موقع النيلين:
2025-04-26@02:45:51 GMT

مزمل أبو القاسم: أفيكم من رأى زينب؟

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

* ليعذرني قرائي إن استغرقت في أحزاني، ورميت ريشتي ودواتي.
* اليوم أستقوي على نفسي، وأغالب أوجاعي، كي أفي بالتزامٍ انتظمت فيه لأكثر من عقدين، لم أنقطع فيهما عن مداعبة الورق إلا لماماً.
* كتبت وأنا مريض، وعلى سفر.. كتبت في الأرض والجو والبحر.
* كتبت في الطائرات والقطارات والسيارات صغيرها وكبيرها، ولم أتوقف عن الكتابة عندما جبت مشارق الأرض ومغاربها.


* شغفي بالكتابة لم يخفت في أصعب الظروف، لأنني أعتبرها التزاماً مغلظاً يجب الوفاء به مهما حدث، لكن ذلك الشغف خفت وتلاشى في جمعة الحزن القميئة، التي مزقت نياط القلب، وأمطرتنا هماً وألماً وكآبة.
* فقدنا فيها الأحبة جملةً، فعافت النفس كل شيء، وأناخ الحزن بركابه علينا، وغزا دواخلنا بلا استئذان.
* تضاعف الوجع عندما شاهدت جثامينهم مسجاة على أرض المشرحة.. لا تسترها إلا أسمال بالية.
* هناك حيث لا حرمة للردى، ولا قيمة للإنسان بعد أن يفقد اسمه ويتحول نعته إلى (جثمان).
* ظلت أجسادهم المحطمة ملقاة على أرض المشرحة أكثر من ست ساعات.
* كانت رائحة الموت تملأ المكان، والكآبة تتناثر في الأجواء.. والحزن يضوع مع بخورٍ وُضع على ركنٍ قصي، على أمل أن يخفي بؤس المشرحة ويزيل رائحتها القميئة.. ولكن هيهات.
* أطلقوا عليها مسمى (بشائر) وما أبعدها عن ذلك الاسم.
* لو خيرت لاخترت لها اسم (كوارث.. أو نكبات).
* عندما توفي والدي عليه الرحمة ظننت أن الفقد بعده لن يفزعني، وأن الموت لن يفجعني، لكنه هزأ بي، وأسلمني إلى حزن آخر، أعقب رحيل شقيقتي الكبرى عواطف.
* بعد النكبتين اخترت أن أعبر عن أوجاعي بالكتابة، فطاوعتني حروفي.
* كتبت في رثاء أم حاتم: (كثيرون كتبوا في الرثاء قبلي، وأوجعهم رحيل الأحبة مثلي.. كثيرون نقَّرت عصافير الحزن جدران قلوبهم، فاستحثوا قرائحهم، واستنفروا مكنونات صدورهم، وعجنوا حروفهم بدموعهم، وحولوا عباراتهم إلى (عَبَرات)، وترجموا لوعتهم إلى كلمات، علَّها تخفف عنهم، ويجدوا فيها بعض سلوى عما فات.
* هناك أناس يخلفون في النفوس نقوشاً يصعب محوها، ويتركون آثاراً تستحيل إزالتها.
* الطيبون، الصادقون.. ينثرون مكنونات نفوسهم فتنتشر طِيباً يغزو الأنوف بلا تكلف، ويبقون حاضرين فينا وإن رحلوا.
* باقون هم في خيالاتنا وذكرياتنا وأمنياتنا، نستحلب لحظاتنا معهم من ضروع الذكريات، ونستنسخهم في دواخلنا، ونسترجع لحظات سعدنا معهم، مهما أمعنوا في الرحيل.
* الأحباب لا تُغلق دونهم الصدور، ولو هجروا الدور، وسكنوا القبور.
* أهل الصدق والطيبة والمحنَّة، يقهرون الردى بحلو الذكريات.. ويستعصون على النسيان).
* ذهبت عواطف، واختارت زينب أن تكون أول اللاحقين بها، وكأن ترتيب الموت بيننا يتم بمقياس المحبة..
* الأوفر حباً الأسرع رحيلاً، تلك هي القاعدة، لو كانت للمنايا قواعد.
* لكن زينب اختارت أن لا ترحل وحدها، ولا غرو، فتلك عاداتها.
* احتضنت معها ابنها (ألوني) ورفيقيه، إبراهيم وسارية، واصطحبت ابنتي شقيقتها، (نور وعجبت).
* من شهدوا الحادث المفجع قالوا إنها ظلت تحتضن (عجبت) إلى صدرها حتى بعد أن فاضت روحها إلى بارئها.. قلت لهم تلك زينب، قلبها الكبير لم يكف عن المحبة، حتى بعد أن كف عن الخفقان.
* تلك زينوبة، حبيبة روحي، ورفيقة دربي، التي نذرت حياتها لغيرها، وجمّلت بالحب لوحة حياتها القصيرة.
* أفيكم من رأى زينب؟
* أفيكم من خَبِر كرمها، وامتحن حنانها، وعرف طيب نفسها، وتفرس حسن عشرتها؟
* أفيكم من شهد تحسسها لآلام الآخرين، وحرصها على تطبيب أوجاع المحزونين؟
* من عرفوها علموا أن قلبها مخبوء تحت لسانها، وأنها لا تحسن إخفاء مكنونات صدرها.
* إلى جنات الخلد يا أم فاطم.
* عندما أزحت النقاب عن وجه (أبو القاسم) خيل لي لبرهة أنه نائم، وبدا لي أنه مبتسم.
* تعودنا أن نناديه (ألوني)، منذ الصغر.
* لا أذكر مصدر اللقب، لكنني أعلم أن (عريس الجنان) اكتنز لنفسه محبةً لم تتوافر لأقرانه، وأنه فتن كل من تعاملوا معه بخلقه الرفيع، وأدبه الجم.
* ثلاثة أسابيع فقط فصلت بين زفافه ورحيله مع صديقيه الأثيرين، صعب علينا أن ننساك يا ألوني.
* شقَّ عليّ أن أودع الصغيرتين، بعد أن تعودت على أن استفتح بهما يومي في المدرسة.
*( نوارة)، ذات الملامح الملائكية والجمال الأخاذ.. التي يخالط شقاوتها الطفولية شيء من (الرواشة) المحببة، و(عجبت) التي تشبع جواً من المرح أينما حلت، وهي تقلد هذا وتسخر من ذاك.
* الأولى في الخامسة من عمرها، والثانية دونها بعامين، لهف قلبي على والدةٍ لا تمتلك من حطام الدنيا سواهما.
* حاولت أن أعزي أمهما بالحديث عن الفانية الغدارة، التي يعبر اسمها عن قدرها (الحياة الدنيا)!
* قلت لها إن المولى عز وجل اختار لحياتنا هذي أن تكون (الدنيا)، وأن تصبح دار عبور إلى حياة أخرى، نرجو أن تحظى فيها نفيسة وزوجها بشفاعة الابنتين.. في جنات عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين.
* حثثتها على الصبر وعددت لها مناقبه، وكنت أحوج منها لمن يصبرني ويعزيني.
* ما أمر الفقد، وما أعظم الأجر إذا اقترن بالصبر.
* إن المولى عز وجل يختبر عباده بالمحن، ليمتحن إيمانهم، ويعرف مدى تقبلهم لأقداره، وقد رفع جل وعلا الصابرين مقاماً رفيعاً نرجو أن نناله بصبرنا على فقدنا الجلل.
* اختص المولى عز وجل من يصبرون على البلايا بالبشريات (وبشر الصابرين)، لذلك سنصبر، ونحتسب، ونتنقل بين مقامي الشكر والخضوع لمشيئة الخالق الديّان، ولا نقول إلا ما يرضيه جل وعلا.
* (إنا لله وإنا إليه راجعون).
مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: بعد أن

إقرأ أيضاً:

في غرفة العناية المركّزة

تدخل إلى المستشفى، تذهب إلى جناح العناية المركزة، تشاهد جثثًا نائمة، لا تقوى على الحراك، محاطة بالأسلاك، والأنابيب، والأجهزة الطبية، تشاهد أولئك الراقدين، الذين استسلموا لمرضهم، ولطبيبهم، وتشاهد ملامح القلق، وأحيانًا اليأس على وجوه ذويهم، أُمٌّ تبكي حين ترى ابنها ممددًا على سرير، وأبٌ يحاول التماسك، وأخت تحاول كتم دموعها، وزوجة تمسك بالمصحف تدعو لزوجها، وزوج يسعى من أجل بصيص من الأمل لزوجته، تراهم جميعًا واجمين، ينتظرون اللحظة التالية، بينما يقوم الأطباء والممرضون بعملهم «المعتاد»، مشهد يشعرك بضعفك، بإنسانيتك، بحزنك، وانكسارك.

ليس هناك أسوأ من الانتظار أمام سرير مريض، لا تعرف مصيره التالي، مؤلمة تلك اللحظات الفارقة بين الأمل واليأس، بين الموت والحياة، الجميع سواسية فـي ذلك المكان، يحاولون التماسك، والتمسك بحبل التفاؤل، وسط أمواج عاتية من القلق، يطلبون من الطبيب أن يطمئنهم على حال مريضهم، ولكنه لا يملك أحيانًا غير مصارحتهم بالحقيقة المؤلمة: «ليس هناك من أمل إلا بالله».. لا يجد المرء فـي تلك اللحظة إلا اللجوء إلى الخالق، يشعر بضعفه أمام جبروت الموت، ويمنّي نفسه أن تُستجاب دعواته، ولكن تمضي الأمور ـ أحيانًا ـ على غير إرادته، لا يكف ذوو المرضى عن الدعاء، حتى الرمق الأخير، إنه سلاح العاجز أمام قدرة الله.

أحيانًا تأتي لحظة الفرج، يُشفى المريض بعد أيام، أو أشهر من الغيبوبة، يفتح عينيه، ويرى العالم كأنما يراه لأول مرة، تدب فـي أوصاله الحياة، وسط «صدمة» أهله، الذين فقد بعضهم الأمل فـي شفائه، وتبدأ احتفالات محبيه بنجاته، يفرحون به كيوم ولادته، تلك اللحظة التي يخرج فـيها من كماشة الموت، إلى مسار الحياة، لحظة زمنية فارقة فـي الذاكرة، لم تكن التجربة سهلة، بذل الأطباء قُصارى جهدهم كي يُنقذوا حياة إنسان لا حيلة له إلا بالله، نجحوا، وذلك مبلغ غايتهم، تحمّلوا صراخ ذوي المريض، وتفهموا انفعالاته، وقدّروا ظرفه الإنساني، ولم ينتظروا الشكر من أحد، فشفاء المريض هو مكافأتهم التي سعوا لأجلها.

فـي جناح العناية المركزة يرقد طفل صغير، أو فتاة يافعة، أو رجل فتيّ، أو شيخ عجوز، يرقدون جنبًا إلى جنب مستسلمين لأقدارهم، لا أدري ما الذي يدور فـي أدمغتهم فـي ذلك الحين، هل ينقطعون عن العالم؟.. هل ينتهي تفكيرهم؟.. أي عالم خفـيّ يعيشونه؟.. هل بإمكانهم التخيل؟.. هل يشعرون بألم أهليهم؟.. هل يمر عليهم شريط حياتهم؟.. (حبيباتهم.. لحظات طيشهم.. خيباتهم.. انتصاراتهم.. حكاياتهم.. من ظلمهم.. ومن ظلموه؟..).. لا يملك الإجابة سواهم، وقد لا يملكون الإجابة بعد شفائهم، فذاكرتهم المشوشة لا تتسع لكل تلك الأسئلة، يخرجون ـ إن كتب الله لهم النجاة ـ إلى حياتهم العادية، قد يتذكرون فـي وقت ما، كيف عادوا من فم الموت، فـيتّعظون، وقد يمضون دون أن يلتفتوا لتلك اللحظات العصيبة.

فـي المستشفى، وحيث العناية المركزة، يتساوى الأحياء بالأموات، الجميع فـي سبات عميق، لا يلوون على شيء، يقضون أيامهم قابضين على جمرة الأمل، يحاولون الفرار من قَدَر إلى قَدَر..

شفى الله كل مريض يعاني، وأعان أهله، ومُحبيه على لحظات الانتظار المرير، وكفانا الله وإياكم شرور «أمراض الفجأة» التي كثرت هذه الأيام، ورحم الله موتى المسلمين جميعًا.

مقالات مشابهة

  • بالصور.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب
  • يغازل المرأة العربية.. محجوب القاسم يطرح أغنية «السر الإلهي»
  • «السر الإلهي».. محجوب القاسم يتغزل بالمرأة العربية في أجدد أغانيه
  • يغازل المرأة العربية.. محجوب القاسم يطرح أغنية «السر الإلهي»
  • محجوب القاسم يطرح أغنية "السر الإلهي".. شاهد
  • الجفاف يخرج آلاف هكتارات القمح من حيز الإنتاج في الغاب
  • د. مزمل أبو القاسم: الوِلَيد الضال (1)
  • في غرفة العناية المركّزة
  • "سينا رجعت كاملة لينا" أشهر أغاني كتبت بمناسبة تحرير سيناء
  • التحقيقات : المتهم بسرقة هاتف سيدة بالسيدة زينب له معلومات جنائية سابقة