سودانايل:
2024-09-06@17:29:32 GMT

لمّا يغلبنا الكلام

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

بقلم عمر العمر

الردة من مشارف الأمل إلى فخاخ الفشل عثرة ليست طارئة في مسيرتنا الوطنية. لكن عند المنحنى الراهن لم ننزلق فقط إلى درك التبعثر الوطني بل أفدح من ذلك نعايش عجزاً فاضحا ازاء الحد الادنى من القدرة على النهوض . كأنما باغتتنا الحرب القذرة ،رغم استدراجنا إليها بدم بارد وإيقاع رطب منذ فجر الثورة ثم الانحدارفي الهاوية ليلة الانقلاب على مشروع التحول الديمقراطي .

هكذا سقط الشعب والوطن إلى سفح التيه .في هذه العتمة لم نستسلم فقط لتأجيل احلامنا العامة والخاصة بل ارتضينا التعايش مع كوابيس لم تكن مرتقبة . صحيح في متن القضايا الوطنية يبرز دوما الصراع على السلطة . لكن الصحيح كذلك ان للوطن أولوية فوق نفوذ السلطة وامتيازاتها .نخبنا مطالبة قبل غيرها بنحت مخرج قومي من المحنة .فان لم تف بمسؤوليتها الآن فمتى تفعل ثم ماذا يرتجى منها؟
*****

المنعطفات الحرجة ظاهرة سياسية تورطت فيها شعوب عديدة عبر التاريخ.لكن فقدان الشعب الأمل في القدرة على النهوض أو على الأقل العثور على بوصلة الخروج حالة استثنائية تضع الوطن والشعب عند قاع اليأس و القنوط. حينما يصبح الوطن في مهب الخطر فلا متسع للتباطوء. التصدي لهذا الاستحقاق النبيل ليس واجبا تتحمله نخب المعارضة بل هو فريضة على كاهل نخبة النظام الحاكم.النقد الذاتي فضيلة لا تألفها نخبنا السياسية.فرغم اناشيدنا البهية لم نستكمل طقس الثورة القائل بان السلطة مثل الحرية تُنْتزع انتزاعا. بسبب الغفلة ظلت علاقات الانتاج السياسي عقب نجاح الثورة بيئة خصبة لاستنبات نظام اكثر استبداداً. لأننا لانقرأ التاريخ نعيد استنساخ فشلنا.فكما ارتد الشعب من التقدم لجهة الاماني الوطنية عقب منحنيات مشرقة لعل آخرها اتفاق نيفاشا ،انتكسنا بعد ثورة ديسمبر من انشطار الوطن إلى التجزئه.
*****

لأننا لانقرأ التاريخ نرتضي عند عتبات كل منعرج تنصيب قيادات لا تملك مهارات إدارة مهام المرحلة وعتاد عبورها. فأقصى مؤهلاتهم تتجلى في إعادة تدوير ركام أزماتنا .هم لايصبحون فقط عبءً على المرحلة بل مصدر تهديد على المسيرة الوطنية.في كل مرة تفوح روائح الخيانة من رأس السلطة ثم يتسرب التواطؤ في كل جنبات الهرم. تضييقُ مساحات الحوار، تغييبُ النقد، خنقُ حريات التنظيم والتعبير تشكل بدايات الانهيار.هذه البيئة تعين العناصر الانتهازية على تسلق السلطة من الداخل.هكذا تزداد حمولة التواطوء فتنداح طبقة الاستبداد ،الفساد والتفحُش . في مثل هذه الأجواء تتسع أخاديد الازمات الاقتصادية و السياسية فيتكاثف الانسداد مما يجعل الإنفجارأو الانهيار خياراً حتمياً.
*****

بكل أسف سبق في تجربتنا الخيارالثاني الأول!الشعب ظل كما كان على سطح ساخن داخل عتمة مطبقة مكدسة بالاحباط. مع ذلك الماضي -ياللفاجعة-أفضل الراهن. رياح الفوضى تجتاح الوطن بأسره. الشعب أسراب من النازحين واللاجئين زادهم زكائب من حنين مبهم لأمكنة مجهورة. فالمدائن أطلال خاوية إلا من قبور حفرت على وجل وأشلاء جثث منخورة ومساكن محروقة. المحنة الماحقة تسنزف طاقات أجيال مبعثرة عاجزة كما تبدد أحلام أجيال متناثرة. لا تصمد أي محاججة بأن ماحدث منذ فجر الثورة يحمل أياً من قسمات -ولو قليلاً من - ملامح التحول الديمقراطي!تلك فرية كبرى صدقتها الغالبية عجزا أو غباءً.
*****

مع ذلك لم تفق النخب السياسية من غفلتها.إذ لا تزال تتوغل في التشرذم.لا تزال عاجزة عن العمل بروح الفريق.لاتزال تراهن على جنرالات يقودون انجاز وهم التحول الديمقراطي المزعوم ! لا نزال تترقب عونا من وراء الحدود يعينها على استرداد سلطتها المضاعة. حتما تحتاج النخب المعارضة إلى النقد حاجتها إلى الإنجاز. فمن اليسير الاتفاق على ان أداء معسكر المعارضة إبان وجوده في السلطة ليس على قدر طموحات جماهير الثورة. لكن تلك ليست معضلة المعارضة. فرغم أعراض وهنها ظلت المعارضة عبررتاريخها المعاصر تتعرض إلى مطارق النقد أكثر بكثير مما تناله الأنظمة الحاكمة الغارقة في مستنقع العجز،الفساد والاستبداد.
*****

فالمعارضة ليست معرضة فقط للمطاردة والتجريف والتجريد، بل موسومة بالعمالة والخيانة .بما أن المعارضة ظلت تحترف النقد أكثر من صوغ مشروعات البناء فكثير ما ارتفعت أصوات ناقدة تجلدها من داخل وسطها. هذه الأصوات لا تستهدف التقويم بل تصب لصالح حملات التيئيس وصولا إلى التفكيك. فالأصوات الجالدة مثل حملات التكريه لاتطرح قراءات عميقة في حال او مستقبل العمل السياسي بل تجتر مظاهر سطحية.فقدظلت السن الطاعن لشيوخ القوى السياسي عاهة للتنفير كأنما كل تلك القيادات مصابة بغيبوبة العقل أو شلل في التفكير. لا أحد يتحدث عن شرعية تتابع الأجيال او المساكنة التاريخية.
*****

عندما قدمت ثورة ديسمبر (سنابلها) في واجهة السلطة تعرضت هي الأخرى لرياح الاستهداف المدمرة نفسها. هذه المرة أصبحت طراوة الشباب مكمن الخطر على الدولة والوطن.الآن أصبحت الحكمة رهينةبالتقدم في العمر. فأكثر حملات النقد على قيادات المرحلة الإنتقالية تركز على تدني أو انعدام الخبرةالمكتسبة عبر الأيام . القدرة على الابداع لا ترد بخاطر ناقم ناقد.لابد من الاعتراف باغتراف قيادات شابة أخطاء على عتبات المرحلة الانتقالية. ربماجاء بعضها صادما.لكن العمل السياسي انتاج تراكمي فيه الخطأ والصواب. كما أن تقويم الأخطاء يعتمد على النقد العقلاني الأخلاقي ليس على التجريح والتيئيس.معسكر المعارضة يفتقد فصيلا مبادرا اوقياديا كرازماتيا يتصدى لمهمة تجميع قواهاوطاقاتها على مشروع وطني مرحلي.
*****

بالطبع الصراع على السلطة ليس كله عملا منزها خالصا من الآثام والخطايا. لكن الانتصار في الحلبة السياسية لا يعتمد فقط على الجهد الذاتي بل في الوقت نفسه وعلى نحو مواز على أخطاء الطرف المنافس.كما أن النصر لايتحقق بكسب جولة واحدة بل بحسم النتيجةالنهائية في الصراع.نخبنا السياسية تريدنا دوما وهي في السلطة أن نتناسى أن الإنتماء للوطن ليس معناه الولاء للنظام! هذا الخلط الضار المتعمد أبرز خطايانا الوطنية.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كلمة هامة لقائد الثورة عصر اليوم

وتبث الكلمة على القنوات الوطنية وقنوات محور المقاومة عند الـ 4:00 عصرا .

مقالات مشابهة

  • قائد الثورة يدعو لخروج مليوني متميز غدا وفاء للرسول وفلسطين
  • قائد الثورة: لن نخذل الشعب الفلسطيني أبدا و اهتمام الشعب اليمني المتميز بالمولد النبوي يجسد انتماءه الإيماني
  • قائد الثورة: الأمة بحاجة للعودة إلى شخصية الرسول.. اليمن مستمر في دعم الشعب الفلسطيني والرد قادم
  • أسايش السليمانية يطلب من المجموعات الإيرانية المعارضة الانتقال إلى معسكرات جديدة
  • كلمة هامة لقائد الثورة عصر اليوم
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: الحرب ستستمر ما دامت حكومة نتنياهو قائمة
  • مسرور بارزاني يشكو من التدخلات السياسية المعارضة لعمل حكومته بمكافحة الفساد
  • أب ينسى اسمه وأطفال فقدوا القدرة على الكلام.. شيء من مأساة غزة
  • أب يسنى اسمه وأطفال فقدوا القدرة على الكلام.. شيء من مأساة غزة
  • سدايا تستعرض أحدث حلول التعرف على الكلام وتذليل صعوبات استخدام أكثر من لغة بنفس الوقت (Code Switching) في مؤتمر دولي باليونان