السياحة المفرطة.. نعمة على الحكومات ونقمة على السكان المحليين
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
من نعمة تجلب الرخاء، إلى نقمة تثقل كاهل المدن وتهدد هويتها، تحولت السياحة في العديد من الوجهات العالمية إلى ظاهرة تعرف باسم "السياحة المفرطة" بعد أن تجاوزت أعداد السائحين الهائلة قدرة بعض المدن على الاستيعاب، وأصبحت تُشكل عبئا ثقيلا على بنية المدن التحتية ومواردها الطبيعية، فضلا عن التأثيرات السلبية على ثقافة المجتمعات المحلية وتقاليدها.
دفع هذا الأمر السكان المحليين المتضررين بالمطالبات للتدخل من قبل السلطات المحلية ضد هذه الظاهرة في احتجاجات حاشدة شهدتها مدن أوروبية عريقة، فمؤخرا رفع المتظاهرون في مدينة برشلونة الإسبانية شعارات تُطالب بوضع قيود على أعداد السائحين، بل وصل الأمر إلى استخدام مسدسات المياه للتعبير عن استيائهم من أضرار النشاط السياحي "الجائر"، ضاربين بعرض الحائط أي منافع مترتبة على وجود السائحين في بلادهم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اليابان.. وجهات سياحية متفردة لاكتشاف الحياة البرية وجبال الألب الساحرةlist 2 of 2قلعة "عرب زنكي" التركية.. 11 غرفة يكتنفها الغموض تجذب السياحend of listوفي جزيرة مايوركا الإسبانية، تظاهر أمس الأحد نحو 20 ألف شخص للاحتجاج على السياحة المفرطة، وذلك بدعوة من 80 منظمة ومجموعة من المجتمع المدني، ويقول المحتجون إن النموذج الحالي للسياحة يضع الخدمات العامة على شفير الانهيار، ويضر بالموارد الطبيعية، ويصعب على السكان المحللين في مايوركا إيجاد مسكن.
ولا تقتصر الشكوى من السياحة المفرطة على بعض البلدان السياحية في أوروبا، بل امتدت إلى اليابان، ففي الأسبوع الماضي صرح رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بأن حكومته ستتخذ إجراءات لمحاربة السياحة المفرطة، وجاء تصريحه بعد أسابيع من فرض رسوم بقيمة 13 دولارا لدخول منطقة جبل فوجي الشهيرة وهي أعلى قمة في اليابان.
ما السياحة المفرطة؟وفقا لمنظمة السياحة العالمية "يو إن دبليو تي أو" (UNWTO) فالسياحة المفرطة هي "تأثير السياحة على وجهة ما أو أجزاء منها بشكل مفرط على جودة حياة المواطنين"، ظهر هذا المصطلح في عام 2017، ثم أصبح التعبير الأكثر استخداما لوصف الآثار السلبية الناتجة عن السياحة على البيئة والمجتمعات المحلية.
المتظاهرون رفعوا لافتات تطالب بالقضاء على المشكلات التي تخلفها السياحة المفرطة (رويترز) كيف أصبح النشاط السياحي جائرا؟تُشكل السياحة مصدر دخل مهم للعديد من المدن حول العالم، وتُساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل متنوعة، تغير الحال مع ازدياد حركة السفر عن حدها وتزايد المشاكل الناجمة عنها، ويمكن تفسير ظاهرة "السياحة المفرطة" الآخذة في الانتشار في ضوء مجموعة من العوامل، وتشمل:
ازدياد القدرة الشرائية في بعض البلدان، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على السفر والسياحة. زيادة الاعتماد على وسائل نقل زهيدة مثل الطيران الاقتصادي ذات التكلفة المنخفضة، مما سهّل على السياح التنقل بين مختلف الوجهات. انتشار منصات الحجز الإلكترونية التي سهّلت عملية حجز تذاكر السفر والإقامة، وشجّعت المزيد من الأشخاص على السفر. التسويق الفعال يعد سببا رئيسيا في زيادة شهرة العديد من الوجهات السياحية وجذب المزيد من السائحين لزيارتها. إقبال الزائرين: من نعمة إلى نقمة!ونتيجة لهذه العوامل، أصبح تدفق السائحين إلى بعض المدن مكثفا بشكل مضر، مما أدى إلى تفاقم الآثار السلبية للسياحة الكثيفة على مختلف جوانب الحياة، بدءا من الازدحام الشديد في الشوارع والمعالم السياحية، مما يُعيق حركة المرور ويُصعب التنقل. وليس ذلك فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل ملحوظ.
كما أدى إلى ازدياد الطلب على المساكن، خاصة خلال فترات الذروة مثل العطلات الصيفية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل كبير، وعلاوة على ذلك، تُسبب كثرة الزائرين ضغطا هائلا على البيئة، حيث تتراكم النفايات ويزداد التلوث، وتخيّم الضوضاء على المدن.
اليابان فرضت قبل فترة قصيرة رسوما لدخول السياح الأجانب لمنطقة جبل فوجي الشهيرة (رويترز)ويُشكل هذا الضغط عبئا إضافيا على مرافق البنية التحتية، التي تُصبح غير قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الزوار، ولذلك، يتغير نمط الحياة اليومي للسكان المحليين رغما عنهم لتجنب تلك الأماكن السياحية المزدحمة.
وتُعدّ جزر الكناري الإسبانية مثالا صارخا على مخاطر السياحة المفرطة، فمع ازدياد عدد الزائرين بشكل هائل، واجهت الجزر أزمة نقص في مياه الشرب في عام 2023، حين زار جزر الكناري ما يقرب من 14 مليون سائح، أي ما يعادل 7 أضعاف عدد السكان المحليين، وفقا لتقرير أذاعته منصة "دويتش فيلا" الإخبارية الألمانية "دي دبليو" (DW).
وفي فينسيا، المدينة العائمة الشهيرة في إيطاليا، يُعاني السكان المحليون من الزحام الشديد بسبب تدفق 20 مليون زائر سنويا على هذه المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة فقط.
ولا تقتصر معاناة "السياحة المفرطة" على المدن الأوروبية فقط، بل تُعاني منها أيضا العديد من المدن العربية، مثل مدينة الإسكندرية التي تقع شمال مصر، حيث يُعاني سكّانها من ازدحام شديد في فصل الصيف، بسبب تدفّق السياح من القاهرة والمدن الأخرى هربا من حرارة الجو.
كما تُعاني مدينة مكة المكرمة في موسم الحج من ضغط هائل على مرافقها العامة، بسبب توافد ملايين الحجاج من مختلف أنحاء العالم.
آلاف الإسبان في جزيرة مايوركا تظاهروا أمس الأحد للمطالبة بوضع قيود على تدفق السياح (الفرنسية) تحول المدن لخدمة السائحينلم تقتصر تأثيرات السياحة المفرطة على تلك المظاهر السالفة الذكر وحسب، بل ظهر ما يُعرف بـ"Touristfication" ويُقصد بهذا المصطلح تغيير هوية المكان أو المدينة بشكل جذري ليتناسب مع احتياجات السائحين ورغباتهم، وذلك رغبة في جلب المزيد من السياح وتحقيق المزيد من الأرباح.
ويُترجم ذلك على أرض الواقع من خلال تحول المحال التجارية والأسواق المحلية إلى بيع الهدايا التذكارية والمنتجات التي تُلبي أذواق السائحين، بدلا من تلبية احتياجات السكان المحليين، ويُؤدي إلى تآكل ثقافة المجتمع المحلي وفقدان هويته، بجانب ارتفاع تكاليف المعيشة على السكان المحليين.
تدابير مواجهة السياحة المفرطةدفع التزايد الهائل في عدد الزوار لمدينة فينسيا السلطات المحلية إلى التضييق على أعداد السائحين بفرض رسم دخول للمدينة قدره 5 يوروات طُبق رسميا بدءا من أبريل/نيسان 2024، كما فرضت أمستردام ضريبة سياحية يومية وألغت الجولات الرسمية في عدد من أشهر وجهات العاصمة الهولندية.
بينما قامت سلطات مدينة برشلونة بفرض رسوم زيارة على معالم الجذب السياحي وزيادة الضرائب على وسائل النقل العامة بهدف ردع السياح عن استخدامها، ورغم هذه الإجراءات، يرى بعض المسؤولين أنها غير كافية للحد من تدفق السائحين المتزايد.
كما يُطالب السكان المحليون في العديد من المدن المكتظة بالسائحين، بإجراءات أكثر صرامة، مثل تحديد حد أقصى لعدد الزائرين اليومي، أو فرض قيود على نوعية الإقامات السياحية المتاحة، ويُعبّر السكان عن استيائهم من خلال مسيرات سلمية، يطالبون فيها السياح بمغادرة المدن والعودة إلى بلدانهم.
الحلول المطروحةمع ازدياد حدة ظاهرة "السياحة المفرطة"، بات من الضروري اتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه المشكلة، وتقع مسؤولية معالجة هذه الظاهرة على عاتق كل من السلطات المحلية والسائحين على حدٍّ سواء.
ولتحقيق ذلك هناك العديد من الأدوار التي يجب على السلطات المحلية القيام بها وهي:
التخطيط السياحي الإستراتيجي من خلال وضع خطط مدروسة لتحديد أعداد الزائرين المسموح بهم مع مراعاة قدرة كل منطقة على استيعابهم. إشراك السكان المحليين في صنع السياسات السياحية، لضمان مراعاة احتياجاتهم. تطوير البنية التحتية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات، مثل وسائل النقل والمياه والطاقة. وضع ضوابط وقوانين صارمة لحماية البيئة والموارد الطبيعية في الوجهات السياحية المزدحمة، مع فرض عقوبات على المخالفين. رفع وعي السائحين بطرق مبتكرة لتشجيع السلوكيات المسؤولة التي تحافظ على البيئة، وتُحترم الثقافة المحلية.وعلى المسافرين أيضا اتباع العديد من المعايير من أجل تجنب هذه المشكلة من خلال تغيير بعض عادات السفر مثل:
السفر في المواسم غير المزدحمة حيث تكون المناطق السياحية أقل ازدحاما. اكتشاف وجهات بديلة أو مناطق أقل شهرة، وتتمتع بمقومات جاذبة في الوقت ذاته. تجنب الأنشطة الشائعة والبحث عن تجارب مختلفة مثل الأنشطة التي ينظمها السكان المحليون. الحرص على الإقامة في أماكن بعيدة عن المراكز السياحية.تتطلب معالجة ظاهرة "السياحة المفرطة" جهدا مشتركا من جميع الأطراف المعنية، من حكومات وجهات سياحية وسائحين، لضمان استدامة السياحة وحماية البيئة والثقافة المحلية.
———————-
الدكتورة رضوى زكي، باحثة مصرية شغوفة بالسفر والكتابة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطات المحلیة السیاحة المفرطة السکان المحلیین المزید من العدید من من خلال التی ت
إقرأ أيضاً:
حكايات السكان والمقاعد: كيف تُرسم خارطة العراق من جديد؟
21 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: في خضمّ الحديث المتزايد عن التعداد السكاني المزمع إجراؤه قريبًا في العراق، تُثار تساؤلات كثيرة حول تأثيره على توزيع التنمية الإقليمية والتمثيل البرلماني.
مصادر اقتصادية أكدت أن “عدد السكان هو المعيار الوحيد لتوزيع مبالغ تنمية الأقاليم”، مما يعني أن المحافظات ذات النمو السكاني الكبير ستشهد زيادة حصتها من الأموال المخصصة للتنمية، بينما قد تُعاني المحافظات الأقل سكانًا من تراجع في مواردها التنموية.
في إحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى، تحدث المواطن فلاح الزبيدي، وهو مزارع يبلغ من العمر 52 عامًا، عن قلقه قائلاً: “لا نشعر بأن أعداد السكان الكبيرة تُترجم إلى خدمات أفضل. نتمنى أن تُحقق الأرقام العدالة بدلًا من أن تكون مجرد رقم على الورق.”
بينما في محافظة البصرة، كتبت تغريدة لشابة تُدعى سارة الموسوي تقول: “التعداد يعني مقاعد أكثر في البرلمان، لكن هل يعني ذلك صوتًا أقوى لمشكلاتنا؟ البصرة تستحق أكثر من مجرد أرقام.”
في خضم هذه التحليلات، تحدث نبيل المرسومي، المختص بالشأن الاقتصادي، مؤكدًا أن “زيادة عدد السكان ستؤدي حتمًا إلى زيادة مقاعد بعض المحافظات في البرلمان خلال الدورات المقبلة”، وهو ما قد يُلقي بظلاله على الموازنة العامة، خصوصًا إذا استمرت المادة (47) في الدستور تنص على تخصيص نائب لكل 100 ألف نسمة.
وفق مصادر برلمانية، فإن التعداد السكاني الحالي قد يدفع عدد النواب إلى ما لا يقل عن 430 نائبًا، موزعين على 18 محافظة، وفقًا لنتائج الإحصاء المنتظر. هذا الأمر أثار ردود فعل متباينة بين المواطنين والناشطين.
مواطنة من بغداد تُدعى هدى الكناني كتبت على فيسبوك: “إذا كانت زيادة النواب ستزيد من مشاكلنا بدلًا من حلها، فما الفائدة؟ نحتاج إلى كفاءة لا إلى أرقام.”
في المقابل، تحدث مصدر سياسي من النجف، موضحًا أن “التحدي الأكبر يكمن في ضمان عدالة التوزيع بين المحافظات، خاصة تلك التي شهدت حركة سكانية كبيرة نتيجة النزوح أو الهجرة.”
و من زاوية تحليلية، أفاد الباحث الاجتماعي قاسم عبد الكريم أن “التعداد لا يجب أن يكون فقط أداة إحصائية، بل ينبغي أن يُستخدم لتحديد الفجوات التنموية بوضوح.”
وأضاف: “إذا لم تُعالج الفروقات التنموية بين المحافظات، فإن الأرقام قد تُصبح مصدرًا جديدًا للنزاع بدلًا من أن تكون عاملًا للإنصاف.”
تحدث أحد سكان الموصل، ويدعى محمد البياتي، قائلًا: “شهدنا نزوحًا كبيرًا في السنوات الماضية، وإذا لم يأخذ التعداد ذلك بعين الاعتبار، فقد يتم تهميش محافظتنا مجددًا.”
بينما أكد ناشط سياسي في تغريدة على منصة “إكس” أن “التعداد قد يكشف عن حقائق صادمة حول التركيبة السكانية الجديدة، مما قد يُغير ملامح السياسة في العراق بالكامل.”
و وفقًا لما ذكره عدد من الخبراء، فإن تعديل المادة (47) من الدستور قد يُخفف من عبء زيادة المقاعد النيابية، مع اقتراح نظام جديد لتوزيع المقاعد لا يعتمد فقط على أعداد السكان، بل يأخذ في الاعتبار مستوى التنمية ومستوى الخدمات المقدمة.
بينما تظل الآراء متضاربة والتوقعات مفتوحة، يبقى التعداد السكاني أداة قد تُعيد رسم الخريطة التنموية والسياسية للعراق. فهل سيكون هذا التعداد خطوة نحو العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، أم مجرد رقم جديد يُضاف إلى تحديات البلاد؟
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts