شكلت الفنادق والنُزل إحدى أهم الركائز الرئيسية الاقتصادية في مدينة القدس لمكانتها الدينية والتاريخية، ولكونها قبلة للحجاج والسياح من كل أقطار المعمورة، ففيها المسجد الأقصى المبارك، وفيها كنيسة القيامة بكل ما تحمل من معنى في الديانة المسيحية، إضافة إلى الكثير من المواقع الأثرية والتاريخية.

وقد شُيدت العديد من الفنادق خارج أسوار المدينة منذ أواخر القرن الـ19 وخلال النصف الأول من القرن الـ20، وتركز معظمها في المنطقة الغربية لأسوار البلدة القديمة في القدس، وكان أبرزها فندق الملك داود الذي شيد في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين.

ويعتبر الفندق من أضخم الفنادق وأعرقها في مدينة القدس، إذ يتكون من 9 طوابق و237 غرفة تقريبا، وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الغربية سمي الشارع الذي يضم الفندق شارع الملك داود نسبة إلى الفندق، وكان يسمى في فترة الانتداب شارع جوليان.

شغلت حكومة الانتداب البريطاني منذ سنة 1938 الجناح الجنوبي لفندق الملك داود وحولته مركزا لسكرتاريتها ومقرا للقيادة العسكرية البريطانية، ولم يتبق لاستخدام النزلاء سوى ثلث الغرف المتوفرة في الفندق.

فندق الملك داود في القدس كان ينزل فيه رؤساء الدول والسياسيون المرموقون (الجزيرة نت) التأسيس والتاريخ

أقيم الفندق على قطعة أرض مساحتها 18 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) بقيمة 31 ألف جنيه فلسطيني، باعتها بطريركية الروم الأرثوذوكسية سنة 1921 لعائلة يهودية مصرية ثرية، وتقع على السلسلة الجبلية الغربية المقابلة للسلسلة الجبلية التي أقيمت عليها البلدة القديمة للقدس.

وتفصل بين السلسلتين جورة العناب وبركة السلطان، ويرتفع الموقع الذي أقيم عليه الفندق 785 مترا فوق سطح البحر، وتبدو منه البلدة القديمة بمعالمها وبهائها كاملة أمام الناظر.

في عام 1929 حصلت العائلة على تراخيص لبناء الفندق، ومن أجل تمويل البناء تم بيع أسهم كثيرة ليهود مصريين وأميركيين وبريطانيين، واختير المهندس المعماري السويسري إميل فوا لتصميمه، وساعده في ذلك المعماري اليهودي بنيامين تشايكين الذي أشرف على التنفيذ في الموقع.

افتتح الفندق سنة 1931 بمشاركة وتوقيع المندوب السامي البريطاني آرثر ووشوب ورئيس بلدية القدس في تلك الفترة راغب النشاشيبي على كتاب الفندق الذهبي، إضافة إلى توقيعات العديد من الملوك لاحقا.

وسعى الفندق إلى استيعاب حركة الزوار والحجاج إلى الأرض المقدسة وحركة التجار ورجال الأعمال الذين كانوا يرغبون بالمبيت في فندق فخم.

استخدم الفندق لاستقبال واستضافة شخصيات شهيرة على الصعيد السياسي، خاصة المسؤولين السياسيين ورؤساء الدول، فقد استقبل فيه الرئيس المصري الراحل أنور السادات عند زيارته للقدس سنة 1977، وكذلك العديد من رؤساء الدول مثل الرئيسين الأميركيين الراحلين جيمي كارتر وجيرالد فورد، ووزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي الأول وغيرهم.

فندق الملك داود في القدس فجرته عصابات صهيونية عام 1946 (الجزيرة نت) رمز للحكم البريطاني

في عام 1938 نقل مدير حكومة الانتداب مكتبه إلى الجناح الجنوبي لفندق الملك داود، حيث أصبح مقرا لأمانة الحكومة والمقر الرئيسي للجيش، واستقر فيه العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في حكومة الانتداب.

وكان في نظر الكثيرين رمزا للحكم البريطاني، ونتيجة للمواقف البريطانية التي لم تكن تتماشى بالكامل مع مطالب الحركة الصهيونية، وعلى رأسها الهجرة والأحداث الأمنية وعمليات الاعتقال التي جرت داخل ما كان يعرف بـ"اليشوف" -أي المستعمرات اليهودية- في اليوم الذي عرف باليوم الأسود، ومداهمة الجيش البريطاني مباني الوكالة اليهودية فقد قررت العصابات الصهيونية المسلحة تنفيذ عمليات انتقام استهدفت البريطانيين والسكان العرب على حد سواء.

مدخل فندق الملك داود في القدس (الجزيرة نت) تفجير 1946

تلقى مناحيم بيغن -الذي شغل منذ بداية عام 1944 منصب رئاسة منظمة إيتسل (المنظمة العسكرية القومية وتعرف أيضا باسم منظمة الأرغون) في الأول من يوليو/تموز 1946 رسالة من موشيه سنيه رئيس هيئة القيادة العسكرية الموحدة للمنظمات العسكرية الصهيونية (الهاغاناه، إتسل، ليحي) تقترح نسف المقار الحكومية في فندق الملك داود بأسرع وقت ممكن.

وفي ظهيرة 22 يوليو/تموز 1946 تم تفجير الفندق وفق خطة أعدها عميحاي ياغلين عن منظمة إتسل وساهم فيها إسحاق سديه عن منظمة الهاغانا، وأدى التفجير إلى انهيار القسم الجنوبي منه، إضافة إلى خسائر كبيرة في الأرواح.

بدأت العملية أثناء وجود الموظفين في مكاتبهم، إذ قدمت مجموعة من منظمة إتسل في سيارة تنقل جرار حليب وعلى ظهرها أفراد المجموعة متنكرين بزي حمالين عرب، وتوجهوا إلى المدخل الخلفي للفندق لنقل الجرار إلى المستودع، دون أن يشعر بهم أحد باستثناء عمال المقهى والخدمات الذين أرغموا تحت وطأة التهديد بالسلاح على التجمع في إحدى الغرف.

كما قتل المهاجمون عسكريا بريطانيا عندما قدم للوقوف على حقيقة ما يجري ولمعرفة سبب احتجاز المستخدمين، وشغّل المهاجمون مؤقِّت للتفجير، وخرجوا بعد أن أطلقوا سراح المستخدمين واتجهوا نحو سيارة كانت تقف بانتظارهم على بعد 200 متر.

وفي غضون ذلك، تبادلت معهم القوات البريطانية إطلاق النار، وفي الوقت نفسه كانت فتاة من عناصر إتسل تجري بتعليمات من المنظمة اتصالا هاتفيا مع المسؤولين عن الفندق ومع هيئة تحرير جريدة "فلسطين بوست" ومع مقر القنصلية الفرنسية المجاور لمبنى الفندق من أجل التحذير من التفجير، لأن العصابات الصهيونية كانت تحرص على تحقق عملياتها أكبر قدر ممكن من الخسائر في الممتلكات وأقل قدر ممكن من الخسائر في الأرواح.

دوى الانفجار الضخم ودمر الجزء الجنوبي من الفندق وأسفر عن مقتل 92 شخصا، 41 منهم عرب و28 بريطانيون و17 يهود و6 من جنسيات أخرى، وكان بينهم أشخاص تعاونوا مع منظمة إتسل في المجال الاستخباراتي.

كما أسفر التفجير عن جرح عشرات الأشخاص وإصابة عنصرين من عناصر منظمة إتسل بجراح أثناء الانسحاب، وقد ألقي القبض على أحدهما وأخضع للتحقيق الإداري لفترة ثم نفي إلى إرتيريا، أما الآخر فتوفي متأثرا بجراحه.

وخوفا من ردود الفعل البريطانية أعلنت الوكالة اليهودية إدانتها الشديدة لهذا التفجير، ووصفت الذين نفذوه بأنهم "عصابة من القتلة"، وأدانته أيضا منظمة الهاغاناه، كما ندد به ديفيد بن غوريون من باريس، وصرح لجريدة "فرانس سوار" بأن منظمة إتسل "عدوة للشعب اليهودي".

وخلال نكبة فلسطين أثناء حرب 1948 استخدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر فندق الملك داود لبضعة أشهر، ثم أعيد لأصحابه فتم ترميمه وافتتاحه من جديد أمام النزلاء، لكنه لم يشهد إقبالا بسبب موقعه القريب من خط الهدنة (الخط الأخضر).

وفي عام 1958 اشتراه تاجر يهودي مصري المولد يدعى ييكوتيل فيدرمان، فكان أول فندق في سلسلة فنادق دان داخل منطقة الخط الأخضر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العدید من

إقرأ أيضاً:

“حماد” يفتتح فندق بيت سبها بعد انتهاء صيانته ومستشفى النساء والولادة

افتتح رئيس الوزراء بالحكومة الليبية الدكتور أسامة حماد، رفقة نائب رئيس الوزراء المهندس سالم الزادمة،مدير صندوق تنمية وإعمار ليبيا المهندس بلقاسم حفتر، ووزير الدفاع الدكتور احميد حومة، مساء الأربعاء، فندق بيت سبها، بعد الانتهاء من أعمال صيانته وتجهيزه. بسعة 75 غرفة. حسب بيان الحكومة الليبية، يعد فندق بيت سبها من المشاريع الهامة التي أولتها الحكومة الليبية اهتماماً خاصاً ، والعمل على إعادة صيانته، بعد سنوات من الإهمال والدمار الذي أصابه خلال فترة الحروب والصراعات التي شهدتها مدينة سبها، قبل تدخل القوات المسلحة وإعادة الأمن والاستقرار للمدينة، وكافة ربوع الجنوب. وتجول رئيس الوزراء ومدير عام الصندوق ونائب رئيس الحكومة والمسؤولين بداخل أجنحة الفندق الذي يتكون من ثلاثة طوابق، ويحتوي على 45 غرفة نوم زوجية وفردية. كما افتتح رئيس مجلس وزراء الحكومة الليبية، مستشفى النساء والولادة بمدينة سبها. وتجول رئيس الوزراء بأروقة المستشفى، عقب تجهيزه بأحدث المعدات الطبية والآلات المتطورة، في مدة قياسية، إذ أثنى رئيس الوزراء على الشركات العاملة في المشروع الذي يعد خطوة هامة في تحسين الرعاية الصحية بالمنطقة الجنوبية وتعزيز البنية التحتية الصحية في سبها بشكل عام. يذكر أن المستشفى يتميز بسعة سريرية تصل إلى 50 سريرًا، مما يجعله قادرًا على تلبية احتياجات الأمهات والأطفال في المنطقة. الوسومالحكومة الليبية ليبيا

مقالات مشابهة

  • السجن 9 سنوات لرجل أشعل النار في فندق يؤوي مهاجرين ببريطانيا
  • بريطانيا.. 9 سنوات لرجل أضرم النار في فندق يؤوي طالبي لجوء
  • كامل الوزير يبحث مع السفير البريطاني فرص التعاون في مجالات الصناعة
  • فندق ريكسوس تيرسان إسطنبول يفتح أبوابه للضيوف
  • السبت القادم بدء العمل بتنسيق القبول بجامعة الأزهر وتسجيل الرغبات إلكترونيًّا
  • رئيس جامعة الأزهر يلتقي بالوافدين الجدد من سنغافورة
  • “حماد” يفتتح فندق بيت سبها بعد انتهاء صيانته ومستشفى النساء والولادة
  • وهبي يتوعد الفنادق التي ترفض استقبال النساء المقيمات بنفس المدينة: العقوبة في الطريق!
  • محافظ جدة يستقبل القنصل البريطاني
  • العدوان البريطاني على مدينة البيضاء( وثائق)