صحيفة البلاد:
2024-09-06@13:28:09 GMT

حكاية الشوق للزمن الجميل، زمن الطيبين

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

حكاية الشوق للزمن الجميل، زمن الطيبين

كثيرة جداً الفيديوهات التي تستعرض الحياة الماضية في جميع أشكالها من منازل وأثاث ومأكولات ومشروبات وبضائع ونمط حياة بالكامل الغريب أنه حتى الشباب الذين لم يعيشوا شيئاً من ذلك الماضي يتغنون به ويتداولون مقاطعه وذكرياته بكل إعجاب.

ناهيكم عما يعتري الكبار وما يخالج نفوس وخواطر الذين عاشوا ذلك الزمن وتربعوا على عرش ذكرياته وهؤلاء لا نستغرب عشقهم وولههم على الزمن الجميل الذي كما يحلو لهم ولنا جميعاً تسميته لأنه بالفعل قمة الجمال فقد اقترن الماضي خلال الأربعة أو الخمسة والستة عقود الماضية بمرحلة سلسة سهلة رغم ما فيها من صعوبات، أحيانا أتساءل عن سبب انجذاب الناس كباراً وصغاراً، من عاشوه ومن لم يعيشوه ما سبب شدة الميل للماضي ونمط الحياة فيه حتى أنهم أصبحوا ينقبون عن التراث في حياتهم وحياة عائلاتهم وكبارهم وحكاياتهم! ولو بحثنا عن سر عشقنا للماضي والدموع التي تمتلئ بها عيوننا حين نعرج على ملفاته وعلى صور الذكريات، على المنازل والأثاث ،على الولائم والمناسبات،ونردد (الله ياوقت مضى لو هي بأيدينا ما يروح) .

كل تلك الصور الجميلة العالقة في أذهاننا والتي يتداولها الجميع بشوق ، جميعها تتسم بطابع (البساطة والعفوية والصدق) إذاً فالسر هو تلك العناوين التي تميز بها الزمن الجميل كانت الحياة بسيطة وغير متكلفة علاقات الناس نابعة من القلب شفافة رغم عمقها حنونة رغم صلابتها،حكاية الناس في الزمن الجميل بكل تفاصيل حياتهم لم تتسم بالتعقيد بل كانت غاية في البساطة فكانت ولائمهم كريمة وفي نفس الوقت دافئة جمعاتهم كأصدقاء وصديقات وجيران غاية في الود واليسر لقاءات ممتعة ثرية بالمحبة قرارها يتخذ قبلها بساعة أو أقل من خلال مكالمة هاتفية من هاتف إذا سمعنا رنينه كأننا نسمع أعذب لحن لأنه ينبئنا بأن هناك من يريد السؤال عنا أو تهنئتنا أو دعوتنا ، العلاقات الاجتماعية في الزمن الجميل كانت مختلفة تماماً حين يجتمع الأهل والأصدقاء في مكان واحد عقولهم وقلوبهم معاً لا يشغلهم عن بعضهم شيء كما هو اليوم مجتمعين لكن كل واحد منهم في عالم خاص به تجمعنا غرفة ويفرقنا جوال، لم تعد مجالسنا (في غالبها) كما كانت عامرة بالحكايات والأحاديث الودودة تلك المجالس التي كان يتعلم منها الصغار القيم والأخلاق والأدب ، مجالسنا في الزمن الجميل ومع أهله الذين صنعوا جماله كان أدب الاصغاء يسودها فلا يمكن أن يتحدث اثنان في نفس الوقت الأحاديث متبادلة بأصول جميلة كجمال أهل الزمن الجميل ! ذاك الزمن بحق يستحق تسميته بالزمن الجميل وأهله يستحقون تسميتهم بالطيبين لأن الطيبة كانت عنوانهم (مع أن الطيبين في كل زمان ومكان موجودون) لكنهم في ذاك الزمن كانوا الغالبية لأنهم يرون الطيبة خلق كريم . لم يكن الجار يبخل على جاره بمشاركته همومه وأفراحه وأتراحه ووقفات مساندة والأخ كان يفدي أخيه ويضع أخته تاجاً على رأسه والعائلة كانت عائلة متماسكة تلتقي على وجبات ثلاث يعرف كل منهم عن الآخر كل شيء تجمعهم جلسات عائلية بعد المغرب من كل يوم كانت (الحارة) بمثابة بيت العائلة الكبيرة (أهلها) الكل يتشارك في تربية الأبناء حين كنت صغيرة كنت أحسب رجال الحارة كلهم أعمامي ونسائها خالاتي لقوة العلاقة بينهم وبين أمي وأبي وأكن لهم من الهيبة والحب مثلما لأهلي . اليوم قد لايجروء العم والعمة أو الخال والخالة على محاسبة أبناء العائلة ناهيكم عن الجار! وأين هو الجار اليوم ؟ يقال أن أحد الأثرياء في جلسة عشاء مع أصدقائه رصد مكافأة مئة ألف ريال لمن يعرف عشرة من جيرانه لكن للأسف لم يحصد أحد الجائزة! الزمن الجميل صنعه أهله الطيبون (نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا) ولتكن البساطة والشفافية والطيبة وحسن الظن والاحترام ،هي دائرة علاقاتنا الاجتماعية ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).

@almethag

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الزمن الجمیل

إقرأ أيضاً:

هل الله مع الصابرين أم مع صاحب المدفع الأكبر؟

كان قدر جيلنا أن يأتي إلى الحياة في قاع الزمن. للزمن مسارات مدهشة، هو كالشمس، يصعد إلى أن يستوي على قمة العالم، ثم يهبط إلى أن يصل إلى القاع، ثم يتصاعد مرة أخرى، وهكذا، إلى أن يصل إلى منتهاه، يوم يطوي الله الزمان والمكان.

أما عن جيلنا فقد جاء في منحنى الزمن الأصعب، نحن جئنا في لحظة القاع، أو في لحظة الزمن التي وصل فيها القاع، لحظة فيها الكثير مما في القاع من أتربة وغبار وروائح وإحباطات وهزيمة.

وبفعل هذا القاع الذي وُجدنا فيه، حاول بعض هذا الجيل الصعود، حاولوا البحث عن طريقة معينة لـ«استدارة الزمن» كنت أقرأ حديثاً نبوياً يقول إن «الزمان استدار» ولم أكن حينها أعرف معنى الحديث، معنى أن يستدير الزمن، أن يلتفت أن يصعد أن يأخذنا معه إلى رأس العالم، لكنني الآن أدرك حركة الزمن، أعرف جبروت هذا المخلوق الذي يستطيع الوصول إلى القمة، ثم يعود إلى القاع.

وفي إطار محاولاتنا البحث عن المخرج، البحث عن المعنى ضل الكثيرون الطريق. ذهب الكثير إلى الثورة على الموروث، الخروج على الدين، التمرد على الإله، على الأسرة، على التقاليد، على كل ما ظننا أنه هو ما أوصل إلى هذا القاع، وظن هؤلاء أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الخروج من هذه الشرنقة، من هذا التابوت، من هذا القاع الذي وصلنا إليه.

شيء ما ينقصنا، نبحث عنه منذ غروب شمسنا ذات مساء بعيد، وهذا الشيء جعلنا دائمي القلق والغضب والإحباط واليأس، دائمي البحث عنا، عن المعنى الذي ضاع في غبار كثيف من الخطابات والمقولات والأفكار والفلسفات التي لم توصلنا إلا إلى مزيد من القاع الزمني الذي وصلنا إليه، وظللنا نتخبط «كالذي يتخبطه الشيطان من المس» على حد وصف القرآن الكريم.

ولأننا في القاع نقلق، ونصاب بالإحباط، ثم نقوم ونحاول الخروج من هذا القاع، منا من يرى الخروج عبر التمرد على الحاكم، ومنا من يراه أبعد من ذلك بالخروج على الإله، والسير في طريق فيلسوف ألمانيا فريدريك نيتشه الذي قتل الإله، والبحث عن القوة بعيداً عن الخضوع للإله، الذي حدث نابليون أنه «مع صاحب المدفع الأكبر» ومنا من يرى بداية الطريف في الخروج على «العقل العربي» سياسياً وثقافياً، والخروج على ميراث القبيلة، وتقاليد عبس وذبيان، وبكر وتغلب، وعقلية قريش، وصراعات الهاشميين والأمويين، والسنة والشيعة، ومنا من يرى الخروج من هذا التابوت بالبحث عن الذات، عن المعنى، معنى وجودنا، معنى حياتنا، معنى أن نكون.

فريق آخر ذهب بعيداً بنفسه عن كل ذلك، وسلم لقدره، ورضي بالقاع قدراً، ورأى أهمية ألا يبدد طاقته في محاولات يائسة للخروج من القاع، وحاول التعايش مع الألم بتناول بعض المهدئات التي تطورت إلى تعاطي الأفيون والكبتاغون وأنواع المخدرات الروحية والفكرية التي تعينه على تحمل الواقع الذي يعود ثقيلاً كثيفاً إلى روحه وفكره وقلبه وشعوره وضميره بعد أن يذهب مفعول «الكيف» اللعين.

كنا في حاجة إلى حدث جلل، إلى شغف جديد، إلى نوافذ أخرى نحو الأفق، غير هذه الثقوب السوداء المفتوحة على أعماق الظلمات التي تعيش فيها أجيال تقتات الوهم، وتعيش حالة من الإدمان على هذا الوجع الكبير الذي عاشه أجدادنا في 1948، وعاشه آباؤنا في 1967 وعشناه بجرعات قاتلة في 1982 و1990 و2003 و2006 و2011 وما بعدها من جرعات أثقلت ضمائرنا وأرواحنا، دون أن نتمكن من الخروج من تبعاتها.

إنه طريق آلام طويل أشبه بالطريق الجبلي الدامي الذي يدحرج فيه سيزيف صخرته نحو القمة، فإذا ما اقترب منها تفلت الصخرة من بين يديه إلى القاع، ثم يهبط لأخذها مرة أخرى، ثم يعاود الصعود، لتعاود الصخرة الإفلات ويعاود هو الهبوط، في طريق آلام لا تبدو له نهاية.
جاء يوم السابع من أكتوبر، ليشكل محاولة أخرى للخروج من الشرنقة
وجاء يوم السابع من أكتوبر، ليشكل محاولة أخرى للخروج من الشرنقة، الخروج من تابوتات سياسية وثقافية وحضارية وروحية وفكرية ومادية لا حصر لها، مجموعة من الشباب ضاق بهم الحال وراء جدران «السجن الكبير» الذي ظلوا فيه سنوات طويلة، ومع طول فترة السجن تعلموا الصبر والسكينة والهدوء، ومع السجن صنعوا أدوات هدم الجدار ومهاجمة السجان.

كان الذين خارج السجن منا يعيشون في قاع الزمن، أما الذين كانوا داخل سجن غزة فيبدو أنهم تربعوا على قمة الزمن، ونظروا إلى الأبهاء البعيدة من رأس العالم، وانطلقوا مغامرين بأرواحهم في سبيل خروجنا نحن من القاع السحيق، قبل أن يكون خروجهم هم من السجن الكبير، كان الفارق كبيراً بينهم وبين الذين رددوا مع نابليون أن «الله مع صاحب المدفع الكبير» لأننا سمعناهم يرددون آية من القرآن تقول «إن الله مع الصابرين».

إنها بداية الطريق في البحث عن المعنى، التحول من قول نابليون: «إن الله مع صاحب المدفع الكبير» إلى قول الله «إن الله مع الصابرين». لم يكن نابليون نبياً حتى يمتلك الحق في الحديث عن الله، وحدهم الأنبياء يملكون هذا الحق، لأنهم هم المخولون بالإخبار عمن يكون الله معهم، ومن لا يكون معهم، ولو كان نابليون نبياً لما قال تلك العبارة الحقيرة، ولو كان صادقاً فيها لما رأيناه ينهزم ويموت ذليلاً، رغم كل المدافع الكبيرة التي كان يمتلكها.

أكبر خساراتنا على الإطلاق خلال الحقب المتأخرة هي ضياع المعنى، عندما يضيع المعنى في نفوسنا فإننا لن نجده في كل اللغات التي نحاول أن نفتش في قواميسها عن معنانا المفقود، ضياع المعنى هو ضياع التاريخ والحاضر، ضياع الوطن والمأوى، ضياع الثقافة والهوية، ضياع القيم والدين، ولذا ليس غريباً أن نجد كثيرين من أهل «السجن الكبير» يطلون علينا بوجوه راضية، رغم أن إسرائيل صبت على أهل السجن أهوال يوم القيامة.

ربما يرجع ثبات هؤلاء في سجنهم – رغم تلك الأهوال ـ إلى أنهم متدينون يؤمنون بأهوال يوم القيامة، وعاشوا على الخشية من تلك الأهوال، ونمت في نفوسهم ملكة مواجهة أهوال الهولوكوست الإسرائيلي ضدهم، طمعاً في النجاة من أهوال يوم القيامة.
هؤلاء القابضون على الجمر، على الدين، على الوطن، على القيم،
هؤلاء القابضون على الجمر، على الدين، على الوطن، على القيم، هؤلاء الذين يتحدثون لغة غير لغتنا، ويقولون كلاماً لا نقرأه إلا في كتب التاريخ، ويفكرون بطريقة مدهشة تصدم أجيالنا التي هبطت مع الزمن إلى هذا القاع السحيق من المهانة والذهول والذل والتشتت والحيرة والإدمان.
وقد أسقطوا بالفعل مقولات وفلسفات وأفكاراً وفرضيات كثيرة وكبيرة، ليس أقلها «الله مع صاحب المدفع الكبير» بل أسقطوا فكرة المدفع «الذي لا يهزم» والمدفع «الأكثر أخلاقية في العالم» وأسقطوا فكرة «الإرهاب الإسلامي» و«المقاومة العبثية» و«الشرق الأوسط الجديد» وأسقطوا كذبة الحلول السلمية والتفاوضية، ووهم «التعايش مع العدو» وأعادوا الاعتبار للمقاومة والعروبة والإسلام، وأعادوا تعريف الإرهاب.

وانتصروا للدلالات الحقيقية للكلمات، بعيداً عن تزوير اللغة وبهارج الكلام، وأسقطوا أقنعة النفاق عن وجه هذا العالم، وضربوا الإعلام العالمي، أو «الأعور الدجال» في عينه، وأسقطوا – وذلك هو المهم – الكثيرين من أولئك الذين يعيشون في قاع الزمن، في قاع العالم، ممن يقتاتون على أنواع من الأفيون الفكري والروحي الذي يحاولون من خلاله التربع على قمة الشهوة، في حين ينزلقون معه إلى أسفل السافلين.

و«لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم».
صدق الله العظيم.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • كتشنر التي كانت تعاكسنا أغرقه الله في بحر الشمال يا خينا: كيف اساء كتشنر إعداد معركة سومي (1916) (1-2)
  • حكاية الهامش والتهميش
  • الكشف عن مصير رحلة «صنعاء - عمَّان» التي أعادتها السلطات السعودية اليوم
  • محامٍ : العقود الشفوية عند البيع والشراء لا يعمل بها إذا كانت فوق الـ 100 ألف .. فيديو
  • إقلاع رحلة «صنعاء - عمَّان» التي اعادتها السلطات السعودية صباح اليوم
  • أيمن الجميل: زيارة الرئيس السيسي لتركيا تاريخية وتحمل مكاسب تنموية واقتصادية عديدة للبلدين والمنطقة
  • أيمن الجميل : زيارة الرئيس السيسي لتركيا تاريخية وتحمل مكاسب تنموية واقتصادية عديدة للبلدين والمنطقة
  • هل الله مع الصابرين أم مع صاحب المدفع الأكبر؟
  • افرام: إدارة الكوارث في محافظة جبل لبنان من الأمثلة المطلوبة للزمن الجديد
  • هل كانت تستحق سيارة EX90 SUV الكهربائية الانتظار