معضلة القضاء والقدر أمام إرادة الإنسان الحرة.. يوضحها الدكتور علي جمعة
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
الإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان، وتأخذ المسلم من عوالم اليأس وعدم الرضا إلى التسليم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ويختار الإنسان بين كونه مخير وأنه لا سيطرة له على أقدار الله.
الإيمان بالقضاء والقدر
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق، أن الإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان، بل هو أهم مظاهر الإيمان بالله، ويتمثل دستور الإيمان بالقدر في قوله تعالى : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وما قاله عبادة بن الصامت لابنه : « يا بنى إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك سمعت رسول الله ﷺ يقول : « إن أول ما خلق الله القلم، فقال له : اكتب.
لا فعل إلا لله
واستشهدا جمعة بقوله ﷺ لابن عباس رضي الله عنه : « واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف».
وأكد فضيلته على أن المسلم ينبغي علىه أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأنه لا فعل إلا لله، وأن كل ما يجري في الكون، وكل ما جرى، وكل ما سيجري، هو فعل الله سبحانه وتعالى، وأن الله كتب هذا الفعل من الأزل.
وتابع عضو هيئة كبار العلماء أنه توجد حكمة عالية في قضية القضاء والقدر، وهي حكمة الابتلاء بمسألة الرضا عن الله، فالإنسان لا يعلم ماذا كتب عليه غدًا؛ ولذلك من حقه أن يتمنى، وأن يسعى إلى تحقيق ما هو مباح ومشروع، فعندما لا تتحقق هذه الأماني والأحلام ويختلف ما رتبه المخلوق مع ما أراده الخالق يظهر الإيمان الحقيقي، فإذا كان ما كتبه الخالق أحب إليه مما رتبه لنفسه فذلك المؤمن الصالح، وإن أبى واعترض وسخط فذلك العاصي الجاهل، والذي قد يترتب على عدم رضاه وسخطه الخروج من الملة والعياذ بالله.
فالإيمان بالقضاء والقدر هو التعبير الفعلي للإيمان بالله، فإن كنت تؤمن بوجود الله وصفات كماله وجلاله وجماله، فيجب أن تؤمن بأثر هذه الصفات وهي أفعاله سبحانه وتعالى، فالإيمان بأفعال الله أن تؤمن بأنه لا فعل إلا لله، وأن ترضى بما يصدر في الكون عن الله حتى تكون عبدًا ربانيًا.
وأشار فضيلة المفتي السابق أنه لا تنافي بين اعتقادك أن الفعل لله وحده، وبين كونك مختارًا مريدًا، فإن اختيار الإنسان وإرادته محسوس لا ينكره عاقل، ومن أنكره كذب بالمحسوس، وكذب بنصوص القرآن، التي أثبتت للإنسـان قدرة ومشيئة واختيـارًا، قال تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، وقال سبحانه: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾، فالصواب في تلك المسألة أن تثبت لنفسك فعلًا واختيارًا، وأن تعتقد أن الله هو الفعال وهو صاحب الأمر، ولا يخرج أمر من دائرة قهره سبحانه.
وانتهى الدكتور علي جمعة أن القدر سر الله في خلقه، ولذا ترى بعض العارفين كأبي العباس الحريثي يقول : "من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم، ومن نظر لهم بعين الحقيقة عذرهم". فالعارف مستبصر بسر الله في خلقه .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإيمان بالقدر قال الدكتور على جمعة كبار العلماء مفتي الجمهورية عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي جمعة القضاء والقدر أركان الإيمان الابتلاء إرادة الإنسان القضاء الإیمان بالقضاء والقدر
إقرأ أيضاً:
الأمين العام لمجمع البحوث :الإسراء والمعراج جسراً سماوياً بين الأرض والسماء
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور، محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ودار موضوعها حول "دروس من الإسراء والمعراج" .
قال فضيلة الدكتور محمد الجندي، إن القرآن الكريم هو الدليل الإلهي الذي يرشدنا إلى فهم هذا الكون وعلاقتنا به، كما أن القرآن الكريم هو النقطة المركزية في هذا الكون التي حفها الله سبحانه وتعالى بالعناية والرعاية، لما فيه من المعاني والتوجيهات التي تصلح الحياة، لكن إدراك تلك المعاني الجليلة التي جاء بها القرآن، يحتاج إلى صدق مع الله سبحانه وتعالى، وقد تجسد هذا الإدراك الحقيقي لتلك المعاني في شخص رسولنا الكريم ﷺ، الذي هو مثال يحتذى به في تحقيق الأمن النفسي والعقدي والأخلاقي والسلوكي، فمن خلال صدق عبوديته لله سبحانه وتعالى وحرصه على رعاية المسلمين، استطاع مواجهة التحديات التي واجهته بثبات وإيمان.
وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الأمن العقدي تجسد في أجل صوره في حادثة الإسراء والمعراج التي كانت منحة ربانيه لنبيه ﷺ، قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وفي هذا المعنى تنزيه لله سبحانه وتعالى، تنزيه لجلال الله وعبوديته، تنزيه لله عن المكان وعن الزمان، والأمن العقدي في تنزيه الله، فلا مكان ولا فوقية، لذلك كان العروج لأعلى، حتى لا يظن إنسان أن الله فوق؛ فهي تنزيه لله عن الفوقية والزمانية، كما أن الإشارة إلى النبي ﷺ بالعبودية، دليل على أن هذا المعنى هو أعلا مراتب الإنسان في هذا الكون، تلك المراتب التي اكتمل معناها في شخص رسولنا الكريم ﷺ، فالعبودية في أعلى المراتب ومن رُزِقها رُزِق الكفاية، قال تعالى﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ﴾، فيها ربط بين الكفاية والعبودية.
وتابع: هناك نداءات ونعوت كثيرة للأنبياء بالعبودية لأن من دخل في العبودية بلغ العناية، يقول تعالى: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾، قيلت لرسول الله ﷺ في عز المحن والقلق، حدثت الكفاية بالعبودية، وكما قال الإمام عبد الحليم محمود: "إذا اشتدت المحن كان الفرج"، لهذا فرج الله سبحانه وتعالى بالعبودية على الرسول ﷺ بعين العناية والرعاية.
وبين الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن التساؤلات التي تُطرح حول معجزة الإسراء والمراج، وحول كيفية حدوثها؟ وكيف عاد الرسول ﷺ إلى مكانه الذي كان فيه؟ نقول لهم: إن الله سبحانه وتعالى عندما قال: (بعبده) قد أخرج ذلك الرسول الكريم ﷺ من حيز القدرة البشرية وأدخله في حيز القدرة الإلهية التي تقول للشيء كن فيكون، فلو نظرنا في قولنا "صعد ابني الرضيع إلى قمة الجبل"، فإنه قد يثير الدهشة لأنه لا يصح عقلاً، ولكن عندما نقول "صعدت بابني الجبل"، كان ذلك إسقاط لقدرة الرضيع، وأن القائم بالأمر ههنا والد الرضيع، فقوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ دليل على أن النبي ﷺ دخل بذلك في قدرة الله سبحانه وتعالى، ولو نظرنا إلى حادثة الإسراء والمعراج بالمنظور العلمي الحديث، لوجدنا أنه إذا زادت سرعة الشيء عن سرعة الضوء توقف الزمن، فرسول الله ﷺ في قدرة الله بلا زمن يقيده، لهذا جاء النص القرآني موضحًا لذلك، وحتى لا يقال صعد النبي محمد بنفسه قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾.
وفي ختام الخطبة بين الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن في رحلة الإسراء والمعراج رباط عظيم بين الأرض والسماء، لأن الإسراء رحلة أرضية، والمعراج رحلة علوية إلى السماوات، حتى سدرة المنتهى، فكما مر النبي ﷺ على الأرض مر بالسماء، كما حدث في هذه الرحلة الرباط بين الجسد والروح لأنها هذه الرحلة المباركة كانت بهما معًا، لهذا تجسدت في هذه الرحلة الأمن النفسي لسيدنا رسول الله ﷺ، لأن الإسراء والمعراج كان فيها تفريج لكروبه ﷺ، لما شكى حاله إلى الله سبحانه وتعالى قائلاً: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي).