أنقذت التراث من الغرق ونشاطها وصل للقرى والنجوع والكفور..

فتحت ثورة 23 يوليو من خلال الإبداع المرئى والمكتوب نافذة جديدة للتأريخ، ليس فقط بالأعمال الكبيرة التى أنقذت شطرا كبيرا من تراث مصر من الغرق، أو لأنها عملت جاهدة على أن تصل الثقافة إلى قرى مصر ونجوعها وكفورها من خلال الثقافة الجماهيرية التى تعرف الآن بقصور الثقافة، لكن من خلال الشاشة الفضية التى اتسعت لأعمال كبيرة وثقت لما قبل الثورة وبعدها، ولم يكن غريبا أن تضع الثورة الثقافة والفن ضمن أولوياتها وقد قررت مجانية التعليم وهي الخطوة الأولى على طريق التنوير وتغيير تركيبة المجتمع الفكرية، إضافة الى التأكيد على أفكار الثورة.

وثائق سينمائية

كانت السينما هى الواجهة الأولى والأقرب فى الوصول إلى أغلب فئات الشعب، دون إغفال للدور الكبير للمسرح وسائر الفنون، وكان أن أنشأت الدولة "أكاديمية الفنون" فى نهاية الخمسينيات لتدرس من خلالها الفنون المختلفة ثم أنشأت بعدها مؤسسة السينما التى دخلت من خلالها حقل الإنتاج السينمائى وقدمت أعمالا كبيرة لكبار الكتاب والفنانين.

وتبنت السينما أعمالا أدبية كبيرة لم تنتجها الدولة أدانت فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر وأشار بعضها إلى دور ثورة يوليو فى القضاء على الظلم والفساد ومنها: "رد قلبى" الذى كتبه يوسف السباعى وأنتجته المنتجة الكبيرة أسيا، بطولة شكرى سرحان ومريم فخر الدين، و"فى بيتنا رجل" لإحسان عبد القدوس، إخراج وإنتاج هنرى بركات من بطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف، "الله معنا" لفاتن حمامة وعماد حمدى وتأليف إحسان عبد القدوس وإنتاج ستوديو مصر، و"لا وقت للحب " ليوسف إدريس، إخراج صلاح أبو سيف ومن بطولة فاتن حمامة ورشدى أباظة، إنتاج دينار فيلم.

ومثلت تلك الأفلام وثائق سينمائية لفترة ما قبل الثورة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة بينما جاءت أفلام أخرى لتعبر عن مرحلة ما بعد الثورة ومنها الأيدى الناعمة، للمخرج محمود ذو الفقار والكاتب الكبير توفيق الحكيم ومن بطولة أحمد مظهر وصباح، انتاج فيلمنتاج.

بل وبشكل أقرب للرمزية لم تتوقف السينما عن انتقاد ما رأته سلبيات وإن تضاربت الأقوال حول حقيقة تلك الأفلام ومنها "شىء من الخوف" تأليف ثروت أباظة، والبطولة لشادية ومحمود مرسى، وثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ والبطولة لعماد حمدى وميرفت أمين وأحمد رمزى.

وهو ما فعله كتاب الرواية فى أعمال كثيرة منها "بنك القلق" لتوفيق الحكيم، و"ميرامار" لنجيب محفوظ، و"تلك الرائحة" و"نجمة أغسطس" لصنع الله إبراهيم، و"الوهم" و"القضبان" لمحمد جلال، و"الفلاح" لعبد الرحمن الشرقاوي، و"السنيورة" لخيرى شلبي، و"الحواجز الزجاجية" ليحيى زكي.

ثورة مثقفين

يبدو الاهتمام بالفن والثقافة أمرا طبيعيا فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر مثقفا من طراز رفيع، وكان من بين الضباط الأحرار مبدعون ومثقفون، ومنهم اللواء المؤرخ والروائى جمال حماد كاتب نص بيان الثورة الذى قرأه على الشعب الرئيس الأسبق محمد أنور السادات "البكباشى آنذاك".

يكفى أن نشير إلى أن هذا المؤرخ الكبير صاحب "23 يوليو 1952 أطول يوم فى تاريخ مصر" الذى صدر عن كتاب الهلال، و"الحكومة الخفية فى عهد عبد الناصر"، و"أسرار ثورة 23 يوليو"، هو نفسه كاتب قصة فيلم "غروب وشروق" الذى قامت ببطولته النجمة سعاد حسنى والنجم رشدى أباظة والفنان الكبير محمود المليجى، وهو أحد الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية التى ترصد فساد القلم السياسي قبل الثورة وحريق القاهرة وهو لم يقدم هذا العمل السياسي فقط للسينما ولكنه قدم فيلما آخر كبيرا ينتمى إلى الدراما النفسية "السيكو دراما" وهو "وثالثهم الشيطان" الذى قام ببطولته الفنان محمود ياسين.

أما اللواء يوسف صديق فقد كان شاعرا كتب فى رمزي الثورة محمد نجيب، وجمال عبد الناصر مشيدًا مرة، ومعاتبًا مرة، وله شعر في رثاء جمال عبد الناصر يكشف عن صدق مشاعره، وجلل مصابه، وله ديوان عنوانه: «ضعوا الأقلام» - دار الشعب 1999، ونشرت له جريدة الجمهورية عددًا من القصائد منها: «الله أكبر» - أغسطس 1956، «إلى منزيس» - سبتمبر 1956، ـ(منزيس رئيس وزراء أستراليا الذي كان يهدد مصر عقب إعلان تأميم قناة السويس)، إضافة إلى عدد من الأوبريتات، كما صدر له «أوراق يوسف صديق» - سلسلة تاريخ المصريين (136) - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1999.

ونأتى إلى ثروت عكاشة كان وزير الثقافة الأشهر فى العهد الناصرى وله مؤلفات منها ترجمات لأعمال جبران خليل جبران، فضلا عن كتبه عن عصور النهضة فى أوروبا فى موسوعته الشهيرة «العين تسمع والأذن ترى» وسامى شرف كان أيضا صاحب قلم متميز وله كتاب مهم وشهير وهو «أيام وسنوات مع عبد الناصر».

وقبل الثورة كان أحمد حمروش قد أصدر كتابين، هما «حرب العصابات» الذى أهداه إلى المناضلين فى أوطانهم عام 1947، و«خواطر» عن الحرب وأهداه الى زملائه تحت تراب فلسطين غير كتبه الكثيرة التى أصدرها طوال حياته ومنها ما أرخ لثورة يوليو. وأصبح حمروش مسئولا عن المسرح بعد قيام الثورة.

طريق التنوير

تم إنشاء أول وزارة للثقافة فى عام 1958، وترأسها الراحل ثروت عكاشة، أول وزير للثقافة والإرشاد القومى من 1958 حتى 1962، ثم من 1966 حتى 1970، وفى الفترتين استطاع ثروت عكاشة أن يحدث نهضة ثقافية حقيقية ولعل من أبرز ما قدمه فى تاريخه الحافل هو الحملة الدولية التى بدأها عام 1959 لإنقاذ آثار النوبة التى هددها الغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر النيل، بعد بناء السد العالي، فأخذ عكاشة على عاتقه مخاطبة اليونيسكو وتوجيه نداء دولي لكل دول العالم للمشاركة في مشروع إنقاذ آثار النوبة، وهو ما تحقق بالفعل.

وتم إنشاء كثير من الهيئات مثل المجلس الأعلى للثقافة "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك"، والهيئة المصرية العامة للكتاب، وفرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى وفرق الموسيقى العربية والسيرك القومى ومسرح العرائس والكونسرفتوار والبرنامج الموسيقى، والبرنامج الثقافى، وسلاسل الهيئة العامة للكتاب التى انشئت عام 1961بقرار جمهورى رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة

وجاء إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 كأول جامعة لتعليم الفنون وأنشأت الدولة عدداً من المعاهد العليا للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحية عام 1935 ثم توالى إنشاء معاهد أخرى، وقد أنشأ ثروت عكاشة أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومى بسنة واحدة.

وقد استمرت تلك الهيئات والصروح العلمية والفنية حتى يومنا هذا كمنارات ثقافية انطلق من رحمها معرض القاهرة الدولى للكتاب والعديد من الفرق الفنية التى حملت الفن المصرى لكل أنحاء العالم وتخرج منها كبار الفنانين فى مختلف مجالات الفن وكان كل ذلك حصادا لهذا المشروع الكبير الذى أسست له ثورة يوليو.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أكاديمية الفنون جمال عبدالناصر ثورة 23 يوليو يوسف السباعي رد قلبي عبد الناصر ثروت عکاشة

إقرأ أيضاً:

«الأزمة الاقتصادية» الباب الخلفى لمجتمع دموى

لم يعد الرأى العام المصرى يندهش أو حتى يهتز لأننا أصبحنا نبحر فى كل اللا معقَول بسبب الأحداث التى تفوق كل التوقعات والتكهنات وحتى الخيالات التى غالبًا ما تنتهى بسنياريوهات دمويه للعنف الأسرى أو بدافع الحب، هزت نسيج أسطورة المجتمع المصرى المتدين المعروف بالتدين والحياء، خلافات قد تكون تافهة تنسف كل المشاعر الإنسانية، وتدمير كلى وجزئى لكل أدبيات «العيش والملح»، والعشرة الطويلة على المرة قبل الحلوة.. الحقيقة المفزعة بأن هناك ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر فى البيوت المصرية التى تحولت إلى قنابل موقوتة تسقط عند أول اختبار صعب للظروف المعيشية و«العيشة الضنك».. بسبب البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة الذى يمر بها، تدل بل تؤكد على هشاشة العلاقات الأسرية. وتبادل الأدوار فى تحمل المسئولية بين أزواج ضعاف النفوس ومنزوعى العلاقة الروحية والربانية التى توثق الأخلاق وتهذب النفوس بالخوف من الله والظلم... لتتحول كل المشاعر إلى نزعة انتقامية تنتهى برغبة أكيدة بالتخلص من كليهما،. غالباً ما تقع الزوجة الطرف الأضعف كضحيه لهذا الخلل..جرائم قتل بشعه تهز عروش السماء وينفطر لها القلب وتخرج عن كل التوقعات أو حتى ما يستوعبه المنطق والعقل..والأسباب تافهة الذبح هو سيد كل نزاع بين العاشقين أو الزوج والزوجه وأمام أعين أولادهم فاجعة بكل المقاييس، تزامنًا من تزايد وتيرة العنف بشكل غير مسبوق فى ظاهرة باتت تهدد المجتمع المصرى بشكل خطير، للأسف الإعلام والدراما الهابطة ساعد فى تأجيجها هذه الظاهرة.

فمنتهى الهدوء والثبات والثقة قام زوج ببث فيديو مباشر بـ «سيلفى» مع زوجته التى قطع راسها أمام بناتها الثلاث بعد ٩ سنوات من العشرة انتهت بمشهد انتقامى دموى.. وآخر سابق «بطلها» طبيب قتل زوجته الطبيبة وأطفاله الثلاثة ذبحا فى دقائق وسط بركة من الدماء..وفى شوارع الإسماعيلية جريمة هزت أنحاء المحافظة، بعدما أقدم الشاب عبدالرحمن نظمى، الشهير بـ»دبور»، على ذبح عامل وسط الشارع أمام أعين المارة باستخدام سلاح أبيض «ساطور». ولم يكتف الشاب بذلك، بل فصل رأس العامل عن جسده وتجول بها بين المارة فى مشهد مرعب وسط ذهول، إذ سجل مقطع فيديو قتل شاب لجاره وفصل رأسه بطريقة مروعة باستخدام سكين، وفى محافظة الغربية قام شاب بقتل أفراد عائلته بطريقة بشعة، قام بالتخلص من عائلته المكونة، من والدته وشقيقه وشقيقته ذبحا بالسكين، وإشعال النيران فى أجسادهم بمركز قطور ، مشاهد الذبح اليومية التى ملأت أسماعنا هنا وهناك لم تفرق بين الطبقات بل انها النهاية البشعة لكل فئات المجتمع سواء المثقفة أو حتى الأمية، فى ظل انتشار «السوشيال ميديا» وسرعة البرق فى نشر الأفكار المسمومة الذى تسبب فى انتهاك الخصوصية للمواطن المصرى البسيط «أبوضحكة جنان» الشهير بخفة الدم و»القفشات» التى يحول المواقف الصعبة إلى ضحكات وابتسامات.. للأسف لم يعد دمه خفيفًا بل أصبح دمه رخيصًا، وتنوعت الأسباب التى يرجع إلى غياب الوعى الثقافى والدينى، وتعاطى المخدرات الرديئة الصنع آلتى انتشرت حالياً فى السوق المصرى والتى تفتك بالعقل وتغيبه وأسباب كثيرة وخطيرة أهمها ضياع الوازع الدينى وانهيار الأخلاق والضغوط والتوترات الاقتصادية الباب الخلفى الذى أفرز مجتمعًا مضغوطًا نفسياً وعصبيا وجسدياً عجز عن توفير حياة كريمة، يمكن تلخيصها فى عدة عوامل متداخلة، إذ إن تدهور الأوضاع الاقتصادية من تضخم وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة، يعزز من مشاعر الإحباط والضغوط النفسية، مما يؤدى إلى تصاعد العنف كوسيلة للتنفيس عن الغضب. بالإضافة إلى ذلك يؤثر الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة على تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، يعمق الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية ويزيد من السلوكيات العدوانية.، ولابد من وضع السياسات العاجلة وزيادة الوعى الثقافى والاجتماعى ونشر الخطاب الدينى، عدة عوامل حربية كخطة عاجلة لوقف نزيف وجراح مجتمع فى طريقه إلى الانهيار، إلى جانب تراجع القيم المجتمعية، أدى إلى تغيرات فى التركيبة الاجتماعية وانخفاض الوعى بالقيم الإنسانية والتسامح، زادت من انتشار السلوكيات العدوانية والعنف كجزء من سلوكيات الاحتجاج أو الدفاع عن النفس، إضافة إلى أن تعدد مصادر الأسلحة والمخدرات فى بعض المناطق يجعل العنف أكثر شيوعًا.

 

رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية

‏[email protected]

مقالات مشابهة

  • معارضون: دمشق على موعد مع ثورة جديدة
  • ترامب وحلم السطوة
  • مستر ترامب.. العالم ليس ولاية امريكية
  • د.حماد عبدالله يكتب: جدد حياتك !!
  • «الأزمة الاقتصادية» الباب الخلفى لمجتمع دموى
  • أصبحت أفعالكم لا تليق بمقام أم الدنيا
  • الرئيس المقاول
  • «ترامب».. لا بد منه!
  • قضية القضايا
  • «التنسيقية» تستعد لتنظيم ندوة الإبداع الفني ودوره في تعزيز الوعي