سيكون الحزب الديمقراطي أمام مقامرة تاريخية إذا لجأ إلى كاملا هاريس نائبة الرئيس لخوض سباق الرئاسة بدلا من جو بايدن، مراهنا بذلك على قدرتها ذات البشرة السوداء على التغلب على العنصرية والتمييز الجنسي وأخطائها السياسية لهزيمة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

فعلى مدار تاريخ الديمقراطية في بلادهم الذي يعود لأكثر من قرنين، لم ينتخب الأميركيون سوى رئيس أسود واحد فقط، ولم ينتخبوا امرأة ذات بشرة سوداء قط، وهو ما يجعل حتى بعض الناخبين السود يتساءلون عما إذا كانت هاريس قادرة على تجاوز أصعب سقف في السياسة الأميركية.

وقالت لاتوشا براون، خبيرة الشؤون السياسية والمؤسس المشارك لصندوق بلاك لايفز ماتر فاند "هل سيكون عرقها وجنسها مشكلة؟ بالتأكيد".

على أن هاريس سوف تواجه تحديات كبيرة أخرى حال فوزها بترشيح الحزب الديمقراطي، فلن يكون أمامها سوى ثلاثة أشهر تقريبا للانتهاء من حملتها الانتخابية وتوحيد الحزب والمانحين خلفها.

وربما يساعدها أن عددا كبيرا من الديمقراطيين متحمسون لترشيحها.

وقد عبر نحو 30 مشرعا ديمقراطيا عن مخاوفهم من خسارة بايدن (81 عاما) في الانتخابات لافتقاره إلى القدرة العقلية والبدنية التي تؤهله للفوز في الانتخابات والبقاء في السلطة لأربع سنوات أخرى.

ويخشى كثيرون من سيطرة دونالد ترامب والجمهوريين ليس فقط على البيت الأبيض وإنما على مجلسي النواب والشيوخ أيضا.

وكان بايدن قال يوم الجمعة إنه لن يتنحى عن سباق الرئاسة وسوف يستأنف حملته الانتخابية بعد تعافيه من كوفيد-19؛ كما أعلنت هاريس عن دعمها لترشح بايدن لفترة جديدة أمس السبت خلال حفل لجمع التبرعات.

ورغم التحديات التي تواجهها؛ فإن عامل السن لصالح هاريس (59 عاما) فهي أصغر من ترامب بنحو 20 عاما وهي أحد قادة الحزب فيما يتعلق بحقوق الإجهاض، وهي قضية تلقى صدى لدى الناخبين الأصغر سنا وقاعدة الديمقراطيين من التقدميين.

ويقول مؤيدو هاريس إنها ستشعل حماس هؤلاء الناخبين وستعزز دعم السود وسوف تكون مناظراتها قوية مع ترامب.

وقالت براون إن ترشح هاريس سيأتي على النقيض تماما من المرشح الجمهوري ترامب ونائبه لمنصب نائب الرئيس السناتور جيه.دي فانس، وهما من أصحاب البشرة البيضاء.

وأضافت براون "هذا بالنسبة لي يعكس ماضي أميركا؛ في حين أنها (هاريس) تعكس حاضر أميركا ومستقبلها".

ورغم الثناء عليها في الأسابيع القليلة الماضية لدفاعها القوي عن بايدن، لا يزال بعض الديمقراطيين يشعرون بالقلق إزاء أداء هاريس الضعيف في أول عامين لها في المنصب والأهم من ذلك كله التاريخ الحافل بالتمييز العنصري والجنسي في الولايات المتحدة.

وفي منافسة افتراضية، أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس في 15 و16 يوليو/تموز (بعد محاولة اغتيال ترامب) تعادل هاريس وترامب بحصول كل منهما على تأييد 44% من الناخبين، في حين تقدم ترامب على بايدن بواقع 43% مقابل 41% في الاستطلاع نفسه.

ورغم تراجع شعبية هاريس، فإنها أعلى من معدلات تأييد بايدن؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (فايف ثيرتي إيت) حصول هاريس على تأييد 38.6% من الأميركيين بينما عارضها 50.4%، وفي المقابل، حصل بايدن على تأييد 38.5% وعارضه 56.2%.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

القضاء على جميع أشكال العنصرية

 

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

في 21 مارس 1960، ارتكبت الشرطة في جنوب أفريقيا مجزرة راح ضحيتها 69 شخصًا وأصابت 180 آخرين بجروح، بعدما فتحت النَّار على متظاهرين سلميين في بلدة شاربفيل، كانوا يحتجون على قوانين التمييز العنصري.

وإحياءً لذكرى هذه المذبحة، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966 هذا اليوم يومًا دوليًا للقضاء على التمييز العنصري، ودعت المُجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لإنهاء جميع أشكال التمييز العنصري. ومنذ ذلك الحين، يحيي العالم هذا اليوم سنويًا تأكيدًا على رفض العنصرية والدعوة إلى المساواة والعدالة.

وفي السياق نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1965 الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لتكون أول وثيقة أممية تُلزم الدول بمواجهة العنصريّة، باعتبارها خطرا يُهدد السلام والتعايش داخل المجتمعات وبين الأمم.

واعتمدت الاتفاقية تعريفًا دقيقًا للتمييز العنصري، فعرفته على أنه "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني". وهو تعريف تميّز بشموله وعدم اقتصاره على الحالات الصريحة فقط، بل وسّع إطار المسؤولية ليشمل السياسات والإجراءات التي تُؤدي إلى نتائج تمييزية، حتى وإن لم تكن مُعلنة أو موجهة بصورة مباشرة.

ونصَّت الاتفاقية على التزام الدول الأطراف باتخاذ كل التدابير اللازمة للقضاء على التمييز العنصري بجميع أشكاله، سواء في التشريعات أو في الممارسات الإدارية أو في تعامل المؤسسات العامة والخاصة. كما طالبت بمراجعة القوانين القائمة لضمان خلُوِّها من أي أثر للتمييز، وبإنشاء آليات تسمح للمتضررين من هذه الممارسات بالحصول على الإنصاف وجبر الضرر. وتضمّنت الاتفاقية مادة خاصة تُجرّم الدعوة إلى التمييز العنصري والتحريض عليه، مُعتبرةً أن هذا النوع من الخطاب يُسهم في تأجيج الكراهية ويُهدد الأمن المجتمعي.

جاءت هذه البنود في ظل اتساع رقعة الأنظمة التي تقوم على الفصل العرقي، خاصة في جنوب إفريقيا آنذاك، ووسط تزايد الحركات المدنية التي تنادي بالمساواة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وقد تبلور الشعور الدولي بالحاجة إلى اتفاقية شاملة، بعد أن فشلت المواثيق الأخلاقية والنصوص الدينيّة وحدها في كبح جماح الأنظمة العنصرية أو ردع من يمارسون التمييز تحت غطاء القانون أو ما يُسمّى بالعُرف. لذلك، سعت الاتفاقية إلى جعل احترام المساواة والتنوع التزامًا قانونيًا لا يخضع للاجتهاد أو التقدير.

ولم تقتصر الاتفاقية على النصوص؛ بل أسست آلية رقابية دائمة تتمثل في لجنة القضاء على التمييز العنصري، وهي هيئة دولية تتألف من خبراء مستقلين يُنتخبون من قبل الدول الأطراف، ويُناط بهم تلقي تقارير دورية من الدول حول مدى التزامها بتنفيذ بنود الاتفاقية، ومراجعة أدائها وتقديم التوصيات اللازمة. وقد تطورت أعمال اللجنة لتتناول قضايا متعددة مثل وضع اللاجئين، وحقوق السكان الأصليين، وعديمي الجنسية، وضمان وصول الأقليات العرقية إلى التعليم والعمل والسكن والخدمات العامة.

وقد أقرّت الاتفاقية بإمكانية اتخاذ تدابير خاصة ومؤقتة تهدف إلى دعم الفئات المتضررة تاريخيًا من التمييز، على أن يكون الهدف من هذه التدابير تحقيق المساواة الفعلية، وأن تُلغى عند تحقق هذا الهدف. ونصّت الاتفاقية أيضًا على أنَّ الاختلاف في معاملة المواطنين وغير المواطنين لا يُعد تمييزًا عنصريًا، إذا كان قائمًا على قوانين الجنسية والهجرة، بشرط ألا تنطوي هذه القوانين على تفرقة متعمدة ضد جنسية مُعينة.

ومنذ دخول الاتفاقية حيِّز التنفيذ في يناير 1969، انضمت إليها أكثر من 180 دولة، من ضمنها سلطنة عُمان بتاريخ 2 يناير 2003، ودخلت حيّز النفاذ بالنسبة لها في 1 فبراير 2003. ولم تُبدِ السلطنة أي تحفظات عند الانضمام إلى الاتفاقية، فقد نصّ المرسوم السلطاني رقم 87/2002 في مادته الأولى "بالتصديق على انضمام السلطنة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" دون ذكر تحفظات، مما يلزم مؤسسات الدولة كافة، وعلى رأسها المؤسسة القضائيّة، بتطبيق بنودها كاملة.

وقد مثّلت هذه الاتفاقية التزامًا دوليًا يُعزز من قدرة المجتمعات المدنية على محاسبة الحكومات، ويمنح الأفراد إطارًا قانونيًا للطعن في السياسات التمييزية. وعلى الرغم من التفاوت في تطبيق بنود الاتفاقية بين بلد وآخر، إلا أن وجودها أسهم في ترسيخ مفاهيم المساواة في دساتير وتشريعات كثيرة حول العالم.

ومع مرور الوقت، زادت أهمية الاتفاقية والحاجة إليها مع تنامي الخطابات القومية المتطرفة في بعض المناطق، وعودة أشكال جديدة من العنصرية على خلفيات ثقافية ودينية وعرقية. وفي سياقات كثيرة، أصبحت الاتفاقية مرجعًا للمنظمات الحقوقية والنشطاء ومؤسسات العدالة، كما كانت أداة ضغط ساعدت على تطوير قوانين مُكافحة التمييز في بعض الدول.

إنَّ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وُلدت من رحم مُعاناة الشعوب وتجاربهم المريرة مع الظلم والتفرقة، بعد أن نطقت الشوارع بالغضب، وسالت الدماء البريئة، وارتفعت الأصوات مطالبة بالكرامة والمساواة. وتشكّلت كلماتها من وجع التاريخ ونداءات التغيير، وحملت بين سطورها وعدًا بعالم أكثر عدلًا وإنصافًا. وتظل قيمتها مرهونة بقدرتها على تجاوز النصوص، لتُصبح واقعًا يحمي كرامة الإنسان، ويُعزز العدالة، ويكسر شوكة العنصريّة بجميع أشكالها.

مقالات مشابهة

  • وزيرة العدل تصدم ترامب.. من الصعوبة أن يجد سبيلًا للترشح لولاية ثالثة
  • القضاء على جميع أشكال العنصرية
  • فرنسا على موعد مع مظاهرات حاشدة بعد منع مارين لوبان من الترشح للرئاسة
  • نساء المغرب... أصواتٌ حرة في وجه القمع والتمييز والإبادة في غزة
  • لأول مرة.. انتقادات علنية من أوباما و كامالا هاريس ضد سياسات ترامب
  • تدفق الأسلحة مستمر.. ترامب يرسل لإسرائيل 20 ألف بندقية علّقها بايدن
  • إدارة ترامب تواصل حربها على الجامعات عبر إلغاء منح وشروط صارمة
  • الصين ترد على ترامب .. رسوم 34% على جميع الواردات الأميركية
  • استبعاد مبارزة أمريكية رفضت اللعب أمام متحولة جنسيا رغم تأييد ترامب
  • بسبب "معاداة السامية".. ترامب يخطط لحرمان جامعة من نصف مليار دولار