بن صالح: ثورة 17 فبراير أظهرت الكل على حقيقتهم المخفية خلف الأكاذيب المنمقة
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
قال سليمان بن صالح، محلل قنوات الإخوان للشأن العسكري، إن ما وصفه بـ “ثورة 17 فبراير”؛ “أظهرت الكل على حقيقتهم المخفية خلف الأكاذيب المنمقة”.
وكتب قائلًا على فيسبوك: “مصيبة الرشوة عمت وتفشت وأصبحت علنية، لا خجل ولا وجل ولا خوف عند طلبها أو أخذها، كبار المسؤولين يرتشون، وموظفو الدولة في كل ركن من أركانها يرتشون، لا تنفيذ لأي عمل أكان صغيراً أو كبيراً بدون رشوة”.
وتابع «بن صالح»، “الرشوة أصبحت مع السرقة تحدث جهاراً نهاراً، وليس هناك أي رادع للمرتشي، فمن يحرص على تنفيذ القانون هم أيضاً يرتشون”.
وأردف؛ أنه “مع الرشوة ضاع القانون وضاعت الحقوق وفسدت الذمم، وضاعت هيبة الدولة وهُدم النظام وانتشرت الفوضى وانحسر المد الأخلاقي والديني”.
وزعم «بن صالح»، أن “ثورة 17 فبراير كانت المرآة التي أظهرت الكل على حقيقتهم، الحقيقة التي كانت تخفيها الشعارات المزيفة والأكاذيب المنمقة، فأتت الثورة لترفع الغطاء عن الجميع، فلم يعد بإمكان أياً كان أن يختفي خلف شعاراته وأكاذيبه”، بحسب كلامه.
الوسومبن صالحالمصدر: صحيفة الساعة 24
إقرأ أيضاً:
ثورة النماذج اللغوية: التوظيفات الخطرة للذكاء الاصطناعي في الإرهاب البيولوجي
في صيف عام 1990، قامت ثلاث شاحنات برش سائل أصفر على عدة مواقع في طوكيو وضواحيها، بما في ذلك قاعدتان للبحرية الأمريكية، ومطار ناريتا، والقصر الإمبراطوري. وكان وراء هذه الهجمات جماعة “أوم شينريكيو” (أوم الحقيقية)، وهي طائفة يابانية تهدف إلى إحداث انهيار شامل للحضارة الحالية تمهيداً لظهور مجتمع جديد يرتكز على مبادئها الدينية. بعد خمس سنوات من ذلك، اكتسبت الجماعة شهرة واسعة بسبب هجومها بغاز السارين على مترو أنفاق طوكيو، الذي أسفر عن مقتل 13 شخصاً وإصابة الآلاف.
كان هدف جماعة أوم في هجوم صيف عام 1990 هو أن يحتوي السائل الأصفر الذي تم رشه على سم البوتولينوم، وهو أحد أكثر المواد السامة بيولوجياً؛ ومع ذلك، لم يُسجل أي قتلى نتيجة لهذه الهجمات. من بين الأسباب المحتملة لفشل الهجمات، كان افتقار أوم إلى معرفة حاسمة، خاصة فيما يتعلق بالفرق بين نشر بكتيريا “كلوستريديوم بوتولينوم” وبين نشر “السم البوتولينومي” القاتل الذي تنتجه تلك البكتيريا. كما أنه من غير المؤكد ما إذا كانت الجماعة قد تمكنت من الحصول على الشكل السام للمنتج، وهناك عوامل أخرى قد تكون أسهمت في فشل الهجوم.
لو كان لدى جماعة أوم شينريكيو أو أي جماعة خبيثة مشابهة الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، مثل برنامج “تشات جي بي تي”، لربما تجنبت ارتكاب هذا الخطأ وغيره. يُعد برنامج “تشات جي بي تي” متميزاً في الإجابة عن الأسئلة وتقديم المعرفة، بما في ذلك موضوعات مثل إنتاج سم البوتولينوم. وإذا كان لدى أوم شينريكيو إمكانية الوصول إلى هذا البرنامج، هل كان من الممكن أن يتذكر الناس هجمات صيف عام 1990 على أنها أسوأ حادثة إرهابية بيولوجية في التاريخ؟
تتمتع تطورات الذكاء الاصطناعي بإمكانات كبيرة في تحسين مجالات مثل العلوم والصحة، وتغيير طريقة العمل والتعليم، بالإضافة لتطبيقاتها في علم الأحياء التي أسهمت في حل مشكلة طي البروتين وتطوير الأدوية. لكن انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهندسة البيولوجية يثير خطراً، حيث قد تستخدمه جهات ذات نيات سيئة لإحداث تأثيرات مدمرة. كما تناولت الأدبيات فإن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل “تشات جي بي تي”، بالإضافة إلى أدوات التصميم البيولوجي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، قد تزيد بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالأسلحة البيولوجية والإرهاب البيولوجي.
ثورة نماذج اللغة الكبيرة:
النماذج اللغوية الكبيرة قد تسهم بشكل خاص في زيادة إمكانية الوصول إلى الأسلحة البيولوجية. ففي تمرين حديث أُقيم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، استغرق برنامج “تشات جي بي تي” ساعة واحدة فقط لإرشاد طلاب غير متخصصين في العلوم حول مسببات الأمراض الوبائية المحتملة، موضحاً الخيارات المتاحة لطرق اكتسابها من قبل أي شخص يفتقر إلى المهارات اللازمة لإنشائها في المختبر.
قصة افتقار أوم شينريكيو للمعرفة حول الفرق بين “كلوستريديوم البوتولينوم” و”سم البوتولينوم” ليست حالة فريدة. فقد واجهت برامج الأسلحة البيولوجية السابقة تحديات بسبب نقص الأفراد المؤهلين. على سبيل المثال، كان رؤوف أحمد، الذي بدأ دراسته في مجال الميكروبات، قد قاد جهود تنظيم القاعدة في مجال الإرهاب البيولوجي. وفي 2001، استخدم خبرته العلمية لمحاولة الحصول على الجمرة الخبيثة، لكن تم القبض عليه في ديسمبر من نفس العام، دون أن يُعرف مدى تقدم محاولاته. ومع تطور برامج الدردشة الآلية، قد تساعد هذه التقنيات عن غير قصد الأفراد ذوي النيات الخبيثة على تحسين مهاراتهم لإحداث الضرر.
لكن، إلى أي مدى يمكن أن يتعلم المرء من مساعد مختبر يعتمد على الذكاء الاصطناعي فقط؟ في نهاية المطاف، لصنع مسببات الأمراض أو الأسلحة البيولوجية، لا يتطلب الأمر فقط المعرفة النظرية التي يمكن لمستخدم نماذج اللغة الكبيرة تقديمها، بل يحتاج أيضاً إلى معرفة ضمنية عملية. من الصعب تحديد مدى تأثير هذا “الحاجز المعرفي الضمني” ومدى قدرة برامج مثل “تشات جي بي تي” على تقليصه؛ ومع ذلك، هناك حقيقة واضحة: إذا جعلت برامج الدردشة الآلية والمساعدون المدعومون بالذكاء الاصطناعي عملية إنشاء وتعديل العوامل البيولوجية أكثر سهولة، فمن المحتمل أن يحاول المزيد من الأفراد القيام بذلك. وكلما زاد عدد المحاولات، زادت احتمالية نجاح البعض في النهاية.
يُعد “تشات جي بي تي” بداية فقط لنماذج اللغة والذكاء الاصطناعي التي تُحدث ثورة في كيفية توجيه العلماء للروبوتات المعملية. قريباً، ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من تنفيذ الأفكار وتصميم الاستراتيجيات بشكل مستقل؛ مما يسهم في تسريع أتمتة العلوم وتقليل الحاجة إلى العلماء في المشروعات الكبيرة؛ ومن ثم تسهيل تطوير الأسلحة البيولوجية بشكل سري.
إرهاب معزز بالذكاء الاصطناعي:
مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم يعد الإرهاب البيولوجي والكيميائي مجرد تهديد نظري، بل أصبح احتمالاً متزايد الخطورة. إن توافر نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، قد يفتح الباب أمام فاعلين غير حكوميين، بما في ذلك الجماعات الإرهابية، لاستغلال هذه التقنيات في تطوير أسلحة فتاكة بسهولة غير مسبوقة.
1- ديمقراطية الوصول إلى التكنولوجيا: يمكن أن تصبح المواد العلمية التجريبية أدوات قوية في أيدي الجهات الخبيثة، حيث توفر وسيلة لنقل معلومات يصعب العثور عليها، لكنها متاحة للجمهور بنقرة زر واحدة. قد تؤدي هذه “الديمقراطية” في الوصول إلى المعرفة العلمية المتعلقة بتصنيع الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية إلى تعزيز فعالية الأنشطة الإرهابية بشكل كبير. وهذا يسهل على الإرهابيين فهم الأبحاث العلمية بشكل أفضل، وربما استغلال الخبرات الفنية اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقلل المواد العلمية التجريبية من اعتماد الإرهابيين، خاصة الأفراد المنفردين منهم، على “الوسطاء” الذين ينقلون المعلومات، وعلى المجموعات عبر الإنترنت التي تنشر روابط للبرامج التعليمية أو المجلات التي تحتوي على تعليمات حول كيفية تصنيع العوامل الكيميائية والبيولوجية. كما يمكن أن تخلق فرص “افعل ذلك بنفسك” التي توفرها هذه المواد تحديات إضافية أمام أجهزة إنفاذ القانون في الكشف عن الأنشطة الإرهابية؛ مما يسهل على الإرهابيين اكتساب المعرفة العلمية ذات الاستخدام المزدوج.
رغم الفرص التي قد توفرها نماذج اللغة الكبيرة للإرهابيين؛ فإن تأثيرها المباشر في الأمن الكيميائي والبيولوجي يبقى محدوداً بسبب تعقيدات إتقان العمليات الكيميائية وعلوم الحياة؛ ومع ذلك، قد يسهم التقدم التكنولوجي بمرور الوقت في تسهيل الوصول إلى التجارب العلمية للأفراد الذين يمتلكون الموارد والمعرفة؛ مما يساعد على تطوير الخبرات اللازمة لتصميم العوامل الكيميائية والبيولوجية.
2- خطر تطور نماذج اللغة الكيميائية: نماذج اللغة الكيميائية أصبحت أداة فعّالة لتوليد جزيئات ذات خصائص مرغوبة، مثل تصميم جزيئات سامة تستخدم في تصنيع العوامل الكيميائية. أظهرت الدراسات أن هذه النماذج يمكن توجيهها لتصميم نظائر لغاز الأعصاب VX، الذي استخدمته جماعات إرهابية مثل أوم شينريكيو في 1994. هذا يثير احتمال سعي جماعات إرهابية أخرى لاستخدام مثل هذه العوامل؛ مما قد يساعد نماذج اللغة الكيميائية على تطوير المعرفة اللازمة لذلك.
كذلك، يمكن لهذه النماذج دعم اكتساب المعرفة حول العوامل البيولوجية، مثل توفير معلومات حول المعدات المعملية أو علم الوراثة العكسي لفيروس الأنفلونزا. كما يمكن إساءة استخدام برامج مثل ProtGPT2 وProGen لتصميم البروتينات والسموم مثل الريسين لتجاوز تقنيات الكشف، وهو ما قد يكون مثيراً للقلق نظراً للاهتمام السابق من جماعات مثل القاعدة وداعش بتسليح الريسين.
3- أجهزة تخليق الحمض النووي والتقنيات الناشئة المبتكرة: تُظهر التطورات في إنتاج الحمض النووي الاصطناعي كيف تواصل التقنيات الناشئة تغيير مشهد المخاطر. حالياً، يُراجع معظم مزودي خدمات تخليق الحمض النووي عملاءهم وطلبات التخليق بشكل طوعي، لكن الجيل الجديد من أجهزة التخليق المكتبية قد يغير هذا الوضع. هذه الأجهزة تمكن المختبرات من طباعة الحمض النووي دون الاعتماد على المزودين التجاريين؛ مما يصعب مراقبة الإنتاج. مع تحسن التكنولوجيا، قد يتمكن الأفراد أو المجموعات الصغيرة من الوصول إلى قدرات كانت محصورة في الحكومات والمختبرات المتقدمة؛ مما يقلل الحواجز أمام الجهات الفاعلة في هندسة مسببات الأمراض ويزيد من خطر الأوبئة.
تتمثل المخاطر المحتملة في تقصير الشركات التكنولوجية الرائدة في تنفيذ الإجراءات اللازمة، مثل عدم فحص أوامر الحمض النووي بشكل كافٍ أو عدم مراقبة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. كما أن المبادئ التوجيهية الحالية والرقابة غير كافية؛ مما يخلق وضعاً مقلقاً حيث قد يصبح مستقبل البشرية مرهوناً بعدد قليل من المختبرات المتطورة التي تلتزم طواعية بأفضل الممارسات، رغم أنها لم تُحدد بوضوح.
4- أدوات التصميم البيولوجي: بينما قد تسهم نماذج اللغة الكبيرة في تعزيز حدود قدرات التصميم البيولوجي في المستقبل؛ فإن أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة تحقق ذلك بالفعل في الوقت الراهن. تشمل هذه الأدوات نماذج طي البروتين مثل AlphaFold2 وأدوات تصميم البروتين مثل RFdiffusion. يتم تدريب هذه الأدوات عادةً على بيانات بيولوجية، مثل التسلسلات الجينية. وقد تم تطويرها من قبل العديد من الشركات والباحثين الأكاديميين لمواجهة التحديات الكبرى في مجال التصميم البيولوجي، مثل تطوير الأجسام المضادة العلاجية. ومع تزايد قدرة هذه الأدوات؛ فإنها ستتيح تحقيق العديد من الإنجازات المفيدة، مثل ابتكار أدوية جديدة تعتمد على بروتينات مبتكرة أو تصميم فيروسات مخصصة.
لكن مثل هذه القدرات التصميمية المتقدمة قد تسهم أيضاً في زيادة المخاطر البيولوجية. ففي الحالات القصوى، قد تمكّن أدوات التصميم البيولوجي من ابتكار عوامل بيولوجية تحمل خصائص غير مسبوقة. وقد افترض البعض أن مسببات الأمراض الطبيعية تتسم بتوازن بين قابليتها للانتقال ودرجة فتكها، بينما قد لا تخضع مسببات الأمراض المصممة لهذه القيود التطورية. من المحتمل أن تتمكن جماعات إرهابية من تصميم فيروس وبائي أكثر فتكاً بكثير من أي شيء يمكن للطبيعة إنتاجه؛ مما يرفع احتمالية تحول أدوات التصميم البيولوجي من تهديدات كارثية إلى تهديدات وجودية حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، قد تتيح هذه الأدوات ابتكار عوامل بيولوجية تستهدف مناطق جغرافية أو مجموعات سكانية معينة.
على المدى القريب، قد تمثل القدرات التصميمية الجديدة تحدياً للتدابير الحالية التي تهدف إلى التحكم في الوصول إلى السموم الخطرة ومسببات الأمراض. غالباً ما تركز تدابير الأمن الحالية على قوائم محظورة من الكائنات الحية الخطرة أو فحص التسلسلات الجينية المعروفة التي تشكل تهديداً؛ ومع ذلك، قد تمكن أدوات التصميم من إنشاء عوامل أخرى ذات خصائص خطرة مماثلة لا تستطيع هذه التدابير التعرف عليها أو اكتشافها.
الخبر السار هو أن الإمكانات المتقدمة التي توفرها أدوات التصميم البيولوجي، على الأقل في البداية، من المحتمل أن تظل محصورة في أيدي عدد محدود من الخبراء الحاليين الذين سيستخدمون هذه الأدوات لأغراض مشروعة ومفيدة؛ ومع ذلك، فإن هذا الحاجز في الوصول قد يزول مع تزايد كفاءة أدوات التصميم البيولوجي إلى حد يمكن فيه الحصول على مخرجاتها مع الحد الأدنى من الاختبارات المعملية الإضافية، ولاسيما مع تحسين قدرة نماذج لغة الذكاء الاصطناعي على التفاعل بشكل كفء مع هذه الأدوات. بالفعل، يتم ربط نماذج اللغة بأدوات علمية متخصصة للمساعدة على أداء مهام معينة، بحيث يتم تطبيق الأداة الأنسب تلقائياً على المهمة المطلوبة؛ ومن ثم، قد تصبح إمكانات التصميم البيولوجي متاحة بسرعة لعدد كبير جداً من الأفراد، بما في ذلك الأطراف ذات النيات السيئة.
آليات الحد من المخاطر:
ما الذي يمكن فعله للحد من المخاطر الناشئة عن تقاطع الذكاء الاصطناعي مع البيولوجيا؟ هناك جانبان رئيسيان يجب التركيز عليهما: تعزيز تدابير الأمن البيولوجي العامة وتطوير استراتيجيات لتخفيف المخاطر المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة.
1- تدابير الأمن البيولوجي: في مواجهة القدرات المتزايدة لتصميم البيولوجيا، يُعد فحص تخليق الجينات الشامل خطوة أساسية للأمن البيولوجي. يتمثل التحدي في إنتاج اللبنات الجينية الأساسية التي تحول التصاميم الرقمية إلى عوامل مادية، وهناك شركات متخصصة في ذلك. منذ 2010، أوصت الحكومة الأمريكية بفحص طلبات العملاء لضمان الحصول على المواد الجينية من قبل الباحثين الشرعيين. ورغم أن بعض الشركات تقوم بهذا الفحص طواعية؛ فإن العديد منها ما يزال لا ينفذه. وقد أظهر تمرين بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا أن “تشات جي بي تي” قادر على تحديد هذه الثغرات وتوجيه كيفية استغلال ضعف أمن سلسلة التوريد.
نحتاج إلى قاعدة إلزامية لفحص منتجات الحمض النووي الاصطناعي، وهي لا تتعارض مع مصالح الشركات، حيث كانت الشركات الرائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقوم بذلك طواعية وتدعو إلى وضع قاعدة تنظيمية لضمان السلامة. ويجب أن تشمل هذه القاعدة أجهزة تخليق الجينات المنتشرة وأن تكون مرنة لتشمل فحص العوامل المثيرة للقلق. كما يجب أن تشمل قواعد مماثلة لفحص العملاء في مقدمي الخدمات الآخرين الذين يؤدون دوراً حاسماً في التحول من الرقمي إلى المادي، مثل المنظمات البحثية التعاقدية.
2- تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي: إلى جانب تدابير الأمن البيولوجي العامة، هناك حاجة لتدخلات خاصة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تخفيف المخاطر المرتبطة بنماذج اللغة الكبيرة. فهذه النماذج قد تسهم في تقليل الحواجز لإساءة الاستخدام البيولوجي وتطور قدراتها بسرعة. من التحديات الرئيسة أن القدرات الخطرة قد لا تظهر إلا بعد إصدار النموذج؛ لذلك، التقييمات المبدئية ضرورية لضمان أن النماذج لا تحتوي على قدرات خطرة عند إصدارها، وينبغي أن تتم من قبل جهة مستقلة لضمان اتخاذ الشركات التدابير اللازمة. كما أن إصدار النماذج عبر واجهات منظمة مثل “تشات جي بي تي” يتيح تحديث الضمانات، بينما يشكل إصدار نماذج مفتوحة المصدر خطراً كبيراً؛ لأن الضبط الدقيق يمكن أن يُزال بسهولة.
بشكل عام، يثير التأثير المحتمل لأدوات الذكاء الاصطناعي في مخاطر إساءة الاستخدام البيولوجي سؤالاً عميقاً: من يجب أن يكون لديه الحق في الوصول إلى القدرات العلمية ذات الاستخدام المزدوج؟ بالنسبة لصناع السياسات الذين يسعون للإجابة عن هذا السؤال، من الضروري أن يأخذوا في اعتبارهم وجهات النظر المتنوعة من مختلف التخصصات والمجموعات السكانية والمناطق الجغرافية. سيتطلب هذا التوصل إلى مقايضات صعبة بين فتح المجالات العلمية المتعلقة بمسببات الأمراض، وإنفاذ القانون، ومراقبة تدفقات البيانات المتعلقة بالأنشطة غير المشروعة، مع زيادة خطر إساءة الاستخدام.
من المنطقي أن نماذج اللغة مثل “تشات جي بي تي” لا تقدم إرشادات مفصلة لإنشاء سلالات خطرة من الإنفلونزا الوبائية؛ لذلك، قد يكون من الأفضل ألا تقدم الإصدارات العامة لهذه النماذج إجابات تفصيلية حول الموضوعات ذات الاستخدام المزدوج. على سبيل المثال، نموذج “Claude 2” من شركة Anthropic يوفر حاجزاً أعلى مقارنة بـGPT-4 في هذا السياق. في الوقت نفسه، يجب أن توفر هذه الأدوات التدريب المناسب للعلماء لدعم تطوير الأدوية واللقاحات الجديدة. وهذا يتطلب آليات وصول متباينة، مثل التحقق من هوية العلماء عبر الإنترنت للوصول إلى الأدوات المتعلقة بالسلامة البيولوجية وتصميم اللقاحات.
ختاماً، مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، يصبح من الضروري مواجهة التحديات التي قد تنشأ عن إساءة استخدام هذه التقنيات، خاصة في مجالات مثل الهندسة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. ورغم أن التطورات الحديثة في نماذج اللغة الكبيرة وأدوات التصميم البيولوجي قد فتحت آفاقاً جديدة للعلوم والصحة؛ فإنها في الوقت ذاته تحمل تهديدات وجودية إذا وقعت في الأيدي الخطأ. فالتحرك السريع من صناع السياسات يعزز السلامة ويتيح الاستفادة من مزايا الذكاء الاصطناعي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”