لا يزال الطريق إلى تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد معبدا بالملفات الشائكة على الرغم  من الرسائل "الإيجابية" المتبادلة بين الجانبين خلال الآونة الأخيرة، والتي تشير إلى وجود عزم إلى الرفع بشكل تدريجي من مستوى الاجتماعات الهادفة إلى جسر الفجوات بين أنقرة ودمشق، مع تأكيد كل طرف منهما على توقعاته من مسار التفاوض الشائك.



وفي حين تدفع تركيا خطاها على مسار التطبيع تحت وطأة ملف مكافحة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية في شمال شرق سوريا، وإيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين المتفاقمة عبر تفاهمات مع بشار الأسد، فإن الأخير يؤكد على ضرورة انسحاب القوات التركية من شمال غربي البلاد وإنهاء دعم أنقرة لفصائل المعارضة السوري.

ورغم أن الشروط المسبقة التي أتى بها الطرفان إلى الاجتماعات المتواصلة بينهما على مستويات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، تسببت في عرقلة المسار بشكل كبير، إلا أن إبداء أنقرة عزمها دراسة انسحاب قواتها في الوقت المناسب، وحديث النظام السوري عن جدول زمني لسحب القوات التركية، يشير إلى أن الجانبين يتجهان هذه المرة بخطى أوثق على هذا المسار المحفوف بالملفات الشائكة.

من الازدهار إلى الانهيار
قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011، كانت دمشق تعد حليفا اقتصاديا وسياسيا مهما لأنقرة، حيث شهدت العلاقات بين البلدين مرحلة مزدهرة تكللت بلقاءات عائلية بين عائلة الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومع تصاعد وحشية النظام في قمع الاحتجاجات الشعبية، أغلقت تركيا سفارتها في دمشق عام 2012 وبدأت في اتخاذ منحى معارض للأسد ونظامه، مقابل تقارب كبير مع المعارضة السورية التي أنشأت أهم مؤسساتها على الأراضي التركية بدعم من أنقرة، التي أصبح الأسد لديها "قاتل يمارس إرهاب الدولة" ضد شعبه، حسب تعبيره أردوغان.


وبين عبارتي أردوغان "القاتل الأسد" بعد الثورة السورية، و"السيد الأسد" خلال تصريحاته الأخيرة، مسار طويل ساهم في تعقيد العلاقات بين الجانبين وتراجعها بشكل غير مسبوق في تاريخ البلدين المجاورين.

ومنذ أواخر شهر حزيران /يونيو الماضي، وجه أردوغان، في أكثر من مناسبة، دعوة إلى الأسد للقاء في تركيا أو بلد ثالث من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين، متحدثا عن إمكانية رفع العلاقات إلى المستوى العائلي كما كان الحال عليه قبل الثورة السورية.

في المقابل، قال الأسد في تصريحات صحفية بالعاصمة السورية دمشق، حول مبادرة أردوغان: "نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لكن هذا لا يعني أن نذهب دون مرجعية وقواعد عمل لكي ننجح، لأنه إن لم ننجح فستصبح العلاقات أسوأ".

وأضاف أن "اللقاء وسيلة ونحن بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل"، مشددا على أنه "في حال كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى يحقق مصلحة البلد سأقوم به"، بحسب تعبيره.

على الرغم من ذلك، فإنه من غير الممكن توقع أن الاتصالات التي ترعاها روسيا بشكل أساسي بين دمشق وأنقرة، قد تحل الملفات الشائكة بين الجانبين دفعة واحدة، حسب الكاتب التركي إبراهيم وارلي.

ويلفت وارلي في حديثه إلى صحيفة "الفكر" التركية، إلى أن هناك حلول جزئية لبعض القضايا مثل أمن الحدود واللاجئين على المدى القصير والمتوسط، ولكن من الصعب للغاية إيجاد حل شامل، موضحا أن مسار التقارب "عملية طويلة ومعقدة".

وحول مبادرة أردوغان للتطبيع مع النظام السوري، يرى الكاتب التركي أنه هذه الخطوة تدل على الوضع المتعثر والصعوبات التي تواجهها أنقرة، بسبب "وجود توازنات جديدة تتشكل في الشرق الأوسط والمنطقة، حيث مراكز القوى العالمية جامحة وتعمل على تصفية الحسابات في الوقت الراهن".

لا سلطة كاملة للأسد
ومن العوامل التي تثقل خطى أنقرة على مسار التطبيع، وجود قوى مختلفة ومتباينة الأهداف تهمين بشكل كبير على قرار نظام الأسد، الذي استقطب قوى إقليمية مثل روسيا وإيران بهدف تثبيت حكمه بعد اندلاع الثورة السورية، فضلا عن الوجود الأمريكي جنوبي البلاد.

بحسب الباحث التركي في العلاقات الدولية بارش أدابيللي، فإن "الأسد ليس وحده الذي يحكم سوريا، حيث يوجد هناك تحالف داخل سوريا على صعيد الحكم".

ويرى أدابللي في حديث له مع "الأفق الجديد" التركية، أن "الأسد هو الوجه المرئي للسلطة، ولكن هناك توازن قوى مختلف وراءه"، موضحا أن على تركيا ألا "تتجاهل  قوة دول مثل إيران وروسيا على الإدارة السورية الحالية".

ويشدد الباحث التركي على أنه "عندما تجلس على الطاولة، فأنت لا تجلس مع الأسد فقط"، حسب تعبيره.

وكان أردوغان وأشار إلى وجود لاعبين على الساحة لا يريدون لقطار التطبيع بين أنقرة والنظام السوري أن يصل إلى محطاته الأخيرة، حيث قال إن "التنظيمات الإرهابية ستبذل حتما قصارى جهدها لتسميم هذا المسار، وستخطط لاستفزازات ونسج الألاعيب ولكننا ندرك كل ذلك جيدا ومستعدون لمواجهتها".

وتطرق أردوغان إلى وجود لاعبين آخرين على الصعيد الدولي والإقليمي، إذ إنه طالب كلا من الولايات المتحدة وإيران بأن "تكونا سعيدتين بهذه التطورات الإيجابية (مسار التطبيع) وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة (في سوريا)".

ويسلط حديث الرئيس التركي على دور إيران، حليفة النظام السوري، في التطبيع المتعثر بين أنقرة ودمشق، لا سيما في وقت تقف فيه بعيدة عن هذا المسار الذي يحظى برعاية روسية.

الكاتب التركي يحيى بوستان، يشدد على أن "التطبيع بين تركيا والنظام السوري من شأنه أن يجعل الوجود الإيراني في البلاد بلا معنى".

ويضيف في مقال نشره في صحيفة "يني شفق" التركية، أن إيران  التي "تتخوف من فقدان الخط اللوجستي الذي يصلها بحزب الله والبحر المتوسط، لا تعرف ماذا تفعل بعشرات الآلاف من رجال المليشيات في سوريا، أو أين تضعهم إذا أخرجتهم من سوريا"، حسب تعبيره.


وكان الباحث في الشؤون التركية محمود علوش، قال في تصريح سابق لـ"عربي21"، إن "الإيرانيين يعتقدون أن التحرك الروسي لإعادة إحياء مسار التطبيع بمعزل عن اللجنة الرباعية مُصمم لتقويض قدرتهم على التأثير في هذه العملية".

وشدد على أن "لدى طهران نفوذا على الأسد، لكنّ الأخير يأخذ بعين الاعتبار حسابات روسيا ومصالح دمشق بقدر أكبر من حسابات إيران"، حسب تعبيره.

أزمة اللاجئين
يشكل وجود نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا، ورقة ضغط على حكومة الرئيس التركي التي تتعرض لانتقادات واسعة من قبل أحزاب المعارضة بسبب ملف الوجود السوري، الذي جرى استخدامه في كل استحقاق انتخابي من أجل جذب أصوات الناخبين المناهضين للسوريين.

وفي سبيل ذلك، تضمنت تصريحات العديد من السياسيين الأتراك ادعاءات بحق اللاجئين لا تمت للحقيقة بصلة، ابتداء من تضخيم أعدادهم لتصل إلى ما يفوق الـ10 ملايين، وصولا إلى تحميلهم المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار ونقص المياه.

ويسعى أردوغان إلى الوصول إلى وضع مع النظام السوري يسمح بتأمين عودة آمنة للاجئين السوريين، إلا أن الملف الشائك يشير إلى أن مصير تلك المساعي لا يزال يرزح تحت وطأة العديد من العوامل الحائلة دون تحققه، مثل الدمار الكبير في البنى التحتية وارتباط إعادة الإعمار بحل سياسي يضمن انتقال السلطة بشكل سلمي، فضلا عن النفوذ الإيراني على نظام الأسد، والتقارير الحقوقية التي تؤكد عدم وجود مكان آمن في سوريا لعودة اللاجئين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية تركيا سوريا بشار الأسد أردوغان سوريا تركيا أردوغان بشار الأسد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورة السوریة النظام السوری بین الجانبین العلاقات بین مسار التطبیع حسب تعبیره على أن

إقرأ أيضاً:

ملفات مهمة على طاولة القمة المصرية التركية (فيديو)

زيارة مهمة واستثنائية للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة في توقيت بالغ الدقة يبحث فيه الرئيس السيسي حل العديد من الأزمات المتفاقمة بالمنطقة وهي أزمات تحظى باهتمام مصري تركي مشترك، عرضًا تفصيلًا للملفات والقضايا على طاولة القمة المصرية التركية، نستعرض أبرز هذه الملفات:

الحرب والعدوان الإسرائيلي على غزة

والتي تأتي على رأس القضايا التي ستطرح خلال زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، والقاهرة وأنقرة تشتركان في رفض سياسة إسرائيل العنيفة والتهجير القصري والإبادة بحق الشعب الفلسطيني

ويتفقان ايضًا على ضرورة ادخال المساعدات ووقف إطلاق النار في غزة والعمل على حل الدولتين واتمام المصالحة الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وضرورة وقف اتساع رقعة الصراع والتصعيد في المنطقة والتنسيق الإقليمي من أجل درء التهديدات المشتركة.

الأزمة الليبية

ملف آخر سيبحث في الرئيس السيسي والرئيس التركي أردوغان، حيث إن مصر تعي جيدًا أن الوجود التركي في ليبيا مرجعة توسيع اليونان وقبرص نفوذهما في شرق المتوسط، ولكن من جهة أخرى أن النقطة الخلافية هي رغبة أنقرة في فرض حل اقليمي للأزمة الليبية بينما ترغب مصر في دعم حرية الشعب الليبي باللجوء إلى الانتخابات والتأكيد سيصل الرئيسان السيسي وأردوغان إلى حالة من التوافق والتنسيق الذي يراعي الأمن القومي المصري والمصالح الاقتصادية والسياسية لتركيا والعمل على دفع العملية السياسية في ليبيا.

الأزمة السورية أيضًا من أهم الملفات أمام القمة المصرية التركية

يبحث الرئيس السيسي وأردوغان الأزمة السورية، ولعل مصر سعت إلى عودة سوريا إلى احضان محيطها العربي ومقعدها بجامعة الدولي والعربية، ودعت مصر تركيا لسحب قواتها من شمال سوريا، ولعل اللقاء سيساعد في تحريك الجمود في المشهد السوري.

الأزمة في السودان ملف يحضر بقوة عل طاولة القمة المصرية التركية

خلال مباحثات القمة المصرية التركية يكون ملف السودان واحد من أهم الملفات، وخاصة أن أنقرة لها حضور في الأزمة عبر دعم الجيش السوداني وهو ما يخلق مساحات لتقارب الرؤى بين البلدين بشأن الموقف من الصراع في السودان والعمل على وقفه وملف إعادة الإعمار والبعد الإغاثي.

ملف سد النهضة

هناك توافق بشأن ملف سد النهضة استنادًا إلى العلاقات الإثيوبية التركية، حيث حاولت أنقرة التواصل مع أديس أبابا لايجاد حل لأزمة السد.

ملف القرن الأفريقي

 ولعل الملف الأخير والمهم الذي سيبحث الرئيس السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو ملف القرن الأفريقي، حيث تتوافق البلدان في رفض الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال كما حدث ترتيب عسكري مصري تركي لإرسال القاهرة طائرتين عسكريتين إلى مطار مقديشيو محملتين بالأسلحة، وتمهد البلدان إلى إرسال قطع بحرية عسكرية إلى سواحل الصومال تطلع بمهام عسكرية واسعة في أول تنسيق عسكري بين مصر وتركيا.

مقالات مشابهة

  • بلينكن: اتفاق وقف الحرب في غزة سيتيح مسار التطبيع مع السعودية
  • المرصد السوري: مسيرة مجهولة تستهدف شاحنة وتقتل سائقها بمحيط البوكمال قرب حدود سوريا والعراق
  • ما العقبات التي تحول دون عودة زخم الحركة الاحتجاجية في جامعات أمريكا؟
  • ما العقبات التي تعوق عودة زخم الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية؟
  • ما العقبات التي تعوق عودة زخم حركة الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية؟
  • برلماني: زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا تعزز مسار العلاقات التاريخية بين البلدين
  • السيسي: ناقشت مع الرئيس التركي المشاكل التي تواجه السودان والصومال
  • السيسي يصل أنقرة في زيارة رسمية تلبية لدعوة الرئيس التركي
  • ملفات مهمة على طاولة القمة المصرية التركية (فيديو)
  • توقيف سلامة: بداية مسار قضائي في ملفات مصرف لبنان والمصارف الأخرى