mkaawadalla@yahoo.com

كان من الصعب عنونة هذا المقال، فمن الصعب تعريف شكل السلطة الحالية في بورتسودان التي تعطي النفوذ لممارسة مهام الدولة في ظل تناقضات هذه السلطة الداخلية، فيظل سؤال من يمارس النفوذ ويتحكم في مؤسسات الدولة عالقاً، فمثلاً من يحدد الأهداف الآنية لوزارة الخارجية في ظل الحرب، وماذا تفعل الوزارة، ومن يفعل ماذا؟ وهل هناك تنسيق داخلي بين الوزارة وجميع بعثاتها؟، لذلك فإنه من المحير تحديد من وماذا يريد من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية؟، هل هي حكومة بورتسودان، أم رئيس مجلس السيادة البرهان، أم مجلس السيادة بكامل عضويته الحالية، أم هو مجلس الوزراء الحالي، أم المؤتمر الوطني، أم هم المنخرطين في الحرب والداعمين لها كوزير المالية جبريل وحاكم إقليم دارفور مناوي، أم غيرهم من خارج الجسم الحكومي؟.



ما يمكن ملاحظته أن إرث الإنقاذ في التعامل مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية هو المُتبَع في التعاطي مع واقع الحرب الحالية. تفاعل الإنقاذ مع المحيط الدولي لم يَثبُت أنه كان وفق استراتيجية محددة، بل كان دائماً عبارة عن مواقف تكتيكية مرحلية متغيرة قصيرة النظر، القوة الدافعة لهذه المواقف هو إحتكار السلطة والبقاء فيها فقط، ولم يثبت أن هذه المواقف التكتيكية كانت في مصلحة السودان بل في الغالب هددت أمنه القومي ولم تكن في مصلحة الشعب، بل أنها ساهمت في إضعاف السلطة الحاكمة نفسها وتآكلها.

بعد إنقلاب ٢٥ أكتوبر إتجهت سلطة الأمر الواقع لطرد رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الإنتقال في السودان (يونيتامس)، ووصل الأمر إلى تهديد البرهان بطرد فولكر في أكثر من مناسبة، منها حفل لتخريج الطلاب الحربيين في أبريل ٢٠٢٢، ثم عاد البرهان وجلس بوساطة البعثة وغيرها ووقعوا على الإتفاق السياسي الإطاري. ثم اندلعت الحرب في ١٥ أبريل فأنتقلت يونيتامس إلى بورتسودان، فتم استقبال البعثة بتظاهرات شعبية تواجد فيها الناظر ترك وقائد منطقة البحر الأحمر العسكرية ما يدلل على أنها مصنوعة ومحمية من السلطة. ثم طلبت الحكومة تغيير فولكر على رئاسة البعثة وأنتهى الأمر بإعلان فولكر شخصية غير مرغوبة من الحكومة السودانية، ورغم ممانعة الأمم المتحدة استقال فولكر في سبتمبر ٢٠٢٣، ثم طالبت سلطة بورتسودان بإنهاء تفويض بعثة يونيتامس في نوفمبر ٢٠٢٣، فتم إنهاء تفويض البعثة بواسطة مجلس الأمن في ديسمبر ٢٠٢٣، وإنهاء أعمالها كلياً في فبراير ٢٠٢٤. فولكر رئيس البعثة المطرود من حكومة بورتسودان، خلال حوار حصري مع الإذاعة الألمانية بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٥ أي بعد ٢٠ يوماً فقط من إندلاع الحرب، أشار إلى وجود تحركات في مناطق مثل دول الساحل ومالي والنيجر وتشاد، لجهات وأشخاص وصفهم ب "الباحثين عن الثروة والمرتزقة" يحاولون الاستفادة من الحرب، وأن ''هناك عدد غير قليل منهم يدعم أحد الأطراف المتحاربة في السودان وهو قوات الدعم السريع''. وأضاف أن "هذه ليست سياسة رسمية لهذه الدول، لكن هؤلاء هم الأشخاص الذين يحاولون العثور على فرص للاستفادة من الحرب الأهلية في السودان، وهي في كثير من الأحيان فرص للسرقة والنهب والإثراء". هذا اللقاء الإذاعي مع فولكر كان قبل طرده ومع بداية إندلاع الحرب وحتى قبل تفشي إنتهاكات الدعم السريع، فما الذي دعا سلطة بورتسودان لطرد فولكر!!!، ثم بعد طرده لماذا طلبت بورتسودان إنهاء تفويض بعثة يونيتامس!!!،.

رغم محدوية قدرة البعثة على إيقاف إنتهاكات الدعم السريع بحكم تفويضها بالبند السادس، إلا أن وجودها كان يُشكل ضغطاً على الدعم السريع بخصوص إنتهاكاته، وفي أسوأ الأحوال كانت هذه الإنتهاكات ستكون مرصودة وموجودة في ملفات الأمم المتحدة، كذلك فإن غالبية موظفي البعثة هم سودانيون ولها مكاتب في عدة أقاليم، بالتالي كانت ستكون التقارير والإتصال بشهود العيان ممن شهدوا قتلاً أو نهباً أو أي إنتهاك أسهل بكثير، كذلك كان الحصر للإنتهاكات سيكون أشمل ومن الأمم المتحدة نفسها.

ثم في يونيو ٢٠٢٤ شكل رئيس مجلس السيادة لجنة برئاسة وزير العدل لتولي الدعاوى الدولية ضد قوات الدعم السريع وقادتها والدول المساندة لها، وأكد القرار أن المقاضاة ستكون أمام جهات الإختصاص من محاكم ومنظمات إقليمية ودولية. ألم يكن من الأفضل وجود يونيتامس كجهة محايدة ودولية لرصد إنتهاكات الدعم السريع ودعم موقف الشعب السوداني إزاء هذه الإنتهاكات!!!

في يوليو ٢٠٢٤ نشر وزير الخارجية السوداني مقالاً على موقع شبكة الجزيرة، قال فيه أن "استجابة المجتمع الدولي بطيئة وغير كافية في كثير من جوانبها، بل وتصل إلى حد اللامبالاة. والنتيجة هي استمرار التطهير العرقي والقتل دون رادع على يد المليشيات في أنحاء البلاد"، ثم أضاف "أن بعض الأوساط الغربية نسيت على ما يبدو أن قوات الدعم السريع هي في الأساس نسخة مطورة من الجنجويد، على حد تعبير (Enough Project)، وكما يمكن أن تجده في مراجع علمية عديدة، بل وفي موسوعة ويكيبيديا المفتوحة على شبكة الإنترنت"، كما قال "وهكذا، قياسًا إلى ردود فعله تجاه جرائم الجنجويد في دارفور بين عامي 2003-2009، يبدو أن المجتمع الدولي لم يعد يكترث لفظائعهم المتجددة، رغم أن ضحاياهم الحاليين يشكلون نحو نصف سكان السودان". وأضاف الوزير "غير أن تدخل القوى الخارجية والسياسيين المحليين في العملية [الإنتقالية] أجهض المحاولة [الإنتقالية]، وبدلًا من ذلك اشتد عود قوات الدعم السريع. وبفضل دعم راعيها الإقليمي واستيلائها على النصيب الأكبر من ثروة البلاد من الذهب، تمتلك المليشيا الآن أسلحة متطورة، وتتمتع بسيطرة اقتصادية كبيرة وشبكة علاقات عامة. بل وكان السودان على وشك الانضمام إلى قائمة دول الشرق الأوسط التي تديرها المليشيات".
الوزير مُحِق جزئياً فيما ذهب إليه، ولكن هل الوزير لا يدرِك من هو مؤسس الدعم السريع والجنجويد، وأن برلمان المؤتمر الوطني أجاز قانون الدعم السريع، و أن البرهان رئيس المجلس العسكري حينها قام في ٣٠ يوليو ٢٠١٩، وقبل توقيع الوثيقة الدستورية وأثناء التفاوض عليها، بتعديل قانون الدعم السريع، ويُقرأ التعديل:
"١. تُلغى المادة ٥ من قانون قوات الدعم السريع لسنة ٢٠١٧ [الخضوع لقانون القوات المسلحة] بجميع فقراتها."
"٢. يعاد ترقيم قانون قوات الدعم السريع تبعاً لذلك."
ونعيد أدناه نص المادة ٥ من قانون قوات الدعم السريع ٢٠١٧:
"٥ (١) عند إعلان حالة الطؤارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة ٢٠٠٧ وتكون تحت إمرتها."
"٥ (٢) يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقت أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذٍ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة ٢٠٠٧." الإقتباسات من كتاب قوات الدعم السريع النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل ٢٠٢٣ تأليف د. سلمان أحمد سلمان وهو موجود مجاناً على موقع سودانايل وجدير بالقراءة. هل وزير الخارجية لا يعرف من طرد فولكر ثم بعثة يونيتامس!!!.، يلومون الجميع ولا يلومون أنفسهم، يطردوا بعثة دولية موجودة أصلاً، ثم يطالبوا المنظمات الدولية لكف يد الدعم السريع، ما هذا التناقض!!!. وحيث أن الوزير عنون مقاله المجتمع الدولي مطالب بوقف إنتهاكات الدعم السريع، فقد كان الأجدى أن ينشر مقاله في صحيفة دولية مستقلة نسبياً ناطقة بالإنجليزية كالغارديان أو غيرها مما يقرأه صانع القرار الدولي، إلا إذا كان يستهدف جمهوراً آخر بمقاله.

عُقدت مفاوضات غير مباشرة بخصوص حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية برعاية الأمم المتحدة في جنيف في الشهر الجاري بين حكومة بورتسودان والدعم السريع، في يوم وصول وفد الحكومة لجنيف نفى البرهان وجود مفاوضات، ثم قاطع وفد بورتسودان الجلسات الأولى للتفاوض، ثم عاد وأكمل التفاوض ولم تخرج سلطة بورتسودان بأي تصريح، ولم تتفق على إيصال المساعدات الإنسانية للسودانيات والسودانيين النازحين بمناطق سيطرة الجيش مع بؤس أوضاعهم والمخاطر الصحية والغذائية التي تحيط بهم، وماهي رؤيتها للإمدادات الغذائية والصحية للمناطق المحاصرة الفاشر والمناقل وسنار. بالمقابل وللعجب خرج الدعم السريع بإتفاق مع الأمم المتحدة، وليس مع الطرف الثاني للتفاوض حكومة بورتسوان، لإيصال الإغاثة لمناطق سيطرته وعقد وفده مؤتمر صحفي في جنيف، بل أن قائده حميدتي أرسل رسالة بها مطلوبات للأمم المتحدة، ولم يصل وفد حكومة بورتسودان لإتفاق مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات على الأقل في مناطق سيطرتها.

ثم في ٢٠٢٤/٧/٢١ نشرت سودانايل للصحفي عبد الرحمن الأمين ترجمة لمقال نُشر على سودانايل جاء فيه "كشفت صحيفة برسيلز مورننغ نيوز البلجيكية The Brussels Morning News عن حضور مكي المغربي كممثل للاسلاميين مشاركاً بضعة مرات في حلقات حوار في مركز موشي دايان بتل ابيب. وقالت الصحيفة ان المذكور يحضر بعلم ودعم ومساندة مدير جهاز المخابرات السوداني شخصياً ، الفريق إبراهيم مفضل، بيد ان مشاركة المغربي الاخيرة ( رقم 7) كانت الاكثر اثارة إذ أبلغ الاسرائيليين رغبة حكومة بورتسودان اقامة علاقات مباشرة مع اسرائيل تتجاوز اتفاق ابراهام".
حكومة بورتسودان تُزايد على الإمارات نفسها - راعي إتفاقيات أبراهام - في التطبيع مع إسرائيل، التي تمر بأسوأ فترات علاقاتها الدولية بسبب حرب غزة.

الواضح أن حكومة بورتسودان لا تكترث بالشعب السوداني وما يمر به، وتتخذ أساليب طفولية ومتناقضة ولا أخلاقية في التعاطي مع المجتمع الدولي بغير هدى، ودون استراتيجية واضحة، بل إنها تكذب وتراوغ بشكل مفضوح وتفترض الغباء في المجتمع الدولي والشعب السوداني، بل أنها حتى لم تحاول أن تبذل مجهوداً ولو كذباً على المجتمع الدولي بأنها تهتم لشعبها والكارثة الواقعة عليه، فصرحت بأنه لا يوجد خطر مجاعة وأن تبعات الحرب فقط فجوة غذائية، وأن الإنتاج الزراعي لهذا العام يتجاوز الأعوام السابقة وغيرها. هذا السلوك يفضح هذه الحكومة ويُضعفها من الداخل ويهدد وجودها نفسه ويهدد البلاد ووحدتها، فالسلاح وحده لا يحافظ على السلطة. وكما ربط المؤتمر الوطني أمن البلد ووجودها به، تُعيد حكومة بورتسودان الهجين الكَرة وتأمل في نتائج مختلفة وهو الجنون عينه.

بقلم محمد خالد  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إنتهاکات الدعم السریع قوات الدعم السریع حکومة بورتسودان المجتمع الدولی القوات المسلحة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

واشنطن تفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية

قال مصدران دبلوماسيان، اليوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع السودانية.

وبحسب وكالة “رويترز” تهدف هذه الخطوة إلى زيادة الضغط على المسؤولين الذين يساهمون في تصعيد النزاع في السودان.

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حرباً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تتهم قوات الدعم السريع السودانية بارتكاب "إبادة جماعية" في دارفور  
  • جرائم الاغتصاب على يد الدعم السريع أكثر مما هو معلن
  • على خُطى الإنقاذ، حكومة بورتسودان تنفي وجود مجاعة في البلاد!
  • واشنطن تفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية والكيانات المرتبطة بها
  • الولايات المتحدة تقول إن قوات الدعم السريع سودانية ارتكبت إبادة جماعية وتفرض عقوبات على زعماء الجماعة
  • بلينكن: واشنطن تأكدت من ارتكاب ميليشيا الدعم السريع إبادة جماعية في السودان
  • واشنطن تفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية
  • الحالمون بالعودة إلى العهد البائد
  • إعلان حكومتين في السودان.. رهان الشرعية الخاسر
  • لماذا ذهب الدعم السريع إلى الحرب؟