ذكّرتني حادثة الوادي الكبير بنكتة تقول: لماذا لا يحارب تنظيم داعش إسرائيل؟ فكان الجواب: سنحاربهم إذا أسلموا. وفي اعتقادي أنها ليست نكتة عادية بقدر ما حملته عن حقيقة هذا التنظيم، الذي حارب المسلمين في كلّ مكان، وارتكب أبشع الجرائم في حقِّ الإنسانية بجزّ رؤوس الأبرياء، وتفجير دور العبادة بمن فيها، وشوَّه سمعة الدين الإسلامي في العالم، بما ارتكب من فجور وحرق وذبح وقتل واغتصاب باسم الدين.
وفي محاولة فك لغز داعش، تردّد كثيرًا سؤال وهو: لماذا لا تصوِّب داعش أسلحتها نحو الكيان الصهيوني؟ وهل هناك فرصة مواتية أكثر من هذه الأيام، وغزةُ تقاوم الهجمة الصهيونية العالمية الشرسة؟
حتى الآن مرت عشرة أشهر ثِقال على الحرب الصهيونية على غزة؛ لكن تنظيم داعش لم ينتبه إلى ذلك، ولا لآلاف الشهداء، ولا للظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها أهل غزة؛ لأنّ هدفه كان قتل مسلمين مسالمين آمنين، جاؤوا من بلدانهم لطلب الرزق في بلد مسالم آمن. وما حدث في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في الوادي الكبير - بقدر ما هو جريمة - إلا أنه لا يقاس بالجرائم الكبيرة التي ارتكبها هذا التنظيم الإرهابي لسنوات طويلة في أكثر من مكان، بعيدًا عن الكيان الإسرائيلي، ممّا يشير بشكل قاطع إلى أنّ وراء التنظيم «الهلامي» أيادي عالمية لتنفيذ أجندات معينة؛ ومن هذه الأجندات مثلًا استخدام داعش أداة لليّ ذراع الأنظمة التي لا تتوافق مع سياسات مؤسسي وممولي التنظيم، وهو ما حدث تمامًا مع حادثة الوادي الكبير، وكانت الرسالة واضحة تشير إلى الانزعاج من المواقف العُمانية المشرِّفة سلطانًا وحكومةً وشعبًا، ضد حرب الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة.
وحقيقة؛ بقدر ما تفاجأتُ بحادثة الوادي الكبير، إلا أني كنتُ متوقِّعًا أنّ المواقف العُمانية المشرفة هذه، ستسبب لنا صداعًا، وأذكر أني تساءلتُ في مقابلة أجراها معي الزميل عبد العزيز السعدون في برنامج «منتدى الأربعاء» في قناة «مجان» الفضائية يوم 17 يناير 2024، عن الثمن الذي قد ندفعه بسبب تلك المواقف.
وحادثة الوادي الكبير طرحت نقاطًا عديدة للنقاش؛ لكني أرى أنّ الوقت ليس مناسبًا لتناولها الآن، والجهاتُ المختصة تُحقِّق في الأمر، لكن المؤكد أنّ المواقف العُمانية المستقلة والمشرِّفة تُزعج الكثيرين، وأنّ على الأجهزة المختصة أن تكون يقظة، ولن يلومها أحدٌ إذا استخدمت «العين الحمراء»، في سبيل الحفاظ على الأمن والسلام في البلد، خوفًا من تكرار الحادثة.
في المجمل نقول ما بات يعرفه الجميع، وهو أنّ تنظيم داعش لا يمت إلى الإسلام بصلة، وليس له علاقة بأيّ دين أو عقيدة دينية؛ فهو ليس أكثر من فزاعة أجهزة أمنية عالمية، تستخدمه لتحقيق مصالحها، وبعبع لتخويف كلِّ من يريد أن يخرج عن الخط المرسوم؛ وربما أكثر ما نجحت فيه هذه الأجهزة أن جعلته معولًا للهدم وإشعال الفتنة الطائفية وإذكاء نيران الكراهية والبغضاء بين المسلمين لتحقيق مصالح من أنشأها وموّلها، لأنّ عصر الاستعمار والسيطرة المباشرة ولى زمانه، فلا بد من وكلاء.
وهناك حقيقة لا تحتاج إلى التذكير بها، وهي أنّ من يتّجه إلى الإرهاب ليقتل الأبرياء ممن يختلفون معه في الدين أو العرق أو الجهة، هم ممن يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية؛ فلا يمكن لإنسان سويّ أن يقتل الأبرياء من أيِّ دين كان مع سبق الإصرار والترصد؛ وهذه العلل النفسية شرحها الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي في مصر لصحيفة «اليوم السابع»، بأنّ هناك أشخاصًا ينضمون لداعش والجماعات الإرهابية لشعورهم بالنقصان والدونية، فيلجؤون إلى الانضمام للجماعات المتطرفة ليصبحوا أمراء ولديهم أتباع وهكذا، وأنّ هناك أفرادا ينضمون إلى داعش وإلى الجماعات الإرهابية الأخرى، لأنهم ارتكبوا مجموعة من الفواحش، وأرادوا الرجوع إلى الطريق الصحيح، فتمّ استقطابهم من هذه الجماعات المتطرفة، التي تطالبهم بإجراء عمليات انتحارية (استشهادية حسب زعمهم) تجبّ ما قبلها من أعمال الفواحش، ولذلك يكونون طيرًا سهل الصيد من الجماعات الإرهابية.
وإذا كنتُ قد أشرتُ إلى ضرورة استخدام «العين الحمراء» ضد كلِّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن البلد وسلامة المواطنين، فإني أرى أنّ الحادثة تحتاج إلى دراسة معمقة من عدة جهات، لإيجاد الحلول المناسبة للشباب العماني قبل أن تكبر وتستفحل، وعندما يصعب الحل؛ فبعض المناقشات في مواقع التواصل قد لا تبشّر بخير، وهي - في ظني - قد أتاحت فرصة ذهبية لدراسة توجهات الناس، مع تأكيدي أنّ مقالي هذا هو مجرد خواطر سريعة عن حادثة الوادي الكبير؛ فالمسألةُ تحتاج إلى دراسات وبحوث ومقالات كثيرة.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حادثة الوادی الکبیر تنظیم داعش أکثر من
إقرأ أيضاً:
خلال مؤتمر بالجامعة الأمريكية.. رئيس التنظيم والإدارة يستعرض تجربة مصر في الإصلاح الإداري
أكد الدكتور صالح الشيخ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، اهتمام الدولة المصرية بإصلاح الجهاز الإداري، حيث بذلت الحكومات المتعاقبة جهوداً كثيرة في هذا الصدد، وأبرز هذه الجهود ما قامت به الحكومة المصرية في عام 2014، حتى تم تبني خطة الإصلاح الإداري ضمن استراتيجية للدولة للتنمية المستدامة 2030، بهدف الوصول إلى جهاز إداري كف وفعال ومحوكم يستطيع القيام بدوره التنموي ويعلي من رضاء المواطن، وهو ما تم ترجمته في محاور الخطة التنفيذية الخمسة للإصلاح الإداري.
جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور صالح الشيخ، أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، اليوم السبت المتحدث الرئيسي في المؤتمر السنوي الذي تنظمه رابطة السياسات العامة والإدارة في الشرق الأوسط AMEPPA بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالتعاون مع مشروع الحوكمة الاقتصادية الممول من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية بالقاهرة تحت عنوان "الإدارة العامة المتغيرة والسياسات العامة.. نحو آليات مبتكرة واستراتيجية ومرنة"، بحضور الدكتور أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتورة نهى المكاوي، عميد كلية الشئون العالمية والسياسات العامة بالجامعة، الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية الأسبق، الدكتورة ليلى البرادعي، رئيس الجمعية وأستاذ ورئيس قسم السياسة العامة والإدارة بالجامعة الأمريكية، السيد شون جونز، مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والدكتور أحمد طنطاوي، رئيس مركز الابتكار التطبيقي التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ممثلا عن وزير الاتصالات، واعضاء الجمعية من عدد من الدول.
وأبرز الدكتور صالح الشيخ - خلال كلمته - الدعم القوي الذي تحظى به عملية الإصلاح الإداري من القيادة السياسية، مستعرضًا محاور خطة الإصلاح الإداري التي تم وضعها بعد رفع واقع الإدارة العامة في الجهاز الإداري للدولة، وتم وضع محاور الخطة بشكل يحقق استهداف دقيق لعلاج المشكلات الإدارية، ولرفع كفاءة وحوكمة الجهاز الإداري للدولة.
وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة مسجلة للدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
واستعرض الدكتور صالح الشيخ، ما تم من إجراءات إصلاحية شاملة على مستوى المحاور الخمسة، وهو ما أسهم في تأمين تجربة انتقال الوزارات والمؤسسات المركزية إلى الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة بشكل سلس دون التأثير على سير العمل بهذه المؤسسات، كما تطرق إلى محاور خطة الإصلاح الإداري للفترة من 2025- 2030 والجاري الانتهاء من إعدادها.
وأشاد الدكتور صالح الشيخ - في ختام كلمته - بدور موظفي الجهاز الإداري للدولة وما يقدمونه من خدمات، مؤكدا على أهمية حسن معاملة المواطنين، وأن ما تحقق في ملف الإصلاح الإداري وإن كان كثيراً إلا أن الطموحات أكبر والآمال المعقودة على إحراز المزيد من التقدم في هذا الملف أكثر اتساعاً ورحابه.
اقرأ أيضاًصالح الشيخ: قمنا بتحديد العجز في المعلمين والتقديم في المسابقات أون لاين
بـ «مديريات الأوقاف الإقليمية».. التنظيم والإدارة يفتح باب التقدم في وظيفة «مدير إدارة التحقيقات»
جامعة الأزهر: ننسق مع « التنظيم والإدارة» لتعيين الأوائل.. ولم نتخذ قرارًا بتكليف دفعات حتى الآن