من نعمة تجلب الرخاء، إلى نقمة تثقل كاهل المدن وتهدد هويتها، تحولت السياحة في العديد من الوجهات العالمية إلى ظاهرة تعرف باسم "السياحة المفرطة" بعد أن تجاوزت أعداد السائحين الهائلة قدرة بعض المدن على الاستيعاب، وأصبحت تُشكل عبئا ثقيلا على بنية المدن التحتية ومواردها الطبيعية، فضلا عن التأثيرات السلبية على ثقافة المجتمعات المحلية وتقاليدها.

دفع هذا الأمر السكان المحليين المتضررين بالمطالبات للتدخل من قبل السلطات المحلية ضد هذه الظاهرة في احتجاجات حاشدة شهدتها مدن أوروبية عريقة، فمؤخرا رفع المتظاهرون في مدينة برشلونة الإسبانية شعارات تُطالب بوضع قيود على أعداد السائحين، بل وصل الأمر إلى استخدام مسدسات المياه للتعبير عن استيائهم من أضرار النشاط السياحي "الجائر"، ضاربين بعرض الحائط أي منافع مترتبة على وجود السائحين في بلادهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اليابان.. وجهات سياحية متفردة لاكتشاف الحياة البرية وجبال الألب الساحرةlist 2 of 2قلعة "عرب زنكي" التركية.. 11 غرفة يكتنفها الغموض تجذب السياحend of list

وفي جزيرة مايوركا الإسبانية، تظاهر أمس الأحد نحو 20 ألف شخص للاحتجاج على السياحة المفرطة، وذلك بدعوة من 80 منظمة ومجموعة من المجتمع المدني، ويقول المحتجون إن النموذج الحالي للسياحة يضع الخدمات العامة على شفير الانهيار، ويضر بالموارد الطبيعية، ويصعب على السكان المحللين في مايوركا إيجاد مسكن.

ولا تقتصر الشكوى من السياحة المفرطة على بعض البلدان السياحية في أوروبا، بل امتدت إلى اليابان، ففي الأسبوع الماضي صرح رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بأن حكومته ستتخذ إجراءات لمحاربة السياحة المفرطة، وجاء تصريحه بعد أسابيع من فرض رسوم بقيمة 13 دولارا لدخول منطقة جبل فوجي الشهيرة وهي أعلى قمة في اليابان.

ما السياحة المفرطة؟

وفقا لمنظمة السياحة العالمية "يو إن دبليو تي أو" (UNWTO) فالسياحة المفرطة هي "تأثير السياحة على وجهة ما أو أجزاء منها بشكل مفرط على جودة حياة المواطنين"، ظهر هذا المصطلح في عام 2017، ثم أصبح التعبير الأكثر استخداما لوصف الآثار السلبية الناتجة عن السياحة على البيئة والمجتمعات المحلية.

المتظاهرون رفعوا لافتات تطالب بالقضاء على المشكلات التي تخلفها السياحة المفرطة (رويترز) كيف أصبح النشاط السياحي جائرا؟

تُشكل السياحة مصدر دخل مهم للعديد من المدن حول العالم، وتُساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل متنوعة، تغير الحال مع ازدياد حركة السفر عن حدها وتزايد المشاكل الناجمة عنها، ويمكن تفسير ظاهرة "السياحة المفرطة" الآخذة في الانتشار في ضوء مجموعة من العوامل، وتشمل:

ازدياد القدرة الشرائية في بعض البلدان، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على السفر والسياحة. زيادة الاعتماد على وسائل نقل زهيدة مثل الطيران الاقتصادي ذات التكلفة المنخفضة، مما سهّل على السياح التنقل بين مختلف الوجهات. انتشار منصات الحجز الإلكترونية التي سهّلت عملية حجز تذاكر السفر والإقامة، وشجّعت المزيد من الأشخاص على السفر. التسويق الفعال يعد سببا رئيسيا في زيادة شهرة العديد من الوجهات السياحية وجذب المزيد من السائحين لزيارتها. إقبال الزائرين: من نعمة إلى نقمة!

ونتيجة لهذه العوامل، أصبح تدفق السائحين إلى بعض المدن مكثفا بشكل مضر، مما أدى إلى تفاقم الآثار السلبية للسياحة الكثيفة على مختلف جوانب الحياة، بدءا من الازدحام الشديد في الشوارع والمعالم السياحية، مما يُعيق حركة المرور ويُصعب التنقل. وليس ذلك فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل ملحوظ.

كما أدى إلى ازدياد الطلب على المساكن، خاصة خلال فترات الذروة مثل العطلات الصيفية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل كبير، وعلاوة على ذلك، تُسبب كثرة الزائرين ضغطا هائلا على البيئة، حيث تتراكم النفايات ويزداد التلوث، وتخيّم الضوضاء على المدن.

اليابان فرضت قبل فترة قصيرة رسوما لدخول السياح الأجانب لمنطقة جبل فوجي الشهيرة (رويترز)

ويُشكل هذا الضغط عبئا إضافيا على مرافق البنية التحتية، التي تُصبح غير قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الزوار، ولذلك، يتغير نمط الحياة اليومي للسكان المحليين رغما عنهم لتجنب تلك الأماكن السياحية المزدحمة.

وتُعدّ جزر الكناري الإسبانية مثالا صارخا على مخاطر السياحة المفرطة، فمع ازدياد عدد الزائرين بشكل هائل، واجهت الجزر أزمة نقص في مياه الشرب في عام 2023، حين زار جزر الكناري ما يقرب من 14 مليون سائح، أي ما يعادل 7 أضعاف عدد السكان المحليين، وفقا لتقرير أذاعته منصة "دويتش فيلا" الإخبارية الألمانية "دي دبليو" (DW).

وفي فينسيا، المدينة العائمة الشهيرة في إيطاليا، يُعاني السكان المحليون من الزحام الشديد بسبب تدفق 20 مليون زائر سنويا على هذه المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة فقط.

ولا تقتصر معاناة "السياحة المفرطة" على المدن الأوروبية فقط، بل تُعاني منها أيضا العديد من المدن العربية، مثل مدينة الإسكندرية التي تقع شمال مصر، حيث يُعاني سكّانها من ازدحام شديد في فصل الصيف، بسبب تدفّق السياح من القاهرة والمدن الأخرى هربا من حرارة الجو.

كما تُعاني مدينة مكة المكرمة في موسم الحج من ضغط هائل على مرافقها العامة، بسبب توافد ملايين الحجاج من مختلف أنحاء العالم.

آلاف الإسبان في جزيرة مايوركا تظاهروا أمس الأحد للمطالبة بوضع قيود على تدفق السياح (الفرنسية) تحول المدن لخدمة السائحين

لم تقتصر تأثيرات السياحة المفرطة على تلك المظاهر السالفة الذكر وحسب، بل ظهر ما يُعرف بـ"Touristfication" ويُقصد بهذا المصطلح تغيير هوية المكان أو المدينة بشكل جذري ليتناسب مع احتياجات السائحين ورغباتهم، وذلك رغبة في جلب المزيد من السياح وتحقيق المزيد من الأرباح.

ويُترجم ذلك على أرض الواقع من خلال تحول المحال التجارية والأسواق المحلية إلى بيع الهدايا التذكارية والمنتجات التي تُلبي أذواق السائحين، بدلا من تلبية احتياجات السكان المحليين، ويُؤدي إلى تآكل ثقافة المجتمع المحلي وفقدان هويته، بجانب ارتفاع تكاليف المعيشة على السكان المحليين.

تدابير مواجهة السياحة المفرطة

دفع التزايد الهائل في عدد الزوار لمدينة فينسيا السلطات المحلية إلى التضييق على أعداد السائحين بفرض رسم دخول للمدينة قدره 5 يوروات طُبق رسميا بدءا من أبريل/نيسان 2024، كما فرضت أمستردام ضريبة سياحية يومية وألغت الجولات الرسمية في عدد من أشهر وجهات العاصمة الهولندية.

بينما قامت سلطات مدينة برشلونة بفرض رسوم زيارة على معالم الجذب السياحي وزيادة الضرائب على وسائل النقل العامة بهدف ردع السياح عن استخدامها، ورغم هذه الإجراءات، يرى بعض المسؤولين أنها غير كافية للحد من تدفق السائحين المتزايد.

كما يُطالب السكان المحليون في العديد من المدن المكتظة بالسائحين، بإجراءات أكثر صرامة، مثل تحديد حد أقصى لعدد الزائرين اليومي، أو فرض قيود على نوعية الإقامات السياحية المتاحة، ويُعبّر السكان عن استيائهم من خلال مسيرات سلمية، يطالبون فيها السياح بمغادرة المدن والعودة إلى بلدانهم.

الحلول المطروحة

مع ازدياد حدة ظاهرة "السياحة المفرطة"، بات من الضروري اتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه المشكلة، وتقع مسؤولية معالجة هذه الظاهرة على عاتق كل من السلطات المحلية والسائحين على حدٍّ سواء.

ولتحقيق ذلك هناك العديد من الأدوار التي يجب على السلطات المحلية القيام بها وهي:

التخطيط السياحي الإستراتيجي من خلال وضع خطط مدروسة لتحديد أعداد الزائرين المسموح بهم مع مراعاة قدرة كل منطقة على استيعابهم. إشراك السكان المحليين في صنع السياسات السياحية، لضمان مراعاة احتياجاتهم. تطوير البنية التحتية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات، مثل وسائل النقل والمياه والطاقة. وضع ضوابط وقوانين صارمة لحماية البيئة والموارد الطبيعية في الوجهات السياحية المزدحمة، مع فرض عقوبات على المخالفين. رفع وعي السائحين بطرق مبتكرة لتشجيع السلوكيات المسؤولة التي تحافظ على البيئة، وتُحترم الثقافة المحلية.

وعلى المسافرين أيضا اتباع العديد من المعايير من أجل تجنب هذه المشكلة من خلال تغيير بعض عادات السفر مثل:

السفر في المواسم غير المزدحمة حيث تكون المناطق السياحية أقل ازدحاما. اكتشاف وجهات بديلة أو مناطق أقل شهرة، وتتمتع بمقومات جاذبة في الوقت ذاته. تجنب الأنشطة الشائعة والبحث عن تجارب مختلفة مثل الأنشطة التي ينظمها السكان المحليون. الحرص على الإقامة في أماكن بعيدة عن المراكز السياحية.

تتطلب معالجة ظاهرة "السياحة المفرطة" جهدا مشتركا من جميع الأطراف المعنية، من حكومات وجهات سياحية وسائحين، لضمان استدامة السياحة وحماية البيئة والثقافة المحلية.

———————-

الدكتورة رضوى زكي، باحثة مصرية شغوفة بالسفر والكتابة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطات المحلیة السیاحة المفرطة السکان المحلیین المزید من العدید من من خلال التی ت

إقرأ أيضاً:

إش إش .. الأبطال يواصلون تصوير أحداث المسلسل

يواصل أبطال مسلسل إش إش، تصوير مشاهدهم في العمل المقرر أن يعرض ضمن الموسم الرمضاني المقبل 2024، من بطولة مي عمروإخراج محمد سامي .

 

مسلسل إش إش من بطولة أحمد زاهر، ماجد المصري، عماد زيادة، أروى جودة، كمال أبو رية، ياسر علي ماهر، ولاء الشريف، أحمد ماجد، محمد الدسوقي، طارق النهري، سامي مغاوري، لبنى ونس، غادة فلفل، سلوى عثمان، هدير عبد الناصر، والعمل من تأليف محمد سامي ومهاب طارق، ومن إخراج محمد سامي.

 

أعلن المخرج محمد سامي، بدء تصوير العمل، إذ نشر مجموعة صور من الكواليس عبر حسابه بموقع الصور والفيديوهات الشهير “إنستجرام”، معلقًا:" من تصوير مسلسل إش إش للنجمة مي عمر، هيكون بإذن الله من أقوى مسلسلاتي على mbc في رمضان 2025 ان شاء الله ".

 مسلسل إش إش في رمضان 2025
 

تدور أحداث إش إش، في إطار 30 حلقة، وتجسد مي عمر دور راقصة خلال الأحداث، والعمل من تأليف وإخراج محمد سامي.

 

ومن ناحية أخرى، تشارك مي عمر في بطولة فيلم الغربان، ومقرر أن يعرض بداية العام المقبل في جميع دور العرض السينمائي .

 

ويشارك في بطولة فيلم الغربان بجانب عمرو سعد ومي عمر، عدد من النجوم أبرزهم محمد علاء، أسماء أبواليزيد، ماجد المصري، جميل برسوم، عبدالعزيز مخيون، صفاء الطوخي، محمود بزاوي، أحمد بدير، وغيرهم.

 

تدور أحداث الفيلم حول حقبة زمنية قديمة في عام 1942، فترة الحرب العالمية الثانية، ومعركة رومل في إطار من الأكشن والتشويق.

 

المسلسل يتناول قصة يوسف الذي يُتهم بإنهاء حياة والدته، مما تدفعه الظروف للسفر والتخفي في عدد من الدول الأفريقية، حتى يغوص في عالم العصابات.

 

كانت مي عمر، حصدت جائزتين، الأولى أفضل ممثلة في رمضان 2024، والثانية التميز باخيتار الجمهور، وذلك عن دورها في مسلسل نعمة الأفوكاتو .

 

ووجهت مي عمر الشكر وقتها لكأس إنرجي، وكتبت عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك":" شكرا كأس أنرجي جائزه أفضل ممثله في رمضان ٢٠٢٤ عن مسلسل نعمه الافوكاتو بتصويت الجمهور وجائزه التميز بإختيار النقاد ".

 

وأضافت في رسالتها، قائلة:" شكرا لثقه الجمهور و تصويتهم و يارب دايما أكون عند حسن ظنكم ".

مسلسل «نعمة الأفوكاتو»

 

مسلسل نعمة الأفوكاتو، تدور أحداثه في إطار 15 حلقة، وتجسد مي عمر خلاله دور "نعمة"، محامية ذكية ولكنها تواجه العديد من التحديات والمواقف الصعبة في حياتها سواء من جانب زوجها الدى يخونها ويسرقها أو من ناحية العمل حيث تركت مكتب المحاماة الذى تعمل به، ولكنها تستعيد قوتها وتقرر فتح مكتب محاماة خاص بها من داخل قهوة بلدى ومن هنا تبدأ رحلة نعمة الأفوكاتو والتي ستكشفها الأحداث. 

 

مسلسل نعمة الأفوكاتو، بطولة مجموعة من النجوم وهم: مي عمر،  أحمد زاهر، أروى جودة،  كمال أبو ريه، عماد زيادة، ياسر على ماهر، ولاء الشريف، أحمد ماجد، محمد الدسوقى، طارق النهرى، سامى مغاورى، لبنى ونس، غادة فلفل، سلوى عثمان، هدير عبد الناصر وتأليف محمد سامى ومهاب طارق وإخراج محمد سامى.

 

وكانت “مي” كشفت عن أصعب المشاهد في مسلسل نعمة الأفوكاتو، قائلة:" مشهد إني بنزل لتربة حقيقية وزاهر بينزل بيرمي السجادة ويطلع يقفل، وقالوا لي فيه أوضة جوا استخبي فيها علشان رجلي متطبعش وخبوني بالداخل وبعدين هو قفل”.

 

وتابعت مي عمر: "انا أول ما قفل جالي نوبة ومحدش فتح فقولت أن فيه كارثة حصلت برا وسابوني تحت.. وانا بكره الضلمة والأماكن الضيقة".

 

وأردفت الفنانة مي عمر: "والمشهد اتعاد كذا مرة لأني كنت بعيط وأصرخ وأطلع والمخرج بدأ يقول يلا أنا عايز أصور".

 

 

مقالات مشابهة

  • من عطلتها الصيفية.. مي عمر تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها
  • القرقاوي: "قمة الحكومات" المنصة العالمية الوحيدة لمناقشة مستقبل الإنسان
  • من داخل الطائرة.. مي عمر تتألق بأحدث ظهور لها
  • منتدى الاتصال بالشارقة يؤكد أهمية مرونة الحكومات في تعزيز الابتكار وتطوير الفرص
  • إش إش .. الأبطال يواصلون تصوير أحداث المسلسل
  • الحكومات مطالبة بالاستفادة من بحوث الاتصال
  • نائب وزير السياحة تشارك في ختام المعرض الدولي لتجهيزات الفنادق والمنشآت السياحية
  • «الخارجية الأمريكية»: إسرائيل وافقت على الانسحاب من الأماكن كثيفة السكان في غزة
  • انعقاد برنامج البناء الثقافي لأئمة الفيوم
  • وقفة مع ذكرى المولد النبوي الشريف