حينما شرعت فى كتابة هذا المقال حول أشهر السرقات الأدبية فى عالمنا العربى، التى طالت العديد من الكتاب والشعراء الكبار الذين يتقدمون الصفوف فى المشهد الإبداعى العربى، تذكرت بعد إعادة المقدمة عدة مرات لكى أقدم دراسات وشروحات لكبار النقاد توضح الخيوط الرفيعة التى تفصل بين مصطلحات التناص والاقتباس والسرقة الفكرية، تذكرت عبارة إنسانية شديدة الرحمة للممثل العالمى عمر الشريف ربما تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن موضوعنا لكن المتأمل لتلك العبارة سيجد أنها تلامس إلى حد كبير ذائقة القارئ ودرجة متعته فيما يقرأ ويتأثر، حيث يقول الممثل العالمى عمر الشريف فى أحد حواراته التليفزيونية الأخيرة وقبل إصابته بمرض النسيان أو ألزهايمر وهنا أنقل ما قاله بتصريف منى لا يخل بمراده: أشعر بالوحدة الشديدة.
هنا ينتهى حديث الممثل العالمى عمر الشريف الذى شعر فى نهاية رحلة العالمية والشهرة والمجد بالندم على تركه أشياءه البسيطة من بيت وزوجة وولد صغير كان من الممكن لو رفض العالمية بحسب كلامه أيضًا وفى نفس الحوار التليفزيونى أن يكون عنده دستة أطفال يقوم بتربيتهم فى راحة بال وسعادة أبوية.
بالنسبة لى أجدنى كقارئ مثل الممثل العالمى الكبير عمر الشريف، فما الذى يعنينى إذا كان الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس قد سطا فى روايته «لا أنام» على رواية الكاتبة الفرنسية الشهيرة «فرانسوا ساجان» (1935- 2004 ) المعنونة «صباح الخير أيها الحُزن» التى صدرت فى طبعتها الأولى مارس 1954، ثم كانت أول ترجمة إلى اللغة الإنجليزيّة فى عام 1955، ليصدر الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس بعد عام واحد فقط أى عام 1956 روايته ( لا أنام )، فهل كان إحسان عبدالقدوس يُجيد الفرنسية؟
التيمة العامة فى الروايتين هى تعلق الابنة بحُب أبيها الأرمل فى رواية (ساجان)، والمطلق فى رواية إحسان، حتى إنه يقرر الزواج بعد حياة بوهيمية طويلة، فتكيد الابنة لهذه الزوجة، وتعمل على انفصال أبيها عن زوجته.
أنا كقارئ عربى استمتعت بالقطع برواية إحسان عبدالقدوس، فقطاع كبير من قراء العربية لا يجيد وأنا من بينهم اللغة الفرنسية التى كتبت بها رواية الكاتبة الفرنسية الشهيرة «فرانسوا ساجان». وربما لو لم يتأثر بها إحسان عبدالقدوس لو أخذنا فرضية أنه قرأها بلغتها الأم الفرنسية أو مترجمة بالانجليزية أقول ربما لن نقرأ هذا المزيج العبقرى من الشر والخير المتجسد فى بطلة هذه الرواية بتعقيداته النفسية.
هنا أنا لا أبرر سرقة الأفكار والموضوع للمبدع العربى ولكننى كقارئ أكثر رحمة وتفهمًا من النقاد.. فكلما زادت متعتى للعمل وأنه مثل لى إضافة للوعى والتاريخ، كانت مبرراتى العديدة لإنقاذ هذا الروائى من التهمة الموجهة إليه سواء كانت هذه التهمة سرقة صريحة للنص بأكمله أو اقتباس صفحات منه كاملة.
أستدعى هنا صفحة 128 فى كتاب الناقد الجزائرى عبدالملك مرتاض المعنون (فى نظريّة الرّواية) حيث يقول كناقد عدل: إحسان وساجان كاتبان برجوازيان، فمن المنطقى أن نجد العالمين الروائيين مُتشابهين؛ هذا المبرر المنطقى من الناقد عبدالملك مرتاض مازال يكفينى كلما أعدت قراءة رواية (لا أنام ) لإحسان عبدالقدوس.
وتتناول دراسة بعنوان «السرقات الأدبية ونظرية التناص بين الاتصال والانفصال» للباحث فؤاد حملاوى، الكشف عن أولى السرقات الأدبية، التى يرى العديد من الباحثين أنها ظهرت مع الشاعر العربى أبو تمام، ويميل إلى ذلك الدكتور محمد مندور، استنادا لأمرين: أولا: قيام خصومة عنيفة حول أبى تمام، والثابت أن مسألة السرقات قد اتخذت سلاحا قويا للتجريح حتى ألفت كتب عدة لإخراج سرقات أبى تمام، وثانيا إن مؤيدى أبى تمام، وأصحابه عندما قالوا إن شاعرهم قد اخترع مذهبا جديدا وأصبح إمامًا فيه، لم يجد خصوم هذا المذهب سبيلا إلى رد ذلك الادعاء، خيرا من أن يبحثوا للشاعر عن سرقاته ليدلوا على أنه لم يجدد شيئا وإنما أخذ من السابقين وأفرط وبالغ.
تكرر نفس الحدث ولكن بشخوص مختلفة فى الزمان والمكان، فقد ذكر الدكتور عبدالله خضر حمد فى كتابه «المذاهب الأدبية: دراسة وتحليل» أنه فى عام 1916 انفصل الناقد عبدالرحمن شكرى عن زميليه الكاتب الكبير عباس العقاد والشاعر إبراهيم المازنى بعد أن استفحلت الوشايات بينهم، وثارت إثر ذلك الخصومة، فأخذ شكرى يعيب على المازنى انتحاله لبعض الأشعار الإنجليزية بعامة، ومما دون فى «الكنز الذهبى» بخاصة، وكتب فى مقدمة الجزء الخامس من ديوانه يندد بهذه السرقات الشعرية وتبادلا النقد على صفحات جريدة النظام، وكتب شكرى يهاجم المازنى والعقاد، لأن الأخير انتصر لصديقه المازنى.
لا أحد يستطيع أن ينكر اللغة شديدة الخصوصية التى تتمتع بها كتابات الروائى جمال الغيطانى (1945 – 2015) لذلك فأنا كقارئ صدقته حينما أشار الكاتب عصام زكريا فى تحقيقه الصحفى إلى تأثره بأدب ابن إياس، خصوصًا فى روايته «الزينى بركات» أحد أهم أعماله العالقة فى ذهن القارئ العربي،
حيث رد الغيطانى على تلك التهم بأنه قرأ المؤرخ المصرى «ابن إياس» وتأثر به لدرجة حفظه عن ظهر قلب واستظهره فى أعماله من دون وعى.
أخيرًا هى دعوة للقارئ لكى يغض الطرف عن تلك الاتهامات التى توجه لكتابه المفضلين ويستمتع بما يقدمونه له من أعمال روائية وشعرية، وليترك مهمة اتهامهم لساحات النقاد الممتلئة بالمبدعين القدماء والمحدثين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكتاب والشعراء إحسان عبدالقدوس عمر الشریف
إقرأ أيضاً:
تاريخ مصر بين الأمل والحب في رواية "بوابة الدنيا" لوسام سمير
ضمن أبرز الإصدارات في الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، سجل الكاتب وسام سمير حضوره بروايته الأولى "بوابة الدنيا"، التي صنعت إضافة جديدة بعوالمها المصرية التاريخية.
الرواية تنقل القارئ إلى القاهرة الفاطمية في فترة تاريخية حساسة بين عامي 1069 و1073 ميلادي، حيث تبرز في أحداثها التوترات السياسية والاجتماعية التي عانت منها البلاد تحت حكم الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.
"بوابة الدنيا" تنسج ملحمة إنسانية تجمع بين الأمل والحب في أوقات الفوضى والجوع.
تروي الرواية قصة حب بين الشاب "مصري" وعشق طفولته "حبيبة"، الذين وجدا في بعضهما القوة لمواجهة جفاف النيل واندلاع الحروب الداخلية والخارجية.
الحب في هذه الرواية يتجاوز العواطف ليكون قوة محركة للأحداث وصراع ضد الموت والخراب، في محاولة للعثور على بصيص من الأمل وسط الظلام.
من خلال هذا العمل، يُثبت وسام سمير موهبته في السرد الروائي، بعد تميزه في مقالاته الفلسفية والتاريخية، التي نشرت في عدد من الصحف والمواقع.
كما أن وسام سمير يعتبر من أبرز الكتاب الذين تميزوا في مجال كتابة الأفلام الوثائقية، حيث قدم مجموعة من الأعمال التي لاقت صدى واسعًا، مثل فيلم "عرش في مصر" وفيلم "الطريق إلى 30 يونيو".
ويشغل وسام سمير حاليًا منصب مدير إدارة الإنتاج الفني بقناة نادي الزمالك.
وشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب إقبالاً على حضور توقيع "بوابة الدنيا"، وشهدت مناقشة العمل الحديث عن الواقع المصري المضئ في أزمنة تاريخية غامضة.
يذكر أن معرض القاهرة يُقام في مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس من 23 يناير إلى 5 فبراير 2025.
شارك في الدورة الـ56 للمعرض أكثر من 1300 دار نشر من 80 دولة.