أكثر الناس لا يعقلون – قراءة في ظاهرة القطيع.!!
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
لم أكن من الذين اتيحت لهم فرصة النظر إلى قطيع من الناس يلهجون بلهج واحد، ويرددون في وقت واحد أصوت الخراف (باع – باع – باع – باع)، إلّا بعد أن اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل، لقد ايقنت مغزى العبارة الواردة في كثير من آيات الذكر الحكيم (أكثر الناس لا يعقلون)، ووجدت العذر للفيلسوف الإيطالي ميكيا فيلي عندما وصف عامة الناس بأن لهم طبائع فاسدة، وعلى الحاكم أن يعلم ذلك، ففعلاً أكثر الناس يؤيدون الطغاة ويسهمون في استمرار طغيانهم، إلى أن تأتي قلة من الناس، يثورون ويحولون الثورة إلى ظاهرة عامة، يلتف حولها نفس القطيع الذي كان يعاديها ويقف أمامها بالمرصاد، ولكم سمعنا عن راعي الأغنام البوليفي الذي وشى بجيفارا أيقونة النضال والثورة العالمية، وكيف كانت اجابته على من سأله لماذا ساهمت في إلقاء القبض على رمز الثورة والنضال، حين قال بأن الفرق العسكرية للطغاة وجنودهم، الذين يبحثون عن جيفارا في كرهم وفرهم مع الثوار، كانوا يزعجون أغنامه ولا يدعونها ترعى، هذا يذكرني بسيناريو القبض على داؤود يحي بولاد، الذي غدر به أحد أقاربه بعد أن استجار به في قرية صغيرة بجبل مرة، فسلّمه لأفراد من جهاز مخابرات الدولة الاخوانية التي قاد بولاد تمرداً ضدها، بعد سنة واحدة من انقلابها على منظومة الحكم الشرعي، فظاهرة القطيع هي التي تقطع الطريق أمام التحولات الكبرى، وتقف حجر عثرة أمام أي تقدم يقوم به الأحرار، ومن سخريات العقل الجمعي للقطيع السوداني، أنه صدّق الرواية الكذوبة التي ظل يطلقها إعلام الفلول، والقائلة بمقتل قائد قوات الدعم السريع، ومن مهازل هذا العقل الغريب أنه وبعد أن ظهر (القائد المقتول)، وهو يوقع وثيقة سياسية مع رئيس "تقدم"، لعب الإعلام المضلل للجماعة الإرهابية بعقول القطيع مرة أخرى – لو أن لهم عقول يرشدون بها، وأقنع هذه العقول الخربة بأن الذي صافح الدكتور عبد الله آدم حمدوك ما هو إلّا روبوتاً الكترونياً مصنوعاً ومصمماً على شاكلة (المرحوم).
العائق الأوحد امام تمدد الوعي الثوري هو الآلة الإعلامية المضللة للجماعة المتطرفة، وبنيتها التحتية التي ترجع إلى ليلة أفول نجم الديمقراطية، وبزوغ الفجر الكاذب للدولة الثيوقراطية، فكانت السيول الجارفة من الأكاذيب بحق السماء، وادعاءات الأبواق الإذاعية والتلفزيونية بحقها وأصالتها في تمثيل صوت الإله في الأرض، فدخلت الأمة في نفق مظلم من عوالم السحر والجن والشعوذة والدجل، وتمكنت الدعاية الميتافيزيقية لمنظومة الحكم الإخواني من رقاب القطيع، وأصبحت تسوّق لهم الوهم على أساس أن انهيار الجسور ما حدث إلّا بسوء فعل الجقور – (الفئران الكبيرة)، لذلك أدرك المستنيرون من أبناء الشعب الكريم أن العقل العام التابعي، قد تمت برمجته على أساس المفهوم الدوغمائي، فلو نجح انقلاب الضباط الشيوعيين مطلع سبعينيات القرن الماضي، لوجدت هوى القطيع قد تماهى مع هوى شعوب الجمهوريات السوفيتية، ذلك أن الناس على دين ملوكهم، وإلى أن يأتينا الملك الجديد سنظل نرى هذا السلوك القطيعي، يسير سيراً استسلامياً وراء ظاهرة صوتية لشخصية وهمية لم يرى وجهها، تبث الأكاذيب والسفه والانحطاط يوماً بعد آخر، هذا الشبح الذي يطلق عليه الأحرار اسم (المنقب)، يعطيك دليلاً قاطعاً على ثبوت نجاح نتائج عملية السيطرة على القطيع، لذلك كان البون شاسعاً بين التنظيمات السياسية النخبوية، والتنظيم الإخواني الذي أول ما بدأ به الاستحواذ على المنافذ، التي يتلقى منها عامة الناس معلوماتهم – الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر المساجد، والأندية الرياضية واتحادات أهل الفن والموسيقى والدراما، لقد فرّطت الحكومات السابقة، فلم تعمل على تحييد هذه المنافذ بوضع النظم واللوائح الحافظة لها من تغول الجماعات المتطرفة، والحامية لها من تهجم أصحاب الأجندات الحزبية، وفي دولة المستقبل القريب الجديدة، وجب على روّاد التغيير أن يفعلوا ما لم تفعله منظومات الحكم السابقة فيما يتعلق بضبط هذه المنافذ.
في بعض البلدان المحترمة المحيطة بنا ومعها الأخرى التي تبعد عنا مسافات طويلة، لا يوجد تسامح في فتح مصاريع أبواب الدور الإعلامية والتعبدية لمن هب ودب، وذلك لارتفاع الوعي الوطني لأولياء أمور تلك البلدان، وادراكهم الكبير للدَور العظيم لهذه الدُور المؤثرة على الجبهة الداخلية ايجاباً وسلباً، فأحكموا ضبط قوانين الهجرة والجنسية والإقامة، ووضعوا المعايير الشرعية الضابطة لخطاب من يعتلي منابر المساجد والكنائس ودور العبادة، وحسموا فوضى نصب مكبرات الصوت في الأسواق، حتى لا يهذي ذوو العاهات النفسية ومصابو الأمراض العقلية المستعصية بما يؤذي الناس، فهب أننا رجعنا للوراء قليلاً وبحثنا في أسباب وصولنا للدرك الأسفل من نار الحرب، من المؤكد سنحصل على خلاصة واحدة مؤكدة على أن اطلاق الحبل على غاربه، وعدم الاكتراث لوضع هذه الضوابط في مواضع دستور البلاد، هو جوهر المسببات للكارثة الإنسانية التي نحن بصددها، فتجييش القطيع من أجل المشاريع الوهمية لن يأتينا بغير ما نحن فيه من مأساة، وواحدة من محاسن القطيع انه ينقلب على رائده، متى ما صدم بانقلاب الحال وظهور القوى الجديدة، فيقف من أجل تمكين سطوة هذه القوى الجديدة، وهذه المحاسن تتأكد في حال واحد هو امتلاك القوى الحديثة لرؤية واقعية، تخرج الناس من دائرة العبث إلى خط التنظيم والترتيب والتنسيق الشفاف الراعي لمصالح الأفراد والجماعات.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
صحف غربية تقدم قراءة في المشهد السوري الحالي
تناول عدد من الصحف الغربية الكبرى الأزمة السورية من زوايا مختلفة، وحللت ما تعيشه سوريا من وضع معقد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وتولّي أحمد الشرع للرئاسة الانتقالية، وسنسلط الضوء في هذا التقرير على أبرز الأفكار والتفسيرات التي قدمتها 7 صحف غربية واسعة الانتشار عن تحديات القيادة والعنف الطائفي ودور المجتمع الدولي.
فقد اتفقت جميع الصحف تقريبا، من لوموند ولوفيغارو وليبيراسيون وأوريان 21 الفرنسيات، إلى لوتان السويسرية فالغارديان البريطانية ثم وول ستريت جورنال الأميركية، على "أوجه الخلل والتناقضات" في قيادة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وأبدى معظمها قلقه من اعتماده على الفصائل الإسلامية، مركزة على الطائفية والمعاناة الإنسانية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 نقاط لفهم اللقاء الأميركي الأوكراني المرتقب في السعودية اليومlist 2 of 2تايمز تنشر تفاصيل كمين روسي لجنود أوكرانيين باستخدام خط أنابيب غازend of listفركزت صحيفة لوموند على شخصية أحمد الشرع، ورأت أن حجم التحديات التي يواجهها تتجاوزه، وأن مساعيه لتقديم صورة الاعتدال والانفتاح لكل من الشعب السوري والمجتمع الدولي "قوضتها تحالفاته مع الفصائل الإسلامية المتشددة".
وأبرزت الصحيفة ما سمته "المجازر التي استهدفت الطائفة العلوية" كدليل على فشل الشرع في تحقيق الوحدة الوطنية، وأشارت إلى أن الانقسامات الطائفية التي بدت كأنها تحت السيطرة خلال فترة الاحتفال بسقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد عادت لتطفو على السطح بشكل عنيف.
إعلان دعوة للتدخل الغربيأما صحيفة لوفيغارو فركزت على ما سمته اضطهاد الأقليات كالعلويين والمسيحيين، ووصفت مشاهد العنف ضد المدنيين العلويين في طرطوس واللاذقية كجرائم تنذر بمخاطر إبادة جماعية وشيكة، ورأت أن انهيار الدكتاتورية العلمانية للأسد لم يحقق الديمقراطية، بل قاد البلاد نحو فوضى مشابهة لما شهده العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين.
وانتقدت الصحيفة إدارة الرئيس أحمد الشرع بوصفها متحالفة مع الإسلاميين ومتواطئة معهم في هذه الجرائم، ودعت إلى تدخل غربي عاجل، وشددت على أهمية اتخاذ إجراءات دبلوماسية وعسكرية لمنع مزيد من العنف، مشيرة إلى الالتزام التاريخي لفرنسا بحماية الأقليات في الشرق الأوسط.
واتخذت صحيفة ليبيراسيون نهجا يركز على الإنسان، مقدمة شهادات لمدنيين عانوا من المجازر، وتفاصيل دقيقة مستوحاة من قصص الناجين من العنف عن قتل المدنيين العلويين، مشيرة إلى الفوضى والتضارب في الروايات حول المسؤولين عن المجازر.
ونبهت الصحيفة إلى جهود الشرع، مثل تشكيل لجنة تحقيق في الجرائم، لكنها شككت في قدرة الحكومة الانتقالية على بناء الثقة أو وقف العنف، مشيرة إلى الكراهية العميقة التي تركها نظام الأسد، والتحديات التي تواجه تحقيق العدالة والمصالحة في بلد يعيش على الانتقام.
أما موقع أوريان 21 فاهتم بالأزمة أساسا من خلال عدسة المجتمع العلوي، وقدم رؤية شاملة "لحالة الرعب والتهميش التي يعيشها العلويون"، موضحا رؤيته بأنهم كانوا مرتبطين تقليديا بنظام الأسد، وأصبحوا "أهدافا للانتقام والتشويه".
هشاشة السلمومن جانبها، ركزت صحيفة لوتان السويسرية على هشاشة السلم في سوريا و"خطر التحول نحو الانتقام الطائفي والتطرف"، وقدمت سوريا كدولة تقف على حافة الفوضى رغم الإطاحة بالأسد.
وأشارت هذه الصحيفة إلى أن تحقيق الاستقرار في هذا البلد الهش يبدو مستحيلا من دون معالجة الاحتياجات الاقتصادية العميقة والانقسامات الاجتماعية فيه، وسلطت الضوء على غياب الدعم الدولي للانتقال السوري، معتبرة أن تردد الغرب في التدخل خلق فراغا استغلته الديناميكيات الطائفية الخطيرة.
إعلانوخلصت لوتان إلى أن "اعتماد الشرع على الفصائل الإسلامية المتشددة" لتقوية سلطته وعدم قدرته على الابتعاد عنها قد يزيد من عزلة الأقليات ويشجع المتطرفين، داعية إلى تقديم مساعدات اقتصادية وجهود للمصالحة كحلول واقعية للحد من دورة الانتقام الطائفي والتطرف.
وتميزت صحيفة غارديان البريطانية بنظرة أكثر شمولا للأزمة السورية، فقدمت تقريرا مفصلا عن الاشتباكات الأخيرة في شمال غربي البلاد، ووصفت حالة الفوضى وعمليات القتل الانتقامية، والتحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع.
وبعد سرد لمسار الأحداث، حمّلت الصحيفة المسؤولية عن قتل المدنيين لكل من الموالين لنظام الأسد والقوات الخاضعة للحكومة الجديدة، ورأت أن الفصائل غير المنظمة والمتحالفة مع الدولة ارتكبت انتهاكات جسيمة.
جروح طائفية عميقةوذكرت الصحيفة أن الرئيس الشرع تعهد بمحاسبة كل من تورط في إراقة دماء المدنيين، وأعلن عن تشكيل لجان للتحقيق في أعمال العنف وإعداد تقرير عن الانتهاكات، ولمعالجة مخاوف الطائفة العلوية التي تشعر بأنها مستهدفة ومهمشة.
واعتبرت غارديان أن العدالة الانتقالية ضرورية لتعافي سوريا بعد حرب أهلية استمرت 14 عاما، مشيرة إلى أن محدودية سيطرة الحكومة على الفصائل المسلحة تقوّض سلطتها وقدرتها على توحيد البلاد.
لوتان: تحقيق الاستقرار في هذا البلد الهش يبدو مستحيلا من دون معالجة الاحتياجات الاقتصادية العميقة والانقسامات الاجتماعية فيه، ولا شك أن غياب الدعم الدولي للانتقال السوري وتردد الغرب في التدخل خلقا فراغا استغلته الديناميكيات الطائفية الخطيرة.
ومع أن وعود الشرع بمحاسبة المسؤولين وضمان الشمولية أساسية لتحقيق المصالحة الوطنية، رأت الصحيفة أن الشكوك تظل قائمة حول مدى كفاية هذه الخطوات لتحقيق الاستقرار، ودعت الحكومة السورية إلى إيجاد توازن بين تحقيق الاستقرار العسكري وجهود المصالحة، مع ضمان العدالة للضحايا والسيطرة على الفصائل الخارجة عن القانون.
وخلصت غارديان إلى أن الأحداث الأخيرة سلطت الضوء على هشاشة المرحلة الانتقالية في سوريا، وأن الاشتباكات الدامية كشفت عن جروح طائفية عميقة، وعن ضعف قدرة الحكومة على السيطرة على الفصائل المسلحة، مؤكدة مرة أخرى أن ضمان العدالة والمصالحة الوطنية ضروري لتجنب مزيد من الفوضى وإعادة بناء بلد مزقته الحرب.
إعلانومن زاوية مختلفة، نوهت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية باتفاق دمج القوات الكردية المدعومة أميركيا والمعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري، واعتبرته خطوة محورية لتعزيز سيطرة الدولة على كامل أراضي البلاد ومواجهة التحديات السياسية والأمنية المستمرة بعد عقود من الحرب والانقسامات.
التحدي الأكبر طمأنة الأقليات
ولكن الصحيفة أشارت إلى أن هذا التطور يأتي في أعقاب أسبوع من الاشتباكات الدامية بين قوات موالية للنظام القديم وقوات حكومية، مما أشعل موجة من جرائم القتل الطائفية وحالات من النزوح بين المدنيين على الساحل السوري.
ورغم الأهمية السياسية للاتفاق، رأت وول ستريت جورنال أن التحدي الأكبر سيبقى طمأنة الأقليات، مثل الطائفة العلوية التي تشعر بالتهديد بعد سقوط النظام السابق، مع أن الرئيس الشرع أشار في خطاب متلفز إلى ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة من كان لهم دور في إذكاء العنف مؤخرا وقال إن "من تلطخت يداه بالدم السوري سيواجه العدالة عاجلًا أم آجلا"، وشدد على أهمية الحفاظ على السلم المدني ومنع تكرار الانتهاكات التي شهدتها البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى التداعيات الإقليمية والدولية لهذا الاتفاق الذي يأتي وسط تعقيدات إقليمية ودولية، حيث لا تزال الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة في سوريا، وسط سعي متبادل بين قوى دولية مثل تركيا وإيران وإسرائيل للنفوذ في البلاد.
وختمت الصحيفة بتزامن هذه الخطوة مع بدء دول أوروبية في تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال مترددة في اتخاذ إجراءات واسعة النطاق لتخفيف الضغوط الاقتصادية عن هذا البلد.