أكثر الناس لا يعقلون – قراءة في ظاهرة القطيع.!!
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
لم أكن من الذين اتيحت لهم فرصة النظر إلى قطيع من الناس يلهجون بلهج واحد، ويرددون في وقت واحد أصوت الخراف (باع – باع – باع – باع)، إلّا بعد أن اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل، لقد ايقنت مغزى العبارة الواردة في كثير من آيات الذكر الحكيم (أكثر الناس لا يعقلون)، ووجدت العذر للفيلسوف الإيطالي ميكيا فيلي عندما وصف عامة الناس بأن لهم طبائع فاسدة، وعلى الحاكم أن يعلم ذلك، ففعلاً أكثر الناس يؤيدون الطغاة ويسهمون في استمرار طغيانهم، إلى أن تأتي قلة من الناس، يثورون ويحولون الثورة إلى ظاهرة عامة، يلتف حولها نفس القطيع الذي كان يعاديها ويقف أمامها بالمرصاد، ولكم سمعنا عن راعي الأغنام البوليفي الذي وشى بجيفارا أيقونة النضال والثورة العالمية، وكيف كانت اجابته على من سأله لماذا ساهمت في إلقاء القبض على رمز الثورة والنضال، حين قال بأن الفرق العسكرية للطغاة وجنودهم، الذين يبحثون عن جيفارا في كرهم وفرهم مع الثوار، كانوا يزعجون أغنامه ولا يدعونها ترعى، هذا يذكرني بسيناريو القبض على داؤود يحي بولاد، الذي غدر به أحد أقاربه بعد أن استجار به في قرية صغيرة بجبل مرة، فسلّمه لأفراد من جهاز مخابرات الدولة الاخوانية التي قاد بولاد تمرداً ضدها، بعد سنة واحدة من انقلابها على منظومة الحكم الشرعي، فظاهرة القطيع هي التي تقطع الطريق أمام التحولات الكبرى، وتقف حجر عثرة أمام أي تقدم يقوم به الأحرار، ومن سخريات العقل الجمعي للقطيع السوداني، أنه صدّق الرواية الكذوبة التي ظل يطلقها إعلام الفلول، والقائلة بمقتل قائد قوات الدعم السريع، ومن مهازل هذا العقل الغريب أنه وبعد أن ظهر (القائد المقتول)، وهو يوقع وثيقة سياسية مع رئيس "تقدم"، لعب الإعلام المضلل للجماعة الإرهابية بعقول القطيع مرة أخرى – لو أن لهم عقول يرشدون بها، وأقنع هذه العقول الخربة بأن الذي صافح الدكتور عبد الله آدم حمدوك ما هو إلّا روبوتاً الكترونياً مصنوعاً ومصمماً على شاكلة (المرحوم).
العائق الأوحد امام تمدد الوعي الثوري هو الآلة الإعلامية المضللة للجماعة المتطرفة، وبنيتها التحتية التي ترجع إلى ليلة أفول نجم الديمقراطية، وبزوغ الفجر الكاذب للدولة الثيوقراطية، فكانت السيول الجارفة من الأكاذيب بحق السماء، وادعاءات الأبواق الإذاعية والتلفزيونية بحقها وأصالتها في تمثيل صوت الإله في الأرض، فدخلت الأمة في نفق مظلم من عوالم السحر والجن والشعوذة والدجل، وتمكنت الدعاية الميتافيزيقية لمنظومة الحكم الإخواني من رقاب القطيع، وأصبحت تسوّق لهم الوهم على أساس أن انهيار الجسور ما حدث إلّا بسوء فعل الجقور – (الفئران الكبيرة)، لذلك أدرك المستنيرون من أبناء الشعب الكريم أن العقل العام التابعي، قد تمت برمجته على أساس المفهوم الدوغمائي، فلو نجح انقلاب الضباط الشيوعيين مطلع سبعينيات القرن الماضي، لوجدت هوى القطيع قد تماهى مع هوى شعوب الجمهوريات السوفيتية، ذلك أن الناس على دين ملوكهم، وإلى أن يأتينا الملك الجديد سنظل نرى هذا السلوك القطيعي، يسير سيراً استسلامياً وراء ظاهرة صوتية لشخصية وهمية لم يرى وجهها، تبث الأكاذيب والسفه والانحطاط يوماً بعد آخر، هذا الشبح الذي يطلق عليه الأحرار اسم (المنقب)، يعطيك دليلاً قاطعاً على ثبوت نجاح نتائج عملية السيطرة على القطيع، لذلك كان البون شاسعاً بين التنظيمات السياسية النخبوية، والتنظيم الإخواني الذي أول ما بدأ به الاستحواذ على المنافذ، التي يتلقى منها عامة الناس معلوماتهم – الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر المساجد، والأندية الرياضية واتحادات أهل الفن والموسيقى والدراما، لقد فرّطت الحكومات السابقة، فلم تعمل على تحييد هذه المنافذ بوضع النظم واللوائح الحافظة لها من تغول الجماعات المتطرفة، والحامية لها من تهجم أصحاب الأجندات الحزبية، وفي دولة المستقبل القريب الجديدة، وجب على روّاد التغيير أن يفعلوا ما لم تفعله منظومات الحكم السابقة فيما يتعلق بضبط هذه المنافذ.
في بعض البلدان المحترمة المحيطة بنا ومعها الأخرى التي تبعد عنا مسافات طويلة، لا يوجد تسامح في فتح مصاريع أبواب الدور الإعلامية والتعبدية لمن هب ودب، وذلك لارتفاع الوعي الوطني لأولياء أمور تلك البلدان، وادراكهم الكبير للدَور العظيم لهذه الدُور المؤثرة على الجبهة الداخلية ايجاباً وسلباً، فأحكموا ضبط قوانين الهجرة والجنسية والإقامة، ووضعوا المعايير الشرعية الضابطة لخطاب من يعتلي منابر المساجد والكنائس ودور العبادة، وحسموا فوضى نصب مكبرات الصوت في الأسواق، حتى لا يهذي ذوو العاهات النفسية ومصابو الأمراض العقلية المستعصية بما يؤذي الناس، فهب أننا رجعنا للوراء قليلاً وبحثنا في أسباب وصولنا للدرك الأسفل من نار الحرب، من المؤكد سنحصل على خلاصة واحدة مؤكدة على أن اطلاق الحبل على غاربه، وعدم الاكتراث لوضع هذه الضوابط في مواضع دستور البلاد، هو جوهر المسببات للكارثة الإنسانية التي نحن بصددها، فتجييش القطيع من أجل المشاريع الوهمية لن يأتينا بغير ما نحن فيه من مأساة، وواحدة من محاسن القطيع انه ينقلب على رائده، متى ما صدم بانقلاب الحال وظهور القوى الجديدة، فيقف من أجل تمكين سطوة هذه القوى الجديدة، وهذه المحاسن تتأكد في حال واحد هو امتلاك القوى الحديثة لرؤية واقعية، تخرج الناس من دائرة العبث إلى خط التنظيم والترتيب والتنسيق الشفاف الراعي لمصالح الأفراد والجماعات.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
قراءة في مخاطبات ترمب تجاه الشرق الأوسط والسودان
في نحو 30 دقيقة أنهى الرئيس الامريكي خطابه الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في 2025 وترك الناس حيارى، لا لكونه يتمثل بقول أبي الطيب المتنبئ الذي قال لشانئيه – حسبما يروي الرواة – من الذين عابوا عليه صعوبة ما يقول لغةً: “علينا ان نقول وعليكم أن تتأولوا” ثم في مرة قال له آخر: ” لماذا لا تقول ما يفهم؟” فكان رد أبي الطيب عليه: “ولماذا لا تفهم ما يقال؟” فقد كان خطاب ترامب في يناير عاماً في تناوله للقضايا الخارجية و لكنه قاسياً على سابقه في الرئاسة بايدن، فقد سلقه سلقاً حامض الطعم و لا ريب، لم يُعمل فيه غربالاً ولا نقداً ولا تمحيصاً لذلك كان صادماً مثلما توقعت الصحافة الأمريكية قبل إلقائه بأيام
وكان مفاجئاً حقاً أنه تحدث عن الشرق الأوسط عكس ما حدث في خطاب رئاسته الأولى 2017 إذ لم يذكر الشرق الأوسط وهذا يتسق مع طبيعة الخطاب الذي يوجه لهواجس الأمة الأمريكية الداخلية في الغالب إلا أنه لم يقل ما يفهم حتى ظن الناس – وإن بعض الظن إثم – أنه انكفأ على الداخل و نسى “ربعه” في الخارج مطلقاً.
صحيح أن خطاب تتويجه في فترته الرئاسية الأولى كان “دُرابا” كمانقول في الدارجة و أتى خطابه الذي بين أيدينا أكثر غلظة يرمي بتهديدات على قومه بالداخل ولكنه لكل من استمع متأملا كأنه يقول للخارج “إياك أعني فاسمعي ياجارة”.
أمر ثانٍ في خطاب ترمب الذي يضع الاستراتيجيات العامة ويترك للتنفيذيين وضعها موضع التطبيق، هو أن ترامب في خطابه هذا بدا حانقاً جد الحنق على غير مناصريه، إذ أنه تحدث عن “أنا” أكثر من خمس مرات بصورة مباشرة وجاءت قمة “الأنا” حين قال إن محاولة اغتياله وإصابته في أذنه فقط ومن ثم نجاته، كانت رسالة سماوية لهدف إلهي طبعاً وهو إنقاذ أمريكا والامريكيين:
“لقد حاول أولئك الذين يرغبون في إيقاف قضيتنا سلب حريتي بل وحتى سلب حياتي قبل بضعة أشهر فقط. في حقل جميل في بنسلفانيا، اخترقت رصاصة قاتل أذني، لكنني شعرت حينها وأعتقد، بل وأكثر من ذلك الآن، أن حياتي أنقذت لسبب ما. لقد أنقذني الله لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.”
أما في خطابه الأول ذلك فكان حديثه دوما عن “نحن” وهو في هذا ليس بدعا إذ أن كثيراً من القيادات المتشددة في التاريخ الحديث والقديم تبدأ مراحلها الأولى بخطاب يتحدث عن “نحن” و ” الأمة” في مقابل “هم” و “الأغراب” وتنتهي بدكتاتورية غليظة قد يسميها أهل السياسة الأوليغاركية أو الأوليغارشية Oligarchy تتحدث عن “أنا” ضد “هم والأغراب” أو بنظام أشد بطشاً و أكثر تضييقا، غير أن النظام الذي تقوم عليه الحكومة والارث الراسخ في مقاومة التجبر والحكومة – النظام في أمريكا، لا يسمحان بذلك على المدى الطويل.
لكن الأمر البين أن فوز ترامب كان معركة شخصية فاز فيها على خصوم حقيقيين – أم متخيلين – لكنه فاز ، وبعد أن تأكد أنه صاحب تفويض كامل قال للأمريكيين إن كل قصور و تلكوء الحكومات السابقة لإدارته سيتبدل الآن . قال في خطابه هذا :
“كل هذا سوف يتغير بدءًا من اليوم، وسوف يتغير بسرعة كبيرة”.
وهي رسالة قوية للداخل ولكنها دونما شك رسالة تجعل فرائص الخارج تنتفض و ترتجف، ذلك أنه ترك الباب موارباً وعمل عكس المثل السائر عندنا “كتلوك ولا جوك جوك”. فقد جعل “جوك جوك” هي العصاة الغالبة والمهماز الذي سيحرك به الخارج عامة لايستثني من ذلك جاراً ولا بعيداً ولا صديقاً ولا عدواً ولا قريبا ولابعيدا ولا حليفا ولا خصيماً.
وجعل المخاطب الأول لكل حديث هو الداخل الأمريكي وان السبيل الاقوي والمعني لتحقيق هذه الأهداف من صحة وأمن وطمأنينة ونمو اقتصادي وعظمة قومية لأمريكا، هو الخارج، هو أوروبا “وتقاعسها عن المساهمة الفاعلة في الدفاع عن نفسها خلال ممارستها الإمساك والتقتير في الصرف على الناتو، هو الصين لتغولها على الاقتصاد “حيث تنتج رخصاً في العمالة وتبيع غلاءا في أمريكا دون ضرائب مستحقة، وهي كذلك دول الجوار التي ترمي بلاده كما قال “بالمجرمين والإرهابيين ورعاع الناس” وتنعم هي بالراحة وأمريكا تتأذى بالرزايا.
ترامب والجيش الامريكي والقوة الغليظة
لكن ترمب كان واضحا وضوحاً عجيباً حين تحدث عن القوات المسلحة الأمريكية إذ قال في ذلك “ستكون قواتنا المسلحة حرة في التركيز على مهمتها الوحيدة، وهي هزيمة أعداء أميركا. وكما حدث في عام 2017، سوف نبني مرة أخرى أقوى جيش شهده العالم على الإطلاق. وسوف نقيس نجاحنا ليس فقط بالمعارك التي نفوز بها، بل وأيضاً بالحروب التي ننهيها، وربما الأهم من ذلك، الحروب التي لا نخوضها أبداً ثم قال إن “أهم إرث يريد أن يتذكره التاريخ عنه أنه رجل سلام”.
ترامب الذي يقوم كل إرثه و فعله السياسي – الظاهر على الاقل- على نظرة رجل الأعمال الذي يريد “عقد صفقات”- قسم سياسته، فعلا لا قولا ، نحو الشرق الاوسط بصورة واضحة الي ميدانين: أولاً:
إيقاف الحروب الدائرة وتحقيق أمن حلفائه المقربين وتقويتهم شريطة أن لا يكون ذلك بتدخل عسكري من جند بلاده وقد ذكر أنه يسعى لايقاف الحروب قبل حدوثها وفي هذا فهو لن يسمح حتى للأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن تعارض ما يريد ناهيك عن الصين و روسيا والغرب عموما – ذلك يستقى من تركيزه في خطاباته بأن أمريكا قبل الناس طراً. وقد ينظر المرء لقراراته الساعية لإعادة قرار الانسحاب من منظومات الأمم المتحدة اليونسكو والصحة العالمية والبيئة وتشديد الخناق على الجنائية الدولية حين مست قيادات إسرائيل في هذا الإطار، و حتى مجلس الامن ما فتئ يقرع له العصى.
الشرق الاوسط
ويذكر الناس كم تطاولت الحرب على غزة و كم تكاثرت المفاوضات والجولات المكوكية لاكثر من عام ما ترك فيها الرئيس بايدن و رأس دبلوماسيته بلنكين بابا إلا وطرقاه دونما مردود إلا مواعيد عرقوب . ولكن حالما تأكد فوز دونالد ترمب وقبيل تنصيبه بأيام قليلة اتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، فاذا الصفقة تسير الهوينا نحو التوقيع. لذلك ومع تركيز خطابه التنصيبي على الأمور الداخلية فقط ، إلا أن الحدث العالمي الوحيد الذي ذكره ترمب ونسب الفضل في تحقيقه لنفسه كان هو الاختراق الذي حدث في الشرق الاوسط حيث قال:
“قبل أن أتولى الرئاسة رسميا، تفاوض فريقي على اتفاق لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن ليحدث لولا جهودنا. وأعتقد أن معظم الحاضرين هنا يدركون ذلك. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، بدأ الرهائن في العودة إلى أسرهم. إنهم يعودون، والمشهد جميل. وسيعودون أكثر فأكثر. لقد بدأوا في العودة يوم الأحد.”
وتأتي فاعلية الرجل من أنه اعتمد علي الفعل بعد القول مباشرة والتطبيق وأمثلة ذلك مبذولة متاحة في الشرق الأوسط وفي أوروبا و في آسيا وفي أمريكا اللاتينية ولا ينسى الناس قوله إنه سيجعل بعض الدول تدفع أموالا مهولة لقاء حماية بلاده لها وقد دفعوا دفعاُ كُبارا، وقال إنه سيحول عاصمة إسرائيل لمكان آخر غير تل أبيب وقد فعل، وقال إنه سيجعل الاتفاق مع إيران ممكنا وقد فعل، وقال إن الصين ستنتبه لما يقول وقد فعلت بالفعل لا بالقول وقال إنه سيرفع إسم السودان من قائمة الإرهاب وقد فعل، مهما اختلف الناس مع كيف فعل وكيف مارس ضغوطا رهيبة على من كان يتولى الأمر في السودان حينها، حين اشترت الدولارات ال 335 مليون من السوق الموازي ونحن على ذلك من الشاهدين على بعض خفاياها!!!
ترمب وعقد الصفقات
ثانياً: المكسب المادي والصفقات التجارية التي تعود على الأمريكيين عموما وعلي صحبه من رجال الأعمال خصوصا بالفائدة وفي ذلك هو لا يخفي شيئاً بل و يفاخر به و يكفي أن نستشهد بخطابه الأول خارج البيت الأبيض منذ تنصيبه حيث قال في مؤتمر دافوس الاقتصادي في يناير هذا وفيه بدأت نفس معالم الخطاب الأول وروح سياسته الخارجية سواء في أوكرانيا أو سوريا أو الشرق الأوسط تتبدى بصورة جلية لا لبس فيها ولا مواربة فاسمع إليه و هو يخاطب أكبر تجمع إقتصادي فكري لرسم ملامح سياسات المستقبل الاقتصادي وهو يقول:
“كما ورد في الصحف اليوم أن المملكة العربية السعودية ستستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في أمريكا. لكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، أن يكمل المبلغ إلى حوالي تريليون دولار. أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين جدًا معهم.”
ثم مضي ليوسع الدائرة ليتناول أخطر كتلة اقتصادية تتحكم بصورة غير مباشرة في الحراك الاقتصادي العالمي وهي منظمة الدول العربية المصدرة للنفط في الشرق الاوسط (أوابك) ومن ورائها كل المنتجين حين قال:
“وسأطلب أيضًا من المملكة العربية السعودية وأوبك خفض تكلفة النفط. عليك أن تخفضها، وهو ما أدهشني بصراحة أنهم لم يفعلوا ذلك قبل الانتخابات. لم يُظهروا لنا الكثير من الحب من خلال عدم قيامهم بذلك. لقد فوجئت قليلاً بذلك.”
ويدخل في هذه المنظمة (الأوابك OAPEC) كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، وليبيا، الجزائر، وقطر، والإمارات والبحرين وسوريا والعراق ومصر ودول الأوبك (OPEC) وهي الأوسع إذ فيها كثير من دول الشرق الأوسط ودول من امريكا اللاتينية وبعض من اكبر الدول الأفريقية وهي : الجزائر، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والجابون، وإيران، والعراق، والكويت، وليبيا، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا والإكوادور وإندونيسيا وقطر،
فإن كان لدي ترمب ما يسميه أهل الإعلام و السياسة الغربيون leverage أي تاثير رافع إن صحت الترجمة – على هؤلاء، فقد حيزت له مفاتح تحقيق ما يريد من سياساته التي بدأت معالمها تظهر على نحو جلي في خطاباته اللاحقة وفي خطابات واتصالات وزير خارجيته روبيو والذي بدأ مهاتفات مكثفة في أول أسبوع له، ما ترك وزير خارجية من المذكورين آنفا عدا الأفارقة منهم إلا اتصل به.
السودان في ادارة ترمب
وعطفاً علي سياسات ترمب في الشرق الأوسط ونحن فيه جيران، فقد كفى الناس مؤونة التفكير كيف تكون سياسات ترمب تجاه السودان، باحث أمريكي ملم بشؤون السودان إلماماً يحسده عليه كثير من الأكاديميين في السودان، وهو كاميرون هدسون – أي كانت نواياه وأهدافه من هذا الإلمام.
كتب هدسون الأسبوع الماضي في مجلة بوليتك مقالا نلخصه في نقاط ونختم به هذا الموضوع:
حاجج هدسون بأن لا أحد يستطيع أن يصنع السلام في السودان إلا ترامب وذلك أنه – أي ترمب – ضم الخرطوم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وأزال إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وأن ترمب – بفضل نفوذه على القوى الإقليمية – يمكنه إنهاء الحرب في السودان.
كاميرون هدسون الذي يعرف نفسه بأنه زميل في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قال إن أفريقيا لا تحتل مكاناً عاليا في سلم خطابات السياسات الخارجية للرؤساء الأمريكيين وخاصة ترمب ولكن في تحول نادر من القدر، يبرز السودان الآن كدولة حيث الحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة عالية وحيث يمكن أن يكون نفوذ واشنطن في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب العنصر المفقود الحاسم لإنهاء الحرب الأهلية الحالية في السودان.
على عكس معظم البلدان في أفريقيا، فإن لترامب علاقة وتاريخ مع السودان. في عام 2019، اندلعت الثورة الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بعمر البشير وأسفرت عن فترة حكم مدنية واعدة، وإن كانت قصيرة. في ذلك الوقت، كان الدعم الأميركي للقوى المؤيدة للديمقراطية متواضعا، وذلك بسبب شبكة معقدة من العقوبات والقيود القديمة التي قيدت الدعم الأميركي. وكان من بين هذه العقبات استمرار تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب ــ وهو التمييز السيئ السمعة الذي رزأت به البلاد منذ الأيام التي استضافت فيها أسامة بن لادن في منتصف التسعينيات.
بدأت إدارة ترامب العملية المعقدة والمستهلكة للوقت لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في محاولة لوضع البلاد على مسار نحو تخفيف الديون والتعافي الاقتصادي؛ وأصبحت إزالتها رسمية في ديسمبر 2020. وشمل الجهد الحصول على ضوء أخضر من مجتمع الاستخبارات، والتفاوض على اتفاقية تعويض بقيمة 335 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، والحصول على دعم الكونجرس. كما وعدت بتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم بأول تبادل للسفراء منذ 25 عاما.
ثم، في خطوة لم تكن مفاجئة في الماضي، قام وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو بزيارة إلى الخرطوم في اللحظة الأخيرة ليقترح أن صنع السلام مع إسرائيل، من خلال التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمة التي أُعلن عنها مؤخرًا، سيكون ضروريًا أيضًا للمساعدة في تأمين إزالة السودان من قائمة الإرهاب. في تلك اللحظة، رفض القادة العسكريون والمدنيون في السودان، حيث جادل الجانبان بأن الطبيعة الانتقالية لحكومتهما وعدم وجود برلمان قائم لا يمنح أيًا من الجانبين التفويض بالانخراط في التزامات معاهدة جديدة.
في النهاية، لم يكن لدى السودان أي نفوذ للمقاومة واضطر إلى الرضوخ إذا كان لديه أي أمل في التخلص من العقوبات الأمريكية المتبقية.
بعد موافقة السودان على شروط وزارة العدل الأمريكية لإزالتها من قائمة الإرهاب، أعلن ترامب منتصرا، في أكتوبر 2020، تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل كواحدة من ثلاث دول عربية فقط وافقت على اتفاقيات إبراهيم.
والآن مع عودة ترامب إلى منصبه، فإنه يرث ملف السودان مختلفًا بشكل كبير عن الملف الذي سلمه إلى بايدن قبل أربع سنوات. من ذلك انه ومع بداية عام 2025، يحتاج أكثر من 30 مليون شخص في السودان إلى مساعدات إنسانية، بينما نزح أكثر من 12 مليون شخص من ديارهم منذ بدء الحرب الحالية في أبريل 2023.
قد لا تلقى الحجة الأخلاقية للاستجابة للمعاناة الجماعية في السودان أذناً صاغية لدى إدارة تكرس كل جهدها لتعزيز سياسة خارجية “أمريكية أولاً”، لكن واشنطن لديها مصالح استراتيجية ونفوذ غير مستغل في السودان يتجاوز بكثير الخسائر البشرية للصراع والتي تجعل ترامب في وضع فريد من نوعه للتقدم بحلول لإنهاء الحرب.
لقد ربطت إدارة ترامب نفسها عن غير قصد بمصير السودان عندما أعلن بومبيو عن رحلته التاريخية الأولى من تل أبيب إلى الخرطوم في عام 2020، بهدف وحيد هو تعزيز السلام مع إسرائيل. واليوم، يبدو أن فريق ترامب يستأنف من حيث توقف، ويوضح خططه لإحياء وتوسيع اتفاق التطبيع التاريخي؛ على سبيل المثال، أعلن مستشار الأمن القومي مايك والتز الشهر الماضي، “إن مصالحنا الأساسية هي داعش وإسرائيل وحلفاء الخليج العربي”.
ولكن ما هو واضح تمامًا هو أن الإدارة لا تستطيع إحياء اتفاقيات إبراهيم في الوقت نفسه مع ملاحظة انهيار وتفكك أحد المعنيين الخمسة بها وهو السودان.
ويقول هدسون إن الصراع في السودان أكثر من مجرد “حرب بين جنرالين متنافسين يتقاتلان على البلاد” كما يقول الغربيون ممن اشعلوا النار و تواروا بعيدا – هذه من عندي –
يؤكد هدسون و هو ضابط سابق في المخابرات الأمريكية إن الصراع في السودان تحركه معركة أعمق بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي الساعين إلى تعزيز السلطة والهيبة والثروة والنفوذ عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي. “إن تكلفة هذه المنافسة يتحملها شعب السودان”.
ولأجل حلفائه القريبين من السودان من المشاطئين له والمجاورين والأبعدين جغرافيا من السودان ولكنهم الأقرب لأمريكا عاطفيا ودينيا واستراتيجيا وعقديا، فقد يسعي ترمب حثيثا لحلحلة الأزمة الدائرة الآن في السودان وسيظهر ذلك حين يسمي مبعوثه الخاص الي السودان فإن كان هذا المبعوث نصيحا قويا ولم يكن “فافنوس وما هو الغليظ البوص” ميالا لحليف أمريكا الأعظم في المنطقة، كان ذلك علامة فارقة لقرب كف أيدي الداعمين للتمرد وإنهاء التمرد تماما و تحقيق السلام الذي يرجى أن يكون مستداماً.
و إن غداً لناظره قريب
المحقق – محمد عثمان آدم
إنضم لقناة النيلين على واتساب