السومرية نيوز – دولي
اكتشف علماء آثار بحرينيون وبريطانيون في منطقة سماهيج بمدينة المحرّق في البحرين ما يعتقد أنه أحد أقدم المباني المسيحية في منطقة الخليج العربي، مما يشكل أول دليل مادي على وجود هذا المجتمع الذي طوته قرون من الزمان. وعلى الرغم من أن الديانة المسيحية وثقافتها لا ترتبط بشكل رئيسي بدول الخليج، إلا أن كنيسة المشرق، المعروفة أيضا بالكنيسة النسطورية، ازدهرت في هذه المنطقة لقرون حتى القرن السابع الميلادي بالتزامن مع بداية التحول الجماعي للمجتمعات في المنطقة إلى الدين الإسلامي عام 610م.

  ووفق وكالة أنباء البحرين، فقد أكد تحليل الكربون المشع الذي أجراه علماء الآثار العاملون في موقع سماهيج الأثري أن المبنى كان مأهولاً ما بين منتصف القرن الرابع وحتى منتصف القرن الثامن الميلادي، ويبدو أنه تم تركه من بعد ذلك مع انتشار الإسلام بين السكان المحليين.   جهود التنقيب   وتعود حكاية التنقيب في هذا الموقع إلى عام 2019، حيث انطلق المشروع بجهد مشترك ما بين فريق هيئة البحرين للثقافة والآثار وفريق بريطاني بقيادة البروفيسور تيموثي إنسول من معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة، وسلمان المحاري من هيئة البحرين للثقافة والآثار وتم الوصول إلى هذه النتائج الهامة عام 2023م.   وقد بدأت جهود التنقيب في تلّ بمقبرة سماهيج، حيث اكتشف العلماء تحت التل بقايا مسجد، ومع متابعة الحفر، تم اكتشاف مبنى كبير يحتوي على ثماني غرف، بما في ذلك مطبخ، وغرفة طعام، وما يبدو أنه غرفة للعمل، وثلاث غرف معيشة.   ويعتقد أن بناء المسجد كان ساهم في حفظ وصمود المبنى وبقائه حتى اليوم.   وتشير المكتشفات إلى أن المبنى ربما كان قصر أسقف الأبرشية (مكان سكنه الرئيسي)، حيث كانت سماهيج جزءاً منها، كما تشير المصادر التاريخية إلى هذه المنطقة باسم (ميشماهيج) أو (ماشمهيج) وهو ما يبدو تحريفاً لكلمة "سماهيج".   وتبين السجلات التاريخية إلى وجود صلة بين هذه المنطقة والسلطات الكنسية المركزية، حيث تم فصل أحد الأساقفة في عام 410م وتم إدانة أسقف آخر بتحدي وحدة الكنسية في منتصف القرن السابع.   مبنى وسط السكان   ويتميز هذا الاكتشاف بوجود المبنى في سماهيج في قلب بلدة حديثة مكتظة بالسكان، على عكس معظم الاكتشافات السابقة للمباني المسيحية التي كانت تقتصر على عدد قليل من الكنائس والأديرة والمساكن المنتشرة في أنحاء المنطقة وعادة ما كانت مواقعها نائية على ضفتي الخليج العربي.   ومن أبرز المكتشفات مجموعة من الرموز المسيحية المبكرة التي تدل على هوية السكان المسيحية، وتشمل ثلاثة صلبان مصنوعة من الجبس، اثنان منها كانا يزينان المبنى من الخارج، وواحد قد يكون تم الاحتفاظ به كتذكار شخصي لأحد السكّان، إضافة إلى رسومات جدارية محفورة في الجبس تتضمن رمز السمكة وجزءاً مما يبدو أنه رمز "كاي رو" (وهو رمز مكون من حروف تشير إلى كلمة المسيح).   أهمية الموقع   وقال المحاري إن "فريق التنقيب وصل إلى المرحلة الأخيرة من العمل في موقع سماهيج الأثري"، مؤكدا "على أهمية الموقع بالنسبة لتاريخ البحرين وذلك بفضل ما عُثر عليه من بقايا أثرية زوّدت الباحثين بمعلومات عن فترة مهمة من تاريخ البحرين وهي فترة الوجود المسيحي".   وأوضح أن "نتائج الدراسة الأولى في بداية المشروع قدمت دلائل على أن الموقع يعود للفترة من القرن السادس إلى الثامن الميلادي، إلا أن الدراسة الأخيرة باستخدام التأريخ بالكربون المشع 14 أثبتت أن هذا المبنى يعود لفترة أقدم، وهي القرن الرابع الميلادي، أي أن عمره يعود إلى حوالي 1600 عام".   وبذلك يكون واحدا من أقدم المباني المسيحية في منطقة الخليج العربي، موضحاً أنه في الفترة الأخيرة تم العثور على دليل واضح للصليب الشرقي على لوح جصي.   تفاصيل الموقع   كما كشفت أعمال التنقيب في الموقع عن العديد من التفاصيل حول المبنى وحياة القاطنين في ذلك الوقت. فقد تم تشييده بشكل جيد للغاية بجدران حجرية مغلفة بالجبس وأرضيات جبسية مع مقابس وثقوب تشير إلى أماكن تثبيت الأبواب والمقاعد داخلياً.   كما احتوى المطبخ على مواقد مصنوعة مع قواعد وأماكن للتخزين والحفظ.   وتشير المكتشفات في داخل المبنى إلى أن سكّانه تمتعوا بمستوى معيشة جيد، فقد تناولوا أصنافا من اللحوم والأسماء والمحار ومحاصيل متنوعة ما زال يجري تحليلها.   كما أن اكتشاف حبات من حجر العقيق شبه الكريم وعدد كبير من القطع المكسورة من الفخار ذي الأصل الهندي، يشير إلى أن قاطني المبنى عملوا في التجارة، وخصوصا مع الهند.   وعثر في المبنى على كؤوس زجاجية صغيرة للشرب، و12 قطعة نقدية نحاسية تشير إلى أن السكان استخدموا عملات من الإمبراطورية الساسانية.   ومن بين ما تم العثور عليه أيضا، أدوات للغزل وإبر نحاسية، مما يوحي بإمكانية أنه قد تمت صناعة الأقمشة في المكان لأغراض العبادة.   وقد شدد البروفيسور تيم إنسول على أهمية الاكتشافات الأثرية الأخيرة، قائلا: "نؤكد على الأهمية التاريخية والأثرية لهذا الموقع والحاجة الماسة للحفاظ عليه وصونه".   وأضاف: "من المثير للاهتمام أن نجد جزءًا من وجه مرسوم على صدفة لؤلؤ باستخدام مادة القار، ربما كان ذلك لرجل عاش في المبنى. يعد هذا الاكتشاف أول دليل مادي على الكنيسة النسطورية في البحرين، مما يوفر لنا رؤية قيمة حول كيفية عيش الناس وعملهم وعبادتهم في تلك الحقبة الزمنية".

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإسماعيلية نشأتها وطوائفها وأماكن انتشارها

الإسماعيلية هي الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية والأكثر انتشارا بعدها، إذ تنتشر في أكثر من 35 دولة، ويُقدّر أتباعها بحوالي 12 مليونا، يتركز معظمهم في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وإيران والصين، وشرق أفريقيا (كينيا وزنجبار) وسوريا واليمن، ولهم وجود في أوروبا والقارة الأميركية.

مرّت الإسماعيلية على مدى تاريخها بأحداث وتحولات كبرى أثّرت في مسارها الفكري وبنيتها الاجتماعية وعملها الأيديولوجي والسياسي، فظهرت منها تفرعات كثيرة.

ويتفق الإسماعيليون مع الشيعة الاثني عشرية في معتقد الإمامة (والوصية وصفات الأئمة) لكنهم يختلفون معهم في تسمية الأئمة بعد الإمام السادس، ويخالفون السنة والشيعة في اعتقادهم أن القرآن يحتمل "تأويلا باطنيا غير معناه الظاهري"، ولهذا يطلق عليهم "الباطنية".

التسمية

وسميت الطائفة بالإسماعيلية لأنها قالت بإمامة إسماعيل، الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق، فنسبت إليه.

ويذكر الشهرستاني أن "أشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا. ولهم ألقاب كثيرة -سوى هذه- على لسان قوم: فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية، وبخراسان التعليمية والملحدة، وهم يقولون: نحن إسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم".

نشأة الإسماعيلية

ولدت الإسماعيلية من رحم حركة التشيع الإمامي عام 765 ميلادية (148 هـ) بعد وفاة جعفر الصادق الإمام السادس للشيعة.

واتفقت الإسماعيلية والشيعة الاثنا عشرية على تسلسل الأئمة حتى الصادق، ثم اختلفتا في من له الأحقية بخلافته من أبنائه، فقال الاثنا عشرية بإمامة موسى الكاظم، بينما قال الإسماعيلية بإمامة إسماعيل.

إعلان

ويذكر الاثنا عشرية روايتين لسبب تحويل الإمامة إلى موسى الكاظم:

الأولى: أن الإمام السادس حوّل الإمامة من ابنه إسماعيل إلى موسى بعد أن رأى أن ابنه البكر لا يصلح ليخلفه لسلوكه غير الأخلاقي، منها إدمانه للخمر وولعه بالنساء، أو لتأثره ببعض المذاهب المنحرفة والمتطرفة ومنها الخطابية. الثانية: أن إسماعيل توفي في حياة أبيه، فنقل الأب الإمامة إلى ابنه الآخر موسى. وينفي الإسماعيلية ذلك قائلين إن إسماعيل لم يمت، وإنما أشاع أبوه موته ووثقه كتابة، "تقية وخوفا على ابنه من العباسيين الذين كانوا يلاحقون آل البيت". تاريخ طوائف الإسماعيلية

يذكر الدكتور سعد رستم في كتابه "الفرق والمذاهب" أن الإسماعيلية ليست فرقة واحدة، وشهدت منذ نشأتها انشقاقات متتابعة أخرجت طوائف وجماعات عدة، بعضها انفصل عنها تماما، ومنها من بقي على الأسس العقدية الإسماعيلية مع اختلافات.

القرامطة

وتفرّعت الإسماعيلية إلى فرق عدة عبر التاريخ والجغرافيا، من أبرزها الإسماعيلية في اليمن، التي تنتسب إلى الحسن بن حوشب (ت 302هـ)، إضافة إلى القرامطة في البحرين الذين يعودون إلى حمدان قرمط.

ظلّ الأئمة الإسماعيليون "متسترين" قرونا ولا يتواصلون مع أتباعهم إلا عبر "الدعاة"، حتى أعلن عبيد الله المهدي نفسه إماما عام 899 ميلادية، وأمر بنشر دعوته علنا. لكن إسماعيليي العراق والبحرين وخراسان رفضوا الاعتراف به، بقيادة حمدان قرمط، وأسسوا دولتهم في البحرين عام 899 ميلادية، وعرفوا لاحقا بالقرامطة.

عرف القرامطة بآرائهم الدينية الخاصة، منها تحليلهم الخمر، وتغييرهم القبلة إلى بيت المقدس، وإنكارهم بعض الفرائض الإسلامية. واشتهروا بسرقتهم الحجر الأسود عندما هاجموا المسجد الحرام عام 930 ميلادية، وقتلوا الحجاج. واستمرت حركتهم حتى سقطت نهائيا عام 1073 ميلادية على يد العباسيين وحلفائهم.

إعلان من الإسماعيلية المستعلية إلى البهرة

وبرزت الدولة الفاطمية (العبيديون) في المغرب، نسبة إلى عبيد الله المهدي (ت 298هـ)، والإسماعيلية المستعلية التي ارتبطت بالخليفة المستعلي في مصر (ت 495هـ)، ويُطلق عليها أيضا "الغربية" وفقا للمؤرخ كامل حسين، وانشق المستعلية إلى حافظية وطيبية بعد اغتيال منصور الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله عام 1130م، فاخلتفوا على تحديد خليفته.

واعتقد الطيبية أن الطيب أبا القاسم بن منصور هو الإمام الشرعي، وأعلنوا الولاء له، أما الحافظية فبايعوا الحافظ لدين الله، ابن عم الآمر، باعتباره الإمام.

آمن الطيبيون بغيبة الإمام الطيب أبي القاسم (اختفاؤه عن العامة)، معتبرين أنه الإمام الـ21 والأخير، وخضعت الجماعة المستعلية لقيادة سلسلة من الدعاة المقيمين في اليمن، ثم تحولوا إلى الهند في العام 1539م واشتهروا هناك باسم "البُهرة"، وعُرفوا بأنهم جماعة تجارية ذات أصول هندية هندوسية تحولت إلى الإسماعيلية.

الزعيم الروحي للبهرة الداودية في الهند مفضل سيف الدين وسط أتباعه في مدينة الكويت عام 2022 (الفرنسية)

حافظ البهرة على ثقافة ذات نزعة طقوسية تقليدية، وعلى تماسكهم لكونهم جماعة اتصفت بالفكر التحديثي. وشهد البهرة حالة من الصعود في القرن الـ19 بفضل الحماية البريطانية لهم، وانتقل مقر قيادتهم إلى مومباي، واندمجوا بعد الاستقلال مع المسلمين الهنود، وآثروا البقاء في الهند على الهجرة إلى باكستان.

ومع مرور الزمن، انقسم البهرة إلى 3 فرق رئيسية بسبب الخلاف حول هوية "الداعي المطلق"، وهي: البهرة الداودية (ظهرت في الهند واليمن والخليج وشرق أفريقيا) والبهرة السليمانية (اليمن والسعودية) والبهرة العلوية (الهند).

اتبعت طائفة البهرة السليمانيين أو المكارمة خطا مختلفا من الدعاة بدءا من الداعية الـ27 في سلسلة دعاتهم عام 1597م، أما البهرة العلويون فاتبعوا خطا مستقلا من الدعاة بدءا بالداعية الـ29 عام 1631م، ومقر قيادتهم الرئيسي في مدينة فادودارا الهندية.

إعلان من الحشاشين إلى الآغاخانية

وفي اليمن، ظهرت الفرقة الصليحية نسبة إلى علي بن محمد الصليحي (ت 459هـ)، أما في إيران، فبرزت الإسماعيلية النزارية -فرعا عن الإسماعيلية في الدولة الفاطمية- وعرفت بـ"الحشاشين"، ومنها انحدرت لاحقا الإسماعيلية الأغاخانية التي انتشرت في فارس وأماكن أخرى.

وظهرت جماعة الحشاشين عقب انشقاق مؤسسها حسن الصباح عن الفاطميين لما تولى الخلافة أحمد الملقب بالمستعلي بالله، ودعا إلى خلافة نزار بن معد علي العبيدي، الذي أوصى الخليفة المستنصر بالله الفاطمي بتوليته من بعده، وأعلن قيام "الدولة النزارية الشرقية بالشام وفارس وبلاد الشرق".

وكانت الجماعة تتحصن بالقلاع وتنتهج الاغتيال وسيلة للقضاء على خصومها، وسببت رعبا للفاطميين بالقاهرة والعباسيين في بغداد والسلاجقة في إيران إضافة إلى الصليبيين.

وقد كانت نهاية "الحشاشين" على يد المغول، وكان حينها حكم الدين خورشاه زعيم الطائفة، وأعلن استسلامه لهولاكو الذي كان يتوسع في المنطقة، وسلمه عددا من القلاع، لكن المغول غدروا به وقتلوه على حين غرة، فتشتت أتباعه، وانتشروا في إيران وسوريا ولبنان واليمن ونجران والهند.

وظهر إمام الآغاخانية حسن علي شاه حاكم إقليم كرمان في إيران وحمل لقب "الأغا خان الأول"، وحاول إشعال ثورة ضد الشاه القاجاري لكنه فشل، فهرب إلى الهند، وهناك اعترف به الإنجليز إماما للطائفة، فعُرف بمؤسس "الأسرة الآغاخانية"، والإمام الـ46 في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في نظر الطائفة الآغاخانية.

كما أشار الباحث سعد رستم إلى وجود فرقة تُعرف بـ"الخلفية"، التي تنسب إلى خلف بن أحمد القاشاني في فارس أيضا.

وانبثقت عقائد طوائف أخرى من الإسماعيلية منها العقيدة الدرزية التي تطورت في الأصل من الإسماعيلية، لكن الدروز لا يعرفون أنفسهم كمسلمين، ويدعي بعضهم ذلك لأسباب سياسية بحتة، كشكل من أشكال التقية، حفاظا على دينهم وسلامتهم، وتجنبا لأي خلاف مع المسلمين.

إعلان أماكن انتشارهم سوريا

قاد أئمة الإسماعيليين سرا من منطقة السلمية بمحافظة حماة في القرن التاسع أنشطة الأتباع في المناطق الأخرى، وحتى مع وصول الفاطميين للحكم في مصر ظلّت سوريا مركز نشاط مهما لهم، حتى استلام السلاجقة الحكم واضطراب سوريا وتقسيمها سياسيا.

انتقل السلاجقة حينئذ إلى حلب، ومن ثم أجبروا على الخروج منها إلى دمشق، قبل أن يُجبروا على الخروج منها كذلك، مما اضطرهم إلى تأمين حياتهم في شبكة من المعاقل الآمنة والقلاع في مثلث ريف حمص وريف حماة والساحل، وأصبحت القدموس ومصياف مراكزهم المهمة في تلك الفترة.

ساد بعض التوتر بين الأيوبيين والإسماعيليين، لكنه انتهى بصلح بين صلاح الدين الأيوبي وسنان بن سلمان. وبعد هجمات المغول على إيران وبعدها على سوريا التجأ الإسماعيليون للظاهر بيبرس، الذي أصبحوا مخلصين له، ومن بعده للدولة العثمانية وحتى اليوم.

ويمتاز الإسماعيليون بنشاط فكري وعلمي مميز، امتدادا لاهتمام الفاطميين بالمكتبات والجامعات، كما يملكون قدرة إدارية عالية لمناطق نفوذهم التي يسيطرون عليها عبر القلاع الموجودة في الجبال، والتي يصل عددها في سوريا إلى 60 قلعة تقريبا.

ويقول ديك دوز أستاذ اللغة والثقافة العربية في جامعة نيجميجن في هولندا إن حياة الإسماعيليين السوريين في التاريخ الحديث تغيرت بهجرتهم من الجبال المطلة على شرق المتوسط إلى السهول الداخلية في منتصف القرن الـ19 بعد سلسلة من الصراعات الطويلة مع العلويين، ثم باعترافهم بالآغاخان الثالث إماما لهم، وصاروا يمثلون ما نسبته 1% من السكان في سوريا.

وقد اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وكان ذلك منسجما مع توجهات الآغاخان الثالث. وفي ظل الآغاخان الرابع أُعيد تنظيم الجماعة الإسماعيلية حسب الدستور الإسماعيلي (1986)؛ وأصبح هناك مجلس وطني وهيئة للطريقة والثقافة الدينية الإسماعيلية.

القرامطة اشتهروا بسرقتهم الحجر الأسود عندما هاجموا المسجد الحرام عام 930 ميلادية وقتلوا الحجاج (مواقع التواصل) آسيا الوسطى إعلان

يمتد الإسماعيليون في جبال بامير وهندوكوش، التي تشمل 6 بلدان هي أفغانستان والصين والهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، ويقيمون بشكل أساسي في بدخشان المقسمة بين أفغانستان وطاجيكستان، ولهم وجود في ولاية بغلان الأفغانية.

انتشرت الدعوة الإسماعيلية في آسيا الوسطى (خراسان وما وراء النهر) منذ نهاية القرن الـ9 الميلادي، وكان للإسماعيليين حضور مؤثر في البلاط الساماني.

أثّر التنافس والصراع الاستعماري في المنطقة بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية أواخر القرن الـ19 ميلادي، على الاهتمام بدراسة المنطقة (الحملات الاستشراقية) خاصة لعرقية البامير (منها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية) لفهم خريطة القوى الاجتماعية والدينية في المنطقة، ومعرفة الجماعات التي يمكن كسب ولائها.

وأسهم ذلك بكسب الإمبراطورية الروسية للبامير الذين انضموا لها في عام 1895، إذ رأت روسيا في الإسماعيليين الذين وفرت لهم الحماية وبعض الامتيازات، حلفاء محتملين ضد الأغلبية السنية، التي كانت تميل إلى معارضة النفوذ الروسي.

أدى تقسيم الدول إلى تقسيم مناطق الإسماعيليين، مما غيّر في البنية الاجتماعية والسياسية للإسماعيليين؛ ففي الحقبة الشيوعية أُعيد تنظيم المناطق والسكان في مجالس وإدارات مختلفة اختلافا كبيرا عن بنية القيادة والإدارة الإسماعيلية على مدى القرون السابقة، وأُعيد أيضا بناء القيادة الدينية التي اختارت سلطة دينية موالية للسوفيات.

وكان للموقف الشيوعي العدائي من الدين دور في ملاحقة شيوخ الإسماعيليين ونفيهم، بل والقتل أحيانا، كما حدث للشيخ سيد يوسف عليشو، الذي قُتل أمام أتباعه المريدين، ولكن القيادات التقليدية للجماعات الإسماعيلية استعادت دورها في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وشاركت بفعالية في التطورات السياسية التي أفضت إلى استقلال طاجكستان.

إعلان

وفي أفغانستان كان الإسماعيليون في بدخشان الأفغانية يضطهدون، ولكن تحسنت أحوالهم في الحقبة الشيوعية (عكس ما حدث لهم في الشيوعية السوفياتية)، وزادت مشاركتهم السياسية في الجهاز البيروقراطي للدولة، ثم استعادت الإسماعيلية حضورا قويا منذ أوائل التسعينيات، وأقامت شبكة الآغاخان سلسلة من المشروعات التعليمية والاجتماعية، وبدأت تتشكل من جديد فرص لإحياء الهوية الدينية الإسماعيلية في أفغانستان.

الصين

يشكّل الإسماعيليون في مقاطعة شنغيانغ الصينية امتدادا لبدخشان وطاجيكستان، وقد بدأت الإسماعيلية بالانتشار هناك على يد الشاعر الإسماعيلي ناصر خسرو في القرن الـ11 الميلادي، وهم يواجهون تحديات عدة، فما زالت الثقافة الإسماعيلية في الصين شفاهية غير مكتوبة.

وتقيّد السلطات الصينية الحريات والطقوس الدينية، وتُعيّن رجال الدين وتوظفهم وتمنحهم إجازات مزاولة عملهم، ولكن تحسنت الحال بدءا من ثمانينيات القرن العشرين، إذ أصلحت ورممت أماكن العبادة التي تضررت وأُعيد استخدامها لغاياتها الأصلية.

تُعتبر الجماعة الإسماعيلية في الصين أقلية دينية وإثنية ولغوية وعِرقية، ويربطهم التاريخ بسكان المنطقة الإيرانيين، ويرتبط موروثهم الثقافي بالإسماعيليين الطاجيك والباميريين، وتشكّل السياسة الدينية الرسمية في الصين تحديا للإسماعيليين، ويحتاجون إلى المواءمة والجمع بين مواطنتهم الصينية والحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية.

جنوب آسيا

بدأت الدعوة الإسماعيلية بالانتشار في جنوب آسيا (البنجاب والسند) في القرن الـ11 الميلادي، وكان يشار إلى تعاليم الإسماعيلية في الهند بمصطلح "الساتباث" أي: الصراط المستقيم، فعُرف الإسماعيليون بالساتباثيين أو الخوجة، وهو لقب فارسي يعني: السيد أو المالك.

ويبدو أنه في مجتمع طبقي ومتعدد الأديان والطوائف مثل الهند كان ثمة حاجة لهُويّة طبقية وطائفية مشابهة، فتأثر الإسماعيليون في الهند بالتقاليد والأعراف الهندية، وحظروا زواج الأرملة وحرموا النساء من الميراث، وكانت لهم أيضا جماعات أخرى غير الخوجة ذات الطابع التجاري، مثل اللوهانيين.

إعلان

وبمجيء الآغاخان إلى الهند في القرن الـ19 بدأت سلسلة تقاليد وصراعات تجري داخل الطائفة الإسماعيلية، وكان للمحاكم البريطانية دور حاسم في تحديد الإطار القانوني لهوية الخوجة، وقد لاحظت الإدارة البريطانية -كما يقول ويلفريد (كتاب الإسلام في التاريخ الحديث)- أن "المجتمعات المسلمة عموما تؤكد مفهوم الاقتداء بالممارسة الطقسية أكثر من الاقتداء بالعقيدة، باعتبارها المعيار الذي يقرر الممارسة الإسلامية الصحيحة".

وبعد الاستقلال قامت دولة باكستان على أساس الهوية الإسماعيلية، وعلى الرغم من أن القائد المؤسس لباكستان محمد علي جناح هو إسماعيلي من "الخوجة" فإن باكستان اتجهت بعده نحو ممارسات دينية وثقافية زادت من حدة الاختلافات الدينية والمذهبية.

وهناك وجود إسماعيلي في شمال باكستان (شيترال وجيلجيت) وهو امتداد للإسماعيليين في بامير وهندوكوش، وقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى أنحاء أخرى في باكستان بسبب العداء السياسي وتدفق جماعات البشتون، وقد جرت هجرات واسعة للإسماعيليين جنوب الآسيويين بسبب الصراعات والبحث عن حياة وفرص أفضل، فصارت كراتشي أهم تجمع للإسماعيليين في آسيا.

العقيدة

وشرح الإمام أبو حامد الغزالي مذهب الإسماعيلية العقدي في 4 محاور هي "الإلهيات والنبوات والإمامة والحشر والنشر"، علما أن الإسماعيلية وفق ظروفها التاريخية وتفرعاتها الطائفية اختلفت فيما بينها.

عقيدة الإسماعيليين في الإلهيات

ويشرح الغزالي عقيدة الإسماعيلية في الإلهيات قائلا إنهم يؤمنون بوجود إلهين قديمين أزليين، لكن أحدهما يُعتبر علة لوجود الآخر، ويُطلق على الإله الأول "السابق"، وهو الذي يُعدّ الكامل والمطلق، بينما يُعرف الثاني بـ"التالي"، وهو المعلول عن السابق.

وبحسب هذا المعتقد، فإن "السابق" هو الذي خلق العالم، لكنه لم يفعل ذلك بشكل مباشر، بل عبر "التالي"، الذي يُنظر إليه على أنه أقل كمالا مقارنة بالأول، لأنه ناتج عنه. كما يُشار إلى "السابق" أحيانا بالعقل، و"التالي" بالنفس.

إعلان الإسماعيليون وتصورهم للنبوة

ويعتمد الإسماعيليون في تصوّرهم للنبوّة على رؤية قريبة من المذهب الفلسفي، إذ يُنظر إلى النبي على أنه شخص مُختار فاضت عليه قوة قدسية من "السابق" عبر "التالي". وهذه القوة تمنحه قابلية خاصة للاتصال بالنفس الكلية، مما يسمح له باستقبال المعارف والإلهام الإلهي.

ويشبّه الإسماعيليون هذه العملية بما يحدث لبعض "النفوس الزكية" في الأحلام التي يدّعون إمكانيتها رؤية المستقبل، إما بشكل واضح ومباشر أو عبر رموز تحتاج إلى تأويل.

لكن الفرق بين النبي وغيره أن النبي يمتلك هذه القدرة في اليقظة، مما يجعله قادرا على إدراك الحقائق الكلية والعقلية عندما يتلقى هذا النور الإلهي، وهو ما يميزه عن غيره من البشر بنظرهم.

رؤية الإسماعيليين في الإمامة

ويؤمن الإسماعيليون بأن الإمامة ضرورة مستمرة في كل عصر، إذ يجب أن يكون هناك إمام معصوم قائم بالحق، يُرجع إليه في تفسير النصوص الدينية وتأويل القرآن والأحاديث وحل الإشكالات العقلية.

ويتفق أتباع هذا المذهب على أن الإمامة منصب متوارث لا ينقطع عبر الأجيال، إذ يرون أن غياب الإمام يؤدي إلى طمس الحقيقة وإهمال الدين، وهو ما لا يجوز في عقيدتهم. وبذلك، تُعتبر الإمامة في الفكر الإسماعيلي أساسا جوهريا لاستمرار الهداية والتأويل الصحيح للشريعة.

رؤية الإسماعيليين للقيامة والمعاد

ويتفق الإسماعيليون على إنكار القيامة بمعناها المادي، إذ لا يؤمنون بانتهاء العالم أو بفناء السماوات والأرض، بل يعتبرون أن النظام الكوني سيبقى مستمرا بلا نهاية، وأن القيامة ليست حدثا ماديا، بل رمز لظهور الإمام المنتظر، الذي يُعرف باسم "قائم الزمان"، وهو الإمام السابع الذي سينسخ الشرع ويغيّر الأحكام.

ويؤمنون بأن الأرواح مسجونة في الأجسام المكلّفة بطاعة الإمام، وإذا أطاعته صعدت للأنوار العلوية، وإذا عصته هوت في الظلمات السفلية، وهو ما يعرف بـ"تناسخ الأرواح"، كما يؤمنون بـ"الرجعة"، وهي عودة من مات من أئمتهم للحياة.

إعلان رؤية الإسماعيليين للتكليفات

تُنسب إلى الإسماعيليين فكرة الإباحة المطلقة وإنكار الشرائع، إلا أنهم ينكرون ذلك، ويُعتقد أن مذهبهم يقوم على الالتزام بالتكاليف الشرعية وفقا لما يحدده الإمام، دون الرجوع إلى أي مذهب آخر سبقه.

ومع ذلك، يرون أن التكاليف الدينية ليست دائمة، بل تُفرض على الأتباع حتى يصلوا إلى رتبة الكمال في العلوم، وعندها، إذا أدركوا البواطن والحقيقة العميقة للأحكام الشرعية عبر تعليم من الإمام، تسقط عنهم التكاليف العملية، لأن الغاية من التكاليف في نظرهم ليست العمل بالجوارح، بل تنبيه القلب للبحث عن المعرفة، وعندما يحقق الإنسان هذا الفهم العميق، يصبح مستعدا للسعادة القصوى، ومن ثم لا يعود بحاجة إلى التكاليف الدينية.

مقالات مشابهة

  • هل يكون ترامب نيكسون القرن؟
  • 4 إجراءات تحدد استحقاق معاش الضمان الاجتماعي.. تعرف عليه
  • “المدينة المفقودة” تحت المحيط.. اكتشاف عالم غريب
  • الزمالك يقترب من صفقة جديدة قبل غلق القيد .. تعرف عليه
  • خطة ترامب لإعادة استعمار فلسطين
  • حريق يلتهم عقارا سكنيا في الخارجة بالوادي الجديد
  • محافظ أسوان يتفقد مبنى مديرية الشباب والرياضة بطريق السادات
  • الإسماعيلية نشأتها وطوائفها وأماكن انتشارها
  • ترامب يوقع قرارا لإنشاء مكتب للعقيدة وقوة لمكافحة التحيز ضد المسيحية
  • علاج يبطئ الشيخوخة.. تعرف عليه