هل ينوب المترجم الآلي يوماً ما عن الإنسان؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
قرأت ذات يوم هذا السؤال الذي عنونت به مقالي في منصة اكس، وتباينت آنذاك الإجابات عليه. ولست هنا لأقدم إجابة قطعية، بل أثير التساؤلات مقارنةً بينه وبين صانعه، المترجم البشري وذلك مما لاحظته ووقفت عليه من خبرة امتدت في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمان. لننطلق من أن المترجم البشريّ، هو إنسان يعرف لغتين أو أكثر بثقافاتهم المختلفة على نقيض نظيره الآلي الذي يترجم استناداً على ما أُدخل فيه من لوغاريتمات لا تحمل في طيّاتها أي مشاعر أو اعتباراتٍ للمتلقي.
إن إلمام المترجم البشريّ بثقافات اللغات التي يترجم منها أو إليها ، يعطيه ميزة التعرف على المواضيع الحساسة والمشاعر الإنسانية التي قد تعتري الأمم تجاه قضية أو موضوع محدد، فعندما يترجم المترجم السعودي خبراً عن مشاريع رؤية ٢٠٣٠ ، فستعتري نبرة الحديث الفخر منعكساً في انتقائه للمفردات. ويظهر ذلك أيضاً في أقرانه من المترجمين العرب مما لاحظته بحثياً وعملياً أثناء ترجمة العبارات المخالفة شرعياً أو تربوياً كالكلمات النابية وذلك مراعاة لطبيعة المجتمعات العربية المحافظة. وهذه الصبغة الإنسانية والثقافية لا يمكن للمترجم الآلي مجاراتها.
ننتقل بالإضافة إلى ما سبق إلى تحدِِّ آخر للمترجم الآلي، ألا وهو التعامل مع اللهجات المحلية التي تتمايز لكل دولة، بل أيضاً في نطاق الدولة الواحدة. وقد تكون هذه اللهجات أصعب من أن تحصى أو تدون تدويناً لوغاريتمياً ليكون لها برنامج خاص يحتويها. في حين أن المترجم المتمرس قادرٌ على التمييز بين هذه اللهجات، وفهم سياق الحديث ومفردات اللهجات المميزة.
أخيراً وليس آخراً، تزدهر اللغات وتتطور بالتعاملات اليومية بين البشر والذي يعدُ تحدٍ شائك للآلات. فتحدث أغلب المعاجم العربية أو الإنجليزية دوريّاً لتواكب التطور الذي يطرأ على اللغات إما بإدخال كلمات جديدة أو إزالة آخرى لدخولها طيّ النسيان. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، يستخدم الناس في العالم أجمع كلمة “الساندويتش” التي أدخلت على العربية باستخدام استراتيجية النقحرة وذلك لأن معناها العربي الذي أُصدر بداية استخدام هذه الكلمة في المجتمعات العربية كان عبارة عن وصفها بالتالي: “الشاطر والمشطور وما بينهما” مما يجعل استخدامها بصورة يومية مستحيل لصعوبتها وطولها، مقارنة بأن هذه الكلمة تستخدم لتصف طعاماً يعد بسرعة. ففي هذه الحالة مثلاً، قرر البشر أن يُنَحُوا الجملة الوصفية ويدخلوا الكلمة الإنجليزية إلى العربية لاستخدامها مستندين على سهولتها لهم وقدرتهم استخدامها اليوميّ، فهذا التقدير البشري لا يتم آلياً وإن قُدّر آلياً فسيكون بمساعدة بشريّ.
اللغات واللهجات أُوجدت ليتواصل البشر فيما بينهم لينقلوا ثقافاتهم وعلومهم لشعوب العالم أجمع، فهي بدأت بالبشر وللبشر وكما يقال :”أهل مكة أخبر بشعابها”.
عضو هيئة تدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
AbeerAlkahtani1@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
متخصصون يكشفون الجوانب الخفية لـ "مدريد الإسلامية" بمعرض الكتاب
شهدت "قاعة العرض"، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب؛ في دورته الـ 56، ضمن محور "الترجمة إلى العربية"؛ إقامة ندوة لمناقشة كتاب بعنوان "مدريد الإسلامية: الأصول الخفية لعاصمة مسيحية"؛ من إعداد المترجم الدكتور؛ خالد سالم، أستاذ الترجمة بأكاديمية الفنون.
شارك في الندوة كل من: الدكتور أحمد عفيفي؛ رئيس قسم النحو والصرف بكلية دار العلوم، والدكتور أحمد بلبول؛ عميد كلية دار العلوم، وأدارها الدكتور حسام جايل؛ أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الألسن بجامعة الأقصر.
في البداية، أكد الدكتور حسام جايل؛ أن الكتاب يتميز بلغة جميلة، حيث حرص المترجم على تقديم لغة سليمة ودقيقة في المصطلحات.
وأوضح أن الكتاب يتناول كل ما يتعلق بمدينة "مدريد" قبل الفتح الإسلامي وبعده، ويُبرز الفخر بالإنتاج العلمي والأدبي المُميز، حيث كانت "الأندلس" بمثابة جسر بين الحضارتين الإسلامية والأوروبية.
من جانبه؛ قال الدكتور خالد سالم: "إن هذا الكتاب يُعد مُهمًا بالنسبة لمؤلفه، حيث يناقش حياة العرب في إسبانيا بعد طردهم منها".
وأضاف: "إن إسبانيا، بعد خروج العرب منها، اختارت "بلد الوليد" عاصمة لها، وهي بلدة ذات جذور عربية، ثم تحولت العاصمة إلى "مدريد" في القرن السابع عشر، وفي البداية، كانت "مدريد" مدينة عسكرية أنشأها العرب، لكنها تحولت لاحقًا إلى عاصمة إسبانيا".
وأشار إلى أن مدينة "مدريد" ظلت مُهملة حتى القرن العشرين، حتى تم اكتشاف السور المتبقي من المدينة التي أسسها العرب المسلمون، وكانت المدينة تتحدث العربية، وتُعد الحضارة الأندلسية نموذجًا مُلهمًا قدمه العرب، رغم هزيمة العرب؛ وخروجهم من "غرناطة"، إلا أن حضورهم في إسبانيا لم ينتهِ بعد.
ولفت إلى أن هذا الكتاب يُعد من أهم الكتب التي كُتبت عن الحضور العربي في الأندلس وإسبانيا، وقد حقق هذا الكتاب مبيعات كبيرة في معارض دول الخليج، ويظل أحد الكتب الأكثر مبيعًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وبدوره، أكد الدكتور أحمد عفيفي؛ أن الكتاب شهد جهدًا كبيرًا من المترجم، خصوصًا أنه يحتوي على العديد من الإشارات والأحداث الغامضة التي حرص المترجم على توضيحها وشرحها في هوامش الكتاب.
وأضاف: "إن مقدمة المترجم كانت أكثر أهمية وقيمة من مقدمة المؤلف، حيث كانت بمثابة مرآة تشرح تفصيلًا ما ورد في الكتاب؛ كما أشار المترجم في مقدمة الكتاب إلى العديد من النقاط المهمة، مثل لعنة الفراعنة؛ ولعنة الإسبان".
وأشار إلى أن الكتاب تناول نقطة مُهمة تتعلق بإشكالية وصف الفتح الإسلامي لإسبانيا، وهل كان فتحًا أم غزوًا؟ في الوقت الذي يرى فيه المسلمون والعرب أنه كان فتحًا؛ يرى الإسبان أنه كان غزوًا، على الرغم من أنهم يصفون الفتح الروماني لإسبانيا؛ بأنه فتح، وتعد هذه الإشكالية نقطة مُهمة يجب النظر بشأنها.
من جانبه، أكد الدكتور أحمد بلبول؛ أن الكتاب يُعد مرجعًا جديدًا للثقافة العربية، حيث يسد الفجوات التي تركها المؤرخون.
وأضاف: "إن الأندلس ما زالت تشكل حيرة لدى المثقف العربي، سواء في الماضي أو في الحاضر، حيث يرى الكثيرون في الأندلس أنها الفردوس المفقود"، مشيرًا إلى أن الفتح الإسلامي للأندلس، رغم أن الإسبان يحسبونه غزوًا، إلا أنه قد قدم نموذجًا للتسامح في الأندلس، عكس ما قدَّمه الغرب في ذلك الوقت.