الإخوان الإرهابية ومسيرة التلون والتواطؤ (148)
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
نستكمل حديثنا اليوم مع نظام مبارك الذى أدرك أن التعامل مع خيرت الشاطر محفوف بالمخاطر، وأن الجماعة يمكن أن تكون خطرا محدقا بالنظام لو استمر خيرت الشاطر فى السيطرة عليها، ورغم أنه كان مسجونا فى العام 2009 على ذمة قضية غسل الأموال الشهيرة التى أعقبت العرض العسكرى لطلاب الأزهر، إلا أنه كان لا يزال يلاعب عبدالمنعم أبو الفتوح الذى كان هو الآخر سجينا فى قضية التنظيم الدولى، وكان نظام مبارك يلعب بينهما بمنتهى القوة.
كانت القضية التى يحاكم بها وعليها أبوالفتوح تحمل رقم 404 لسنة 2009 حصر أمن دولة عليا، ورغم أن محاضر التحريات والتحقيقات التى أجرتها نيابة أمن الدولة العليا كانت تشير إلى إدانته، إلا أن القضية انتهت ولم تتحرك، وكانت هناك فيما يبدو صفقة أراد رجال جمال مبارك أن يعقدوها مع أبوالفتوح، كانت الصفقة تقوم على خروج عبدالمنعم أبوالفتوح من السجن وتمكينه من الصعود إلى منصب المرشد العام داخل الجماعة والسماح له بتأسيس حزب سياسى وعدد من المقاعد فى برلمان 2010، على أن ينهى عصر خيرت الشاطر ومجموعته فى مجلس الشعب، وتم تيسير الأمر لعبدالمنعم تماما من أجل الخروج، تكفلت الدولة بعلاجه فى المستشفى الفرنساوى، ووصل علاجه وقتها إلى 58 ألف جنيه، وتم إيداعه فى جناح كامل بالمستشفى الفرنساوى، وكان مسموحا لابنته بأن تتواجد معه فى الوقت الذى تريده، كما سمح له نفسه بأن يلتقى بمن يشاء من أصدقائه.
كان صقور الجماعة يحذرون من وصول عبدالمنعم أبوالفتوح إلى منصب المرشد، كما كانوا يحذرون من وصوله إلى الرئاسة أيضا، فهو ورغم أنه من بناة جماعة الإخوان إلا أنهم لا يعتبرونه منهم، يعتبرون كلامه عن الإصلاح والحوار –الذى بدا أنه غير حقيقى بالمرة– يمثل خطرا على التنظيم المغلق على ذاته والذى يعمل فى السر أكثر من عمله فى العلن، لقد ظل عبدالمنعم أبوالفتوح يجاهد من أجل نشر فكرته وتفعيل خطته، فبدلا من التمكين الذى يمكن أن يجلب على الجماعة صداما هى فى غنى عنه، فلابد من توطين جماعة الإخوان المسلمين أولا، كان عبدالمنعم يعمل على أن يحل الإخوان فى كل مكان، وأن يقوم بأخونة الأفراد فى المؤسسات والهيئات العامة والخاصة، أن يتحول المواطن المصرى إلى إخوانى، وساعتها لن تكون الجماعة فى حاجة إلى أن تقوم بثورة، لأن الدولة تكون فى هذا الوقت تحولت إلى إخوان، كان يرى أن التغيير لا يتم من أعلى بالتمكين، بل يمكن أن يتم من أسفل من خلال التوطين.
كانت هذه الخطة تقتضى أن ينافق أبوالفتوح الجميع، ولم يكن الرجل يتورع عن فعل ذلك، وأن يتعامل مع رموز نظام مبارك، ولم يتردد فى فعل ذلك أيضا، بل كان يبدى لهم ودا مبالغا فيه.. كل ذلك لأنه كان يريد أن يصيغ المجتمع كله على هواه الإخوانى، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث، الآن –على الأقل– يمكن أن يكون خيرت الشاطر انتهى تماما، لكن عبدالمنعم أبوالفتوح لا يزال باقيا، ولا تزال الفكرة فى رأسه، يمكن أن يجرى عليها كثيرا من التعديل، بعد أن قصم الشعب ظهر الجماعة،
لكننى أعتقد أن عبدالمنعم سيظل متمسكا بفكرته وعاملا عليها حتى تتحقق، لا أقول أنه سينجح، ولكن على الأقل سيظل يحاول، وهو ما تعلمه من جماعته؟
الجماعة والنظام كانوا طوال الوقت يرقصون على جثة الشعب، يبرمون هذه الصفقات دون أن ينظروا وراءهم أو خلفهم لهذا الشعب الذى يدفع الثمن دائما.. كان الإخوان ومبارك مثل الأفعى والشيطان، تحالفا فى النهاية ضد الشعب لإخراجه من الجنة.. وهو ما حدث فعلا، فلنترك عزيزى القارئ وثيقة التمكين التى سوف نتحدث عنها كاملة بالتفصيل فى حلقات قادمة ونتحدث فيما هو أهم حاليا، فمصر تواجه فى الوقت الحالى عددًا من التحديات التى تشكل مخاطر قائمة على الأمن القومى للدولة المصرية، أول هذه التحديات هو التحدى المتربص بمصر من الشرق من سيناء، سواء من إسرائيل أو من الجماعات الإسلامية المتطرفة، فضلًا عن الأزمة الليبية وما تفرضه من تحديات على حدود مصر الغربية، وكذا الحرب السودانية وما تنطوى عليه من تهديدات لمصر، وللحديث بقية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نظام مبارك خيرت الشاطر خیرت الشاطر یمکن أن
إقرأ أيضاً:
سيدة من غزة
يبدو أننا نتعلق بالحياة كلما عصفت بنا مخاطر فقدانها. قابلت سيدة خمسينية فى أحد محلات الملابس الرياضية بمدينة نصر، وكان بصحبتها طفل دون العاشرة. سألتنى لو أعرف أين تباع فانلات الزمالك، ومن لهجتها عرفت أنها شامية.. سألتها قالت، وأفراح الدنيا تهلل بوجهها أنا من غزة، وراجعه بعد يومين، الحمدلله الحرب وقفت.. بدت لى وكأنها تجهز لفرح حقيقى، وسألتها إيه حكاية فانلات الزمالك، قالت لى إن حفيديها فى غزة طلبا منها أن تحضر لهم تيشيرتات نادى الزمالك الذى يشجعونه.
هذه السيدة الغزاوية ليست مجرد أم أو جدة فى نهاية الخمسينيات من العمر تقريبًا، ولكنها شجرة زيتون فلسطينية عمرها من عمر هذه الأرض الطيبة التى تعطرت بدماء ما يقرب من 50 ألف شهيد خلال أقل من 15 شهرًا. هذه السيدة الغزاوية قبلة على جبين حياة يعرف الفلسطينيون وحدهم قيمة أن يتمسكوا بها، وأن يرتقوا فى سبيلها بالآلاف أطفالًا وشيوخًا ونساء، وهم على يقين أنهم وهم فوق جسر الشهادة محلقين نحو عالم أبدى أقوى ألف مرة من نازية المجرم المطلوب للعدالة الدولية بنيامين نتنياهو.
هذه السيدة الغزاوية قصة قصيرة أطول عمرا من كل الذين تواطئوا وصمتوا أمام جرائم إسرائيل بحق شعب يتمسك بالحياة، وبحقه فى التشبث بأرضه.. هذه السيدة الغزاوية فى تاريخ الإنسانية غير المكتوب أشرف وأعظم من رئيس مجرم مثل بايدن استمات فى دعم الكيان الصهيونى بكل أسلحة الدمار حتى آخر يوم له فى البيت الأبيض الذى تشهد جدرانه على التاريخ الأسود لهذا الرئيس القبيح. كم أتمنى على المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى المصرية والعربية أن تحرك قضايا – حتى لو شكلية – ضد مجرم البيت الأبيض جوبايدن الذى أعتبره الأحق بأن تلاحقه العدالة الدولية، لأنه ظل حتى توقيع اتفاق وقف القتال الداعم بالقنابل وحاملات الطائرات فى حرب الإبادة ضد أطفال ونساء غزة – منتهى القبح.. عودة إلى سيدة غزة التى تسبقها أفراح العودة إلى مكان قد لا تجد فيه الكثير من المعالم التى تركتها، ولكنها، ومن دون أن ترهق نفسها بالتفسير والتحليل تسبقها نشوة الفرح إلى المكان الذى ترتسم خرائطه تحت الجلد. ما لم يفهمه نتنياهو أن بيوت الفلسطينيين التى دمرتها آلة حربه الغبية ليست سوى حجارة، أما البيوت الخالدة خلود الزمن والتى لن يقوى على هدمها، فهى تلك التى تسكن روح وعقل كل فلسطينى، بيوتًا وشوارع وأحياء ومساجد وكنائس تحت الجلد وفى مقل العيون، وفوق جدران القلوب.. يا سيدتى، يا سيدة غزة – هنيئًا لك بعبقرية استقبال الحياة، وصدقينى لو قلت لك إن عرش مشاعرك أشرف بكثير من عروش عارية من أى قيمة..
[email protected]