النيجر.. لماذا ترفض الجزائر أي تدخل عسكري خارجي
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
النيجر.. لماذا ترفض الجزائر أي تدخل عسكري خارجي
الجزائر لا تفضل حصرية السيطرة الفرنسية على الجغرافيا السياسية بالساحل.
موقف الجزائر بشأن النيجر ينسجم تماما مع المبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي.
"أهمية النيجر للجزائر تدفع بالأخيرة إلى مراقبة الأوضاع عن كثب، فأي تطورات سلبية للأوضاع ستنعكس عليها مباشرة".
مئات آلاف النيجريين يقصدون الجزائر في إطار الهجرة غير النظامية، ومع انزلاق الأوضاع نحو العنف ستكون الأزمة أكبر.
إدانة الجزائر لانقلاب النيجر وتحذيرها من التدخل العسكري الخارجي نابع من مخاطر احتمال انهيار الاستقرار النسبي في هذا البلد.
أكدت الجزائر رفضها القاطع لأي تدخل عسكري في جارتها الجنوبية النيجر، ودعت في الوقت ذاته إلى العودة للشرعية الدستورية.
دعا تبون خلال زيارته لروسيا لمساهمة متعددة الأطراف في معالجة قضايا المنطقة، بدلا من الحصرية التي تخدم المصالح الضيقة.
حدود مشتركة وروابط إنسانية وتاريخية تجعل الجزائر على رأس الدولة المعنية بأي تحول سياسي أو أمني في النيجر الغنية بالموارد الطبيعية وشديدة الفقر اقتصاديا.
* * *
الجزائر: انتهت الأحد مهلة لمدة أسبوع منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" للمجلس العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، وإلا ستتدخل دول المجموعة عسكريا.
ومع انتهاء المهلة، أكدت الجزائر رفضها القاطع لأي تدخل عسكري في جارتها الجنوبية النيجر، ودعت في الوقت ذاته إلى العودة للشرعية الدستورية، معربة عن استعدادها للمساعدة، دون أن تكشف عن أي جهود مستقبلية لإعادة الاستقرار السياسي في النيجر.
وفي 26 يوليو/ تموز الماضي احتجز عناصر من الحرس الرئاسي الرئيس بازوم وعائلته، وبعد فشلهم في إرغامه على إعلان استقالته، علقوا في اليوم التالي العمل بالدستور، وأعلنوا تشكيل ما سُمي "المجلس الانتقالي لإنقاذ الوطن"، بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني القائد السابق للحرس الرئاسي.
ومنذ الإطاحة ببازوم، لم تخرج ردود أفعال الجزائر عن الموقف الدبلوماسي والمبدئي الرافض للانقلابات، بينما لا يزال الغموض يلف دورها المحتمل في المراحل المقبلة.
وتربط الجزائر والنيجر حدود مشتركة تمتد لنحو ألف كيلومتر، إلى جانب روابط إنسانية وتاريخية، ما يجعل الجزائر على رأس الدولة المعنية بأي تحول سياسي أو أمني في الدولة الغنية بالموارد الطبيعية وشديدة الفقر اقتصاديا.
وحتى الآن، لم يقدم فريق الانقلابيين، بقيادة تشياني، ورقة طريق سياسة لإدارة البلاد، وهو ما يُفسر، بحسب مراقبين، تريث الجزائر في الكشف عن دورها المحتمل مستقبلا.
ويتعرض قادة الانقلاب لضغوط كبيرة من الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى “إيكواس”، للإفراج عن الرئيس محمد بازوم والعودة إلى الشرعية الدستورية.
ثلاث لاءات
بعد بيانات رسمية ومحادثات هاتفية، حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقف بلاده برفض أي تدخل عسكري تقدم عليه “إيكواس” لإنهاء الانقلاب في النيجر.
ويتضح من موقفه أن الجزائر لا تدعم الخيار العسكري ولا تنوي المشاركة فيه ولا تعتزم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الانقلابيين.
والسبت، قال تبون، في مقابلة مع وسائل إعلامية محلية: "نرفض بشكل قاطع وتام استخدام القوة في النيجر"، معتبرا أن "المشاكل القائمة تُحل بالتي هي أحسن (سلميا)”.
وحذر من أن التدخل العسكري إذا حدث سيكون "تهديدا مباشرا للجزائر، لما له من تداعيات عليها وعلى المنطقة ككل.. وعلى من يملكون عقلا النظر إلى البلدان التي تم التدخل فيها عسكريا، فالمشاكل ما زالت موجودة إلى غاية اليوم في ليبيا واليمن وسوريا".
تبون أردف: "لم يسبق في تاريخنا أن أرقنا دماء إخواننا أو أصدقائنا، ولن نفعل ذلك"، مضيفا أن بلاده ستتدخل فقط لمساعدة جيرانها اقتصاديا وتنمويا، مستدلا بموقف مماثل اتخذته مع مالي قبل عامين.
في الوقت نفسه، قال تبون: "نحن مع عودة الشرعية الدستورية وإذا كانوا يريدون مساعدتنا ألف مرحبا".
وأبلغت الجزائر موقفها هذا لدول “إيكواس” عندما استقبل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الخميس، باباغانا كينجيبي المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة.
وحتى الآن، لم تتواصل الجزائر مع الانقلابيين في النيجر، ولم تتخذ أي إجراءات من قبيل غلق الحدود أو تعليق الرحلات الجوية والمعاملات التجارية.
بلد جار واستراتيجي
وإلى جانب تقاسمها أطول الحدود البرية مقارنة بدول غرب إفريقيا الأخرى، تقع النيجر ضمن العمق الاستراتيجي للجزائر، بالنظر إلى الروابط الإنسانية والتاريخية والاقتصادية والأمنية منذ القدم.
ويتقاسم البلدان رابطة القرابة والدم، التي يجسدها السكان من الطوارق الممتدين بينهما وبعض القبائل العربية التي ينحدر منها الرئيس بازوم.
ومنذ عقود طويلة، يرتبطان بتجارة مقايضة تطورت في السنوات الأخيرة إلى مشاريع مناطق حرة، دعا الرئيس تبون مؤخرا إلى سرعة إنجازها في إطار خطط الجزائر الاقتصادية الرامية إلى رفع الصادرات خارج الطاقة.
ومضى البلدان قدما في إنجاز مشاريع استراتيجية في إطار التكامل الإقليمي، منها الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بـ5 دول من الساحل الإفريقي، كما اتفقا على أن تتكفل الجزائر بإنجاز شطر النيجر من أنبوب الغاز لاغوس (نيجريا- الجزائر) بطاقة 30 مليار متر مكعب سنويا.
وعبر فرعها الدولي للاستكشاف والإنتاج، تملك شركة سونطراك الجزائرية (حكومية) مساهمة بتطوير حقول نفطية شمال النيجر منذ 2015، ووقَّعت مع وزارة البترول النيجرية في فبراير/ شباط 2022 عقدا لتقاسم الإنتاج برقعة "كفرا".
وعلى المستوى الأمني، تجمع البلدين اتفاقات منها اتفاق تسيير دوريات مشتركة لتأمين الحدود منذ 2021، والتواجد ضمن دول مجموعة الميدان التي تضم قادة أركان جيوش البلدين إلى جانب مالي وموريتانيا.
وتضع الجزائر هذه الدول ضمن حزام طوق الأمن القومي للبلاد، وعادة ما تكون أولى المحطات الخارجية لكل وزير خارجية يجري تعيينه.
وتعتبر الجزائر منطقة الساحل بؤرة أزمات أمنية هجينة، تضم الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، لذلك ترفض كل العوامل المفاقمة التي تضع أعباءً إضافية على الجيش الجزائري في تأمين الحدود.
وحتى الآن، لم تظهر أي بوادر لتعارض ما يجري في النيجر مع مصالح الجزائر، على عكس فرنسا التي أجلت رعاياها، في وقت تحدثت وسائل إعلام محلية عن نوايا قادة الانقلاب تعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا.
ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلن قادة الانقلاب إعادة فتح المجال الجوي مع الجزائر ومالي وبوركينافاسو، بعد إغلاقه أثناء إعلان تعليق العمل بالدستور وتشكيل "المجلس الانتقالي لإنقاذ الوطن".
موقف دبلوماسي مبدئي
الخبير الدولي في الأزمات حسان قاسمي قال للأناضول إن موقف الجزائر المعلن من الانقلاب في النيجر "متوافق مع الشرعية الدولية والدستورية.. للجزائر مواقف دبلوماسية سليمة ولا يمكنها أن تدعم أي انقلاب".
واعتبر أن "ما يُسمى بتأثير الدومينو يضرب مناطق النفوذ التقليدي لفرنسا في إفريقيا، بداية من مالي ثم بوركينا فاسو وحاليا النيجر، آخر معقل لفرنسا المتواجدة في شكل الاستعمار الجديد".
قاسمي شدد على أن "أهمية النيجر للجزائر تدفع بالأخيرة إلى مراقبة الأوضاع عن كثب، فأي تطورات سلبية للأوضاع ستنعكس عليها مباشرة".
وأوضح أن مئات الآلاف من النيجريين يقصدون الجزائر في إطار الهجرة غير النظامية، ومع انزلاق الأوضاع نحو العنف ستكون الأزمة أكبر، فالنيجر تضم 26 مليون نسمة، منهم 13 مليونا تحت خط الفقر، وأي تدخل عسكري سيؤدي إلى مجاعة وانتشار السلاح بشكل فوضوي "وهذا ما تخشاه الجزائر".
ومحذرا من احتمال مضاعفة أعباء الجيش الجزائري في تأمين البلاد، قال قاسمي إن وجود حرب على حدود الجزائر، وفي منطقة تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية، يضع الجيش في "حالة استنفار كبيرة".
ورجح أن دور الجزائر سيتضح أكثر إذا ما قدم قادة الانقلاب ورقة واضحة تحدد آجال تسليم السلطة للمدنيين، مع الإفراج عن الرئيس بازوم أو قبوله تقديم الاستقالة.
وسبق وأن تجاوبت الجزائر مع السلطات الانتقالية الحالية في مالي، إثر تقديمها خارطة طريق واضحة للعودة إلى الحكم الديمقراطي.
دعم تطلعات الشعوب
مشددا على أن الجزائر معروفة بمساندة تطلعات الشعوب الإفريقية، قال المختص بقضايا الساحل الإفريقي يوسف مشرية، للأناضول إن موقف الجزائر بشأن النيجر ينسجم تماما مع المبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي.
ولفت “مشرية” إلى أن إدانة الجزائر للانقلاب في النيجر وتحذيرها من التدخل العسكري الخارجي نابع من مخاطر احتمال انهيار الاستقرار النسبي في هذا البلد.
وعما إذا كان تضرر نفوذ فرنسا في المنطقة يعود بالفائدة على الجزائر، قال إن الأخيرة لا تفضل حصرية السيطرة الفرنسية على الجغرافيا السياسية بالساحل، مشيرا إلى أن تبون دعا خلال زيارته لروسيا إلى مساهمة متعددة الأطراف في معالجة قضايا المنطقة، بدلا من الحصرية التي تخدم المصالح الضيقة.
وواصفا المقاربة الجزائرية بـ"الواضحة"، ختم مشرية بإيضاح أنها “تقوم على توظيف أموال الأسلحة والمرتزقة في برامج تنموية تلبي احتياجات السكان، لذلك ترفض التواجد الأجنبي بمختلف أشكاله”.
المصدر | الأناضولالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الجزائر النيجر الساحل إيكواس عبد المجيد تبون محمد بازوم تدخل عسكري قادة الانقلاب أی تدخل عسکری فی النیجر فی إطار
إقرأ أيضاً:
نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.
خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام
يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.
وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.
تفاصيل صفقة الإقرار بالذنبوفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.
مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.
السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهولا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.
الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.
احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.
ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.
أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟
تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.