الردع الغربي في مهب الريح.. خطة طوارئ يمنية تفشل الرد الإسرائيلي وسط عجز أمريكي وبريطاني
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
الجديد برس:
كان من الطبيعي، منذ اللحظة التي انفجرت فيها الطائرة المسيّرة اليمنية «يافا» في تل أبيب، أن تنتقل القوى والقيادات العسكرية اليمنية إلى خطة طوارئ استثنائية مصمّمة للتعامل مع مثل هذه الحالات، بهدف تفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي. ولهذا، جاء الرد الإسرائيلي على الضربة اليمنية باستهداف منشآت اقتصادية ومدنية في مدينة الحديدة غرب اليمن، ولم يمسّ بالقدرات العسكرية اليمنية.
ويأتي الاستهداف الإسرائيلي بعد العجز الأمريكي – البريطاني، وقبله السعودي – الإماراتي، عن الوصول إلى تلك القدرات، وفشل هذه الدول، متحالفة ومنفردة، في تدميرها أو حتى إضعافها وفق الاعترافات الأمريكية المتواترة.
فقد أدّت خطة «الدفاع السلبي» التي تعتمدها حركة «أنصار الله» في مواجهة الحروب السعودية والأمريكية – الأوروبية والإسرائيلية، إلى اعتماد آليات عمل تلبّي الاحتياجات المتعدّدة للجيش اليمني، وتمكّنه من تفعيل إمكاناته في مختلف الظروف في مواجهة التطور التقني الهائل في سلاح الاستطلاع والتعقّب والأقمار الاصطناعية، لدى «التحالف العربي» سابقاً، وتحالف «حارس الازدهار» وبعثة «أسبيدس» والجيش الإسرائيلي حالياً، من دون النجاح في الوصول إلى مقدراته وضربها.
أراد العدو الإسرائيلي، المثخن بالجراح في غزة وجبهات الإسناد المختلفة، بواسطة العدوان على الحديدة، البحث عن صورة يستطيع من خلالها ترميم الردع المهشّم، واستعادة شيء من هيبة جيشه المفقودة، فقام بتنفيذ عملية استعراضية، كشف فيها عن عمد، وفي وضح النهار، عن مسار طائراته، وصولاً إلى وجهتها.
وهذا ما أكده وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالقول إن «النار المشتعلة الآن في اليمن تظهر في جميع أنحاء الشرق الأوسط». على أن إصابة تل أبيب أثارت نقاشاً استراتيجياً لا يزال مستمراً حول كيفية التعامل مع الاستهدافات اليمنية من قبل الجانبين الأميركي والإسرائيلي، إذ إن الترقي اليمني يصيب الردع الأميركي في مقتل، كما أنه يشكّل خطراً استراتيجياً على الكيان.
وفي هذا الإطار، نقل الإعلام الإسرائيلي، بعد عملية تل أبيب، أن المستويَين السياسي والعسكري أجريا نقاشاً حول كيفية الرد على اليمن، لكنه تكتّم عن نشر أي تفاصيل، حتى إن بعض أعضاء المجلس الأمني الذين جرى استدعاؤهم أثناء تنفيذ العدوان، رفضوا التصويت عليه، لأنه كان قد حصل بالفعل وقت الاجتماع.
الترقّي اليمني يصيب الردع الأمريكي في مقتل، ويشكّل خطراً استراتيجياً على إسرائيل
وعلى رغم الضرر الاقتصادي على اليمن، إلا أن كلّ المسؤولين المعنيّين بالعدوان، سواء الإسرائيليون أو الأميركيون، يعلمون جيداً أنه لن يكون له أيّ تأثير على قراره في الاستمرار في جبهة إسناد فلسطين، لا بل إن العمليات العسكرية ضده ستزيد من حافزيّته في الاستمرار والتصعيد حتى بلوغ الأهداف، وهذا ما أكده، قبل العدوان على الحديدة، «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي بالقول إن «من الواضح أنه من دون وقف إطلاق نار في غزة، فإن الحوثيّين سيواصلون مهاجمة إسرائيل»، معترفاً بأن «هناك صعوبات تعوق إيجاد حل عسكري لتهديدات أنصار الله في اليمن».
في المقابل، مهما كان حجم الخسائر المدنية، فإن العدوان الإسرائيلي على اليمن لن يُصلِح الخلل المميت في فعالية منظومات الدرع الأمريكية – الإسرائيلية المولجة بحماية الكيان. وأهمية الخرق هذه المرة، أنه جاء من اليمن الذي يُصنّف إسرائيلياً مع العراق على أنه يشكّل تهديداً ضمن الدائرة الثانية (البعيدة)، بعدما اقتصر التهديد سابقاً على الدائرة الأولى، أي دول الطوق غير المطبّعة، وبالتحديد لبنان وسوريا.
وطوال فترة الحرب على غزة، حرصت إدارة البيت الأبيض على إبقاء الصراع بشكل لا يخرج عن السيطرة، ولم تكن في وارد تفضيل الحرب الواسعة، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، بالقول إن «الأزمة في البحر الأحمر لا يمكن حلّها من خلال استخدام الضربات الجوية وحدها ضد الحوثيين»، مضيفاً خلال كلمة في المنتدى الأمني السنوي الذي ينظّمه «معهد أسبن» في كولورادو، أن «الأمر سيتطلّب أكثر من مجرد ضربات عسكرية وأكثر من مجرد جهود مشتركة بين الوكالات (الحكومية الأمريكية). هناك حاجة إلى المزيد من الجهد الدولي للضغط على الحوثيين لوقف ما يفعلونه».
على أنه قبل عملية تل أبيب، لم تفض نقاشات استراتيجية جرت في واشنطن حول البحرين الأحمر والعربي، إلى أيّ جديد لمعالجة الإخفاقات المتتالية، سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه راهناً، حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف الأساطيل والبحارة، إذ إن الخيارات الأخرى أسوأ.
وبناءً عليه، عمد الأسطول الأمريكي إلى الانكفاء عن مناطق الاشتباك مع إبقاء مدمّرتين تجوبان المياه الدولية. أما حاملة الطائرات «روزفلت»، التي كان من المفترض أن تحلّ محلّ «آيزنهاور»، فإنها عملياً أقرب إلى منطقة الخليج، ولم تشارك حتى الآن في الفعاليات العسكرية ضد اليمن.
وكانت القيادات المسؤولة عن العمليات العسكرية في البحرَين الأحمر والعربي، قد رفعت تقارير إلى وزارة الدفاع الأمريكية عن فشل المهمة في اليمن، وأن الهامش المسموح به في تحالف «حارس الازدهار» غير قادر على تعديل الموازين لمصلحة واشنطن وتل أبيب، مع نصح بأن الخيار العسكري وحده، مهما كان مفتوحاً، لا ينفع في الحالة اليمنية ما لم يقترن بفتح قنوات ديبلوماسية.
حتى إن بعض القادة صرّحوا علناً بأن أزمة البحر الأحمر تنتهي بانتهاء الحرب في غزة. ولعل الوضع المستجد جراء استهداف تل أبيب، دفع إلى المطالبة بتعديلات ولو بسيطة في الخطط الأمريكية والإسرائيلية، من قبيل تعزيز القدرات الفنية والتكنولوجية ووضعها في دول عربية حليفة لواشنطن لتوريطها في الصراع القائم لمصلحة إسرائيل.
وفي هذا الإطار، أعلنت «القيادة المركزية الأمريكية»، نهاية الأسبوع، عن نصب رادار متخصّص في مطار لم يُكشف عنه، يتبع الرادار جناح الاستطلاع الجوي الرقم 380 في القوات الجوية الأمريكية، وستوفّر محطة المراقبة التي جرى نصبه فيها بيانات مهمة، ما يضمن حصول القادة العسكريين على المعلومات التي يحتاجون إليها لتنفيذ مهمة حماية الملاحة من هجمات وكلاء إيران في المنطقة بفعالية.
مع ذلك، كثُرت في الآونة الأخيرة المطالبات من قوى متطرّفة في الإدارة الأمريكية ومراكز الدراسات المحسوبة على اللوبي اليهودي في واشنطن، بضرورة استهداف القيادات اليمنية وضرب المواقع السرية «تحت الأرض» للبنى العسكرية، والمقصود هنا المنشآت الصاروخية والمسيّرة. وعلى هذا الأساس، نشرت وسائل إعلام أمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن، طلبت من «القيادة المركزية» إعداد قائمة أوسع لاستهداف قادة «أنصار الله».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية – لقمان عبد الله
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: تل أبیب
إقرأ أيضاً:
اليمن والموقف الحازم: تحديات المنطقة في ظل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية
يمانيون../
هل سيصمد الموقف العربي، هل سيعلن( لا) عريضة في وجه ترامب؟ وهل ستنجح الجهود الدولية في إلزام العدو الإسرائيلي بتنفيذ تعهداته في اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان؟
بعد قرابة شهر من الهدوء النسبي، لا تزال المنطقة تتأرجح على شفا انفجار كبير قد يغيّر مجريات الأحداث، وذلك بسبب عدم حسم كثير من الملفات، والسقوف العالية والضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تهدف إلى فرض حلول أحادية لصالح العدو الإسرائيلي، على حساب سيادة الدول العربية وحقوق الشعوب وتطلعاتها، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يهدد ترامب مجدداً باتخاذ “موقف صارم بشأن قطاع غزة السبت”، ويقول إنه “غير متأكد مما ستفعله إسرائيل”. ويأتي هذا التهديد بعد تعهد الوسطاء لوفد حماس إلى القاهرة بتجاوز العقبات، والضغط على العدو لتنفيذ التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وما ترتب عليه من إعلان المقاومة تراجعها عن قرار تأجيل الإفراج عن الأسرى الصهاينة.
تصريحات ترامب الأخيرة تأتي في سياق التهديدات المتكررة، خصوصاً من الرئيس ترامب، بتوسيع نطاق الصراع، وفرض خطط الضم والتهجير القسري على الشعب الفلسطيني، وهو ما يهدد بنسف كل الاتفاقات الموقعة، ونسف جهود ومساعي الدول العربية الوسيطة ( إذا افترضنا حسن النية) لمحاولة احتواء الموقف. لكن ما سرب عن الخطة المصرية المدعومة سعودياً وإماراتياً ليس مبشراً، وإن تضمّنت تلك الخطة إعادة إعمار غزة وعدم تهجير أهلها، لكن فكرة إلغاء حماس من المشهد في غزة مرفوضة وغير منطقية ولا واقعية، كما لا يجوز أن تتبنى دول عربية مثل هذه الطروحات.
أمام الوضع والتحديات الراهنة، تبرز التظاهرات والتصريحات اليمنية من مختلف المستويات، لتعكس موقفاً حازماً في التصدي لمخططات التهجير والضم والإلغاء والشطب لأي من حركات المقاومة، وترفض بشكل قاطع أي انتهاك لحقوق الفلسطينيين ووجودهم.
الموقف الأميركي: تناقضات ترامب تهدد استقرار المنطقة
في إطار التصعيد الأخير، قررت المقاومة الفلسطينية الإفراج عن الأسرى الصهاينة، بعد أن قدم الوسطاء تعهدات بتجاوز العقبات الصهيونية، ومهددات الاتفاق من دون تلكؤ ولا مماطلة. لا يبدو العدو جاداً في تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وسلس، كما أن الموقف الأميركي متناقض بشكل صارخ، ففيما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدّعي أنه هو الوسيط الذي يعمل من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ويعطي لنفسه الفضل في وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، فإن تصريحاته الأخيرة بخصوص تهجير سكان غزة لا تهدد الاتفاق فحسب، بل تهدد بإشعال حرب جديدة وواسعة في المنطقة، خصوصاً أنه لم يُظهِر تراجعاً عن خطته المرفوضة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، تلك الخطة التي تشمل تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية إلى كيان العدو الإسرائيلي، وتهدف إلى تمرير خطة أحادية الجانب تتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتدعم النبوءات التلمودية في توسيع المغتصبات وضم الأراضي الفلسطينية بالقوة. وإن قرر تأجيل خطة التهجير أو حصل على مكاسب مرحلية للعدو، كما تسرب عن الخطة (المصرية _ العربية)، ذات النكهة الأميركية، فإن مخطط ضم الضفة وما تشهده من أكبر عملية تهجير، يمثل عامل تفجير إضافياً، فالمقاومة الفلسطينية لن تسكت كما أن جبهات الإسناد، وخصوصاً اليمن، لن ترضى بتمرير ذلك، ما قد يدفع نحو تفجير الوضع من جديد.
وعلى المقلب الآخر، لا يزال المشهد في جنوب لبنان ضبابياً بخصوص استحقاق الثامن عشر من شباط/فبراير وانسحاب قوات العدو الإسرائيلي المحتل، رغم الرفض اللبناني الرسمي والشعبي المعلن لأي تمديد إضافي، ورغم تقديم الفرنسي سلماً للنزول الإسرائيلي من على الشجرة، وتسريع انسحابه من النقاط المتبقية جنوب لبنان.
الموقف الأميركي يمثّل الوجه الآخر للصهيونية، رغم ادعاء ترامب “الحرص على السلام”، فإن الواقع يفضح هذا الادعاء الزائف و يكشف خطواته المتناقضة تماماً، إذ يقدم الدعم العسكري والسياسي والمالي للمجرمين الصهاينة، ويتبنى طروحاتهم ومشاريعهم التلمودية ويضغط على الدول العربية، مثل مصر والأردن، لتكون جزءاً من هذه المخططات تحت طائلة التهديد بقطع الدعم المالي عنها إذا رفضت إملاءاته وخططه الرعناء. وهذا يكشف نية عدوانية استعلائية حقيقية لتوسيع نطاق الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.
الموقف اليمني: موقف حازم ورؤية استراتيجية
في ظل هذا التصعيد، يأتي الموقف اليمني بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ليشكل رداً قوياً ضد تلك المخططات، إذ أعلن السيد عبد الملك، قبل أيام، بوضوح استعداد اليمن للتدخل العسكري، إذا ما تم تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين بالقوة، أو نكث العدو بالاتفاق وعاد إلى التصعيد مجدداً في غزة أو لبنان. المواقف التي يعلنها السيد عبد الملك ليست مجرد حرب نفسية وتهديدات جوفاء، بل تأتي في إطار التنسيق المستمر مع فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، و التشديد على موقف ثابت لا يتغير في مواجهة أي محاولات لفرض حلول أحادية تتجاهل حقوق الشعوب.
في هذا السياق، يمكن فهم الموقف اليمني أنه موجّه ليس فقط ضد العدو الإسرائيلي، بل ضد المنظومة السياسية الأميركية التي تدير اللعبة بشكل أحادي. ويدرك السيد عبد الملك تماماً أن الاستمرار في تجاهل حقوق الفلسطينيين سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، وهذا ما يسعى اليمن إلى تفاديه عبر تأكيد جاهزية اليمن للمشاركة في أي مواجهة عسكرية مقبلة، إذا تطلب الأمر.
التحديات أمام الحلول السياسية
في الوقت الذي تزداد فيه التهديدات من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، تظل القضية الفلسطينية في دائرة الضوء. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة موقفها الثابت في عدم التنازل عن أي من حقوقها، فعلى الرغم من الضغوط والتهديدات الأميركية، لا يزال الموقف الفلسطيني راسخاً في رفض التنازل عن أي من عناصر القوة، وهو ما يعكس روح التحدي والصمود في مواجهة التهديدات. فيما يظل السؤال الأهم: هل سيصمد الموقف العربي، هل سيعلن( لا) عريضة في وجه ترامب؟ وهل ستنجح الجهود الدولية في إلزام العدو الإسرائيلي بتنفيذ تعهداته في اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان؟ الأيام والليالي والميدان كفيلة بالإجابة عن كل هذه التساؤلات.
وإلى ذلكم الحين، يبقى الموقف اليمن على قدر كبير من الأهمية والمسؤولية في آن معاً، فهو يمثل صوتاً قوياً ونقطة فاصلة، في وجه مخططات الهيمنة الأميركية والإسرائيلية، ويؤكد ضرورة وحدة الموقف العربي الإسلامي والتمسك بحقوق الشعوب في مواجهة الاعتداءات والتجاوزات، وإلا ستكون المنطقة أمام مشكلة لا تهدد فلسطين وحدها، بل تشكل تهديداً وجودياً للجميع.
علي ظافر