تتصاعد المخاوف من الاعتماد المبالغ فيه على الأجهزة التقنية كلما ظهرت تقنية جديدة، وتتناسب نسبة هذه المخاوف مع مدى الاتكال على التقنية الجديدة، إذ يتبادر سؤال أوحد دائما: ماذا يحدث إن تعطلت الأجهزة التقنية التي نعتاد عليها؟ وفي العادة كانت تأتي الإجابة بأن مدى التطور التقني أوصل المعدات الأساسية في حياتنا اليومية إلى درجة من الاعتمادية يصعب أن تتعطل عندها، لكن في ثانية واحدة، تمكنت شركة "كراود سترايك" (CrowdStrike)، ذائعة الصيت في مجال الأمن السيبراني، من تنفيذ كل سيناريوهات النهاية التي تتبنى توقف الأجهزة التقنية مرة واحدة، ومعها تتوقف كافة جوانب الحياة اليومية.

في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، غزت شاشة الموت الزرقاء (BSOD) جميع أجهزة "ويندوز" التي تعتمد على تقنيات "كراود سترايك" لتأمينها، وبفضل الانتشار الواسع لأجهزة "ويندوز" في العديد من الهيئات الحكومية الحيوية في مختلف دول العالم توسعت رقعة الكارثة لتشمل العديد من دول العالم الأول، التي تعتمد على الحواسيب بشكل رئيسي.

الجاني المفاجئ

مع تصاعد الأزمة توجهت أنظار مجتمع الأمن السيبراني إلى المجرم المعتاد، عصابات القراصنة الرقميين الذين يحاولون استهداف الشركة الأميركية الضخمة، وجاءت المفاجأة أن الجاني هو أحد موظفي "كراود سترايك" الجدد، إذ أرسل هذا الموظف تحديثا معطوبا إلى إحدى الخدمات المدفوعة التي تقدمها الشركة وهي خدمة "فالكون غو" (Falcon GO)، التي تعمل على تثبيت تطبيق صغير الحجم يتصل بقاعدة بيانات الشركة، وبالتالي لم تتأثر الحواسيب غير المشتركة في هذه الخدمة بالأزمة.

وبشكل سريع بعد انتشار الأزمة أصدرت "مايكروسوفت" بيانا تبرئ فيه أنظمتها من العطل، ملقية اللوم بأكمله على "كراود سترايك" التي حاول مهندسوها أن يجدوا حلولا مبتكرة لا تحتاج وقتا كثيرا في التطبيق، لذا عرضوا المساعدة مباشرة على جميع المتضررين عبر حساب الشركة الرسمي في موقع "ريديت".

لحسن الحظ لم تستمر الأزمة لفترة طويلة، إذ خرج المدير التنفيذي للشركة جورج كورتز في بيان رسمي حول سبب الأزمة، ليؤكد أنها لم تتعرض لأي هجوم سيبراني أو تخريبي من أي نوع، وألقى اللوم على عطل في آخر تحديث تم إرساله لأنظمة "ويندوز"، لذا اقتصرت المشكلة فقط على الحواسيب التي تستخدم "ويندوز"، وكانت أجهزة "ماك" و"لينكس" آمنة منه.

من سوء حظ "كراود سترايك" أن خدمة "أزور" للتخزين السحابي التابعة لشركة "مايكروسوفت" كانت تعاني من عطل منفصل غير مرتبط بعطل "كراود سترايك"، ولكن بالطبع أُلقي اللوم بأكمله على "كراود سترايك"، وهو الأمر الذي كان له أثر سلبي على أسهم الشركة وقيمتها.

 

آثار فورية

وفق تقرير نشرته "سي إن بي سي"، فإن أسهم "كراود سترايك" انخفضت بمعدل 14% بعد انتشار الأزمة، وذلك على الرغم من الانتعاشة التي عاشتها في الشهور الماضية، إذ ارتفعت أسهمها بقيمة 112% مقارنة بالعام الأسبق.

تمتاز أنظمة "كراود سترايك" بمستوى التأمين المرتفع الذي توفره للحواسيب والنقاط النهائية في شبكات الاتصال، وهو ما يضمن حماية الشبكة بأكملها من الاختراق عبر أي نقطة متصلة بها، لذا فإن الشركة كانت تحظى بتقييم مرتفع مقارنة بمثيلاتها.

دور أنظمة "كراود سترايك" هو حماية الحواسيب، أو ما يُعرف باسم نقاط النهاية في الشبكات من الهجمات السيبرانية، وذلك عبر تثبيت برمجية صغيرة تدعى "فالكون غو" لا يزيد حجمها عن 5 ميغابايت، وتقوم هذه البرمجية بفحص الحاسوب ضد الفيروسات والمخاطر السيبرانية الأخرى بشكل دوري، وذلك عبر الاتصال بالأنظمة السحابية للشركة وفحص الملفات ضد جميع أنواع الهجمات السيبرانية، سواء كانت ثغرات أمنية مكتشفة حديثا أو ثغرات اليوم صفر، وتصل تكلفة الخدمة إلى 60 دولارا على الجهاز الواحد لمدة عام كامل.

أزمة "كراود سترايك" مهّدت الطريق أمام منافسيها للانتعاش بشكل كبير، إذ شهدت أسهم شركة "بالو التو" (Palo Alto) المنافسة ارتفاعا بمقدار 1.3% على غرار "فورتينت" (Fortinet)، فضلا عن "كلاود فلير" الشهيرة التي شهدت انتعاشا بمقدار 1%.

ستضطر الشركات المتضررة لتعويض عملائها وستطالب هذه الشركات "كراود سترايك" بتعويضها (شترستوك) شبكة عملاء متنوعة

تحظى "كراود سترايك" بعدد كبير من كبار العملاء حول العالم، بدءا من المطارات الدولية في مختلف دول العالم حتى شركات البرمجيات والأنظمة المالية، وبعض المستشفيات والهيئات الحكومية.

كانت المطارات هي أول من تأثر بهذه الأزمة، إذ تعطلت أنظمة مراقبة الطائرات وتنظيمها، وبالتالي تم منع العديد من الرحلات من الإقلاع إلى أي مكان في العالم، كون الأزمة تعوق مراقبة مسارات الطيران الجوية، فضلا عن تعطل أنظمة شركات الطيران التي كانت تتضمن حجز التذاكر وتوزيعها.

ثم انتقلت الأزمة إلى بعض شركات القطارات، ومن ضمنها شركة قطارات بريطانية أنبأت عملاءها بتوقع تأجيلات وتأخر في مواعيد الوصول، وفي ألاسكا تعطلت خدمة 911 للطوارئ، تزامنا مع بداية الأزمة، فضلا عن المستشفيات التي توقفت أنظمتها عن العمل بشكل مفاجئ، مما هدد سلامة المرضى المعتمدين على أنظمة المستشفى لتسجيل الأدوية الخاصة بهم ومتابعة حالاتهم، وكذلك الحال مع شبكة "سكاي نيوز" التي توقفت عن البث لعدة ساعات.

تأثرت أيضا بعض أنظمة المدفوعات والرواتب في مختلف بقاع العالم بهذه الأزمة، إذ فقدت الشركات القدرة على الوصول إلى حساباتها، وذلك وفق تصريح ميلاني بيتزي رئيسة الرابطة العالمية لكشوف الرواتب في حديثها مع "بي بي سي".

بالطبع تعطل هذه الخدمات هو المرحلة الأولى من المشكلة، إذ ستضطر جميع الشركات المتضررة إلى تعويض عملائها بشكل يتناسب مع خسائرهم للحفاظ عليهم، وسوف تتجه هذه الشركات إلى "كراود سترايك" لتعويضها عن هذه الأضرار أيضا.

 

درس للمستقبل

حدثت الأزمة هذه المرة بسبب خطأ بريء من أحد أعضاء فريق "كراود سترايك"، لكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تحدث بفعل فاعل لأسباب خاطئة، إذ إن إمكانية حدوث هذا الضرر ستكون مغرية لبعض عصابات القراصنة العالميين لمهاجمة "كراود سترايك".

وتشير هذه الأزمة إلى مقدار الاتكال على التقنيات الحديثة والاعتماد على تقنية واحدة بمفردها، الذي يتسبب فيما يُعرف باسم نقطة الفشل الوحيدة (Single Point Failure)، إذ تسبب خدمة واحدة في تعطل السلسلة التقنية بأكملها، وهو الأمر الذي يجب على الهيئات والشركات العالمية تجنبه على الأقل في الأماكن الحيوية، إذ لا يمكن أن يكون نظام شركات الطيران معتمدا على أجهزة "ويندوز" فقط، ويجب أن يكون هناك نظام بديل يتدخل في حالة حدوث أزمات مماثلة، فضلا عن وجود أنظمة أمنية مساعدة تعمل إلى جوار برمجيات "كراود سترايك"، كما يجب على الأخيرة أن تغير طريقة إرسالها التحديثات المباشرة لخدماتها، خاصة تلك التي تُستخدم في مناطق حساسة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات کراود سترایک فضلا عن

إقرأ أيضاً:

حقل عكاز.. العراق ينهي مرحلة الشركة الاوكرانية وخطوات وطنية لتصحيح الاخطاء 

الاقتصاد نيوز - بغداد

 

 بعد عام على التعاقد مع شركة أوكرانية مثيرة للجدل، تطرح الكثير من التسؤلات حول مدى التقدم في مشروع تطوير حقل عكاز الغازي، ومدى أهلية الشركة المنفذة ومصير واحد من أكبر مشاريع الغاز في العراق.

ويُعد حقل عكاز الغازي في محافظة الأنبار من أبرز مشاريع الطاقة الاستراتيجية في العراق، لما يتمتع به من احتياطي ضخم ما يجعله من أكبر الحقول الغازية في البلاد ومن بين الأكبر في الشرق الأوسط.   وقبل عام تحديدا، وقعت وزارة النفط، عقدا مع شركة يوكرزم ريسورس الأوكرانية لتطوير حقل غاز عكاز في محافظة الأنبار بغرب البلاد. ويهدف الاتفاق إلى إنتاج 100 مليون قدم مكعب قياسي يوميا في أول عامين على أن يترفع الانتاج إلى 400 مليون قدم مكعب قياسي في غضون أربع سنوات.   وبحسب ما ذكره البيان، فإن شركة كوكاز الكورية وقعت عقد التنازل عن المشروع لصالح الشركة الأوكرانية، بما يعطي دفعة للمشروع الذي تأخر عدة سنوات بسبب الاضطرابات الأمنية في البلاد.   وكان العراق قد أعلن في مارس 2023 بدء إنتاج الغاز من الحقل بقدرة بلغت 60 مليون قدم مكعب يوميًا، في حين تشير التوقعات الرسمية إلى بلوغ ذروة الإنتاج بحلول عام 2030، مع إمكانية استمرار الحقل في تغذية منظومة الطاقة الوطنية حتى عام 2062.   وتعليقًا على أهمية الحقل، بينت عضو لجنة النفط والغاز النيابية، زينب جمعة الموسوي، آخر تطورات تطوير مشروع حقل عكاز الغازي. وذكرت الموسوي، أن حقل عكاز الغازي يُعد من أبرز مشاريع الطاقة في العراق، لما له من أهمية استراتيجية في تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات الغاز.   وأضافت خلال حديثها لـ"الاقتصاد نيوز"، أن الحقل، الذي يقع في محافظة الأنبار قرب مدينة القائم على الحدود السورية، يحتوي على احتياطي يُقدّر بنحو 5.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما يجعله من أكبر الحقول الغازية في العراق ومن الحقول البارزة في منطقة الشرق الأوسط.   وأشارت الموسوي إلى أن وزارة النفط وقّعت في نيسان 2024 عقدًا مع شركة "يوكرزم ريسورس" الأوكرانية لتطوير الحقل، بهدف إنتاج 100 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا خلال أول عامين من تنفيذ المشروع، على أن يرتفع الإنتاج تدريجيًا ليبلغ 400 مليون قدم مكعب يوميًا في غضون أربع سنوات.   ورغم الطموحات التي يطرحها هذا المشروع، أثار التعاقد مع الشركة الأوكرانية جدلًا واسعًا، حيث وُصفت الموسوي، الشركة بأنها "هزيلة" و"وهمية"؛ لعدم امتلاكها مقرًا جغرافيًا معروفًا أو سجلًا واضحًا في قطاع الطاقة، إذ يقتصر وجودها على موقع إلكتروني فقط، ما أثار تساؤلات حول قدرتها على تنفيذ مشروع بهذا الحجم.   وشددت الموسوي على أن تطوير حقل عكاز يُعد خطوة بالغة الأهمية في مسار تعزيز إنتاج الغاز المحلي، خاصة مع ازدياد الطلب على الطاقة في العراق، لافتة إلى أن المشروع سيساهم في تحسين إمدادات الكهرباء، لا سيما خلال أشهر الصيف، وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد من الخارج.   وكان مجلس الوزراء، قد اقر مؤخرا، المضي بخطة سريعة لاستثمار حقل عكاز الغازي بالجهد الوطني من قبل شركة نفط الوسط، على أن تنفذ شركة (شلمبرجير) الأمريكية المرحلة الأولى منه، لينتج الحقل خلال سنة 100 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز.   وبهذا الصدد، كشف زميل زينب الموسوي، في لجنة النفط النيابية، آخر تحركات الحكومة العراقية بشأن العقد المبرم مع الشركة الاوكرانية. وقال النائب باسم الغريباوي لـ"الاقتصاد نيوز"، إن الشركة الاوكرانية هي الوحيدة التي تقدمت لتطوير حقل عكاز؛ لذلك اقدمت وزارة النفط على التعاقد معها، مبينا أن الشركة لم تقدم خطاب الضمان الذي تبلغ قيمته 50 مليون دولار الذي شرطه الجانب العراقي عليها.   ووضعت وزارة النفط العراقية شروطًا مشددة على الشركة الأوكرانية، لم يسبق فرضها على شركات أخرى، بخلاف ضمان مصرفي بقيمة 50 مليون دولار، إذا ثبت أن أيًّا من الوثائق التي قدّمتها الشركة غير صحيح.   وأضاف، أن هذا الشرط وضع باعتبار أن الشركة تعود لدولة داخلة بحرب مع روسيا، مؤكدا أن الشركة لم تجلب خطاب الامان، ولم تعمل وفق ما مخطط له.    واوضح عضو لجنة النفط النيابية، أن مجلس الوزراء وافق على قرار شركة نفط الوسط بالغاء العقد مع الشركة الاوكرانية، والتعاقد مع شركة نفط الوسط نفسها؛ لانجاز الاعمال وحفر ستة آبار، والوصول الى انتاج 100 مقمق كمرحلة أولى.   واشار الى، أن شركة نفط الوسط تعمل حاليا على إكمال متطلبات الاعمال"، مشددا على اهمية اختيار شركات رصينة والمعروفة.   وفي عام 2008، حاول العراق تصدير كميات ضخمة من الغاز من حقل عكاز العراقي، بنحو 500 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى أوروبا، من خلال اتفاقية تنص على تصدير الغاز عبر سوريا، في مقابل صفقات لتسليح الجيش العراقي.   وبموجب الاتفاقية، التي عقدها رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، تُصدِّر بغداد نحو 183 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، مقابل 10 مليارات دولار فقط، وهي الصفقة التي عَدَّها العراقيون "سرقة" لمواردهم.   يشار إلى أن حقل عكاز العراقي كان قد استعاد 0.61% من إجمالي احتياطياته القابلة للاستخراج، ومن المتوقع أن يبلغ ذروة إنتاجه عام 2030، وأن يستمر في الإنتاج حتى يصل للحدّ الاقتصادي الأقصى في 2062، بحسب تقرير


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • إسرائيـ.ـل أضاعت فرصة ضرب منشآت إيران النووية
  • حقل عكاز.. العراق ينهي مرحلة الشركة الاوكرانية وخطوات وطنية لتصحيح الاخطاء 
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
  • ما هي حكاية يوم الأرض الذي يحتفل به العالم في 22 أبريل من كل عام؟
  • "بص يا كبير" أولى أغنيات ألبوم مروان موسى الجديد "الرجل الذي فقد قلبه"
  • نستله في ورطة.. ميكروبات خطيرة وزجاجات ملوثة تهز سمعة الشركة
  • روبن دي لاريد.. نجم ريال مدريد الذي أوقف المرض مسيرته
  • الرجل الذي فقد قلبه.. تفاصيل ألبوم مروان موسى الجديد
  • بقيادة باحث مصري.. علماء هارفرد يكتشفون ضوءا حلزونيا مثل الأعاصير
  • مجلس السيادة يعلن عن بشريات بخصوص الطاقة الشمسية