بوابة الوفد:
2024-09-06@20:09:54 GMT

ترميم معبد دندرة

تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT

مرات قليلة تلك التى زرتُ فيها معبد دندرة غرب النيل فى مقابل مدينة قنا وقد صحبتُ الصديق الروائى الراحل جمال الغيطانى عندما زارنى بقِفط إلى معبد دندرة وكتَب عنه فهو المعبد الذى يكاد يكون كاملا، توقف الغيطانى أمام الصرح الأول وتطلع إلى السقف العالى الذى بدَوْنا أمام عظمة الأعمدة وارتفاعها كأننا حروف فى هامش البهو الذى ينبئ عن بناء مدهش، وقد كانت انطباعاتى عنه أن أحجاره مطموسة بحريق قديم قضى على ألوانه القديمة، فلم يبق إلا جدران وأسقف سوداء وكان منظر السواد محزنا وقد سمعت من قبل تفسيرات لهذا السواد فقائل يرى أن المصريين فى لحظات اضطهاد الرومان لهم فروا إلى المعابد وسكنوها وعاشوا بها وأشعلوا مواقد الطهى (الكانون) ومن دخانه ارتسم السواد على الجدران وهو كلام غير مقنع، ولذا عندما سمعت من أخى د.

عصام حشمت الأستاذ المساعد فى قسم الترميم الآثار عن خطة ترميم جدران معبددندره وأسقفه اصطحبتُه وبعض الخريجين لزيارة المعبد والوقوف على أمر هذا الفريق الذى طننتُ أنه لن يفعل شيئا فى دخان طبقات فوق طبقات متراكمة من آلاف السنين، لكن منذ البوابة كان الجميع يقول د. غريب فى المعبد، ودخلنا المعبد الذى صار مختلفا، اختفى السواد وبدت الألوان الفرعونية القديمة وكأن الفنان الفرعونى قد فرغ للتوّ من نحتها ورسمها وتلوينها، بدَت حتحور التى سُمى المعبد باسمها تتطلع إلى زائريها بعيونها الساحرة وظهرت الرسوم تتحرك وقد صعدتُ على سُلّم خشبى مربوط بالحبال إلى ارتفاع 19 مترا، بينما كنت أصعد كنت انتظر للسقف وقد تلألأت نجومه وكأنها تتحرك وفوق «السقالة الخشبية» توقفت على قمة السلم لألمس النجوم التى رسمها الفنان المصرى العبقرى لتكون شاهدة على عبقرية الفن المصرى ورحت أتأمل تيجان الأعمدة التى ظهرت وهى تبتسم، كنت أنظر إلى هذا الترميم المدهش الدقيق بأيدى خريجى كلية الآثار بقتا جامعة جنوب الوادى بنين وبنات تحت قيادة المايسترو د. غريب وأشعر بالفخر لامتداد الفن المصرى الجميل المبهر وكأن مرمم الآثار الحديث يقول للفنان المصرى القديم إننى امتداد لك فلم ينقطع نهر الإبداع والفنون والجمال. بدت حتحور فخورة بأحفادها وسعيدة بما رمموه فظهر جمال وجهها وبدت عظمة معبدها بعد ركام الزمن ودخان السنين وتبسمت حتحور وحدثتنى عن أهمية الترميم وضرورة أن يكون قسم ترميم الآثار موجودا فى كل جامعات مصر لإنقاذ آثارها الخالدة.

مختتم الكلام

قال البحترى وهو يتأمل رسومات إيوان كسرى:

يغْتلى فيهمُ ارْتابى حتَّى

تتقرّاهمْ يدايَ بِلَمْسِ

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غرب النيل مدينة قنا جمال الغيطانى

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: إطلاق «الكراكيب» العقلية‏‏

 كل شىء فى حياتنا هو قرض مؤقت من الطبيعة

 

على طريقة الحكايات والخرافات‏..‏ سمح الرجل الوقور لزوجته الشابة أن تفتح كل غرف البيت‏..‏ ما عدا غرفة واحدة‏..‏ يضع فيها تذكاراته الشخصية‏..‏ ما تبقى من أقلامه الرصاص التى استخدمها من أول يوم فى الحضانة إلى آخر يوم فى الجامعة‏..‏ الهدايا التى تلقاها فى أعياد ميلاده‏..‏ من لعبة السلم والثعبان إلى أسطوانات الموسيقى القديمة‏..‏ ومن قصص الأطفال إلى منفاخ الدراجة‏..‏ لكن‏..‏ أكثر ما لفت النظر‏..‏ كان مجموعة ماكينات وشفرات الحلاقة التى امتلكها منذ أن نبتت لحيته واخشن صوته وعرف طريقه إلى عتبة الرجولة‏.‏

 

وفى البداية شعرت الزوجة أن الرجل الناجح الذى تزوجته هو شخص عاطفى سيرتبط بها بجنون‏..‏ على الأقل كما يرتبط بأشيائه الصغيرة‏..‏ العتيقة‏..‏ ما جرى كان عكس ما توقعت‏..‏ فقد تبددت طاقة الزوج العاطفية فى تلك الكراكيب‏..‏ ولم يكن نصيب الزوجة من مشاعره أكثر من نصيب منفاخ الدراجة التى لم يعد يركبها‏..‏ أو نصيب أسطوانة مشروخة لم يعد يسمعها‏.‏

 

إن اقتناء الكثير من الكراكيب‏ يعكس فى كثير من الأحيان شعورا بالوحدة والخوف من الاحتياج للحب والألفة‏..‏ ويستهلك كل طاقة المشاعر العميقة التى نحتاجها للتعبير عما فى أعماقنا‏..‏ فلا يتبقى منها ما نمنحه لغيرنا‏..‏ ليكون كل ما بيننا جافا‏..‏ خشنا‏..‏ ولو سألت غالبية المطلقات عن سر الفشل فى حياتهن‏..‏ ستكون الإجابة‏:‏ إن ضرتها التى انتصرت عليها كانت كراكيب أدمنها زوجها ولم يستطع التخلص منها‏..‏ بل احتفظ بها على حساب زوجته‏.‏

 

والكراكيب حسب تعريف كارين كينج ستون فى كتابها عبودية الكراكيب‏ هى مجموعة الأشياء المسببة للفوضى والزحمة التى لا نستعملها وتستهلك مساحة كبيرة من حياتنا وطاقة أكبر من قوتنا الداخلية‏..‏ وفى الكتاب نفسه الذى ترجمته مروة هاشم ونشرته شرقيات‏‏ فإن الاحتفاظ بالكراكيب يعكس عيوبا نفسية لا نصارح بها أنفسنا‏..‏ فهى تفضح تمسكنا بالماضى‏..‏ وخوفنا من المستقبل‏..‏ فالكراكيب أشياء قديمة فقدت صلاحيتها‏..‏ كما أنها تفضح نوعا من الأنانية‏..‏ فهى أشياء لا نحتاجها ويمكن أن يحتاجها غيرنا‏..‏ وبرغم ذلك نتمسك بها‏..‏ كذلك فإنها تكشف إحساسا بعدم الأمان‏..‏ وحب التملك‏..‏ والبخل‏..‏ والبحث عن مكانة اجتماعية مفقودة بامتلاك الأشياء نفسها التى يمتلكها المعارف والأقارب‏.‏

 

انظر حولك ستجد كميات هائلة من الكراكيب المحبوسة فى بيتك ومكتبك وسيارتك‏ التى تحتاج إلى إطلاق سراحها وسراحك أنت أيضا‏..‏ فأنت فى الحقيقة لا تمتلك هذه الأشياء‏..‏ وإنما هى التى تمتلكك‏..!!‏ إن الحياة فى حالة تغير مستمر‏..‏ وعليك أن تستمتع بالأشياء التى تأتى بها‏..‏ استخدمها الاستخدام الأمثل‏..‏ وعندما يحين أجلها‏..‏ تخل عنها دون تردد‏..‏ حررها‏..‏ فأن تمتلك شيئا لا يعنى الاحتفاظ به إلى الأبد‏..‏ أنك لست سوى حارس مؤقت لأشياء كثيرة تمر بحياتك‏.‏

 

إن كل شىء تمتلكه هو طاقة مؤقتة‏..‏ ربما تعتقد أنك تمتلك بيتك أو سيارتك أو رصيدك فى البنك‏..‏ هذه خرافة شائعة‏..‏ والحقيقة أنك لا تمتلك حتى الجسد الذى تسكن فيه‏..‏ كل شىء فى حياتنا هو قرض مؤقت من الطبيعة‏..‏ عليها أن تسترده فى الوقت المناسب كى تقوم بتعديله وتشكيله من جديد فى أشكال مختلفة بدونك‏..‏ إن جسدك ليس سوى تمثال مؤقت تتجسد فيه روحك‏..‏ والجسد متغير‏..‏ والروح الذى تسكنه أيضا‏..‏ فلماذا تنمو أنت وتبقى الكراكيب من حولك على ما هى عليه تذكرك بمرحلة مختلفة تجاوزتها وابتعدت عنها؟‏.‏

 

وما لم تقله كارين ستون إن أخطر من كراكيب الأشياء‏..‏ كراكيب الأفكار‏..‏ إن عقولنا مخزن نحتفظ به بتصورات بالية وخاطئة للحياة‏..‏ ولا نريد أن نتخلص منها‏..‏ لا نريد أن نغسلها‏..‏ وتركنا العنكبوت يفرض خيوطه عليها‏..‏ والحشرات الزاحفة تسيطر عليها‏..‏ إن الخوف من النكد بعد الضحك فكرة خاطئة تفسد علينا بهجة اللحظة‏..‏ وتصور أن تجديد غرفة مكتب المسئول سيخرجه منها ويأتى بمسئول جديد ليحتلها‏..‏ يحطم رغبتنا فى التغيير‏..‏ والقول بأن الحليب فى ثدى الأم يجف فور دخول عاقر عليها‏‏ هو جرح لمشاعر امرأة لا ذنب لها‏..‏

 

والفتاوى الخاطئة فى الدين والجنس التى نتوارثها كما هى دون فحص ومراجعة يكرس أوضاعا اجتماعية ونفسية تضعنا فى قوالب من جبس لا نملك الشجاعة لكسرها‏.‏

 

حاول أن تقوم بعملية غسيل لمخك قبل أن يفعلها غيرك‏..‏ جرب أن تزيل بقع الزيت التى جمعت الغبار على عقلك‏..‏ ستحرر تفكيرك من طاقة محبوسة فى تلك البقع‏..‏ ستغير حياتك بسرعة مذهلة‏..‏ ستشعر بأنك شخص مناسب للوقت الذى تعيشه‏..‏ ستعود من ذلك الزمن السحيق البعيد الذى تحتفظ بكراكيبه‏..‏ ستسترد رشاقتك النفسية‏..‏ والذهنية‏..‏ ستشتعل بالحركة‏..‏ بالرغبة فى القفز إلى أعلى..‏ ستخرج من جلدك‏.‏

 

ولو نظرت حولك‏..‏ ستجد أشخاصا لا يختلفون عن الكراكيب‏..‏ يستهلكون مساحة كبيرة من حياتك‏..‏ ويضيعون وقتك‏..‏ ويهدرون طاقتك‏..‏ لا يضيفون لك معرفة‏..‏ ولا قيمة‏..‏ وفى وقت الشدة يتخلون عنك‏..‏ وربما تحتفظ بهم مثل الجرمافون القديم على أمل أن تستفيد منه ولو مرة‏..‏ أو على أمل إصلاحه‏..‏ أو طبقا لقاعدة شهيرة خاطئة‏..‏ قاعدة أن ما نعرفه أفضل مما لا نعرفه‏..‏ وأن ما نخسره أفضل مما نكسبه‏..‏ وأن المركب التى تذهب أفضل من المركب التى تأتى‏..‏ إنها الكراكيب السحيقة غير المرئية الأكثر خطورة من الأشياء القديمة‏‏ التى نضعها فى البيوت والمخازن‏.‏

 

إن المعانى هى قلب المبانى‏..‏ والوجه النفسى لها‏..‏ فالكراكيب فى مكتبك تسبب الخسارة المالية‏..‏ كما حدث لمحام ترك بعض المرايا المكسورة خلفه‏..‏ وقد أصابته الدهشة عندما فوجئ بعد التخلص منها بأيام قليلة بعملاء كبار يطرقون بابه‏..‏ والكراكيب فى غرفة نومك تدمر علاقاتك العاطفية والجنسية‏..‏ إن وجود دولاب الأحذية فى غرفة نومك يصرفك عما هو أمتع من إحصاء عدد الصنادل التى تمتلكها بل إن وجود التليفزيون فى غرفة النوم هو فى حد ذاته نوع من الكراكيب الموجودة فى المكان غير المناسب‏..‏ إن النصيحة الأولى فى مكاتب التوفيق بين الأزواج فى جميع أنحاء الدنيا‏..‏ هى انقلوا التليفزيون بعيدا عن غرفة النوم حتى لا يكون عازلا وعزولا‏.‏

 

وربما ستصاب بالدهشة لو قست المساحة التى تحتلها الكراكيب فى بيتك‏..‏ ستجد أنها فى كل مكان تقريبا‏..‏ فى البدروم‏..‏ والسطح‏..‏ ودرج مكتبك‏..‏ وعلى موائد السفرة والمطبخ وحجرات الصالون‏..‏ ووراء الأبواب والممرات‏..‏ والمطبخ والحمام‏..‏ وحجرات الجلوس والمعيشة‏..‏ وتحت الأسرة‏..‏ وفوق الدواليب‏..‏ وداخل خزانة الملابس‏..‏ والسيارات‏..‏ وأكثر من ذلك هناك حجرات خاصة للكراكيب‏..‏ وهناك كراكيب محمولة‏..‏ كراكيب الحقائب التى نحملها معنا فى كل مكان‏.‏

 

وأخطر أنواع الكراكيب‏..‏ كراكيب المجموعات‏..‏ إن هناك امرأة فى جنوب أيرلندا تحتفظ بأكثر من ألفى قطعة زينة على شكل ضفدعة‏..‏ وفى لندن حصل طفل على خنزير من البلاستيك وسرعان ما أعجب به فراح يقلده ويرسمه على كل مكان حتى هرب أصدقاؤه منه‏..‏ ونجحت سيدة فى التوصل إلى أكثر من مائة شكل للبط‏..‏ لقد كانت تعانى من الوحدة‏..‏ ولم تتزوج أبدا‏..‏ وكانت النصيحة أن تتخلص من صور وأشكال البط الكثيرة الموجودة فى بيتها‏..‏ وسرعان ما وجدت الرجل المناسب‏.‏

 

لا تكن مجنونا بجمع الأشياء دون أن تدرك السبب‏..‏ فتش عن سر رغبتك الشديدة فى جمع شكل حيوان معين‏..‏ فربما كنت تبحث عن صفة ما تعجبك فى هذا الحيوان‏..‏ جرأة الأسد‏..‏ شهامة الفيل‏..‏ وفاء الكلب‏..‏ براءة الزرافة‏..‏ مثلا‏..‏ قد يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تكتشف ذلك وتصبح قادرا على التخلى عن هذه الرغبة‏.‏

 

وأصعب أنواع الكراكيب‏..‏ التذكارات العاطفية‏..‏ كروت الزفاف وأعياد الميلاد ورأس السنة‏..‏ كذلك المذكرات الشخصية‏..‏ والخطابات الغرامية‏..‏ ورسومات أطفالنا الذين كبروا وتزوجوا وأنجبوا الآن‏..‏ لايمكن أن تمزق أو تحرق أو تكنس هذه التذكارات‏..‏ لكن‏..‏ عليك فقط أن تحتفظ بأفضلها‏..‏

 

أما الصور‏..‏ فالنصيحة المناسبة هى أن لا تحتفظ إلا بصور المناسبات السعيدة‏..‏ تخلص من صور المناسبات العصيبة‏..‏ إن ذلك سيوجد مساحة لشىء جديد وأفضل فى حياتك‏.‏

 

لكن‏..‏ رغم ذلك‏..‏ كله لا بد أن أعترف بأن باب النجار مخلع‏..‏ فأنا مستعد أن أتخلص من كل الكراكيب المادية والذهنية والبشرية والعقلية‏..‏ لكننى‏..‏ لا أستطيع أن أفعل ذلك مع الكتب‏..‏ وهى ليست مشكلتى وحدي‏..‏ وإنما مشكلة من يطلق عليهم أصحاب العقول المتفتحة‏..‏ فكيف يعالجون مشكلتهم؟‏..‏ الإجابة تستحق الانتظار‏.‏

مقالات مشابهة

  • «الشباب والرياضة»: إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية
  • نجيب محفوظ.. ذلك المقاوم الأكبر
  • منزل الفلاح المصرى القديم.. قطعة أثرية متميزة بمتحف كوم أوشيم
  • جرائمهم تفضحهم رغم حبكتها
  • قانون موحد للآثار والتراث أبرز توصيات مؤتمر "الهوية والتراث في عالم متغير"
  • في ظاهرة فلكية نادرة.. الشمس تتعامد غدا على قدس أقداس معبد هيبيس بالوادي الجديد
  • د.حماد عبدالله يكتب: عقل الدولة المصرية مع الموظف المصرى !!
  • إثيوبيا تفقد توازنها سريعًا
  • بيت العنكبوت
  • عادل حمودة يكتب: إطلاق «الكراكيب» العقلية‏‏