د. الشفيع خضر سعيد
المسار الأول في جنيف، حيث توصل وفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص للأمين العام، رمضان لعمامره لاتفاق مع وفد قيادي من قوات الدعم السريع بشأن إيصال المساعدات الإنسانية الي المتضررين من الحرب في السودان وتعزيز حماية المدنيين.
ويشمل الاتفاق إقامة مراكز في كل من دارفور وكردفان، والخرطوم والجزيرة، على أن تلتزم قوات الدعم السريع بحماية القوافل والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
وتقدمت في ذات المقال بعدد من المقترحات منها ضرورة أن تتفق الجهات الدولية والإقليمية المعنية على أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعالية في تلبية احتياجات الناس، بما في ذلك ابتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية، وغير ذلك من الطرائق. وتحديدا، اقترحت أن تعقد قيادات رفيعة المستوى وذات خبرة من المجتمع الدولي والإقليمي جلسات تفاوض مع قيادات عليا متنفذة في القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كل على حدة والاتفاق بشكل ثنائي مع كل طرف بشأن خلق الممرات الآمنة وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، وذلك على أساس الاعتراف بحق كل طرف في السيطرة واشتراط موافقته على ممرات توصيل المساعدات. وقلت إن جوهر هذا الاقتراح يتمثل في التفاوض على أعلى مستوى؛ ولا يشترط اتفاق مشترك بين الطرفين المتحاربين؛ مع كفالة حق السيطرة؛ والأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من التجارب السابقة في توصيل المعونات الإنسانية.
معالجة ملف الأزمة الإنسانية وضمان حماية المدنيين هو المدخل الصحيح لوقف الحرب في السودان
المسار المشجع الثاني يتمثل في المحادثة الهاتفية بين الفريق البرهان والشيخ محمد بن زايد، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب، وتأتي في خضم الاتهامات الموجه من السودان إلى الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، والتي وصلت حد تقديم السودان شكوى ضد الإمارات في مجلس الأمن. لن أخوض مع الخائضين في التكهن بتفاصيل ما دار في المحادثة، وأعتقد أن هذا ليس مهما في هذه المرحلة بقدر ما أن المهم هو فعل الاتصال الهاتفي نفسه. فليس من المتوقع أن تكون المحادثة الهاتفية قد تعمقت في التفاصيل أو اقتربت من التوافق على محطات رئيسية، ولكنها بالتأكيد، وبغض النظر عن محتواها، ترسل إشارات إيجابية ومشجعة، ولكن بالطبع ليست حاسمة، بالنسبة لقضية وقف الحرب في السودان. وفي ذات السياق تأتي زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لبورتسودان.
المسار الثالث الذي يرسل إشارات مشجعة، يتمثل في حوارات القوى المدنية والسياسية السودانية في مؤتمر القاهرة وفي مؤتمر أديس أبابا، رغم سلبيات وقصور التحضير بالنسبة لمؤتمر أديس أبابا والتي أدت إلى مقاطعته من قبل قوى مدنية وسياسية مؤثرة، ورغم اعتراضات بعض القوى على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة. فالتطورات الأخيرة في المؤتمرين، وما سبقهما من لقاءات مشتركة ضمت الأطراف والكتل المدنية والسياسية في العديد من الورش والسمنارات، تنبئ في إمكانية الاقتراب من انتظام هذه القوى في حوارات جادة للتوافق حول رؤية لإنهاء الحرب وإستعادة المسار المدني الديمقراطي.
تقريبا، كل لقاءات القوى المدنية والسياسية المشار إليها هنا، أكدت على المبادئ العامة حول وقف الحرب عبر التفاوض، وعلى أولوية مخاطبة الأزمة الإنسانية، وعلى الحفاظ على وحدة السودان، وعلى عملية سياسية تؤسس لفترة إنتقال تأسيسية، وفي مؤتمر القاهرة تم التوافق على لجنة للمتابعة والتحضير السياسي والذهني والتنظيمي للقاءات تالية مكملة. وبالنظر إلى الإشارتين الأولى والثانية أعلاه، وبإعتبار ما ظللنا نكرره كثيرا من أن الطرفين المتقاتلين قد يتفقان على وقف إطلاق النار والقتال، ولكن ليس باستطاعتهما وحدهما وقف الحرب أو تقرير مستقبل السودان، فإن حوارات القوى المدنية والسياسية السودانية تكتسب أهمية قصوى، ونحتاج أن نزيد من وتيرة تسارع عجلتها، لأن المسؤولية الأكبر والرئيسية في إنهاء الحرب تقع على عاتق هذه القوى، لأنها هي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية التي بدونها لن تضع الحرب أوزارها.
وجوهر العملية السياسية يبدأ بصياغة الرؤية لوقف الحرب، والتي في قمة أولوياتها مخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد، بالإضافة إلى الإجابة على العديد من الأسئلة الجوهرية الأخرى كأسئلة مستقبل القيادات العسكرية ومستقبل الدعم السريع والمجموعات المسلحة الأخرى، وأسئلة العدالة والمساءلة والمحاسبة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها وما سبقها من انتهاكات، وكذلك أسئلة إرساء ملامح فترة انتقال بقيادة مدنية تخاطب جذور الأزمة السودانية والأسباب الجوهرية لاندلاع الصراعات والحروب في البلاد، ومنها هذه الحرب المدمرة، وتعيد بناء الدولة السودانية وفق مشروع وطني متوافق عليه.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة المدنیة والسیاسیة الحرب فی السودان الدعم السریع وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. «صوت العقل» لإنهاء الأزمة السودانية
أبوظبي (الاتحاد)
وسط تصاعد النزاع في السودان، وبلوغ الأزمة الإنسانية مستويات غير مسبوقة، تطالب دولة الإمارات بضغط إقليمي ودولي حقيقي لوقف نزيف الدم السوداني، وإنهاء الاقتتال بشكل فوري ودائم وغير مشروط، وعودة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار والتفاوض.
ورغم ترويج القوات المسلحة السودانية ادعاءات باطلة ومزيفة ضد الإمارات، تؤكد الدولة التزامها الثابت والراسخ بدعم الشعب السوداني إنسانياً ودبلوماسياً وسياسياً.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه القوات المسلحة السودانية بخيار العنف، تطرق المجاعة أبواب ملايين السودانيين، ويفرغ التهجير القسري المدن من سكانها، في مشهد يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، ما يجعل دولة الإمارات تكرر دعواتها إلى تشكيل حكومة مدنية شاملة تُعيد للسودان أمنه واستقراره.
صوت الإمارات
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، ماجد الساعدي، إن مسار الدعوات الدولية يسير بشكل متزايد على خُطى الموقف الإماراتي الذي طالب منذ اللحظة الأولى بضرورة وقف الحرب في السودان، والدفع نحو طاولة الحوار، غير أن القوات المسلحة السودانية التي تخضع لتأثير جماعة «الإخوان» والتيارات المتطرفة، وتواصل رفضها لهذه المبادرات، مُصرة على الحسم العسكري، ما يُنذر بمزيد من العنف الأهلي والانقسام الوطني.
وأضاف الساعدي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن النهج العدائي الذي تتبعه القوات المسلحة السودانية أدى إلى انقسام السودان وتفكيك نسيجه الاجتماعي، مشيراً إلى أنها ارتكبت العديد من المجازر في دارفور وجنوب كردفان، وواصلت على مدى عقود ممارساتها الممنهجة ضد المدنيين.
وذكر أن القوات المسلحة السودانية لم تكن يوماً كياناً وطنياً جامعاً، بل أداة في يد جماعات أيديولوجية تحرّكها شعارات دينية متطرفة ورؤى قومية منغلقة، لا ترى في الحوار سوى ضعف، ولا تؤمن إلا بالحرب كوسيلة للبقاء.
وأفاد الساعدي بأن تعنّت القوات المسلحة السودانية، والتي أصبحت واجهة لتحالفات راديكالية، يُفاقم الأزمة في السودان، حيث تحول النزاع من خلاف سياسي إلى حرب أهلية ذات أبعاد طائفية وجهوية، تهدد بزوال ما تبقى من وحدة البلاد، موضحاً أن الحالة السودانية اليوم تشبه تجارب دول فقدت مؤسساتها هويتها، وتحولت إلى أدوات قمع وتفتيت.
وأكد الباحث في الشؤون الأفريقية أن المجتمع الدولي لم يعد يملك رفاهية الاكتفاء بالبيانات والدعوات الشكلية، بل بات من الضروري ممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف المتشددة، خصوصاً التي ترفض لغة السلام، وتُمعن في تأجيج النزاع، مشدداً على أن صوت الإمارات، ومعها القوى الإقليمية والدولية العاقلة، لا يزال يشكل أملاً واقعياً للخروج من الأزمة الطاحنة التي يعيشها السودان، إذا أُحسنت الأطراف المتنازعة الإصغاء للدعوات الإماراتية، والتفاعل مع مقترحاتها بشكل جاد ومسؤول.
قضية إنسانية
وتتسع رقعة التوافق الدولي مع الموقف الإماراتي الذي يتعامل مع الأزمة السودانية باعتبارها قضية إنسانية وأمنية تؤثر على استقرار الإقليم برمّته، وليس فقط كملف سياسي عابر. ومن هذا المنطلق، تواصل الإمارات الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات جادة، بما يضمن استعادة الحد الأدنى من الاستقرار، وحماية الشعب السوداني من ويلات الاحتراب.
من جهتها، قالت مديرة رصد انتهاكات الحروب في المركز الدولي للذكاء الاصطناعي (A3)، سارة الحوسني، إن التيارات المرتبطة بـ «الكيزان»، المنتمية لجماعة «الإخوان»، تواصل التلاعب بالوعي العام في السودان من خلال تصدير أزماتهم الداخلية وصناعة عدو خارجي وهمي، متهمة الإمارات زوراً بالمسؤولية عن المأساة السودانية، في محاولة للهروب من المحاسبة عن سجل طويل من الانتهاكات والفساد.
وأشارت الحوسني، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن ما يقوم به «الكيزان» يدخل ضمن ما يُعرف باستراتيجية «الدخان»، وهي تكتيك معروف تلجأ إليه الأنظمة الفاشلة لصرف الانتباه عن الأزمات الحقيقية. فبدلاً من مواجهة الاتهامات الجادة الموجهة إليهم، ومنها ما هو مسجل رسمياً في المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، يسعون لتصوير الإمارات كعامل خارجي سلبي، رغم أن الأدلة تشير إلى عكس ذلك تماماً.
مساعدات متنوعة
وأكدت مديرة رصد انتهاكات الحروب أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية توضح بجلاء أن الإمارات تُعد من أبرز المانحين في جهود الإغاثة الإنسانية في السودان، حيث قدمت مساعدات طبية وغذائية، وشيدت مستشفيات ميدانية، ودعمت مشاريع تنموية استهدفت ملايين المتضررين من النزاع.
وانتقدت الحوسني تجاهل التيارات الموالية لـ«الكيزان» للواقع الاقتصادي المتردي في السودان، مشيرة إلى أن الميزانيات تُستهلك في الصرف الأمني والعسكري، بينما يعيش المواطن السوداني في ظروف مأساوية، وتعاني البلاد من انهيار البنية التحتية وهروب الاستثمارات، في ظل غياب أي رؤية حقيقية للإنقاذ.
وأضافت أن «الكيزان» يواجهون اليوم عدالة شعبية داخلية قبل أن تكون دولية، مؤكدة أن المحاكم السودانية يجب أن تكون الوجهة الأولى لمحاسبة من تسببوا في تراجع الدولة ونهب مقدراتها، وليس الاستمرار في توجيه الاتهامات للآخرين.
وشددت على أن الشعب السوداني الذي يمتلك تاريخاً من الفكر والثقافة والإبداع يستحق قيادة وطنية حقيقية، لا جماعات تدفع به إلى معارك وهمية وتغرقه في الأوهام والدعاية العدائية، مؤكدة أن معركة السودان الحقيقية ليست مع أي طرف خارجي بل مع الفساد وسوء الإدارة والاستبداد.
وأفادت الحوسني بأن ما يدور حالياً في السودان ليس مجرد صراع إعلامي، بل معركة مصيرية تتعلق بمستقبل الدولة السودانية، معتبرة أن الوعي الشعبي يُعد السلاح الأقوى لكشف الحقيقة، وسط هذا الكم الهائل من الضباب الإعلامي والدعائي.