حَيثُ أكّـدت القواتُ المسلحةُ اليمنية أن الردَّ على العدوان الذي استهدف محافظةَ الحديدة يومَ السبت، سيكونُ “كَبيراً وعظيمًا” وأنها تُعِدُّ العُدَّةَ لحرب طويلة، وهي تأكيداتٌ تأتي معزَّزَةً بمعادلة جديدة مزلزلة كانت القواتُ المسلحة قد ثبَّتتها قبل يومَينِ، من خلال الوصول إلى يافا المحتلّة (تل أبيب) وتنفيذ عملية استهداف دقيقة وناجحة جعلت العدوّ يدرك ويعترف مباشرةً بأن شُركاءَه الدوليين والإقليميين الذين أوكل إليهم مهمة احتواء الجبهة اليمنية غير قادرين على فعل أي شيء؛ وهو ما يعني أنه أعجز عن ذلك، وأن اعتداءه على اليمن لن يؤدِّيَ إلا إلى زيادة سُوءِ موقفه بشكل كبير، وهو ما أدركته حتى وسائلُ الإعلام ومراكز الدراسات العبرية سريعًا.
كان واضحًا من خلال العدوان الصهيوني على خزانات الوقود المدنية في الحديدة، أن العدوَّ يعتمدُ على استراتيجية “البحث عن صورة ردع” التي طالما لجأ إليها للتغطية على هزائمه وفشله، حَيثُ حرص على أن يكون عدوانه “استعراضيًّا” بشكل واضح من خلال إشعال نيران كبيرة واستخدام عدد كبير من الطائرات الحربية؛ لإيصال رسالة دعائية يعتقد -وفقًا لحساباته- أنها ستكون مخيفة وأنها ستقول للعالم والمنطقة: إن “إسرائيل” تملك القدرة على المواجهة والردع؛ وهو ما حرص أَيْـضاً مسؤولون صهاينة على التصريح به عقب الضربات العدوانية.
لكن الحقيقة هي أن حرائق الحديدة لم تنجح في إخفاء السبب الحقيقي التي دفع العدوّ إلى إشعالها، وهي أن جبهته الداخلية الاستراتيجية تلقت ضربة تأريخية كبيرة لا يمكن التعافي منها، من خلال عملية طائرة “يافا” التي لا يزال العدوّ وشركاؤه حائرين إزاء قدراتها، وأن هذه الضربة كانت من مفاعيل معادلات إسناد استراتيجية تراكمية، أخفق العدوّ وشركاؤه في الحد منها أَو احتواء آثارها بكل قدراتهم.
هذا ما كان معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قد أكّـده عقب عملية “يافا”، حَيث أوضح أنه بدون إنهاء الحرب في غزة فَــإنَّ الهجمات اليمنية لن تتوقف، وأنه لا توجد في الحقيقة حلول عسكرية “سحرية” للتعامل مع التهديد اليمني، ليعود – المعهد نفسه- ويؤكّـد عقب العدوان على الحديدة أن “الهجوم لن يردع أَو يوقف هجمات الحوثيين، بل قد يزيدها، وفي حين ادعى مسؤولون إسرائيليون كبار أنه قد يبعث برسالة إلى المنطقة بأن “إسرائيل” تعرف كيف تضرب بعيدًا عن حدودها، فَــإنَّ إظهار القدرات لم يكن مطلوبًا حَقًّا، معتبرًا أن “الرسالة ربما كان مفادها أن جهود دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة في احتواء التهديد قد فشلت”.
تفسير مضطرب للعدوان، لكنه يقدم صورة كافية عن المأزِق الذي دفع العدوّ الصهيوني إلى استهداف الحديدة، حَيثُ يبدو بوضوح أن عملية “يافا” التأريخية، بعثرت كُـلّ حساباته وجعلته يشعرُ بالضرورة إلى فعل شيء غير محسوب؛ بهَدفِ التخفيف قليلًا من وطأة فضيحة اختراق جبهته الداخلية، وَأَيْـضاً للهروب إلى الأمام من خلال إشعال الوضع أكثر، على أمل حشد المزيد من جهود حلفائه التي يرى أنها غير كافية؛ لأَنَّها لم تفشل فحسب في “احتواء” الخطر البحري، بل أخفقت حتى في تثبيت أحزمة دفاعية للدفاع عن عاصمة الكيان التي تبعد عن اليمن أكثر من ألفَي كيلو متر.
وعلى أية حال، يبدو بوضوح أن العدوّ الصهيوني اعتمد في عدوانه على توريط حلفائه وشركائه الدوليين والإقليميين في التعامل مع العواقب التي يبدو أَيْـضاً أنه غير متأكّـد حتى من تقديراته لمستواها، حَيثُ شهدت جبهته الداخلية منذ مساء السبت، إجراءات طوارئ واسعة على عدة مستويات عسكرية وأمنية ومدنية؛ تحسُّبًا للرد اليمني مع تأكيدات نقلتها وسائل الإعلام بشأن “عدم الاستخفاف” بقدرات القوات المسلحة اليمنية.
وكما هو واضح فَــإنَّ حالة تخبط كبيرة تسيطر على العدوّ وتجعله يتأرجح مرتبكًا بين الخوف والتهور والتعويل على الحلفاء؛ الأمر الذي يؤكّـد أن زمام المرحلة القادمة من الاشتباك هو بيد صنعاء بشكل كامل، وهذا ما حرصت الأخيرة على تثبيته بوضوح في بيانَينِ عسكريَّين أصدرتهما القوات المسلحة أكّـدت في الأول على أنها “لن تتردّد في ضربِ الأهداف الحيويةِ للعدوِّ الإسرائيليِّ، وأنها تُعِدُّ العُدةَ لحربٍ طويلةٍ مع هذا العدوّ حتى وقفِ العدوانِ ورفعِ الحصارِ وإيقاف كُـلّ جرائمِه المرتكبةِ بحقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاعِ غزة، مع التأكيد على ما تم إعلانه سابقًا بشأن اعتبار منطقةَ يافا المحتلّةَ منطقةً غيرَ آمنة” وأكّـدت في الثاني أن “الرد على العدوان الإسرائيلي على بلدنا قادم لا محالة وسيكون كَبيراً وعظيمًا”.
وقد تضمن البيان الثاني الذي تم بَثُّه صباحَ الأحد، إعلانًا عن تنفيذ عمليتَينِ إحداهما ضربت “أهدافًا مهمة” في منطقة أم الرشراش بعدد من الصواريخ البالستية، والأُخرى استهدافُ سفينة “بومبا” الأمريكية في البحر الأحمر بعدد من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية؛ وهو ما يعني أن حساب الرد على العدوّ الصهيوني لن يلغي أَو يؤثر على المسارات المفتوحة مسبقًا لعمليات الإسناد البحرية أَو الصاروخية، بل سيضيف إليها مسارات جديدة، وهذا ما أدركته وسائل الإعلام العبرية التي علقت بأن اليمن أطلق صاروخًا على (إيلات) بينما لا تزال نيران الحديدة مشتعلة، مشيرة إلى رحلة الصاروخ كانت أقصر بكثير من رحلة مسيَّرة “يافا”، حَيثُ لم يستغرق سوى 15 دقيقة، في إشارة واضحة إلى أن المواجهة مع اليمن الاستعراض العدواني في الحديدة لم ينجح في تحقيق أي ردع ولو مؤقت.
وفي الأثناء، وكما لو أنه اعتراف إضافي في الوقت المناسب بعدم جدوى كُـلّ مساعي “ردع” الجبهة اليمنية، أقر المدير التنفيذي لميناء أم الرشراش المحتلّة (إيلات) بتسريح “عدد كبير” من العمال؛ نتيجة توقُّف نشاط الميناء بشكل كامل منذ نوفمبر الماضي، ونجاح قوات صنعاء في منع وصول السفن إليه بشكل كامل؛ الأمر الذي يؤكّـد أن اليمن قد نجح بالفعل في تحقيق أضرار كبيرة وواسعة لا يمكن التغطية عليها أَو وقف آثارِها بأي استعراض أَو جرائمَ.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
صنعاء تحوِّل ميناء الحديدة إلى قبلة تجارية مع عدد من الدول وتطور قدراته الفنية لرفع نشاطه الملاحي
أكدت منظمة الأمم-المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” في تقرير جديد لها نشر مؤخرا ارتفاع النشاط الملاحي في ميناء الحديدة رغم استهدافه سابقا بالغارات الإسرائيلية الجوية. إذ صعدت واردات القمح عبر ميناء الصليف خلال شهر نوفمبر، وهو ما جعلها تتوقع بقاء أسعار المواد الغذائية بمناطق حكومة صنعاء مستقرة بعكس مناطق حكومة المرتزقة التي تشهد مزيداً من التدهور في قيمة العملة المحلية والأوضاع المعيشية.
الثورة / أحمد المالكي
وفي نوفمبر الماضي 2024م، ظلت واردات القمح عبر الحديدة مستقرة نسبياً عن الشهر السابق، إذ أظهرت زيادة طفيفة بنسبة 1 %، وشهدت واردات القمح عبر موانئ البحر-الأحمر زيادةً كبيرة، حيث ارتفعت في ميناء الصليف بنحو سبعة أضعاف (565 %).
تطوير الأداء
وتكثف حكومة التغيير والبناء بصنعاء تحركاتها تجاه ميناء الحديدة وتطوير أدائه من خلال فتح خطوط مباشرة وتقديم تسهيلات للمستوردين، لجعله مركزاً تجارياً للبضائع خلال الفترة الأخيرة .
حيث أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ديسمبر الجاري عن فتح خطوط ملاحية مباشرة بين ميناء الحديدة وعدد من الموانئ في السعودية والأردن وسلطنة عمان والصين والهند، وذلك لتعزيز مكانة وقدرة الميناء على استقبال المئات من الحاويات والبضائع في اليوم الواحد.
وحسب الوزارة فإن هناك إجراءات ونشاطات كثيرة لتطوير الميناء وجعله مركزاً تجارياً للبضائع بأعلى المقاييس العالمية.
اعفاءات
ودعت الوزارة التجار إلى العمل على شحن بضائعهم إلى ميناء الحديدة، لوجود “مزايا وتسهيلات وحوافز للشحن عبره، ومنها التخفيضات الجمركية بنسبة تصل إلى 50%، والإعفاءات وغيرها”.
وتشير إلى أنه تمت حلحلة مشكلة تأخير الحاويات في جيبوتي، كما تم اتخاذ إجراءات وحلول تنهي تراكم الحاويات في جيبوتي، مضيفة أنه جرى تفريغ 15,700 حاوية خلال الأشهر الثلاثة الماضية ولم يعد هناك أي تأخير.
ودعت الوزارة مستوردي المستلزمات الطبية (شركات ومؤسسات استيراد المستلزمات الطبية) إلى استغلال التخفيضات الجمركية والخدمات الجديدة للاستيراد عبر ميناء الحديدة. وأنه تم حل مشاكل الاستيراد عبر الميناء وفتح خطوط نقل مباشرة إليه مما خفف الكثير من الأعباء والتكاليف على المستوردين وقلص فترة الاستيراد.
ترحيب
كما تقول الحكومة بصنعاء إن القطاع الخاص يرحب بـ”خطوات التطوير” في ميناء الحديدة، إلا أن الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء لا تزال تتلقى العديد من الشكاوى من التجار وتطالب بالعمل السريع على حلها ليتمكن التجار من العمل في بيئة محسنة تسهم في تعزيز النشاط التجاري والصناعي.
دعوة للتدمير
بالتزامن مع نشاط ميناء الحديدة تدعو حكومة المرتزقة المجتمع الدولي إلى استهداف حكومة صنعاء عسكرياً لتحرير الميناء.
حيث قال سفير المرتزقة لدى الولايات المتحدة لمجلس الشيوخ الأمريكي، إن تأمين ميناء الحديدة الحيوي “من شأنه أن يمكننا من حماية البحر الأحمر وإجبار “الحوثيين” على الانخراط في السلام وكذلك منع وصول الدعم الإيراني لهم”، واعتبر أنه “لن يكلفنا تحرير الحديدة الكثير كحكومة يمنية وجيش يمني” -حسب قوله.
كما دعا السفير المرتزق إلى “استهداف قيادات “الحوثيين” لتفكيك هيكلهم القيادي”، وتابع: “ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد الكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الحوثيين على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن”.