لجريدة عمان:
2024-09-06@12:36:48 GMT

التكنوقراط.. «صناعة» تجسير بين شعبوية ونخبوية

تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT

هل الشعبوية مصطلح أو مفهوم؟ فإن كانت مصطلحا فهو سيخضع للتعريف العلمي، والتعريف العلمي له استحقاقاته من حيث إخضاع المصطلح في حاضنة المختبر، ومتى أخضع للمختبر، فإن من ضمن هذه الاستحقاقات ألّا ينظر إلى الشعبوية على أن تأثير فعلها لا يستحق أن ينظر إليه بكثير من الاهتمام والرعاية والتأثير، أو على أنه فعل غوغائي لا يمت إلى الحكمة والتعقل في شيء، وبالتالي فبقاء الأمر على حاله.

. وإن كان ينظر إلى الشعبوية كمفهوم فإنه بذلك يكون أقل وزنا في التأثير في الحكم، وبالتالي فلماذا إذن ينظر إليه بكثير من القلق؟ ولماذا تستشعر النخب بشيء من القلق كلما تبنت الشعبوية ملفا حياتيا وأثارته للنقاش؟ ثم أليست النخب منشأوها الأول هي الحاضنة الشعبية، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يعطيها هذا الاستعلاء لتجاوز نشأتها الأولى، فتصنف نفسها بهذا التصنيف (شعبوية/ نخبوية)؟ ومن هنا - كما يبدو لي - تتجلى الحقيقة التالية: فعندما يقابل «الشعبوية» كأداة للفعل، مع «النخبوية» كتقييم لهذا الفعل، فإن المسألة تأخذ بعدا آخر في الفهم، ويتم احتساب التكلفة الإجمالية للنتائج، ومن ثم تكال التهم على أن الشعبوية لو كانت بمستوى التفكير الذي عليه النخبوية، لكانت النتائج مختلفة جدا، وهذا حسب ذات التقدير، هو تسطيح للمفاهيم، وتناقض صريح للحقائق، وإذا كان في زمن ما نظر إلى بعض فئات المجتمع على أنها نخب، فإن ذلك لن يخرج عن تأثير القوة المادية التي تُخَوِّلْ بما يسمون بـ «النخب» في التأثير على العامة من الناس، من حيث استمالتهم لتنفيذ ما يودون تنفيذه، والدليل على هذا التقييم، لو أن هذا أو ذاك ممن يصنفوا بالنخب فقد أمواله، بسبب ما، فإن يعود من حيث أتى إلى حاضنته الشعبوية، ولأقسمت الحاضنة النخبوية بالإيمان المغلظة أن هذا الفرد لم يعد يمثلهم، ولا يستبعد أن يقال: «من هذا؟ نحن لا نعرفه ولم نكن نعرفه على اتساع رقعة المساحة التي نتحرك فيها؟» وهكذا يقيم على أنه «نكرة» فقط لأنه فقد أداة من أدوات التأثير «المال» وما ينطبق على المال ينطبق على المستويات الإدارية، ولذلك نسمع اليوم أكثر من ذي قبل الشكوى تلوى الشكوى، ولو بصورة خجولة من الذين تنحوا عن العمل الإداري وكانوا ذوي مناصب عليا، إنهم «فجأة» فقدوا أصدقائهم ومن كانوا يحيطونهم بالعناية والرعاية، وأصبحوا وحيدين لا يسأل عنهم أحد أبدا، إلا أولئك الذين نشأوا بينهم قبل عمر من الزمان عندما كانوا سويا تحتويهم سكك القرية وحقولها البسيطة الآمنة.

وتجذيرا لذات القناعة فإنه ينظر إلى الشعبوية على أنها مفهوم أكثر من أنه مصطلح، ولذلك يسطح في استيعابه، ولا ينزل المنزلة المباركة لا من حيث قبوله كفعل مؤثر، ولا من حيث الترحيب به لكونه منبثق من الحاضنة الاجتماعية، هذه الحاضنة التي تستوعب الكم الهائل من التقسيمات التي يُفَصِّلُها أبناء المجتمع حسب اعتبارات تقليدية، وظرفية، كثيرة، بعكس النخبوية التي يفسح لها المجال في كلا الأمرين: كمصطلح وكمفهوم يعود ذلك - حسب فهمي- أن الذاكرة الاجتماعية تسترجع أهمية الوجاهة الاجتماعية، وهي صورة تحمل الكثير من الدلالات التي استوعبتها هذه الذاكرة وإن لم تستحضرها كمصطلح «النخبوية» الذي يروج له اليوم كمصطلح حديث، وحسب الفهم التقليدي فـ«الهنقري» يحمل ذات المفهوم، ويقوم بنفس الممارسات كما هو الحال اليوم من حيث كلمة الفصل في جل ما يقوم به الأفراد برضى أو بغير رضى، لذلك كان هناك من يخشى بطش الغني «الهنقري» ويتحاشى ردة فعله، في وقت كان المجتمع بسيطا وتقليديا حتى النخاع، إلى درجة أن لو كان الغني يتصدر المجلس ودخل أحد الأفراد فإنه يتوجه مباشرة إلى صدر المجلس ويسلم عليه، ومن ثم يتوجه للسلام على بقية الحضور، وحتى لو أن فلانا من الناس - غريبا - دخل المجلس فإن هناك من يوجهه للذهاب إلى السلام أولا إلى فلان الذي يشار إليه، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، والسؤال: هل تغير الوضع اليوم؟ والجواب: هناك تغير خفيف في ظاهر الأمر، أما في بواطنه فلا يزال اللهب مشتعلا عبر ممارسات كثيرة، حيث لا يزال: «غض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا».

في مرحلة ما من مراحل عمر المجتمع وهذا يحدث باستمرار يكون للشعبوية صوتها المؤثر، وإن نظر إلى فعلها بشي من التسطيح أو التبسيط، لأن الشعبوية تشكل قاعدة هرم المجتمع، ولننظر إلى فترات الانتخابات التشريعية في العصر الحديث وكيف تمثل هذه الفئة أهمية كبرى في توجيه

دفة مسار النتائج النهائية، ولننظر كذلك إلى توجس النخبوية من المكر الذي قد توقعها فيها الشعبوية، والأهمية التي تشكلها الشعبوية في فترة الانتخابات، وتنازل النخبوية عن نرجسيتها استبشارا بفعل الشعبوية في حسم النتائج، لإدراك -أي النخبوية - أن أية تلاعب بالشعبوية كمن يغامر باللعب بالنار، ومع ذلك فإن جل الناخبين في بداية الأمر يتساءلون: من هذا الذي يرشح نفسه لانتخابات المجلس التشريعي؟ وهذا السؤال فيه ما فيه من المكر للتحايل على الشعبوية، لأنه يذهب إلى التقييم المادي، أكثر منه إلى التقييم المعنوي للذات الشخصية، وهذا في حد ذاته يطرح التساؤل التالي: هل السؤال السابق هو لأهمية الشخص، أم لأهمية الدور الذي سيلعبه في المجلس التشريعي؟ وللخروج من حدية السؤال يمكن النظر إلى فئة الثالثة المجسرة للهوة بين طرفي (الشعبوية والنخبوية) وهي فئة التكنوقراط، وهي الفئة التي قد ينظر إليها على أنها بديل عن الطبقة المتوسطة في التصنيف العلمي لطبقات المجتمع (دنيا، متوسطة، عليا) وهي الآتية بقوة بغض النظر عن الانتماءات الفردية في حاضنتها الخاصة، وحضورها القوي اليوم على المشهد الاجتماعي يعود لأهمية الدور الذي تقوم به وخاصة في برامج التنمية، نظرا لما تمتلكه من أدوات معرفية، وفنية ونوعية، كثيرة، وذلك من حيث التخصص الذي تحمله، مع أن هناك محاولات غير منكورة لتحجيمها بين أروقة المؤسسات، حيث تسلط النخب عليها بصورة غير مباشرة، كلما أمكن ذلك.

يقول مايكل جونستون مؤلف كتاب (متلازمات الفساد - الثروة والسلطة والديمقراطية -): «إن المجتمع المدني أيضا مستعمر من قبل الفصائل النخبوية، وأحزابها السياسية، أو تمزقه التقسيمات الإقليمية، أو العرقية أو غيرها التي تجمع بين كونها عميقة الجذور وذات استخدامات سياسية بين النخب الراغبة بتفريق مجموعات المعارضة المحتملة لإبقائها تحت السيطرة «- انتهى النص - ويعود ذلك إلى ذات الفكرة القديمة «تسلط الهنقري» في المجتمع التقليدي، وإن تم التسليم لذات الأمر، وبقيت الأحوال على ذلك دون أن يكون للقانون قول الفصل، فإن ذلك مؤداه الهرولة سريعا إلى حيث تجذر الدولة «العميقة» التي تضرب بكل القيم الإنسانية بعرض الحائط حيث تسلط النخب، ومحاصرة نمو المجتمع المدني باستحقاقاته الفنية والموضوعية.

والسؤال المهم هنا أيضا: هل ستنضوي فئة التكنوقراط إلى فئة النخبة، وتبيع شعبويتها - حاضنتها الأساس - لإغراءات مادية وإدارية ووجاهية، أم ستلتزم الحياد؟ أم تؤسس لنفسها جماعة ضغط أخرى «ثالثة» تنتصر للحق والعدالة، فتنعش أمل الأولى «الشعبوية» وتحجم من تطاول الثانية «النخبوية» وتقف بالمرصاد لتشعب الدولة «العميقة»؟ هنا يمكن النظر إلى مؤسسات المجتمع المدني، ودورها المهم في حالة أنها تعمل وفق أسس فنية وإدارية صحيحة، ملتزمة بأنظمتها الأساسية المنشئة لها، أما في حال - كما هو واقع هذه المؤسسات اليوم - أنها تسير أعمالها وفق اجتهادات شخصية، وارتجالية، فإن الأمر سيبقى على حاله، ولن يكون هناك تغيير يخدم المصالح العامة، وستظل منصات المحاكم تعمل ليل نهار لأجل البقاء على مصالح الأفراد والجماعات بما يؤدي إلى الاستقرار وتسيد الأمن الاجتماعي في المجتمعات، وإن أصبح الأمر كذلك، فإن في ذلك اتهام كبير من أن المجتمعات لم تستفد كثيرا من شيوع المعرفة، وتراكم خبرات الحياة، وتجدد الأجيال، وأن الحالة التقليدية لا تزال هي المُؤْمَنُ بها، وأن لا بديل عن استمراراها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من حیث على أن

إقرأ أيضاً:

ما الذي تفعله أوكرانيا في حرب السودان؟

نادرا ما انخرطت أوكرانيا في الصراعات العسكرية خارج حدودها. وعلى العكس، تحولت الأراضي الأوكرانية في أكثر من مناسبة إلى مسرح للصراع بين القوى المتنافسة، وآخرها الحرب الروسية المتواصلة ضد كييف منذ فبراير/شباط 2022.

ولكن للمفارقة، كانت هذه الحرب سببا للأوكرانيين لمد أذرعهم العسكرية خارجيا بقدر ما تسمح به الطاقة، مستهدفين في المقام الأول مسارح إستراتيجية تمتلك فيها روسيا حضورا قويا ومصالح مهمة، ويعد السودان في مقدمة هذه المسارح التي طالتها نيران الصراع الروسي الأوكراني من على بُعد آلاف الأميال.

اقرأ أيضا list of 1 itemlist 1 of 1ليلة سقوط كورسك.. كيف انكسر الروس على هذا النحو المدهش؟end of list

كان اندلاع الصراع المسلح بين المجلس العسكري السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أبريل/نيسان 2023 هو الشرارة التي حفزت الحضور الأوكراني.

وقد جاءت أولى الإشارات لهذا الحضور صريحة عبر مقطع مصور بثته "سي إن إن" الإخبارية بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2023، تناول عرض هجوم بواسطة "مسيّرات انتحارية" استهدف عناصر من "قوات فاغنر" الروسية التي تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان.

وفقا لتقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في مارس/آذار الماضي (2024)، فإن عبد الفتاح البرهان الذي وجد نفسه محاصرًا في عاصمة بلاده الخرطوم من قِبَل قوات الدعم السريع، سعى حينها إلى طلب المساعدة من حليف غير متوقع، وهو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وعلى الرغم من الحرب المشتعلة في كييف، لبّت أوكرانيا نداء البرهان وأرسلت كتيبة من القوات الخاصة الأوكرانية "الكوماندوز" تضم حوالي 100 جندي هبطوا على أرض السودان في أغسطس/آب 2023، وكانت مهمتهم الأولى المساعدة في إخراج البرهان من الخرطوم. وبالفعل كللت المهمة بالنجاح وتوجه البرهان إلى بورتسودان، وفقا للصحيفة الأميركية. لكن البرهان نفى أن تكون هناك أي مساعدة أجنبية في هذه العملية، وقال إنها تمت بتخطيط وتنفيذ كامل من الجيش السوداني.

كان الجنود الأوكرانيون يعملون تحت غطاء من السرية والكتمان، ويشير أحد ضباط الاستخبارات الأوكرانية في السودان، ويعرف رمزيا باسم "كينغ"، للصحيفة الأميركية أن وحدته كانت تبدأ عملياتها منذ الثامنة مساءً وحتى مطلع الفجر، وذلك تجنبًا لكشف هويتهم نهارًا.

وفي عتمة الليل كانوا يخرجون مزودين بنظارات للرؤية الليلية، مما أتاح لهم تنفيذ غارات مباغتة على قوات الدعم السريع التي اعتادت النوم في العراء على طول خط المواجهة، وفق "كينغ".

في الوقت ذاته، دعمت أوكرانيا الجيش السوداني بمجموعة من المسيّرات الانتحارية، وقدمت الدعم التكتيكي والتدريبات العسكرية اللازمة لعناصر القوات المسلحة السودانية وخاصة سلاح الطيران؛ وهو ما أضاف ميزة تكتيكية في الحرب لصالح البرهان والجيش السوداني.

المسيّرات.. تحول ميزان القوى في حرب السودان

مثَّل دخول المسيّرات الأوكرانية تحديدا إلى الصراع السوداني تحولا كبيرا صب في صالح الجيش، فرغم أن القوات المسلحة السودانية كانت تمتلك بالفعل بعض المسيّرات قبل بداية الصراع، فإنها كانت أقل تطورا ولم تُستخدم بفعالية إلا في الأشهر الأخيرة مع حضور الأوكرانيين إلى المشهد حسب الرواية الأوكرانية.

وبحلول 12 مارس/آذار الماضي، كان الجيش السوداني يحتفل بانتصاره في معركة استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان، والذي وقع في يد قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب.

كانت المسيّرة الأوكرانية "إف بي في" (FPV) هي بطل هذه المعركة وغيرها من المواجهات المندلعة منذ ذلك الحين، وهي طائرات بدون طيار انتحارية صغيرة محلية الصنع شوهدت لأول مرة إبان الحرب الراهنة بين كييف وموسكو.

فمع عدم كفاية الإمدادات الغربية لملاحقة تطورات الحرب المتسارعة، سعت أوكرانيا للبحث عن بديل سهل يمكن تجميع مكوناته في البلاد بتكلفة زهيدة، وفي الوقت نفسه يمتاز بأداء عالٍ على الخطوط الأمامية للقتال، فكانت "إف بي في" هي ما مكّن الجيش الأوكراني من الصمود نسبيا على الرغم من التفوق الروسي.

في غضون أقل من عام على استخدامها الأول في أوكرانيا، قفزت "إف بي في" (FPV) آلاف الأميال لتسجل حضورها على ساحة الحرب السودانية وتنفذ هجمات استهدفت شاحنات صغيرة بعضها يحمل مقاتلين من الدعم السريع، وهي المعارك التي أدارتها وحدة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية وقامت خلالها بتدريب وحدات من الجيش السوداني على استخدام هذا النوع من المسيّرات.

من الناحية التقنية، تعد "إف بي في" طائرات كوادكوبتر عادية "مسيّرة بدائية ذات 4 مراوح" عمل متخصصون على تحويلها إلى "مسيّرات انتحارية" مزودة ببطارية إضافية ورأس حربي متفجر، تعرف باسم مسيّرات "منظور الشخص الأول" حيث يجري التحكم بها عن بُعد من خلال نظارات تشبه تلك الخاصة بالواقع الافتراضي.

وتجري قيادة تلك المسيرات عن طريق بث مباشر من كاميرا مثبتة على متنها، وتبلغ تكلفة الواحدة منها بين 400 إلى 500 دولار. وتمتاز بإمكانية توجيه ضربات محددة لأهداف سريعة الحركة بدقة عالية على بعد عدة أميال، فهي تحوم بالهواء فوق الهدف لفترة طويلة قبل الأمر الانقضاض عليه.

لم تكن المسيّرات الأوكرانية وحدها التي حلّقت في سماء السودان، حيث حصل الجيش السوداني أيضا على مسيّرات "بيرقدار تي بي 2" تركية الصنع، والتي دخلت الخدمة في يونيو/حزيران 2015، وتمتاز "بيرقدار" بقدرتها على القيام بمهام استطلاع ومراقبة وفي الوقت ذاته توجيه ضربات جوية دقيقة.

كما أن بإمكانها الطيران 25 ساعة متواصلة. كذلك تحضر المسيّرات الإيرانية هي الأخرى في المشهد السوداني، إذ أشار الخبراء بعد تحليل حطام مسيّرات أسقطها الدعم السريع أثناء معركة استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون بأم درمان إلى أن الجيش السوداني يمتلك طائرات دون طيار إيرانية الصنع من طراز "مهاجر 6″، وفقًا لما جاء في تحقيق أعدته وكالة "بي بي سي" الإخبارية.

تعد "مهاجر 6" مسيّرة قتالية تكتيكية قادرة على التحليق لمدة 12 ساعة متواصلة، بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة وبمدى يبلغ 6000 كيلومتر، وحمولة تصل إلى 40 كيلوغرامًا من القنابل الذكية. وبجوارها، يمتلك الجيش السوداني طائرات مسيرة من طراز "زاجل 3".

و"زاجل 3″ نسخة محلية الصنع من الطائرة الإيرانية "أبابيل 3″، قادرة على التقاط الصور وإرسالها إلى محطات التحكم الأرضية، والتحليق على ارتفاع 150 قدمًا لمسافة 250 كيلومترًا، كما تتميز بمحرك يعمل بالبنزين يُمكّنها من التحليق لمدة 8 ساعات متواصلة.

على الجانب المقابل، سارعت قوات الدعم السريع إلى استخدام مجموعة متنوعة من الطائرات دون طيار لمهام الاستطلاع والهجوم. ورغم قلة المعلومات المتوفرة عن قدراتها، أظهرت الأدلة المبكرة في الحرب أن قوات الدعم السريع استخدمت طائرات دون طيار تجارية معدلة، وهي مسيّرات رباعية المراوح جرى تطويرها لتستخدم في عمليات انتحارية.

رغم ذلك، لا تزال المسيرات التي يمتلكها الجيش السوداني أكثر تطورا بفوارق كبيرة. هذا الوضع جعل من الطائرات المسيّرة سلاحًا حاسما في الحرب السودانية، إذ تمكنت في وقت قصير من تغيير مسار العديد من المعارك على الأرض، بعد أن استعاد الجيش بفضلها العديد من المواقع وتمكن من كسر الحصار المفروض على جنوده من قبل قوات الدعم السريع.

حرب غربية فوق أرض أفريقية

تشير "وول ستريت جورنال" إلى أن السبب الرئيسي الكامن وراء مساندة الأوكرانيين للجيش السوداني بالحرب الأهلية الدائرة في الخرطوم، هو أن البرهان كان قد أمد كييف سرًّا بالأسلحة منذ بداية الحرب الأوكرانية- الروسية، وبالتالي كان على أوكرانيا أن تقدم الدعم في الحرب السودانية لحليف قديم.

غير أن هناك سببًا آخر مهمًّا جعل كييف تسارع للانخراط العسكري في الخرطوم وهو أنها وجدت في السودان ساحة مواجهة جديدة مع روسيا قد تجعل موسكو تدفع ثمنًا أكثر كلفةً لحربها على الأراضي الأوكرانية.

ففي شهر فبراير/شباط الماضي، نشرت صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية مقطعًا مصورًا، يظهر فيه مقاتل من قوات "فاغنر" الروسية وهو معصوب العينيين أثناء استجوابه من قِبَل القوات الخاصة الأوكرانية بعدما وقع في الأسر.

وللمفارقة فإن هذا المقطع تم تصويره في السودان الذي انتقل فريق من القوات الأوكرانية إليه لتقديم المساعدة للجيش. في المقابل، أشارت اعترافات "أسير فاغنر" إلى أن مقاتلي المجموعة سافروا إلى أفريقيا الوسطى ومنها إلى الخرطوم من أجل تقديم المساعدة والتدريب العسكري لقوات الدعم السريع.

يسبق وجود "فاغنر" في السودان الوجود الأوكراني بوقتٍ كبير، إذ حرصت موسكو على حضورها في هذا البلد منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي أُطيح به عام 2019 إثر موجة واسعة من الاحتجاجات، حيث سعت روسيا منذ عام 2017 إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها على ساحل البحر الأحمر بالسودان.

في الوقت ذاته، كان هناك هدف آخر لا يقل أهمية ترتب له موسكو وهو الحصول على الذهب السوداني لمواجهة العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا بعد غزو شبه جزيرة القرم، وبحسب تحقيق استقصائي أجرته شبكة "سي إن إن" في وقت سابق، سلبت موسكو أطنانًا من الذهب السوداني.

وتقدر قيمة الذهب السوداني الذي استولت عليه روسيا بمليارات الدولارات، وذلك عن طريق "قوات فاغنر" التي عملت في الخفاء -بحسب التحقيق- تحت غطاء شركة روسية سودانية تدعى "ميروي غولد" تأسست في عهد عمر البشير عام 2017.

لم ينته الدور الروسي في السودان بعد الإطاحة بالبشير، بل حافظت روسيا على إستراتيجيتها السابقة بالتعاون مع المجلس العسكري بقيادة البرهان. لكن اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وضعت الروس في اختبار صعب للعب على طرفي الصراع للمحافظة على مصالحهم.

ولذلك نجد قوات فاغنر كمؤسسة عسكرية خاصة مدعومة من الكرملين تقف إلى جانب قوات الدعم السريع نظرًا لسيطرة "حميدتي" وقواته على الذهب، وفي الوقت ذاته تواصل موسكو سياستها الخارجية المتمثلة في تقديم الدعم للقوات المسلحة السودانية، أملا في إقامة قواعد عسكرية لها في السودان.

هذا الأمر الذي حوّل الحرب السودانية، وفقًا لوصف بعض المحللين، إلى نموذج للحرب بالوكالة، حيث تدخلت أطراف ثالثة في الصراع، يسعى كل منها لتحقيق أهدافه الخاصة.

وبحسب التقارير، تتعدد أهداف كييف داخل السودان، ما بين تعطيل أنشطة مجموعة فاغنر في أفريقيا، ومنع موسكو الاستفادة من الذهب السوداني وإحباط الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا عبر تشتيتها في مسارح متعددة.

هذا بالطبع إلى جانب تحسين الصورة الدولية لكييف في أعين حلفائها الغربيين عبر إثبات قدرة أوكرانيا على مواجهة روسيا على بُعد آلاف الأميال من الصراع المحتدم في شرق أوروبا.

مقالات مشابهة

  • ما مصير الكويكب الذي كان سيضرب الأرض قبل أيام؟
  • خطأ «السادات» الذي أودى بحياته
  • العثور على جثة الطفل اليمني الذي جرفته سيول مكة
  • “الزادمة” يؤكد على الرسالة الهامة التي يحملها الإعلام في خدمة قضايا المجتمع المختلفة
  • مَن الذي هندس قارَّاتِ العالم؟
  • مسؤول حكومي يعري الاعترافات المُفبركة التي تنشرها مليشيا الحوثي لنخبة المجتمع في صنعاء
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • إغلاق مصانع وإلغاء وظائف.. ما الذي ينتظر قطاع السيارات الأوروبية
  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في كابول
  • ما الذي تفعله أوكرانيا في حرب السودان؟