تُعدّ مجموعة «الصوفي الناشب بين السماء والأرض» للشاعر هلال الحجري الصادرة عن دار نثر من أحدث الإصدارات الشعرية التي صدرت مؤخرا في الساحة الشعرية العُمانية، وتُعد هذه المجموعة الثالثة للشاعر بعد مجموعتيه «هذا الليل لي» و«كطائر جبلي يرقب انهيار العالم» التي تعكس اشتغال الحجري برويةٍ وتأنٍ في اختيار المفردات الشعرية والتعبير عن فكرته باشتغال فني حديث.

لا يمكن الوقوف على تجربة هلال الحجري إلا بقراءةٍ متصلةٍ للمجموعات الشعرية الثلاث؛ إذ إنّها تقدّم للقارئ تجربة شمولية وحديثة في التعبير الدلالي، والتعاطي مع اللغة الشعرية، وهذا بالطبع نابع من ثقافة الشاعر الذي يعيد تشكيل الأشياء وفق رؤيته الشعرية.

هذا وإنّ الناظر لتجربة هلال الحجري الشعرية يجدها على الأقل ممتدة من تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم، وهي تجربة غنية أضافت للمشهد الشعري صوتا متفردا في الاشتغال الفني والأسلوب الخاص بكتابته الشعرية التي تعبّر عن شاعرية تمزج بين الثقافة المحلية والأخرى الخارجية.

تقوم مجموعة «الصوفي الناشب بين السماء والأرض» على 103 نصوص شعرية جاء مجملها قصيرا في بنائه، وهي سمة واضحة اعتمد من خلالها الشاعر على تكثيف الدلالات الشعرية في بناءٍ شعريٍ قصير، وهي سمة ربما لجأ إليها كثير من شعراء القصيدة الحديثة في عُمان وخارجها. نجد الحجري يمزج بين اللقطة الشعرية وتركيب الصورة مثلا، ونجده يعتمد على القفلة الشعرية أحيانا في إحداث عالم من الدهشة والخيال، كما نجد نصوصه ممتزجة بالواقع وما وراءه، إنها نصوص تمزج النثر باللغة الشعرية لتقدّم للقارئ لوحة شعرية بديعة.

نجده مثلا في نص «ضياع» يحيل على التأمل آخذا من اللقطة البصرية عنفوانها الجمالي، فيما يقدّم التشبيه دلالاته الجمالية بين صورتين تتحققان في النص لغاية واحدة:

في بُرهةٍ من العمر،

تشعرُ أنكَ

كزورقٍ مهملٍ مقلوبٍ على وجهه

يترجّى السماءَ

ليعود إلى المحيط!

وتظهر في نص «روح» الرومانسية الشفيفة التي يحاول من خلالها التعبير عن الذات في سكونها وحركتها عائدا إلى التشبيه مرة أخرى:

ليست روحي شفيفة فحسب

ولكنها

كرذاذٍ يسقط

هادئا على قبر نبي!

هكذا هي النصوص الشعرية القصيرة في المجموعة، نصوصُ تأملٍ وتخيّلٍ وتشكيلٍ فنّيٍ نراه في نصوص مثل: «أرض، والمجد للإبداع الحقيقي، وفلسفة، وحنين، وشغف، والجديد، وتشبيه، وقلبي، ووعظ، وممثلون، وأمنية في العام الهجري الجديد».

كذلك فإن الناظر إلى المجموعة الشعرية يجد فيها اشتغالا واضحا على قيمة المكان التي هي كما يبدو محطات من الحياة عاشها الشاعر فأراد استحضارها شعرا. نجد المكان يعبّر عن الواقع في مرجعيته ولكن التعبير الذي استخدمه الشاعر كان ذا رؤية شمولية للحياة. تأتي هذه النصوص مثل: «مسجد الشواذنة، وشقة الفلاحي، وجامع قابوس، والحمرية، وميناء مسقط، والجبل الأخضر، وجريدة الوطن، والمعهد الإسلامي، وقلعة نزوى، وجامع عبدالله بن إباض، وجبل شمس...» متداخلة مع المكان غير العُماني مثل: «نهر هافل، ونهر نيكار، وكيمبريدج، وساواس، ونهر الدانوب» مشكّلة مرجعية ينطلق منها الشاعر إلى بناء فكرة نصه، ومنطلقا من نقطة أولى ارتكز عليها الفكر الإنساني في التأسيس لثقافته وهُويته إلى الحياة الأخرى خارج عُمان القائمة على هوية مختلفة وثقافة مضادة.

لقد استطاع الحجري إيجاد مكانين ينطلق منهما في توليد الدلالة، مكانين مختلفين في السمات والخصائص، لكن اللغة الشعرية استطاعت توحيد التركيبة الفنية وإبراز جمالياتها.

يتحدث الحجري عن/ إلى المكان واصفا إياه أو متناولا ذكرى رسخت في الذاكرة أو مستعيدا ذاكرة قديمة لحظة الكتابة، فنجده مثلا في نص «جريدة الوطن» يزحم الدلالات ببعضها، جاعلا منها ذاكرة يحاول استعادتها كونها مرتبطة بصرح كبير له أبعاده التاريخية في الصحافة العُمانية، يقول: «عنفوان الحياة، التمردُ، مصارعة الحمقى، البكاءُ عند الفجر، العمل مقابل الاقتراض، الخروج من التيه بِرَهْنِ الأرواح....

كلُّ

هذه

الإمبراطورية

العظمى

من البراءة والضّياع، أين ذهبت؟!».

ويقول في نص «حوار بريء مع نهر هافل» وقد أوجد تصادما ذكيا بين مكانين وفكرتين:

لمَ لا تصبُّ الأنهارُ في الصحاري يا هافل؟

لمَ تروي عطشَ البحيراتِ والمحيطاتِ؟

أليست الصحراءُ منبعَ الرُّسُلِ ومصبَّ المؤمنين؟

ألا تودُّ أن أقتادكَ إلى صحراء الربع الخالي

حيث الشعراءُ العذريون

ينصبون خيامهم على ضفّتيكَ

ويتغنّون بحورياتِكَ الفاتنة حتى الموت؟!».

ولعلّ المطّلع إلى مجموعة الحجري الشعرية يجده قد نوّع في خطابه إلى المكان بين استخدام ضمائر المخاطب والغائب، وهو بلا شك مقصود من قبل الشاعر، كون التنويع في الضمائر يساعد على إبراز الدلالات بصورة أكثر قربا من القارئ ومن الواقع. ولعل نص «شقة الفلاحي» أحد النصوص التي جاءت باستخدام ضمائر الغائب مانحا إياها وصفا دقيقا يجمع بين الواقع وما وراء الواقع، مانحا إياها وصفا دقيقا أبعد من كونها مكانا محددا باتجاهات أربعة، إنها إشعاع ثقافي ملأه الأديب أحمد الفلاحي أدبا وثقافة ومزارا لكل الأدباء الذين يفدون عليه، يقول الحجري عن هذه الشقة:

لم تكن شقةً فحسب؛

كانت برزخا لم يعبُر بالشعراء إلى الفردوس المفقود،

فهل عبر بهم إلى الجحيم؟!

لستُ متأكدا، ولكنّ أبانا

كان مفرطا في التفاؤل.

حين كانت مغاراتُ الليلِ تلفظُ بنات آوى

إلى مطهره العظيم،

لم تجد متّسعا لبكائها؛

فقد حَجَزَ «أبو فلاح»

مقعدا لكل مثقف.

حتى العسس

كانوا يجلسون القرفصاءَ

يُقشرون السفرجلَ

ويمضغون قصصا مضجرة!

لقد ضمّت شقة الفلاحي مجموعة من الصور المتداخلة التي اعتمد التركيب على إطلاقها، فبنات آوى اللواتي تلفظهنّ مغارات الليل والعسس الذين يُقشرون السفرجل والشقة/ المكان البرزخ الذي لم يعبر بالشعراء إلى الفردوس المفقود كلها دلالات صنعت حدثا ورؤية متخيلة في إطار مكان واقعي.

لعل الحديث عن استخدام ضمائر الغائب يرد في غير موضع من المجموعة، ويقابلها استخدام ضمائر المخاطب، فقد أضاف الحجري مسحة من الجمال في خطابه إلى المكان موجها الحديث إليه، نجده في نص «قلعة نزوى» يقول مخاطبا القلعة الشامخة:

لن تكفي حزمةُ البرسيم

التي يهدّدُ بها الشيوخُ في إمالتكِ

فلطالما ركعتْ

جيوشُ الإمبراطوريات الغاشمة

تحت قدميك!

الآنَ

توضئي واعتدلي

وصلّي صلاة الغائبِ

على آخر الشهداء

لا تكترثي بالسّيّاح!

ويقول في خطابه لنهر الدانوب:

سلاما يا نهر الدانوب العظيم

منكَ

تعلّمتُ معنى العزة والصمود؛

جميعُ الإمبراطورياتِ

استحالتْ رغوةً

على ضفتيك:

الأتراكُ

والروسُ

والألمانُ

كلُّهم!

ولَّوا باستبدادهم وأيدولوجياتهم الفارغة،

لم تبق إلا الحياةُ

تتلاطمُ على ضفافكَ الشامخة.

إن صورة المكان بارزة في المجموعة، يلمحها القارئ أيضا في عتبة المجموعة الشعرية، فالصوفي الناشب بين السماء والأرض يشير إلى المكانة البينية لحظة عروجه من الأرض إلى السماء، لكن لفظة «الناشب» أعطته تعبيرا مكانيا مرتبطا بالروح لحظة العروج. إنه اشتغال قيم وبديع قرّب معه الشاعر المكان وعمل على استحضاره في قالب شعري بديع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى المکان

إقرأ أيضاً:

تعرف على المكان الأكثر أمانا في الطائرة لتجنب انتقال الأمراض

مع اقتراب نهاية السنة يخطط الكثيرون للسفر، إلا أن انتشار الأمراض الموسمية أضحت هاجسا لدى البعض لأنها قد تجعل هذه التجربة أقل متعة ومثيرة للقلق من خطر الإصابة بعدوى.

وكشف خبراء عن أفضل مكان للجلوس في الطائرة أثناء السفر، من أجل ضمان رحلة جوية من دون خطر الإصابة بأمراض مثل الإنفلونزا ونزلات البرد.

واستنادا إلى دراسة أجريت عام 2018 من قبل باحثين في جامعة إموري في أتلانتا، حيث سافروا على متن 10 رحلات. عبر الأطلسي لدراسة معدل “التناثر الفيروسي” بين 1500 مساف، أفاد الخبراء بأن المقعد بجانب النافذة هو الأكثر أمانا. حيث أنه الأبعد عن الممر الذي يمر فيه الركاب وأفراد الطاقم ذهابا وإيابا.

كما أظهرت الدراسة أن الأشخاص الجالسين بالقرب من النافذة أقل عرضة للقيام من مقاعدهم، حيث قام 80% من الأشخاص الجالسين. في الممر بالتحرك على الأقل مرة واحدة مقارنة بـ 40% فقط من الجالسين بجانب النوافذ.

وأيدت بيرناديت بودن-ألبالا، أستاذة الصحة العامة، هذه النتائج بالقول: “في معظم الحالات، يعد المقعد بجانب النافذة هو الأفضل. من حيث تقليل خطر الإصابة بالإنفلونزا والبرد لأنه بعيد عن المناطق ذات الحركة العالية مثل الممر والحمام.”

ونصح خبراء صحة آخرون باختيار المقعد في الجزء الخلفي من الطائرة، حيث أظهرت دراسة أجريت عام 2022. عن توزيع المقاعد وتقليل انتقال”كوفيد-19″أن “أخطر المقاعد هي تلك المجاورة للمسافر المصاب والمقاعد في الصفوف التي خلفه”.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • طريقة تحضير الشعرية باللبن بخطوات بسيطة
  • بعد سداسية شباب بلوزداد.. تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بدوري أبطال أفريقيا
  • ثلاث نساء في غرفة ضيقة".. مجموعة قصصية جديدة للروائية هناء متولي
  • مجموعة صبري تدشن مشاريع للرعاية الصحية في عمان
  • تعرف على المكان الأكثر أمانا في الطائرة لتجنب انتقال الأمراض
  • خبير يكشف “المكان الصحيح” لحفظ البيض
  • محكمة أميركية تدين المجموعة الإسرائيلية المطورة لبيغاسوس باختراق واتساب
  • تفسير حلم رؤية الميت في المنام لا يتكلم.. دلالات متعددة
  • ليس باب الثلاجة.. خبير يكشف "المكان الصحيح" لحفظ البيض
  • قمة مجموعة الثماني النامية بالعاصمة الإدارية.. انعكاسات كبيرة على الدول الأعضاء.. التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة يقترب من 8 مليارات في 2024.. وخبراء: تقوية اقتصادات المجموعة أهم ثمارها