لا يقتصر الأمر على مهتمين بالمجالين السياسي والعسكري، بل يشمل أكاديميين يُصابون بالإحراج عندما يُسألون عن ماهية هذا التنظيم. الدعايات التي بثّها النظامان السعودي والإماراتي، خلال مرحلة العدوان على اليمن، جرفها «طوفان الأقصى».

 وسؤال العالم عن «أنصار الله» اليوم يشبه، إلى حد بعيد، سؤال العالم نفسه عن حزب الله نهاية تسعينيات القرن الماضي.

انخراط اليمنيين في دعم المقاومة في غزة، واندلاع المواجهة المباشرة بين «أنصار الله» والجيشين الأميركي والبريطاني في البحر، أجبرا أعتى خصوم الحوثيين داخل اليمن على تعديل مواقفهم.

 صحيح أن هؤلاء لم يغادروا بعد موقع الفريق المعادي للمقاومة، لكن، لم يعد من السهل إقناع قوى وقبائل وجماعات بعينها باستئناف الحرب ضد «أنصار الله».

 وكل ما يُعمل عليه اليوم، هو محاولة تجديد القوة العسكرية لمجاميع من المرتزقة، بقيادة طارق صالح من جهة، وقيادات سلفية تديرها السعودية والإمارات من جهة ثانية.

حاجة أصحاب القرار في الغرب لا تقتصر على المعلومات الاستخباراتية التقليدية، بل يريدون التعرف إلى الخلفية الفكرية لهذا الفريق، ومحاولة تلمّس آليات التفكير لدى قيادته، وكيفية اتخاذ القرار.

 وجاءت أولى الخلاصات من القادة العسكريين المتورطين في الحرب ممن باتوا يطلبون الإذن لاستخدام أسلحة معينة، أو أنهم يحثّون دوائر القرار السياسي في الغرب على سلوك الطريق الدبلوماسي لأن ما يجري الآن لا يعالج المشكلة!

 ومع أن إسرائيل تعرف المنطقة أفضل بكثير من الأميركيين، وهي تعرّفت أكثر إلى أبناء اليمن من خلال برامج خاصة ساعد فيها يهود يمنيون ممن هاجروا إلى الكيان خلال العقود الماضية، إلا أنها لا تزال تتصرف على أساس أن «أنصار الله» مجرد تنظيم يعمل بإمرة إيران، وهو ما يناسب سردية العدو حول «التنظيم الوكيل»، وهي السردية نفسها تجاه حماس وحزب الله، وفي اعتقاد العدو أن هذه السردية من شأنها إقناع الغرب بأن العلاج الفعلي يكون بضرب المركز، أي إيران.

وهناك أيضاً حاجة إلى معرفة مواقف أطراف تعرّفت أكثر إلى «أنصار الله» خلال العقد الأخير. والمقصود، هنا، السعودية والإمارات العربية على وجه التحديد، لأن الحرب التي خاضتها الدولتان واستخدمتا فيها كل أنواع الأسلحة، بما في ذلك الحروب الأهلية والقبلية، لم تنتج إلا الخسائر. وهو ما جعل محمد بن سلمان يكلف شقيقه خالد بإدارة عملية التسوية الشاملة مع «أنصار الله».

 لكن قادة السعودية والإمارات يقرون هذه الأيام بأنهم ليسوا أحراراً في أي خطوة يقدمون عليها تجاه اليمن.

 وبعضهم يصرّح في جلسات تفاوض تجري في عواصم إقليمية بأن الولايات المتحدة لا تسمح لهم بعقد اتفاق لإعلان انتهاء الحرب في اليمن، ولا تقبل أن تنطلق عملية التطبيع في العلاقات بين اليمن ودول الخليج العربية، علماً أن الجانب السعودي هو أقل طرف فوجئ بفشل عمليات واشنطن ولندن تحت عنوان «حارس الازدهار» في البحرين الأحمر والعربي. ويتندّر أحد الوسطاء برواية تقول إنه «عندما قرّر الأميركيون إقامة حلف ضد «أنصار الله»، اجتمعوا مع قيادات سعودية لإقناعها بالدخول في التحالف.

 لكنّ خالد بن سلمان، بعدما أنهى المندوب الأميركي مداخلته، قال له: خذ مني هذه النصيحة، لا تتورطوا في معركة مع «أنصار الله»، فلن تقدروا عليهم». غير أن المندوب الأميركي ردّ بابتسامة صفراء فيها ما فيها من فوقية، على قاعدة أنه لا يمكن للسعودية أن تقارن نفسها بأميركا، وأن فشل السعودية في القضاء على «أنصار الله» سببه الإدارة السعودية للحرب وليس قدرة «أنصار الله» على الصمود.

 

والرواية لا تنتهي هنا، بل تتحدث عن اجتماع آخر عُقد بعد فترة، عندما كان الأميركيون يطالبون السعودية بأن تسمح لمدمراتهم بأن ترتاح قليلاً في مرافئها، وهو أمر ترفضه الرياض، بعدما تلقّت تحذيرات واضحة من «أنصار الله» بأن أي خطوة من هذا القبيل، ستواجه بقصف يمني لهذه الموانئ. وخلال هذا الاجتماع، سأل خالد بن سلمان المندوب الأميركي نفسه عن مجريات الحرب، من دون أن ينتظر منه الجواب.

في الواقع، يمكن مراجعة تعليقات صادرة عن القادة الأميركيين الميدانيين الذين يتولون إدارة الحرب ضد «أنصار الله»، وتوصيات قيادتهم المركزية إلى وزارة الدفاع أو البيت الأبيض، وهي كلها تقول باستحالة معالجة الأمر، وبضرورة بدء مساعٍ سياسية لاحتواء الموقف. لكن بين الأميركيين الداعمين لإسرائيل من يعتقد بأنه يجب رفع سقف الضربات الموجّهة إلى «أنصار الله»، ويحث هؤلاء إدارة الرئيس جو بايدن على الانتقال إلى مرحلة التصفيات الجسدية لقيادات «أنصار الله». وثمة معطيات جدية حول هذا الأمر، وهو ما دفع صنعاء إلى اتخاذ إجراءات احترازية، علماً أن الفريق الأميركي نفسه يطالب بإعطاء الجيش الإذن باستخدام أسلحة غير تقليدية لمواجهة ترسانة «أنصار الله»، بعدما أيقنت الاستخبارات العسكرية الأميركية والبريطانية بأن لدى «أنصار الله» تحصينات يصعب الوصول إليها من خلال الغارات الجوية. وهم يقصدون هنا المواقع التي حفرها الحوثيون في قلب جبال اليمن خلال السنوات الماضية.

 

الرياض وأبو ظبي للحوثي: مصلحتنا في وقف الحرب معكم لكنّ أميركا تمنعنا

 

وبينما ينشغل الغرب وإسرائيل في البحث عن وسائل عسكرية وأمنية لضرب «أنصار الله»، يعمل فريق آخر من داخل الإدارة الأميركية، بالتعاون مع السعودية والإمارات على خط الترغيب، إذ تلقّى «أنصار الله» خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من المغريات مقابل وقف حملتهم في البحر، ووقف إسناد غزة. وقال الأميركيون إنهم مستعدون لجعل اليمن كله تحت سلطة الحوثي، وإطلاق برنامج دعم اقتصادي كبير. وأكد السعوديون استعدادهم للسير باتفاقات كبيرة منذ الآن، وأبلغوا «أنصار الله» ما مفاده: قوموا بما ترغبون القيام به، واستخدموا المطار كما تريدون، وسافروا إلى أي وجهة ترغبون، ولن تسمح الرياض بإجراءات تضر المؤسسات المالية والمصرفية اليمنية... قبل أن تبادر الإمارات، بالأمس، إلى زيادة المغريات، وتعرض إعادة إعمار ميناء الحديدة وكثير من المواقع اليمنية إذا وافق «أنصار الله» على وقف الحرب.

ولكون كل هؤلاء يعرفون الجواب، فإن الولايات المتحدة كانت الطرف الأكثر وضوحا بالتهديد: إذا رفضتم العروض، فسنمنع السعودية والإمارات من السير في أي اتفاق معكم، وسنعيد إشعال الحرب الأهلية ضدكم، وسنضربكم بعنف أكبر، وسنقتل قياداتكم!.

لم تتورط السعودية والإمارات في تهديدات مماثلة، لكن الرياض أشارت بوضوح إلى أنها لن تكون قادرة على السير في اتفاق من دون موافقة أميركية، فيما تبرر الإمارات سلوكها في بعض المراكز الحيوية في اليمن بأنه استجابة لضغوط أميركية كبيرة. ويصر الجانبان على إبلاغ الوسطاء في إيران وسلطنة عمان بأنهما ليسا منخرطين في الحرب القائمة الآن، ولكن ليس باليد حيلة، علماً أن الجميع يعرف أن السعودية والإمارات، تخشيان الجدية من أن توجّه صنعاء ضربات عسكرية قاسية ضد منشآت في البلدين إذا ثبت تورطهما في أي عمل تقوم به الولايات المتحدة، أو حتى في حال قام مرتزقة يمنيون بإشعال الحرب الأهلية من جديد.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى ما هو أخطر بالنسبة إلى الجانبين الأميركي والبريطاني، وحتى الأوروبي، إذ تبيّن أن واشنطن بعثت برسائل عاجلة إلى روسيا ،من خلال جهات إقليمية، تحذرها من مغبة تسليم «أنصار الله» أسلحة «كاسرة للتوازن». وهو تحذير يستند إلى معلومات استخباراتية غربية تفيد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يدرس هذا الخيار كجزء من رده على قرار الولايات المتحدة وأوروبا تزويد أوكرانيا بأسلحة لاستهداف قلب روسيا. ويبدو أن الاستخبارات الغربية تلقّت معطيات عن اتصالات روسية - يمنية قد يكون هذا هو الهدف منها.

 وفي هذه النقطة، يعود القلق من جديد، ليس إلى الأميركيين فقط، بل إلى الإسرائيليين انفسهم، حيال القدرات العسكرية الموجودة لدى «أنصار الله». فإعلان جيش الاحتلال أن المُسيّرة التي انفجرت في أحد أحياء تل أبيب صناعة إيرانية، يبقى إعلاناً في الفضاء الإعلامي. فيما الجهات الفاعلة باتت على يقين بأن الأمر ليس على هذه الصورة، وأكد قائد «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي أمس أن المُسيّرة صناعة يمنية. مع ذلك، فإن استعلاء الغرب وعجز حلفائه في المنطقة، يجعلانهم لا يصدقون بأن صنعاء باتت تملك القدرات اللازمة لإنتاج هذا النوع من المُسيّرات والصواريخ، بل باتت لديها القدرات الإنتاجية لتطوير كل النماذج المعمول بها عالمياً، سواء الموجودة لدى إيران وحزب الله، أو الموجودة لدى جيوش غربية. والقدرة الإنتاجية هي ثمرة الاستراتيجية الفعّالة التي قادها الشهيد اللواء قاسم سليماني، عندما قال إن إيران ستقدّم الخبرات العلمية والتقنية، وستساعد قوى محور المقاومة على إقامة المصانع الخاصة بها للإنتاج، وهو أمر تحقق في أكثر من منطقة من مناطق عمل قوى محور المقاومة، علماً أن اليمنيين أظهروا قدرة عالية جداً على التعلم السريع، حتى إن مدربين شاركوا في تقديم دروس علمية لكوادر من «أنصار الله» عبّروا عن دهشتهم من قدرتهم على ابتداع الحلول بما يتلاءم مع الوقائع الميدانية والجغرافية واللوجستية والبشرية في اليمن. كما يعمل خبراء «أنصار الله» وفق قواعد خاصة بهم، ولا يقفون عند أي اعتبار، عندما يعملون على تطوير سلاح معين، سواء بما خصّ المديات أو القوة التدميرية أو هامش المناورة التقني المطلوب.

 

قلق أمريكي من دعم روسي لأنصار الله

ومجريات المعارك القائمة بين «أنصار الله» والجيشين الأميركي والبريطاني تظهر قدرة يمنية كبيرة على المناورة، وإيقاع الأعداء في كمائن لا يمكنهم الهروب منها، وتصيبهم بالتوتر، مثل حال قوات الرصد التابعة للبحرية الأميركية التي لا تعرف الإجابة عن سؤال حول مكان تموضع منظومات الرادار الخاصة باليمنيين. ففيما يفترض أن الغارات المكثّفة أجهزت عليها، إلا أنها سرعان ما تعود للظهور في مكان آخر، علماً أن الجانب السعودي كان قد اكتشف في العام الثالث للحرب أن مقاتلي «أنصار الله» نجحوا في إعادة تدوير أسلحة خاصة ضربها العدوان في الأيام الأولى للحرب، وأظهروا قدرة على جعلها أسلحة فعّالة، في الجو والبر والبحر أيضاً.

عملياً، أوقعت إسرائيل نفسها في مأزق جديد، والعدوان الذي أراده العدو «درساً» لكل من يساند غزة، سيكون له ما بعده. والمشهد الذي دعا وزير الحرب يؤاف غالانت إلى أن «ينظر إليه في كل الشرق الأوسط»، هو مشهد من زاوية واحدة. أما بقيته، فهي رهن ما سيقوم به محور المقاومة، بالتنسيق والتعاون، وبمعزل عن الجهة المنفّذة، وستعرف إسرائيل قريباً معنى أن ينتقل «أنصار الله» من مرحلة رفع شعار الموت لإسرائيل إلى مرحلة تحويله إلى أمر عمليات.

*نقلا عن موقع صحيفة "الأخبار" اللبنانية

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

من الفوضى الاقتصادية إلى الحرب المقدسة.. كيف يُعيد داعش صياغة الصراع العالمي؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

افتتاحية العدد 491 من صحيفة النبأ، الصادرة مساء الخميس 17 أبريل 2025، تبرز بوضوح تداخلًا معقدًا بين الأيديولوجيا والعنف السياسي الذى يعتمد عليه تنظيم داعش فى تشكيل خطابه الدعائي. تحت عنوان «الطاغوت الأمريكي: من الحرب الاقتصادية إلى الفوضى العالمية»، يقوم التنظيم بتوظيف سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية كأداة لتمرير رسائل معادية للغرب، وبشكل خاص ضد الولايات المتحدة الأمريكية. المقال يستند إلى التوترات التجارية العالمية والأزمة الاقتصادية الأمريكية، مروجًا لفكرة أن هذه السياسات ليست مجرد تدابير اقتصادية بل جزءا من صراع أكبر بين الحضارة الإسلامية والحضارات الغربية، متمثلة فى الولايات المتحدة وأوروبا.

- التنظيم يستغل قرارات ترامب بفرض الرسوم الجمركية ويطلق خطابا دعائيا تحت عنوان «الطاغوت الأمريكى»

- توظيف الصراع الاقتصادى لتحقيق الأهداف الداعشية وتمرير رسائل معادية للغرب

من خلال هذه الافتتاحية، يعيد تنظيم داعش تقديم الأزمة الاقتصادية الأمريكية كجزء من مؤامرة أوسع تهدف إلى إضعاف النظام العالمى والتهديد بقيم الإسلام. ما يميز الخطاب هو استغلاله لهذه التوترات الاقتصادية ليس فقط فى سياق تحليل سياسي، بل لإعادة صياغة الصراع بين الإسلام والغرب على أنه معركة وجودية، تستدعى جهادًا دينيًا ضد "الطواغيت" المتمثلين فى الغرب، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. يتخذ المقال من هذه الأزمة العالمية قاعدة لبناء سردية متطرفه تقنع متابعى التنظيم بأن "القتال ضد الغرب" هو السبيل لحماية الأمة الإسلامية من الانهيار الحضاري.

صناعة العدو وتوظيف الخطاب الأيديولوجي

فى قلب الافتتاحية، يقوم تنظيم داعش باستحضار صورة "العدو" الأمريكى بوصفه تهديدًا وجوديًا للمسلمين، وهو ما يظهر من خلال التلميحات المتكررة إلى وصف الولايات المتحدة بـ "الطاغوت" و"الصليبيين". هذا التوصيف يهدف إلى ترسيخ صورة للغرب كعدو مستمر فى صراع ضد الإسلام والمسلمين. ومن خلال ربط أمريكا بسياسات اقتصادية تعتبرها الافتتاحية ظالمة، يرسم التنظيم صورة لواشنطن كمصدر رئيسى للظلم والعنف الذى يستهدف العالم أجمع. فالتنظيم لا يقتصر فى نقده على السياسات العسكرية الأمريكية، بل يوسع الهجوم ليشمل الجوانب الاقتصادية التى تضر الدول النامية والشعوب الإسلامية بشكل غير مباشر، حيث يُصور الاقتصاد الأمريكى على أنه أداة للهيمنة والسيطرة.
إحدى الأدوات البارزة التى يستخدمها الخطاب هى تحويل السياسة الاقتصادية الأمريكية إلى قضية دينية. فالتنظيم لا يتوقف عند مجرد تحليل الأبعاد الاقتصادية، بل يعيد صياغة هذه الأحداث عبر عدسة دينية متطرفة، ليُظهر أن السياسات الاقتصادية الأمريكية ليست مجرد فشل فى الإدارة، بل تجسد للشرور التى يجب محاربتها. هذا النقل من التحليل الاقتصادى إلى التحليل الدينى يهدف إلى تبرير العنف والتطرف باعتبارها رد فعل مشروعًا ضد ما يُعتبر عدوانًا عالميًا من قبل "الطاغوت" الأمريكي. يتم تصوير ترامب وحلفائه فى هذا السياق على أنهم تجسيد للأعداء التقليديين للإسلام، وهذا التوظيف الدينى يعزز من شرعية الأعمال العنيفة ضد هذه القوى.
استغلال التنظيم للتوترات الاقتصادية العالمية يحقق له هدفًا مزدوجًا: فهو يعمق الانقسام بين المسلمين والعالم الخارجي، ويستثمر فى حالة الاستقطاب المتزايدة بين الشرق والغرب. من خلال عرض السياسات الاقتصادية الأمريكية كجزء من مخطط أكبر لتهديد العالم الإسلامي، يعزز التنظيم شعورًا بالتحفز والغضب بين أتباعه، ويصور ذلك الصراع كصراع مستمر ضد "الطاغوت" الذى لا يمكن تحققه إلا عبر المقاومة العنيفة. ومن هنا، يصبح التحليل الاقتصادى جزءًا من السردية الكونية التى يعرضها التنظيم، والتى تصوّر المسلمين فى حالة دفاع مستمر ضد تهديدات خارجية تأتى تحت مسميات متعددة، من بينها الاقتصاد والعسكرة والسياسة.
إن هذه السردية ليست مجرد تعليق على الأوضاع الحالية، بل تُعتبر استراتيجية مدروسة من قبل التنظيم لتغذية ما يُعرف بـ "الذهنية الحربية". فى هذه الذهنية، يصبح الصراع مع الغرب صراعًا وجوديًا لا يقف عند حدود السياسة أو الاقتصاد، بل يتعداه ليشمل المعركة الروحية والدينية. التنظيم يُصور أن هذا التهديد ليس مجرد مشكلة سياسية عابرة، بل هو جزء من حرب شاملة ضد الإسلام والمسلمين، تفرض عليهم التوحد والانخراط فى "الجهاد" لمواجهة هذا الخطر الداهم. يعزز هذا الخطاب من شعور الجماعات المتطرفة بأنهم فى مواجهة مستمرة مع قوى عالمية، مما يحفزهم على اتخاذ مواقف أكثر تطرفًا وتبنى أساليب قتالية لحل هذا النزاع.
وفى سياق هذا التصور، يصبح التنظيم فى نظر أتباعه قوة مضادة للظلم الذى تمارسه الدول الكبرى، خاصة أمريكا. من خلال تصوير هذا الصراع كصراع "أبدي" و"وجودي"، يخلق التنظيم صورة لعالم مقسوم بين "الخير" و"الشر"، حيث يمثل الغرب والولايات المتحدة تجسيدًا للشر الذى يجب محاربته بكل الوسائل. وهذا يساهم فى تقوية شعور الأتباع بأنهم جزء من معركة شاملة تحتم عليهم الاستعداد للمواجهة على كافة الأصعدة، الاقتصادية، العسكرية والدينية. فى النهاية، يقوم تنظيم داعش بتوظيف الأزمات الاقتصادية العالمية كأداة لإدامة الجدل حول الصراع مع الغرب، مما يساهم فى استمرارية رسالته التحريضية ويعزز من تماسكه الداخلي.

التحريض على العنف

الخطاب الداعشى فى الافتتاحية لا يقتصر على تحليل الأبعاد الاقتصادية للأزمة العالمية التى تعصف بالاقتصاد الأمريكي، بل يتجاوز ذلك ليستخدم الأزمات الاقتصادية كسلاح دعائى قوي. التنظيم يركز على تصوير هذه الأزمات على أنها نتيجة مباشرة لممارسات "الطاغوت الأمريكي"، ويحولها إلى أداة لنقل رسالة أيديولوجية مفادها أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، هو المسئول عن تدهور الاقتصاد العالمي. من خلال هذه النظرة، يُروج التنظيم لفكرة أن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ليست مجرد مشكلة محلية أو إدارية، بل هى جزء من مخطط أوسع تهدف الولايات المتحدة من خلاله إلى إدامة هيمنتها على العالم عبر سياسات اقتصادية جائرة، وأن هذه الأزمة هى نقطة التحول التى ستؤدى فى النهاية إلى انهيار النظام الغربى برمته.
إحدى الاستراتيجيات الخطابية التى يعتمد عليها التنظيم هى تصوير تداعيات السياسات الاقتصادية فى الولايات المتحدة على أنها "قنبلة نووية" و"زلزال اقتصادي" سيضر بالجميع، ويقوض النظام العالمى الذى تقوده أمريكا. هذا التصوير المبالغ فيه يعزز من شعور الخطر والتهديد الذى يعانى منه العالم بسبب السياسات الأمريكية، ويسعى التنظيم من خلال هذه اللغة المشحونة بالعاطفة إلى تحفيز مشاعر الغضب والرفض تجاه الغرب. لا يقتصر التنظيم على وصف الأثر المادى للأزمة، بل يحاول إضفاء طابع درامى وخطير عليها، ليجعلها تبدو كما لو أنها بداية لنهاية النظام الاقتصادى العالمي، وهو ما يساهم فى تأجيج مشاعر الكراهية والعداء تجاه القوى الغربية ويعزز من التصور بأن الغرب هو عدو يتربص بالمستقبل.
من خلال هذه السردية، يستفيد التنظيم من تصوير السياسة التجارية التى اتبعها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على أنها استعادة لأساليب اقتصادية قديمة فاشلة، ويمثل ذلك تعبيرًا عن الفوضى الاقتصادية التى تسود الغرب. فى هذا السياق، يتم استحضار قانون "سموت هاولي" الذى تم تطبيقه فى فترة الكساد الكبير فى الولايات المتحدة كدليل على أن السياسات الاقتصادية التى يتبعها ترامب ليست جديدة، بل هى تكرار لممارسات أثبتت فشلها فى الماضي. الهدف من هذا الطرح هو تعزيز الفكرة التى يسعى التنظيم لترسيخها بأن الغرب يعيش حالة من الفوضى والتخبط الاقتصادي، الأمر الذى يساهم فى تصويره كقوة منهارة ستتجه نحو الانهيار الحتمى فى المستقبل القريب.
الخطاب الداعشى لا يتوقف عند التحليل الاقتصادى البحت، بل يستخدم هذه التحليلات كأداة لتحفيز مشاعر الرفض والتحريض ضد الغرب، مستغلًا الأزمة الاقتصادية الأمريكية كدافع لتبرير العنف. ففى رأى التنظيم، فإن الفوضى الاقتصادية الناجمة عن السياسات الأمريكية ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هى بداية "التحولات الكبرى" التى تسبق التغيير الجذرى فى النظام العالمي. التنظيم يعرض هذه التحولات على أنها فرصة تاريخية يجب أن يستعد لها المسلمون، ويحثهم على التسلح بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف الكبرى. من خلال هذه الدعوات، يسعى التنظيم إلى استغلال الأزمات الاقتصادية لتوجيه رسائل تحريضية تهيئ بيئة مؤاتية لتوسيع نفوذه وأيديولوجيته فى المنطقة والعالم.
فى النهاية، يصبح الخطاب الداعشى الذى يروج لأزمة اقتصادية كبرى نتيجة "الطاغوت الأمريكي" أداة فعالة للتجييش الأيديولوجى والسياسي. التنظيم لا يكتفى بمجرد التحليل أو التفسير للأحداث الاقتصادية، بل يحولها إلى جزء من استراتيجياته الدعائية التى تهدف إلى تحفيز الجماهير على اتخاذ مواقف متطرفة. هذا الاستغلال للأزمات الاقتصادية يعكس التوظيف السياسى للعناصر الاقتصادية كأداة لصناعة عدو وهمي، مما يساهم فى تشويه صورة الغرب ويعزز من الدعوات للتحضير لمعارك "كبرى" يعتقد التنظيم أنها قادمة لا محالة.

تأكيد "الشرعية" الدينية لأيديولوجيا العنف

ما يميز هذا الخطاب الداعشى عن غيره من الخطابات الأيديولوجية هو استخدامه الفعّال للبعد الدينى فى تفسير الأزمات الاقتصادية التى يشهدها العالم. التنظيم لا يقتصر فى تحليلاته على الأبعاد السياسية أو الاجتماعية فقط، بل يقوم بربط الأزمة الاقتصادية العالمية بالأبعاد الدينية بشكل مباشر، مستعينًا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحث على مواجهة "الطواغيت" الذين يقودهم النظام الأمريكي. هذا الربط بين الأبعاد الاقتصادية والدينية يجعل من الخطاب أداة قوية تكتسب شرعية دينية، وهو ما يعزز من جاذبيته للمؤيدين والمتعاطفين مع التنظيم، إذ يقدم نفسه كحامل للحق الدينى الذى يجب أن يتبعه المسلمون فى مواجهة التحديات العالمية.
فى سياق هذا الخطاب، يُستشهد بالآيات القرآنية التى تتحدث عن الربا والظلم كأدلة شرعية تدعم الموقف العدائى ضد النظام الاقتصادى العالمى القائم على المبادئ الربوية. على سبيل المثال، تم استحضار الآية الكريمة: "أَفَأَمَنُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللَّـهِ" لتبرير موقف التنظيم الرافض للنظام المالى العالمى الذى يرى أنه قائم على الربا، ويشكل بالتالى ظلمًا يستحق العقاب الإلهي. من خلال هذا الاستخدام الديني، يسعى التنظيم إلى ترسيخ فكرة أن ما يعانيه العالم من أزمات اقتصادية هو بمثابة عقاب إلهى بسبب هذه الممارسات الربوية التى تدر الأموال وتُسهم فى تكريس الفساد.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر التنظيم الربط الوثيق بين السياسة والشرعية الدينية فى تفسيره للأزمات. فالنظام الأمريكي، الذى يقود العالم الرأسمالى والذى يعتمد على الربا، يُصوَّر على أنه يمثل "الطاغوت" الذى يجب محاربته وفقًا لما نصت عليه الشريعة الإسلامية. هذا الربط بين السياسة والشرع يساهم فى تقديم التنظيم كحامل للرسالة الدينية التى تحث على الجهاد ضد هذا النظام، محملًا إياه مسئولية الفساد الذى يعم العالم. يضيف هذا البُعد الدينى قوة إضافية للخطاب، حيث يبدو أن مواجهة هذا النظام ليست فقط ضرورة سياسية، بل واجب دينى لا يمكن للمسلمين التراجع عنه.
علاوة على ذلك، يُقدّم الخطاب الداعشى نفسه كمُجسّد للحق الدينى المطلق، مشيرًا إلى أن ما يعانيه العالم من أزمات هو نتيجة للظلم الذى يمارسه النظام الأمريكى وحلفاؤه. هذا التصوير للأزمة الاقتصادية باعتبارها "جهادًا ضد الظالمين" يعزز من مكانة التنظيم كطليعة لمواجهة هذا الظلم، ويساهم فى تأطير الأزمات الاقتصادية فى سياق دينى يجعلها جزءًا من "حرب الله" ضد الظالمين. وبالتالي، يحاول التنظيم نقل الصراع إلى مستوى وجودى وديني، حيث تكون الأزمات الاقتصادية العالمية بمثابة مقدمة لحرب كبرى يُشرعن من خلالها الجهاد ضد الأنظمة الغربية.
من خلال هذا الخطاب، يصبح من الواضح أن التنظيم لا يسعى فقط إلى تفسير الأزمات الاقتصادية، بل يسعى إلى تسخير هذه الأزمات لتحقيق أهدافه الدينية والسياسية. ربط الأبعاد الاقتصادية بالأبعاد الدينية يضفى على الخطاب مصداقية دينية فى عيون المتابعين، ويجعل من الدعوة للجهاد ضد النظام العالمي، الذى يقوده ما يُسمى "الطاغوت الأمريكي"، واجبًا دينيًا لا مفر منه. وهذا النوع من الخطاب يشكل تحديًا كبيرًا فى فهم الأزمة العالمية بشكل عام، إذ يجعلها تندرج ضمن سياق دينى يصعب على الكثيرين فهمه بعيدًا عن التفسير الأيديولوجى المتشدد الذى يتبناه التنظيم.

التأثير الاجتماعى والتحولات المحتملة:

الافتتاحية الداعشية لا تقتصر على التحليل الاقتصادى والسياسى فقط، بل تتناول أيضًا الأبعاد الاجتماعية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية، مما يضيف بعدًا جديدًا ومؤثرًا إلى الخطاب. فى هذا السياق، يشير التنظيم إلى ما يسميه "التفكك الاجتماعي" المتوقع فى الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة لتداعيات الأزمة الاقتصادية، مُرَوِّجًا لتوقعات تشير إلى تفشى الجريمة والفقر فى هذه الدول. يهدف التنظيم إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن النظام الاجتماعى فى الغرب على حافة الانهيار، وبالتالي، يُصَوَّر هذا التفكك الاجتماعى باعتباره نتيجة مباشرة للسياسات الاقتصادية الفاشلة التى يتبعها الغرب، بما فى ذلك النظام الربوى الذى يُعتبر مسببًا رئيسيًا لهذه الفوضى.
من خلال هذه التوقعات، يسعى التنظيم إلى رسم صورة سوداوية للوضع الاجتماعى فى الغرب، حيث يصبح المجتمع هناك مهددًا بالانهيار الأخلاقى والاقتصادي. وفقًا لهذا التصور، فإن الأزمات الاقتصادية ستؤدى إلى زيادة معدلات البطالة والفقر، مما سيسهم فى تزايد الجرائم مثل السرقة، القتل، وتجارة المخدرات. هذه الصورة تشكل جزءًا من استراتيجية التنظيم فى تشويه الصورة الاجتماعية للدول الغربية، حيث يُقدَّم الغرب على أنه مجتمع متهالك، يعانى من انعدام الأمن الاجتماعى ويعيش فى حالة من الفوضى التى تؤدى إلى تدهور كبير فى قيمه الأخلاقية.
التنظيم لا يكتفى بالتوقعات المستقبلية، بل يعزز هذه الصورة بالرجوع إلى أزمات سابقة، مثل أزمة كورونا، التى وصفها فى وقتها بأنها دلالة على "الهمجية الغربية". كان التنظيم يرى فى تفشى الفوضى أثناء الجائحة مؤشرًا على ضعف الأنظمة الغربية، التى فشلت فى التعامل مع الأزمات، مما أدى إلى ظهور مظاهر الاضطراب الاجتماعى والعنف. وفقًا للخطاب، فإن هذه الأزمات السابقة تعتبر بمثابة نموذج لما قد يحدث إذا استمرت السياسات الاقتصادية الفاشلة، حيث يُتوقع أن تتدهور الأوضاع أكثر وتغرق الدول الغربية فى مزيد من الفوضى.
يعمل التنظيم على استغلال هذه التوقعات الاجتماعية السلبية فى إطار ترويج صورة أكثر سوداوية لعالم ما بعد الأزمة الاقتصادية. فى هذا العالم، يصبح الغرب غارقًا فى الفوضى الاجتماعية والسياسية، حيث تتفكك القيم المجتمعية وتهدد الأزمات الاقتصادية استقرار المجتمعات الغربية. هذه الصورة، التى يعرضها التنظيم، تشكل نوعًا من التحفيز الدينى والسياسي، حيث يُحاول إبراز فكرة أن هذا الانهيار الاجتماعى هو جزء من معركة كونية بين المسلمين والغرب، مما يعزز من فكرة "الحرب المقدسة" ضد العدو.
الخطاب يهدف إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن "العدو" فى حالة ضعف، ويجب على المسلمين استغلال هذه الفرصة لمحاربة النظام الغربى الذى يعانى من أزمات داخلية. تصوير المجتمع الغربى على أنه فى حالة انهيار يساهم فى تعزيز شعور التنظيم بأن المعركة مع الغرب هى معركة وجودية. هذا النوع من الخطاب يُسهم فى بناء حالة من الاصطفاف لدى أتباع التنظيم، حيث يُروج لفكرة أن المعركة ضد الغرب ليست مجرد صراع سياسى أو اقتصادي، بل هى صراع وجودى له أبعاد دينية، تشجع على الجهاد باعتباره الرد المناسب على هذا التفكك الاجتماعى المزعوم.

تحفيز للجهاد

أهم ما يميز الافتتاحية الداعشية هو استخدامها المتقن للأحداث السياسية والاقتصادية، ليس فقط للهجوم على الغرب، بل أيضًا لتحفيز الأفراد على الانضمام إلى "الجهاد" باعتباره الحل النهائى لجميع الأزمات التى يواجهها المسلمون. فى هذه الافتتاحية، تتشابك التحليلات الاقتصادية، مثل فرض الرسوم الجمركية أو الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى، مع الدعوات المباشرة وغير المباشرة إلى ضرورة الانخراط فى المعركة المقدسة ضد "الأنظمة العالمية" التى يعتبرها التنظيم عدوًا للإسلام. هذه الاستراتيجيات الدعائية ترتكز على تصوير الأحداث الراهنة على أنها علامات على قرب النهاية للنظام الغربي، وأن المجاهدين هم فقط القادرون على إيقاف هذه الموجة الهائلة من الانهيارات السياسية والاقتصادية.
من خلال تسليط الضوء على الأزمات الاقتصادية التى يسببها "الطاغوت الأمريكي" و"الصليبيون"، يهدف التنظيم إلى نقل القارئ إلى قناعة مفادها أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف حازم ضد هذه القوى، ولتعبئة الجهود الدينية والجهادية. هذا التوظيف السياسى والاقتصادى يخلق شعورًا بوجود خطر محدق يجب التصدى له من خلال الجهاد، ويربط بشكل واضح بين التحديات الاقتصادية الكبرى والحاجة الماسة إلى تحرك جهادى على الأرض. فى هذه الحالة، يصبح الجهاد ليس فقط وسيلة للدفاع عن الإسلام، بل أداة لتحقيق العدالة وإزالة النظام الظالم الذى يراه التنظيم مُهيمنًا على العالم.
تستمر الافتتاحية فى تصوير "المجاهدين" كطائفة منقذة، تم اختيارها من قبل الله للوقوف فى وجه هذا "الطاغوت". من خلال هذا السرد، يروج التنظيم لفكرة أن المجاهدين ليسوا مجرد مقاتلين، بل هم أبطال مُقدَّرون فى معركة وجودية كونية ضد قوى الشر، المتمثلة فى الغرب والأنظمة المتحالفة معه. هذه الصورة المثالية للمجاهدين تقوم على تصويرهم كحماة للأمة الإسلامية، ومجددين لها فى لحظة تاريخية فارقة. هذه الإيديولوجيا المتطرفة تُستخدم بشكل متكرر لتعبئة الأتباع وتحفيزهم على اتخاذ خطوات ملموسة نحو الانضمام إلى صفوف المجاهدين، باعتبارهم الطائفة المنصورة التى ستقود العالم إلى بر الأمان.
بجانب هذا التوظيف الإيديولوجي، تسعى الافتتاحية إلى خلق حالة من الاضطراب والتوتر داخل المجتمعات المسلمة، من خلال إشعارهم بأن الوضع العالمى يتطلب استجابة جهادية سريعة وحاسمة. هذه الدعوة تتجاوز التحليل السياسى الاقتصادى لتصبح دعوة شاملة للجهاد الذى يُصور على أنه الحل النهائى للانتصار على الأعداء. التنظيم يعرض نفسه كممثل حقيقى للإسلام، ويُروج لخطاب دينى يربط بين الحق الإلهى والقتال ضد "الطاغوت". فى هذه المرحلة، يصبح الانخراط فى الجهاد ليس مجرد خيار، بل واجبًا دينيًا مُلحًا، وهو ما يحاول التنظيم غرسه فى أذهان أتباعه.
الافتتاحية أيضًا تُظهر كيف يمكن استخدام الأحداث العالمية الكبرى كفرص للتجنيد، حيث يتم تحويل الأزمات الاقتصادية والظروف السياسية إلى أدوات لتحفيز الشباب المسلم على المشاركة فى الجهاد. يشير الخطاب إلى أن المواجهة مع الغرب ليست مجرد صراع اقتصادى أو سياسي، بل هى صراع نهائى سيحسمه المجاهدون الذين هم الطائفة المنصورة، مما يعزز من فكرة أن المجاهدين فى الحرب ضد الغرب هم المحاربون الذين سيُعيدون الأمور إلى نصابها، ويحققون النصر النهائى للإسلام. هذا السرد يشجع على رؤية الجهاد كوسيلة حتمية لإنقاذ الأمة الإسلامية من فخاخ النظام العالمى الذى يراه التنظيم فاسدًا وغير صالح.

قراءة نقدية 

افتتاحية العدد ٤٩١ من صحيفة النبأ تكشف عن براعة تنظيم داعش فى استغلال الأزمات الاقتصادية والسياسية ليس فقط لتقديم تحليل للأوضاع، بل لتعزيز وتوجيه الخطاب الدينى المتطرف نحو تحفيز العنف والجهاد. التنظيم لا يكتفى بتشخيص الواقع السياسى والاقتصادي، بل يقوم بتوظيف هذه الأزمات كدعامات أساسية لترسيخ فكرة "العدو الوجودي" الذى يجب محاربته. من خلال استغلال الأحداث الكبرى مثل الأزمات الاقتصادية والتوترات السياسية، يسعى التنظيم إلى تغذية خطابات الكراهية والتمرد على النظام العالمي، ما يعزز من شعور الإحباط لدى المتلقين ويساعد فى دفعهم نحو تبنى رؤى أيديولوجية متطرفة.
هذه الافتتاحية تشكل جزءًا من معركة أيديولوجية مستمرة تهدف إلى إعادة تشكيل الوعى الجماعى للشباب المسلمين، حيث يتم استخدام الأزمات العالمية كأدوات دعائية لخلق بيئة مواتية لتجنيدهم فى صفوف التنظيم. التنظيم يُعزز فكرة أن العنف والجهاد هما السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة الغربية والظلم الذى يروج له النظام العالمي. من خلال هذه السردية، يضع داعش نفسه كحامٍ للإسلام ومجدد له، مما يجعل الدعوة للجهاد جزءًا أساسيًا من التحفيز للمشاركة فى معركة مسلحة ضد ما يُعتبر تهديدًا لوجود الأمة الإسلامية.

مقالات مشابهة

  • أنصار الله الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن إطلاق صاروخ على حيفا  
  • أنصار الله: لن نتوقف عن دعم الفلسطينيين حتى وقف العدوان ورفع الحصار
  • من الفوضى الاقتصادية إلى الحرب المقدسة.. كيف يُعيد داعش صياغة الصراع العالمي؟
  • في زمن التيه.. الرجولة أن تكون من أنصار الله
  • صنعاء تربك حسابات البنتاغون: تقرير أمريكي يحذر من تغيّر قواعد الحرب بسبب اليمن
  • لا امطار متوقعة على صنعاء.. متغيرات الأحوال الجوية في اليمن 
  • صحيفة: حماس طلبت من تركيا نقل صفقتها إلى ترامب
  • هكذا تسقط العقيدة الأمريكية في اليمـــــن!!
  • لماذا طلبت حماس من تركيا نقل صفقتها إلى ترامب؟
  • 12 قتيلا في غارات أميركية على العاصمة صنعاء