء بصحتها من دون أي أساس واقعي ومنطقي وعقلي وعلمي، وبأنها قابلة للتحقق في الواقع. كما أنه رغبات تأخذ صورة الحقيقة من دون التفكير المنطقي الواقعي بإمكانية تطابقها مع مطلب الحياة وحاجاتها مع منطق الأشياء والوقائع. فكل ما ليس بممكن الحدوث الآن ولا في المستقبل هو وهم».
بعد هذين التعريفين، يمكن طرح سؤال ما إذا كان تشكيل الصورة الذهنية عن العماني، هو من قبيل الخيال السياسي العلمي المبني على حقائق وواقع، أم وهم دون أي أساس عقلاني؟ والجواب الواضح هو الثاني، إذ لا يُمكن حصر أي مجتمع بشري في إطار واحد، لتعدديته في جميع الأشكال والصور، وبالتالي فإن تشكيل هذه الصورة الذهنية هي نوع من الركون إلى مناطق الراحة دون فهم المتغيرات المجتمعية والسياسية، والسياسة هنا -كما هو معلوم- ليست مرتبطة بالسلطة، وإنما بالمجتمع وأفكاره. إن الأوهام هي سلعة رائجة في جميع المجالات، يقوم ببيعها وشرائها الدول والمؤسسات والأفراد، وبالتالي فهي ليست عملية بسيطة، إذ تحتاج إلى عمليات عقلية معقدة من أجل فهم الطبيعة المجتمعية ثم تصدير الوهم المناسب لهذه الطبيعة، كما يصفه عبدالله الملحم في مقاله (كارثية الوهم السياسي). كما أن هذا الوهم يُمكن أن يغير الواقع الخارجي في الذهن، فيجعل الصورة الخاطئة صورة صائبة.
لذلك فإن الخيال السياسي المجتمعي يجب أن يكون قائما على أسس علمية سليمة ومنطقية وعقلانية، حتى لا يتحول إلى أحلام يقظة وهمية. يُمكّن الخيال السياسي الصحيح من فهم الواقع والتنبؤ بالمستقبل أو على الأقل محاولة فهم مآلات الأحداث والتغيرات، ولكي يكون هذا ممكنا يجب أن تتم دراسة الماضي وفهمه واستيعابه، ثم فهم الحاضر بدقة ومعرفة ما يدور فيه من خلال أدوات المعرفة المتاحة والدقيقة. لقد حدد عمار علي حسن في كتابه (الخيال السياسي) أحد عشر منبعا مهما للخيال السياسي العلمي، هي استقراء التاريخ، والوعي بالمستقبل، والدراسات عبر النوعية، وروح الفريق -يعني أن يكون العلم ذا طابع جماعي-، والخيال المنطقي الخلّاق والتفكير الجانبي والتباعدي، ونظرية المباريات -وهي النظرية التي تحلل تضارب المصالح وتصارع الأهداف من أجل الوصول إلى أفضل خيار ممكن ومنطقي، تستخدم هذه النظرية كثيرا في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحربية-، وتوظيف الخيال الإبداعي، والمحاكاة -وهي تقليد للواقع الاجتماعي الحقيقي مما يتيح تحليل الظاهرة ومعرفة جوانب النقص والقوة فيها-، واستطلاعات الرأي، ووجود القائد المتبصر، وأخيرا استعراض التجارب الناجحة ودراستها.
هذه المنابع يجب أن تؤخذ في الحسبان من أجل تشكيل خيال سياسي واقعي عن المجتمع ومعرفة الفجوات فيه، وكيف يمكن معالجتها، وعلى الرغم من عدم القدرة على مناقشة كل واحد من هذه المنابع في هذه المقالة البسيطة، إلا أنه يُمكن أخذ مثال واحد منها وهو استطلاعات الرأي. يُمكن القول إن استطلاعات الرأي في عُمان ضعيفة نسبيا ومتأخرة غالبا، وحتى مع وجودها فإنها بشكل أو بآخر تتجاهل التغيرات المجتمعية وتفاعلها مع العالم، ومن ثم تحليلها ودراستها، فإن هذا له أهمية كبرى في فهم أعمق للمجتمع واحتياجاته.
إن هذا الخيال السياسي، مرتبط أيضا باللغة ارتباطا وثيقا، فإن الشعارات التي تطلق والتي تعبر عن صناعة الشخصية العمانية المقولبة في قالب واحد، هي ضارة أكثر منها نافعة، ولعل هذا يُمكن أن يُدرك من خلال ردة الفعل المنصدمة بعد وقوع الحادث حتى أصرت بعض الحسابات الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي على نزع اللباس العماني عن منفذي الهجوم، إن هذه الشعارات عادة ما تجذب جمهورا واسعا من المستمعين دون أن يكون لديهم الفهم اللازم لمقتضياتها وكيفية ممارستها، وهذا ما يشكل تناقضا صارخا في السلوك الظاهري والباطني، فعلى سبيل المثال، يجب أن يُستحضر سؤال رئيس في مسألة تسامح الشخصية العمانية، هل السلوك مع الآخر المختلف جاء نتيجة اقتناع بأن الجميع متساوون دون أي فوارق استعلائية تتعلق بالمعتقد الديني أو العرقي أو غيره؟ إذا كان الأمر لم يأتِ عن اقتناع تام فإن الإنسان يتحول إلى آلة في تعامله مع الآخر المختلف ثم يعود إلى اعتقاداته الحقيقية في حديثه مع ذاته أو المقربين منه المتساوون عادة في المحددات الهوياتية -مثل المعتقد الديني أو العرق- وبذلك يصبح هذا التسامح -مثلا- عبارة عن تسامح مجازي فقط، ففي المخيلة أن الشخص المتسامح هو الفرد الذي يستوعب الآخرين ويتفهم تنوع المجتمع، «لكن كثيرا من جوانب هذه الصورة لا يمثل الواقع أو الحقيقة، التي تشي بأن هناك مسارات مضمرة أو خفية للتعصب»، ويحاول الناس أن يخفونها أو ينكرونها. فيقع على الفرد عبء إثبات تقبل الآخر، ولذلك يظل هذا التسامح نسبيا يتسع بالقدر الذي يؤمن الناس به أو يضيق. إن هذا المسار للتسامح الحقيقي يكون عبر هندسة اجتماعية تقوم على عاملين مهمين هما الدولة والمجتمع، وهذا ما حدث في عمان منذ عقود، فقد عمل العاملان معا من أجل تثبيت روح التسامح عند الجميع، لكن المشكلة في عدم مراجعة الطريقة التي تتم بها هندسة المجتمع مما خلق فجوة غير ملحوظة أو متجاهلة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن عند الكثير من الأفراد، الذين يصفهم عمار علي حسن في كتابه (المجاز السياسي) أنهم يتفقون ظاهريا مع فكرة التسامح ويحاولون أحيانا فعل ما يوافقها أو يحقق الحد الأدنى منها، لكنهم في الواقع غير مؤمنين بها بشكل قاطع، لأن هناك دائما جانبا غير معلن عند كل فرد حين ينظر إلى غيره من المختلفين طبقيا أو عرقيا أو دينيا، لأن فكرة التسامح المتخيَّل نفسها هي في الحقيقة تأكيد على التفاوت، حيث إن المتسامح يعتقد -صراحة أو ضمنيا- أنه في مرتبة أعلى من الآخرين الذين يتسامح معهم، أو ربما يصل الأمر إلى الاعتقاد أنهم على خطأ ولا بد من التغاضي عن أخطائهم، أما إذا دخل عامل آخر وهو الأيديولوجيا المتطرفة والاعتقاد الكامل بأنه يجب أن تنزع الحرية من ممارسي هذا «الخطأ» يتحول الأمر من فكرة ذهنية -الاعتقاد بأن الآخر على خطأ- تختلف عن الفعل الواقعي، إلى فعل هجومي.
بناء على هذا تكون المبالغة في الاعتقاد بهذه الصورة المتوهمة هي نوع من الضرر، وعادة يمكن ملاحظة الوصول إلى حالة المبالغة في الصورة الذهنية المتوهمة من خلال اللغة ذاتها، عن طريق وسائل لغوية مثل المغالاة في العدد (كأن يقال بأن العمانيين كلهم بهذه الصورة)، والكم، والحجم، واستخدام صفات المقارنة، وأفعل التفضيل، والصفات التي تشير إلى العلو والرفعة، وحتى لو سلمنا بأن الخطاب العماني اليومي الذي يجعل المجتمع بأكمله في قالب واحد، لا يستخدم كل أدوات اللغة هذه، إلا أن كثيرا منها مستخدم، ولا يحتاج هذا لمثال يوضحه، فيمكن ملاحظته بسهولة.
إن كل هذا يسهم في صناعة هذه الفجوة الغائبة عن الذهن بسبب عدم المراجعة المستمرة، لكن أيضا يطرح سؤالا يتعلق بكيفية تكوّن الإرهابي في دولة آمنة جدا مثل عُمان، لم تعرف منذ عقود طويلة أي منظمات إرهابية، واستطاعت التعامل مع التهديدات الخارجية بسياسة بارعة نسبيا؟
في كتابه (فهم الإرهاب) يذكر جيمس بولاند أن واحدة من أهم العلامات الثابتة للإرهابي المنتحر هو شعوره باليأس، والمشاعر السلبية تجاه المستقبل، وذكر أن إيميل دوركايم يعتقد بأن الإرهابي المنتحر يكون منفصلا عن المجتمع والعائلة والتصورات المختلفة للدين، فيكون شديد الالتصاق باعتقاداته الشخصية ومشاعره، هذا ما يقود إلى اعتقاده بأن القيام بمثل هذا الأمر هو نوع من التحول في صورته الاجتماعية من «لا أحد» إلى «شهيد».
إن الإرهاب الديني عادة ما يكون مرتبطا بالاعتقاد أن الأفعال الإرهابية هي إرادة الله، وبالتالي فإن مسألة الموت تتحول من خيار ممكن إلى رغبة ملحة للحصول على الثواب في الآخرة، وهذا ما حدث في الحادثة التي وقعت في الوادي الكبير، فإن منفذي الهجوم لم يستسلموا للأجهزة الأمنية حتى هلكوا جميعا.
يعتقد مارتن كرامر في مقال له حول سيكولوجية الإرهابيين وأيديولوجياتهم، أن بعض الهجمات الإرهابية الدينية تهدف إلى التعبير عن الإيمان الديني والحماسة القومية، أما إذا أضيف المرض العقلي -حقيقة أو مجازا- إلى هذين فإنه يصبح خليطا خطيرا على المجتمع بأكمله، كما أن القيام بالهجوم الإرهابي الذي يهدف إلى الموت يضفي -بالنسبة للإرهابيين- نوعا من المعنى للحياة.
وبعد الحادثة، تبنّت داعش الهجوم، وكانت هناك تساؤلات حول كيفية استطاعة داعش الوصول إلى العمانيين وتوجيههم، وهنا يجيب بروس هوفمان في مقاله (دروس 11/9) الذي يلاحظ فيه وجود الشبكات الفضفاضة بين الجماعات الإرهابية، حيث هذه الشبكات تتميز عادة باللامركزية، فتعمل الخلايا الإرهابية بشكل شبه مستقل مما يجعل اكتشافها معقدا وصعبا، كما يمكن لهيكل الخلايا أن يتكيف مع التغييرات من خلال التمتع بنوع من الاستقلالية فلا حاجة لانتظار التعليمات الواردة من القيادات المركزية، والمهم في الهجمات أن تخدم ذات سردية المنظمة، وسواء كان الأمر صحيحا أن حادثة الوادي الكبير تابعة لداعش أم لا، فإن فهم نظام الشبكات الإرهابية الفضفاضة مهم لتكون هناك قراءة لتحركات الخلايا.
فضلا عن ذلك، فإن هناك استراتيجية أكثر تعقيدا للإرهاب، وهي الإرهاب الفردي، فالأفراد في هذه الحالة يتصرفون بإرادتهم الفردية، مما يشكل صعوبة في اكتشافهم بداية بسبب عدم وجود الشبكة المنظَّمة أو التنظيم الهيكلي، وصعوبة في الحصول على أي معلومات منهم في حالة القبض عليهم، لأنهم ببساطة لا يعلمون أي شيء. إن هذه الطريقة تستخدم في حالات عدم تكافؤ الفرص بين الإرهابيين والطرف المحارب لهم، فيتم إقناع الأشخاص ذوي التوجهات المشابهة بتنظيم مجموعات صغيرة جدا، أو تنفيذ عمليات فردية دون الاتصال مع المجموعة الرئيسة أو القادة، وتكون أعمال هؤلاء الأفراد مستقلة دون الحاجة لتلقي الأوامر.
لا أقول إن هذا ينطبق على الهجوم الذي حدث، لكنه مهم لفهم سياق سلوك الجماعات الإرهابية وكيف تعمل، حيث لا تضطر للوجود بذاتها، وإنما فقط عن طريق الشبكات الفضفاضة أو الأفراد، والطريقتان يكون العمل فيهما مستقل وغير مرتبط بالقيادة المركزية للتنظيم.
في الأخير، يجب علينا جميعا مراجعة خيالنا، وعدم تشكيل الشخصية العمانية في قالب واحد، بل يجب إدراك أن العمانيين هم -كأي مجتمع آخر- قوالب متعددة متعلقة بالهويات الصغيرة، وتجاهل هذه القوالب لتشكيل قالب واحد يؤدي إلى عدم معرفة الفجوات الواقعة ومن ثم عدم معرفة التغير الاجتماعي والسياسي، لذلك يجب أن تتم مراجعة الأمر بناء على أسس علمية ومنطقية، ومن ثم محاولة سد الفجوات الموجودة من خلال الوسائل الناعمة، المتعلقة بالسياسات العامة فيما يتعلق بالدولة، والتنشئة الاجتماعية على الوحدة الوطنية والدينية الحقيقية دون تعزيز الشعور بالفوقية ضد أي طائفة مختلفة فيما يتعلق بالمجتمع.
إن تخيل المجتمع عبارة عن قوالب متعددة، لكلِّ قالب طريقته في العيش وتقبل أو رفض الأفكار والتشكل، يسهل من دراسته ومحاولة تحليله ثم معرفة مآلات أفعاله وسلوكياته، حيث إن هذه الصورة تعطي لكل فرد حقه الهوياتي الضيق، فلا يشعر بأي اضطهاد اجتماعي من خلال إرغامه على التشكل مع القالب الواحد، وبذا تسهل الهندسة الاجتماعية -التي تمارسها الدولة والمجتمع نفسه- وتنمية الشعور الوطني المدني عند الجميع، أي أنه على الرغم من الاختلاف في القوالب لكن الجميع متساوٍ في الحقوق المدنية سواء المواطنين أو الأجانب، ولا يحق لأي أحد نزع هذه الحرية والحق إلا من خلال القانون وما يحدده، وهذا يؤدي إلى الاعتقاد بأن لكل طائفة الحق في ممارسة شعائرها الدينية بما يحفظ حقوق الآخرين وحرياتهم، وعلى الرغم من أن هذا هو السائد في عمان كما نعرفه جميعا، إلا أن مثل هذه الفجوات ممكنة الحدوث ويجب مراجعة الطريقة التي يتم التعامل بها مع المتغيرات المجتمعية والعالمية.
حفظ الله عُمان دائما من شر الفتن والمصائب، ورحم الشهداء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الرغم من هذه الصورة من خلال أن یکون هذا ما من أجل حیث إن یجب أن إن هذا إلا أن
إقرأ أيضاً:
إعلاميون وأكاديميون: قانون الإعلام العماني الجديد يواكب التحولات ويتواءم مع المستجداتمتابعة
صالح البلوشي: الجزاءات ضد المخالفين أمر طبيعي حتى لا يكون هناك مجال لإساءة استخدام مساحات الحرية
د.حسني نصر: مواد القانون تتوافق مع النص الخاص بحرية الإعلام خاصة ما يتعلق منها بمحظورات النشر
إبراهيم العزري: القانون مواكب لروح العصر وملبٍ لمتطلبات النهضة المتجددة
حوراء الميمنية: خطوة مهمة نحو تنظيم القطاع الإعلامي بما يتماشى مع التطورات والتحديات
فـي ظل التغيرات المستمرة التي يشهدها قطاع الإعلام على مستوى العالم، وفـي ظل التحديات التي تطرأ على ممارسات الإعلام والصحافة فـي سلطنة عمان، صدر مؤخرا قانون الإعلام العماني الجديد، الذي يهدف إلى تنظيم قطاع الإعلام وملاءمته مع المستجدات والمتغيرات العصرية. هذا القانون يشمل العديد من المواد التي تهدف إلى تحسين البيئة الإعلامية وتعزيز حرية الصحافة، مع الحفاظ على القيم والمبادئ الوطنية. فـي هذا الاستطلاع، نستعرض آراء مجموعة من الإعلاميين والصحفـيين والأكاديميين حول هذا القانون، ونتناول تقييمهم لما يتضمنه من مواد، وكيفـية تأثيره على المشهد الإعلامي فـي عمان فـي ظل التحديات الحالية والمتطلبات المستقبلية لهذا القطاع الحيوي.
مساحات من الحرية
بداية تحدث لـ «عمان» صالح بن عبدالله البلوشي مؤسس صحيفة «شؤون عمانية» الإلكترونية، قائلا: «فـي ظل التطورات التي يشهدها العالم فـي مختلف المجالات، وخاصة فـي مجال الإعلام بمختلف أنواعه، كان من الضروري أن تواكب سلطنة عمان هذه التطورات بإصدار قانون جديد للإعلام، حيث إن هذا القانون الصادر بمرسوم سلطاني يؤكد الحرص السامي من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - على تمكين الإعلام والإعلاميين، وقد وضع القانون الجديد العديد من الأطر والمحددات التي تعد بمثابة البوصلة التي تسهم فـي الارتقاء بمستوى المؤسسات الإعلامية، وتمنح المؤسسات والأفراد مساحات أكبر للإبداع والابتكار، كما أن القانون كفل الحق فـي الحصول على المعلومة، وهذا الأمر من النقاط الأساسية التي ركز عليها القانون، إذ إنه بدون المعلومة لا يوجد إعلام، ولذلك من الضروري تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والجهات الإعلامية لضمان الحصول على المعلومات وتسليط الضوء على الجهود المبذولة، لأنه إذا غابت المعلومة انتشرت الشائعات».
وتابع صالح البلوشي قائلا: «على الرغم من أن قانون الإعلام منح الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية مساحات كبيرة من الحرية فـي النشر وطرح الآراء، إلا أنه فـي الوقت نفسه أقر أنواعًا مختلفة من الجزاءات ضد المخالفـين، وهو أمر طبيعي حتى لا يكون هناك مجال لإساءة استخدام هذه المساحات من الحرية فـي نشر الشائعات أو إثارة البلبلة، كما أن القانون حد من عقوبة السجن إلى أضيق نطاق وجعلها تخييرية، بحيث يجوز للجهات القضائية إيقاع عقوبة الغرامة عوضًا عنها، وأخيرًا، يمكننا القول إن القانون الجديد وضع النقاط على الحروف، وننتظر صدور اللائحة التنفـيذية من قبل وزارة الإعلام التي ستحدد الكثير من الأمور، آملين أن تشهد السنوات المقبلة نقلة نوعية على كافة المستويات المتعلقة بمجال الإعلام».
يستحق الاحتفاء
فـي حين تحدث الدكتور حسني نصر، أستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة السلطان قابوس، عن القانون بقوله: «يستحق قانون الإعلام الجديد أن نحتفـي به، خاصة أنه يأتي بعد 40 عامًا من صدور القانون السابق لأسباب كثيرة، لعل أهمها التغيرات الكبيرة التي شهدتها البيئة الإعلامية العالمية والمحلية من جانب، والتغيرات الجذرية على مستوى الوسائل والوسائط والمنصات وكذلك على مستوى الجمهور ووظائف الإعلام فـي المجتمع من جانب آخر، هذا الاحتفاء لا يجب أن يقتصر على الإعلاميين وأساتذة وطلاب الإعلام فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل النخب الثقافـية فـي المجتمع، خاصة وأن القانون يتناول أيضًا المصنفات الفنية، كما أنه يجب ألا يقتصر على الإشادة ببعض المواد التي تبعث على التفاؤل فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل المواد التي يمكن أن تمثل عائقًا فـي طريق مستقبل الإعلام العماني، ولعل أهم ما يمكن رصده حاليًا هو ما يتعلق بحرية الإعلام التي كفلها القانون فـي مادته الثالثة، وشمولها لعدد من الحقوق مثل حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام، والحق فـي ممارسة الأنشطة الإعلامية، والحق فـي الحصول على المعلومات وتداولها، وحظر الرقابة المسبقة على ممارسة الأنشطة الإعلامية، والحق فـي الاستفادة من وسائل الإعلام وتلقي الرسائل المعرفـية والإعلامية».
واسترسل الدكتور حسني بحديثه: «مواد القانون التي تقع فـي سبعة فصول تتوافق إلى حد كبير مع النص الخاص بحرية الإعلام، خاصة ما يتعلق منها بمحظورات النشر التي تقلصت فـي المادة الخامسة لتقتصر على الإعلانات التي تتنافى مع الآداب العامة أو المضللة، ووقائع التحقيقات والمحاكمات، والأخبار التي تصدر وزارة الإعلام توجيهًا بحظر النشر فـيها، ورغم أن فصل العقوبات الذي يشمل 12 مادة، منها 7 مواد تعاقب مخالفـي القانون بالسجن، فإن الأمر يتطلب الانتظار حتى صدور اللائحة التنفـيذية للقانون للتعرف على حدود هذه العقوبات، وكيف سيتم منح موظفـي وزارة الإعلام صفة الضبطية القضائية».
مواكبة روح العصر
وقال إبراهيم بن سيف العزري - مدير عام ورئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية: «يأتي قانون الإعلام العماني مواكبا لروح العصر وتطور تقنياته ووسائله الإعلامية، وملبيا لمتطلبات عصر النهضة المتجددة فـي سلطنة عمان ورؤيتها المستقبلية، وقد نال القانون حقه من النقاشات والمراجعات من قبل المختصين فـي الشأن الإعلامي وأعضاء مجلسي الدولة والشورى، ليخرج بالصورة المشرفة عاكسا مدى الاهتمام الذي يحظى به قطاع الإعلام من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - وأكثر ما يلفت الانتباه فـي مواد هذا القانون هو الحفاظ على حق حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام المنصوص عليها فـي المادة الثالثة التي تصدرتها عبارة «حرية الإعلام مكفولة وفق النظام الأساسي للدولة وهذا القانون، وتشرع لمسألة فـي غاية الأهمية وهي حق حصول الصحفـي على المعلومة بطريقة مشروعة، إضافة إلى حظر الرقابة المسبقة على ممارسة الأنشطة الإعلامية، وهنا تتجلى عناية الدولة واهتمامها بحرية الإعلام وعدم وضع القيود أمام تطوره وتقدمه، وهنا نؤكد أن عدم إساءة حرية التعبير عن الرأي الممنوحة بموجب هذا القانون من شأنها أن تعزز الثقة والمصداقية فـي الإعلامي الذي قبل على نفسه أن يتحمل مسؤولية أداء رسالة الإعلام التي تنشر النور وترتقي بالفكر الإنساني، وتعلو من سمعة الأوطان وتعين على تقدمها، وعلى مدى سنوات النهضة المتواصلة اكتسبت سلطنة عمان مكانة مرموقة فـي سائر المحافل الدولية نتيجة مواقفها الراسخة والداعمة لاستقرار العالم، وقد أخذ قانون الإعلام العماني هذا الأمر فـي الاعتبار حيث نصت المادة السادسة على أهمية الالتزام بالصدق والموضوعية فـي أداء الرسالة الإعلامية، وتقديم الأحداث بحيادية تامة، وإبراز قيم الدولة ومبادئها الثابتة وتأثيرها فـي الحضارة الإنسانية، وتعزيز قيم المواطنة والانتماء، وهذه جوانب مهمة للغاية فـي مواد القانون وتعكس الحرص على ترسيخ القيم الإعلامية الوطنية وتوريثها للأجيال القادمة من الإعلاميين».
خطوة مهمة
رأت حوراء بنت عبدالرحمن الميمنية - أستاذ محاضر بقسم الاتصال الجماهيري بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية/ فرع نزوى أن قانون الإعلام العماني الجديد، الذي أقر بالتزامن مع احتفالات العيد الوطني الـ٥٤، خطوة مهمة نحو تنظيم القطاع الإعلامي فـي سلطنة عمان بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية والتحديات الحديثة التي يشهده قطاع الإعلام عالميا ويضم القانون مجموعة من الضوابط التي تهدف إلى ضمان جودة الإعلام فـي البلاد ومواكبة التقنيات كالمنصات الإخبارية الرقمية والمواد الإعلامية الرقمية، فالقانون يعد قفزة نوعية لضوابط هذا المجال منذ إصدار المراسيم السابقة المختصة بالمواد الإعلامية.
وأضافت: «القانون يواكب فكر الشباب الحالي فهو يكفل الحقوق الأساسية لوسائل الإعلام والأفراد فـي ممارسة الأنشطة الإعلامية بما يشمل ذلك الحق فـي التعبير باستخدام وسائل الإعلام، حق الحصول على المعلومات، وتبادلها، ولكن أيضا مع التأكيد على منع الرقابة المسبقة على المحتوى الإعلامي. كما يشدد على تقديم الأحداث بموضوعية وحيادية، مع إبراز قيم الوطن من خلال دعم الهوية الوطنية والحفاظ على التاريخ والثقافة العمانية لما يصب لتحقيق رؤية عمان ٢٠٤٠».