إدارة الحرب بين المناورة و الإستراتيجية
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الحرب الدائرة الآن في السودان، مرت بتطورات عديدة خلال الخمسة عشر شهرا الماضية، و إستخدمت فيها العديد من الأدوات، أهمها الإعلام بهدف تحطيم الروح المعنوية للخصم، و كما ذكرت سابقا تغيرت فيها الأجندة و الشعارات من مرحلة إلي أخرى، و تطورات مسرح العمليات هو الذي يؤدي لتغيير في الشعارات و الأجندة، و أيضا استخدم فيها النفوذ الخارجي في محاولة لفرض تسوية تخدم أجندته من جانب، و فرض قوى بعينها في المسرح بهدف رفعها لمقاعد السلطة دون البقية الأخرى.
أن الجيش كمؤسسة يدير المعركة ضد الميليشيا، يحتم ذلك عليه؛ الإشراف الكامل على مسرح العمليات في كل ولايات السودان، و هي في ذلك يحاول أن يحطم القوى الضاربة لديه الميليشيا، و أيضا مطالب بتوفير كل المعدات العسكرية و الزخائر و التشوين التي تتطلبها المعركة و المقاتلين، و أيضا مطالب أن يحدث أختراق أستخباراتي في جسم العدو و معرفة تحركاته و خططه لكي يتصدى، و أيضا التصدي لإعلام العدو الذي يجد دعما كبيرا من الدولة الداعمة للميليشيا، بهدف التضيق على قيادة الجيش و تحطيم الروح المعنوية للمقاتيلين.. و في جانب أخرى نجد أن الجيش نفسه يدير مؤسسات الدولة السيادية، و يواجه تحديا كبيرا في محيط السودان الإقليمي و خارج الإقليم و أغلبيتهم مشاركين في المعركة من خلال إرسال المرتزقة و تقديم الإمداد العسكري المطلوب للميليشيا..
كل هذه التحديات، تجد أن السلطة الحاكمة تواجه العديد من الضغوط التي تمارس عليها للجلوس للتفاوض من خلال المنظمات المختلفة " الإيغاد التي مالت إلي جانب الميليشيا بحكم علاقة قيادتها بالدولة الداعمة للميليشيا، و الاتحاد الأفريقي الذي ذهب في طريق الإيغاد، و الأمم المتحدة المطالبة أن توقف الحرب و ترسل إغاثة للمواطنين السودانيين اينما كانوا، و أيضا الإمم المتحدة دخلت فيها توازنات إستراتيجية مؤثرة في القرارات التي أتخذت، و التي كان يجب أن تتخذ، هذه التوازنات حتمت على البعض التعامل مع السلطة الحاكمة في السودان إنها سلطة تمثل السودان، الأمر الذي جعل الجانب السياسي للميليشيا في مأزق.
أن الإستراتيجية الأولى التي اعتمدت عليها القوات المسلحة، هي كيف تفشل الإنقلاب، و ضرب كل مؤسسات الميليشيا " مؤسسة الاتصال بين مناطقه المختلفة- ضرب مقاره الرئيسية التي يتحرك و يخطط فيها – التصدي للهجمة الإعلامية حتى يحتفظ بالروح المعنوية للمقاتلين– عدم الدخول في أي مفاوضات سياسية – العمل على تفشيل وحدة القرار الخارجي" هذه المعركة استطاع الجيش أن يحدث فيها تغييرا كبيرا بدعم واسع من الشارع. أن دخول الميليشيا منازل المواطنيين و لجوءها لسرقة ممتلكات المواطنين و النهب و الاغتصاب.. هذه الأفعل جعلت الجماهير يلتفوا حول الجيش، و تطلق شعار " جيش واحد شعب واحد" و ظلت تستقبل قيادات الجيش أينما حلت بالهتاف المؤيد، هذا الدعم الجماهيري ثم الاستجابة لدعوة القائد العام للجيش للاستنفار، و قبول قطاع كبير من الشباب للتجنيد دفاعا عن مناطقهم " المقاومة الشعبية" هي التي جعلت الجيش يغير إستراتيجيته، و يعلنها بصوت عال من خلال خطب القيادات الأربعة العسكرية في مجلس السيادة " و هي إستراتيجية تحتوى على عاملين فقط.. الأول بعد وقف الحرب يجب أن لا يكون هناك وجودا للميليشيا لا عسكريا و لا سياسيا.. النقطة الثاني أن العملية السياسية يجب النظر فيها بعد وقف الحرب" و هاذان العاملان يمكن انجازهما بالعمل العسكري؛ هزيمة للميليشيا عسكريا، أو كسر شوكتها و قبولها بالشروط من خلال تفاوض في أضيق نطاق تقدم فقط ردها فيه على قبول الشروط .. هذه هي إستراتيجية القوات المسلحة، و قد تطورت و تعدلت في مرحلتين من خلال التطورات الجارية التي استطاعت أن تفك الحصار الذي كان مضروبا عليها، و استطاعت أن تناور بالشكل الذي لا يؤثر على الإستراتيجية أو يغير في مسار الشارع..
الغريب في الأمر: أن الجانب الأخر بعد الصراع الذي حدث في عملية " الإتفاق الإطاري" أن الميليشيا كانت على قناعة كاملة أنها تستطيع أن تقوم بعملية عسكرية خاطفة تستلم بها السلطة، و لذلك حشدت بشكل كبير، و عندما فشلت الميليشيا عجزت عن إدارة معركتها بالصورة المطلوبة، لذلك كانت تدار المعركة من خارج السودان تتمثل في " الدعم المتواصل لإمدادات السلاح عبر منافذ مختلفة، تعبئة و حشد عرب الشتات في كل من تشاد و النيجر و مالي و أيضا مرتزقة من دولة جنوب السودان و أثيوبيا و ليبيا حفتر و افريقيا الوسطى، الهدف إنهاك القوات المسلحة و جعلها تقبل بالتسوية.. الثاني عمل إعلام استخدمت فيه حتى عدد من القنوات التي تبث من الأمارات بهدف فصل اللحمة بين الجيش و الشعب و تحطيم الروح المعنوية للمقاتلين، و كلها فشلت رغم أن اعدادا من المدنيين استخدموا بوعي أو دون وعي في هذه الاستراتيجية في دعم الميليشيا و توزيع بوستراتها و رسائلها الإعلامية، و لكنها كلها بأت بالفشل..
فشل الميليشيا في خططها و توجيه حربها للمواطنين أدى إلي تخفيف الضغط على الجيش، خاصة في جانب القضية السياسية من قبل النفوذ الخارجي، لذلك حدث تعديل في الجانب السياسي استبدلت "قحت المركزي" بتكوين " تقدم" و هو تحالف أوكلت فيه القيادة للمستقلين ذوي الأجندة التابعة، الأمر الذي أكد ضعف القيادات الحزبية التي قبلت بإزاحتها، و تسليم العمل لمستقلين، مما يؤكد بالفعل أن هؤلاء ناشطين، في البداية تشددوا ثم بدأوا يقدمون تنازلات متواصلة حتى يجدو لهم موطيء قدم في العملية السياسية مستقبلا، و وفقا لإستراتيجية الجيش أعتقد عليهم أن يفكروا بعقلانية أكثر.و مهما حاول اعلام الميليشيا و مؤيدوها أن يحدثوا تغييرا في إستراتيجية الجيش يصبحوا واهمين. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
عمار نجم الدين
تصريحات وزير الإعلام السوداني لقناة الجزيرة اليوم خالد الإعيسر تعكس بوضوح استراتيجية النظام في الخرطوم التي تعتمد على تكرار الكذبة حتى تصير حقيقةً في نظر مُطلقيها. عندما يصف الوزير الدعم السريع بـ”الخطأ التاريخي” ويزعم تمثيل السودانيين، فإنه يغفل حقائق دامغة عن طبيعة الصراع وأدوار الأطراف المختلفة فيه.
في خضم هذه الدعاية، يُظهر الواقع أن الانسحاب الأخير لقوات الدعم السريع من سنجة، تمامًا كما حدث في انسحاب الجيش في مدني وجبل أولياء وانسحاب الدعم السريع من أمدرمان، ليس إلا فصلًا جديدًا من فصول التفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الانسحابات لم تكن وليدة “انتصار عسكري” كما يدّعي النظام، بل هي نتيجة مباشرة لمفاوضات سرية أُجريت بوساطات إقليمية، خاصة من دول مثل مصر وإثيوبيا وتشاد، وأسفرت عن اتفاق لتبادل السيطرة على مواقع استراتيجية وضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة.
ما حدث في سنجة هو نتيجة لتفاهمات وُقعت في أواخر أكتوبر 2024 في أديس أبابا تحت ضغط إقليمي ودولي. الاتفاق، الذي حضرته أطراف إقليمية بارزة، مثل ممثل رئيس جنوب السودان ووزير خارجية تشاد، شمل التزامات متبادلة، من بينها انسحاب الدعم السريع من مواقع محددة مثل سنجة ومدني، مقابل:
ضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة أثناء تحركها من المواقع المتفق عليها. تبادل السيطرة على مناطق استراتيجية، حيث التزم الجيش السوداني بانسحاب تدريجي من مناطق مثل الفاشر، مع الإبقاء على وحدات رمزية لحماية المدنيين. التزام بوقف الهجمات لفترة محددة في المناطق المتفق عليها لتسهيل التحركات الميدانية وإعادة توزيع القوات.انسحاب الجيش السوداني من الفاشر سوف يكون تدريجيًا، يُظهر أن الطرفين يعيدان ترتيب أوراقهما ميدانيًا وفق التفاهمات السرية، لا على أساس أي انتصارات عسكرية كما يدّعي النظام.
النظام في الخرطوم، كعادته، يسعى إلى تصوير هذه التطورات الميدانية كإنجازات عسكرية، معتمدًا على خطاب تضليلي يخفي حقيقة أن ما يحدث هو نتيجة لاتفاقات سياسية تخدم مصالح الطرفين أكثر مما تحقق أي مكاسب للشعب السوداني.
ادعاء الوزير بأن النظام يمثل السودانيين، في مقابل القوى المدنية التي “تتحدث من الخارج”، هو محاولة أخرى لإقصاء الأصوات الحقيقية التي تمثل السودان المتنوع. هذه المركزية السياسية، التي لطالما كرست التهميش ضد الأغلبية العظمى من السودانيين، تعيد إنتاج نفسها اليوم بخطاب مكرر يفتقر لأي مصداقية.
الحديث عن السلام وفق “شروط المركز” هو استمرار لنهج الإقصاء، حيث يرفض النظام الاعتراف بالمظالم التاريخية، ويمضي في فرض حلول تخدم مصالحه السياسية دون النظر إلى جذور الأزمة. السلام الحقيقي لا يتحقق بشروط مفروضة من الأعلى، بل بإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة.
خطاب النظام حول “الانتصارات العسكرية” و”مواجهة المؤامرات الدولية” ليس سوى وسيلة لتبرير القمع الداخلي وتحريف الحقائق. الحقيقة الواضحة هي أن الانسحاب من سنجة وستتبعها الفاشر وغيرها من المناطق تم نتيجة مفاوضات سياسية بوساطة إقليمية، وليس نتيجة “نصر عسكري” كما يزعم النظام. هذه الممارسات تفضح زيف الرواية الرسمية وتؤكد أن الأزمة الراهنة ليست صراعًا بين دولة ومليشيا، بل هي امتداد لصراع مركزي يهدف إلى تكريس الهيمنة والإقصاء.
إذا كان النظام السوداني يسعى حقًا لإنهاء الحرب وبناء السلام، فعليه أولًا التوقف عن الكذب والاعتراف بمسؤولياته في خلق هذه الأزمة. السودان اليوم أمام مفترق طرق حاسم، والاختيار بين الحقيقة أو الكذبة سيحدد مصير البلاد لسنوات قادمة.
الوسومالفاشر حرب السودان سنجة