مسقط - الرؤية

توضح الصور الجوية استمرار فرص نشاط السحب الركامية وهطول أمطار متفرقة تكون رعدية أحياناً مصحوبة برياح هابطة نشطة على جبال الحجر والمناطق المجاورة لها مساء اليوم الاثنين، مع فرص هطول أمطار متفرقة على سواحل وجبال محافظة ظفار.

.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جنوبيون

(1)

ليس للعنوان علاقة مباشرة أو صلة من أي نوع ما مع قصيدة (الورقة الأخيرة- الجنوبي) للشاعر المقرب إلى قلبي أمل دنقل في ديوانه (أوراق الغرفة 8)، لكنه الجنوب؛ وما أدراك ما الجنوب!

الجنوب التعبير الذي يتردد في الاستعمال اليومي بين الناس الذين أعرفهم ونتعامل مع بعضنا بعضًا وفق سياقات المنافع اليومية المتبادلة. تسألني إحداهن: «كيف شفتي الجنوب؟». لأول وهلة «أصفن» في المفردة، وأفكر قائلة لنفسي: يا إلهي! لم أسمع هذا التعبير منذ متى؟ أنا لا أستخدمه في حديثي اليومي لأميز نفسي عن أحد قادم من أي محافظة عمانية، لا أكترث له كثيرا؛ لأن لفظة «ظفار» أو «صلالة» هما الأكثر تداولًا ودلالة عندي.

لكن حال «الصفنة» في المفردةِ يتلاشى بدون تسرع عندما تُكمل السائلة جملتها بامتعاض قائلة: «أنت قدش شمالية وجايه من الشمال وبتكونين نسيتي عاداتش وتقاليدش». عندئذ، لا يسع الكون سماع ضحكتي المجلجلة.

لغايات إجرائية بحثية صارمة يمكن استخدام محددات الجهات في الجغرافيا، كأن أعرّف الموقع الجغرافي لظفار على هذا النحو: «تقع ظفار في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية»، مُدركة أن الجملة سأقولها لأجنبي أو غريب عن عُمان مثلا، ولا يحمل الهوية العمانية، وسيكون فهمها مستساغا ومقبولا إلى حد كبير. أما جريان استخدامها في الخطاب اليومي، أو في جلسات خاصة بيننا نحن العمانيين، ومن مدينة صلالة، فتكتسب عندي درجة من التساؤل والدهشة: ففي حوار بين شخصين يمكن أن يطال النقاش توجيه مفردات من نوع أنت تتصرف بهذا المستوى؛ لأنكم في الشمال... فيرد عليه الشخص الثاني، وأنت تتصرف هذا التصرّف؛ لأنكم في الجنوب...، ثم لا يلبث النقاش بينهما أن يتطور إلى تبادل الأحكام القاسية؛ بسبب منطلقات الحوار الخاطئة المبنية على تصورات ذهنية مربكة. لطالما تعرضت عندما كنت في الوظيفة إلى سيل من التهكم المغلّف بترسبات من التندر ثقيل الدم. أتذكر موقفًا أحاديًا صار لي مع جمع من الموظفين عندما علقت على موضوع أنتقد فيه أمرًا ما، وظننت في حينها أن الموظفين سيتفاعلون معي في النقاش، لكنهم انسحبوا واحدًا تلو الآخر، فسألت أحدهم: لماذا هذا الصمت؟ لماذا تنسحبون؟ فأجاب كبيرهم الذي سحرهم قائلا: «أنتم في ظفار أهل الجنوب أغلبكم...».

إذا انتقلت إلى ناحية أخرى من التفكير في تلك العلاقة، أعود إلى مسرحيتي (البئر) التي ألفتها في عام، كتبتها تحت وطأة بعض التصورات الذهنية الثقافية المقيتة، وكنتُ تطرقتُ فيها إلى مفردات من نوع (الشمال والجنوب، والشرق والغرب، والحركة والسكون) وأعدّها المسرحية الأولى التي سعيت فيها إلى تقديم محاولة بناء حوار درامي مجتمعي انطلاقا من تلك التصورات، فلا يمكن للمرء بأي حال من الأحوال أن ينسى عاداته وتقاليده والأعراف الاجتماعية غير المبتذلة جميعها بمجرد الانتقال والعيش في مكان آخر من جغرافية عمان أو خارجها؟

(2)

الباحث في تاريخ ظفار سيلفت انتباهه تصدر المؤلفات التي خصّت تاريخها قبل الميلاد، وفي العصر الحديث وحول عاداتها الاجتماعية والثقافية وعلاقاتها التجارية مع الحضارات القديمة بالعديد من المؤلفات والدراسات والبحوث. هذا الجهد الذي يبذله الباحثون مسألة مهمة جدا في التوثيق لمحافظة ظفار، ويعلم الله كم يبذل هؤلاء من وقت في البحث عن المعلومة وتقصي الصحيح منها والوقت الذي يُخصص لمتابعة التأليف والموافقة الرسمية على الكتاب يليه البحث عن دار النشر إلى مسائل التسويق وعقد قراءة للكتاب وحفلات التوقيع. يلعب السرد دورًا حيويا جميلا وغنيًا في تقديم صورة ذهنية متخيلة عن المكان الجغرافي بعناصره البيئية جميعها. وتبنت بعض الجهات الحكومية ممثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة التراث والسياحة وغيرهما إصدار الدراسات المعنية بتاريخ المحافظة بما يتناسب وسياسة العناوين التي تراها مناسبة لها. كذلك أظهرت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء بفرعها في صلالة تدشين المؤلفات السردية والوثائقية التاريخية عن ظفار لعدد من منتسبيها.

في سياق أهمية الوظيفة البنيوية التي يؤديها السرد في الحفاظ على تراث الشعوب وتحفيز الذاكرة لجأت الهيئات والمؤسسات الثقافية والرسمية إلى التفكير بالعديد من المحاولات للحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي للمحافظة، وتمظهر ذلك من خلال أساليب مختلفة منها البحث عن المخطوطات وتوثيقها في السّجلات الرسمية، أو تشجيع المبدعين على تأليف الروايات والقصص، الإسراع إلى تدوين الحكي الشفاهي واستخراجه من أفئدة الحفظة، إقامة الحفلات الشعبية والموسيقية وعمل معارض الفن التشكيلي باتجاهاته المختلفة ومسابقات للمأكولات المحلية، كل ذلك من أجل إبراز المشهد الثقافي.

في هذا السياق أدت المجالس الثقافية التطوعية لبعض الأفراد دورا في تنشيط الحراك الثقافي في المحافظة، حيث تبنت الكاتبة المثابرة إشراق النهدي على منصة X فكرة إطلاق وسم بعنوان (ظفار تقرأ)، فأسست تباعًا (مجلس إشراقات ثقافية)، وجعلت من الوسم شعارًا رمزيًا لجميع فعاليات المجلس التي خططت لها وقدمتها بهدف تحفيز المجتمع على فعل القراءة.

يُعدُّ مجلس إشراقات ثقافية المجلس الأكثر نشاطًا وبروزًا، فهو مجلس حاصل على ترخيص من وزارة الثقافة والرياضة والشباب لإقامة ورشات تدريبية وتعليمية ومناشط أدبية متنوعة وصقل وبناء شخصيات مبدعة في عالم الكتابة. ومن الجميل أن المجلس فاز من بين (35) مبادرة بالمركز الأول كأفضل مبادرة مجيدة ضمن جائزة المبادرات المجتمعية الأدبية الثقافية في معرض مسقط الدولي للكتاب الدورة السابعة والعشرين لعام 2023م. الإشارة التي أود الالتفات إليها حول مجلس إشراقات ثقافية هي عقده لورش في كتابة القصة القصيرة والرواية والمسرح للموهوبين، وربط الجانب النظري مع الجانبين التطبيقي والتنفيذي، بمعنى تحول الورشة إلى طباعة مخرجاتها قدر المستطاع وبالإمكانيات المتاحة إلى واقع ملموس، فصدر كتاب شاركت فيه رئيسة المجلس من خلال الإعداد أو التأليف والتقديم والتحرير بعنوان (بنت البليد) يحوي مجموعة قصصية جماعية من ورشة المجلس عام 2023م، في كتابة القصة القصيرة، وشاركت فيه (32) كاتبًا وكاتبةً من المحافظة. مجموع القصص على تفاوت مستواها البنائي تنتح من بيئة المجتمع المحلي في ظفار، ببيئاته المتباينة في التضاريس والموروث الثقافي الغنائي والأسماء والميثولوجيا، مع استثناء بعض النصوص. وفي سياق الموضوع نفسه، صدر في عام 2017م كتاب بعنوان (خرفجت) وهي أيضا مجموعة قصصية، لكنها لإشراق النهدي كمؤلفة. البدء في قراءة الكتاب تنطلق من عتبة العنوان، حيث تسجل العبارة التعريفية التالية: «خرفجت إعادة تشكيل الأفكار وبعض الأفكار وهم». وتحيل دلالة العنوان إلى المُعلن عنه أو المسكوت الذي لا يجب الاقتراب منه في كل ما يؤسس علاقة المرء مع الطفولة والترعرع في المكان والزمان والبشر والمعتقدات والأفكار والأمثولات التي ينتمون إليها. من اللافت للانتباه أن تباين القصص في الكتاب يجعلها تنشّد كلها بخيوط رفيعة مع (خرفجت)؛ اللعبة الشعبية التي يلعبها أهل الجبل في ظفار بالأصابع الخمس. وعطفا على هذه الجزئية تنتشر الأعمال السردية التي تمتح بناها اللغوية وحبكاتها الفنية التجريبية من مسميات ألعاب شعبية محلية متوارثة عبر الأجيال، فيبث السرد في اللعبة النبض والحياة والانفلات من القوقعة، عندما تنتقل مفردة اللعبة الشعبية البسيطة من مستوى الجماد أو التزيين المُتحفيّ أو التوثيق التاريخي إلى مستوى التجريب الإبداعي، هذا ما قدمه على سبيل المثال لا الحصر الكاتب محمد سيف الرحبي في رواية (الخشت).

(3)

مؤخرًا في زيارتي هذه كنتُ في الواقع أبحث عن مؤلفات أو دراسات بحثية تناولت الجانب الميثولوجي في محافظة ظفار؛ كالأضرحة وما يعتقد حولها من معتقدات، والطقوس الخاصة ببعض الأفكار، وتواصلت مع بعض الباحثين الذين كنتُ أعوّل أن أجد ضالتي عندهم، لكنني أُصبت بخيبة أمل كبيرة، فلم أجد ما كنتُ أبحث عنه. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه، بالرغم من تناول رواية عن المكان تاريخه ومعتقداته كروايتي (موشكا والإحقافي الأخير) للكاتب محمد الشحري، ومجموعة قصصية قديمة للكاتب الدكتور (أحمد المعشني) بعنوان (دثار) يظل الجانب الميثولوجي لا يحظى بالدراسات البحثية الأكاديمية الموثقة، إذ تنتشر القصص والعجائبيات لدى الحفظة للتاريخ مع ما يغلفها تارة من تحفيز وقوة، وتارة أخرى ادعاءات وأباطيل.

مقالات مشابهة

  • مقتل 3 ارهابيين بضربة جوية في جبال حمرين
  • “الأرصاد اليمني” يشدد على ضرورة الاحتماء من العواصف الرعدية
  • سحب ركامية قد تصاحبها أمطار غدا
  • هيئة الآثار تجدد مناشدة المنظمات الدولية المساعدة في حماية المواقع الأثرية المتضررة من الأمطار
  • هيئة الآثار تجدد مناشدة المنظمات حماية المواقع الأثرية المتضررة من الأمطار
  • الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية متفاوتة ومتفرقة على عدة محافظات خلال الساعات القادمة
  • فرص لهطول أمطار متفرقة على جبال الحجر وسواحل وجبال محافظة ظفار
  • 11 محافظة تحت تأثير الأمطار بالساعات المقبلة
  • تعزيزات ضخمة في جبال صعدة: هل يستعد الحوثيون لجولة جديدة من التصعيد؟
  • جنوبيون