البيروقراطية وأمراضها

لقد لعب الجهاز البيروقراطي دورا كبيرا في نجاح الدولة المعاصرة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وحل مشاكلهم، فالكل مدين لذلك الجهاز بالفضل، خاصة في بداياته، حيث ساهم في بناء وتنمية الهياكل والأنظمة المؤسسية، وتنظيم العمل الإداري على أسس عقلانية. ولكثرة انتقاد مفهوم البيروقراطية، اعتقد كثير من الناس أنها نظام فاسد في عملية التدبير، بعد أن أصبح مفهومها مثقلا بإيحاءات سلبية، كالتعقيد المكتبي، والروتين.

وفي حقيقة الأمر، فإن البيروقراطية سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، إنها ليست مرضا من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون، والموظفون استخدام أركانها ومبادئها، وأما التصورات السلبية المحيطة بها، فهي تتعلق بالبيروقراطيين أنفسهم من جهة، وبالقوانين الجامدة والتشريعات القاصرة عن مواكبة المستجدات وتعقيدات الحياة التي لا تكف عن التناسل إلا أن تطور المجتمع وتعقد الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية ألقى بظلاله على ذلك الجهاز البيروقراطي، فأصابته أعراض مرضية، حيث حتمت تخليصه منها لزيادة كفاءته وفعاليته على مواجهة التعقيد.

فالنظام البيروقراطي يراد له أن يكون صالحا لكل زمان ولكل مكان، وذلك لا يتم إلا من خلال فتح باب الاجتهاد، القائم على تخليصه من مساوئه، ومن كل أعراض المرض، كمن يتعهد جسما مريضا حتى يسترد عافيته وقوته، ومن أجل ذلك، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، مجمل الانتقادات الوجيهة الموجهة لذاك النظام، ثم لابد من تجاوز مساوئه الحقيقية التي أثبتها الواقع عند التطبيق. وعلاج الاختلال في الجهاز البيروقراطي يتم من خلال منطلقين الأول إصلاح الإنسان البيروقراطي وذلك لأن الإنسان هو المحرك والعنصر الفاعل في الجهاز الإداري فالبيروقراطية تسوء أو تحسن، بحسب الإنسان المسئول الذي يمارسها ولكى نصلح شأن الإنسان البيروقراطي لابد من التحفيزمن خلال تخصيص مكافآت للذين أبانوا عن قدراتهم المهنية مع إدماج منظومة القيم: كقيم الإخلاص في العمل، والضمير المهني مع التكوين القانوني للموظف ليعرف حقوقه وواجباته وفى المقابل لابد من زجر كل من أخل بواجباته المهنية ليكون عبرة لغيره. والثاني: إصلاح وتجديد الترسانة القانونية، لتواكب ظاهرة التعقيد والتطور التي باتت تلازم التدبير الإداري، وذلك من خلال تفعيل مبدأ الحكامة القائمة على ربط المسئولية بالمحاسبة تفعيل إجراءات الرقابة على الموظفين بالتفتيش فضلا عن تبسيط المساطر والقوانين والإدارة الإلكترونية والشباك الواحد.ومن خلال تطويرالعمل الحكومي لدولة الإمارات تم اطلاق برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية فى ٨ نوفمبر 2023 الذي يسعى إلى تبسيط وتقليص الإجراءات الحكومية وإلغاء الإجراءات والاشتراطات غير الضرورية، إذ تم توجيه الوزارات والجهات الحكومية بالتطبيق الفوري للبرنامج بإلغاء ما لا يقل عن 2000 إجراء حكومي وخفض ما لا يقل عن50% من المدد الزمنية للإجراءات، وتصفير جميع الاشتراطات والمتطلبات غير الضرورية خلال عام، وسيتم تقييم نتائج العمل والاحتفاء بأفضل الإنجازات بنهاية عام 2024.

المصدر: الأسبوع