نباتات كريهة ترفضها التربة العُمانية
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
ليس من اليسير علينا تصديق ما حدث، فالنفس السوية ترفضُ قتل العُزل وإيقاع الضرر بهم، لاسيما وهم يُمارسون طقوس عباداتهم المعتادة، فأكثر الصور بشاعة في عالمنا العربي أن يُقتل باسم الله، من يعكفون على ذكر الله في خشوع صلواتهم، إذ يتجلى التناقض في أكثر انعكاساته قتامة، عندما يتملك التطرف أحدهم فيجعله يرى الشر متجسدا في الآخر لدرجة أنّه يرغب في فنائه!
لكن ورغم فداحة حادثة «الوادي الكبير» وقسوتها وما أججته فينا من مخاوف من شيء طارئ على نسيج المجتمع العُماني، ومن إثمٍ غير مفهوم حتى اللحظة، وغير مُدرك على الوجه الأمثل، فإنّ هذه الحادثة ينبغي أن تُرى أيضا في السياق العربي المُلتهب بالأحداث المُتسارعة، أن تُرى ضمن سيناريوهات الغلو المتفاقمة التي تحرض وتدين باسم الدين، الذي يتم استغلاله لتمرير ما يشاؤون من مقاصد أخرى، لا أن تُرى مجتزأة من هذا الكل.
فلا أحد يحتكر التطرف كما أنّ أحدهم أيضا لا يمكن أن يحتكر النزعة الإنسانية كما قال أمين معلوف، ولذا علينا أن نتسامح ولو قليلا مع فكرة أننا لسنا مجتمعا أفلاطونيا مثاليا من جهة، ومن جهة أخرى علينا أن نرفض أيضا الصورة المشوهة التي يُراد الزج بنا إليها، فموقف عُمان الجاد والرصين من القضايا العربية يجعلها عرضة لمحاولات تشويه مستمرة من هذا النوع.
من الصعب التحدث الآن قبل أن تظهر ملابسات الموضوع بجلاء، إلا أنّ الناظر في دروس التاريخ يُبصر أنّ العنف وإن تجلى في صور عدّة، فأغلبها تدور في مطاحن الفتن القبلية، وقلّما تجسد الأمر بالمعنى الطائفي المتعنت.
ولعلنا نجد في حكمة نيتشه مخرجا من هذا النفق المظلم الذي نعبر فيه الآن وذلك عندما قال: «من يُنازع وحوشا يجب أن ينتبه جيدا ألا يتحوّل إلى وحش، فحين تطيل النظر إلى الهاوية، تنظر الهاوية أيضا إليك وتنفذ فيك». ولذا وفي ظرف بالغ الحساسية كهذا، ينبغي ألا نسمح لأحد أن يُفتت الجذر الذي يربطنا جميعا في عُمان على اختلاف مذاهبنا، باعتباره الأقوى والأكثر أصالة ورسوخا.
لكن كل هذا الالتفاف والتضامن لا يمنع بالتأكيد وفي مرحلة لاحقة أهمية مراجعة الأسباب التي أودت بثلاثة إخوة لرغبة من هذا النوع، أن نبحث في الثقوب التي تسرب منها الوهم، والمخيلة التي غذته، والأيدي والألسن التي انغمست فيه، إذ إنّ الحادثة لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض والتناقض!
فلتبقى الحرية مُصانة في حيزها الآمن، «فالحرية تجعل الإنسان جديرا بإنسانيّته» كما يقول نجيب محفوظ، ولننظر للشباب وتطلعاتهم ورؤاهم بمنظور منفتح. كل هذا جوار صمامات الأمان الأولى التي يحرسها البيت والمدرسة والمسجد.
وبعين فاحصة ينبغي التأكد من مصدر الأفكار الضالة، كيف نبتت وتبرعمت وتقوت في أرض ترفضها كما قال من قبل السلطان قابوس -طيب الله ثراه-: «نباتات كريهة سامّة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبتُ إلا طيبا ولا تقبل أبدا أن تُلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من هذا
إقرأ أيضاً:
ترامب يهدد بالسيطرة على قناة بنما .. لا ينبغي أن تديرها الصين
هدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بالسيطرة على قناة بنما المائية، على خلفية فرض ضرائب باهظة على حركة المرور، محذرا من سيطرة الصين.
واتهم ترامب بنما السبت، بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام قناة بنما، وقال إنه إذا لم تدير بنما القناة بطريقة مقبولة فسوف يطالب البلد الحليف للولايات المتحدة بتسليمها.
وفي منشور مسائي على موقعه للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، حذر ترامب أيضا من أنه لن يسمح للقناة بالوقوع في "الأيدي الخطأ"، وبدا وكأنه يحذر من التأثير الصيني المحتمل على الممر المائي، وكتب أن القناة لا ينبغي أن تديرها الصين.
ويعد هذا المنشور مثالا نادرا للغاية لرئيس أمريكي يقول إنه يستطيع الضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراض، كما يؤكد على التحول المتوقع في الدبلوماسية الأمريكية في عهد ترامب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء.
وتولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن، لكن الحكومة الأمريكية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة.
وكتب ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال" أن "الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خاصة بالنظر إلى الكرم الاستثنائي الذي قدمته الولايات المتحدة لها".
وأضاف "لم يتم منحها (السيطرة) من أجل مصلحة الآخرين، بل كرمز للتعاون معنا ومع بنما. وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، ودون أدنى شك".