لجريدة عمان:
2025-02-23@11:52:56 GMT

إطلاق إصلاحات صندوق النقد الدولي

تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT

في يوليو من عام 1944 أي قبل ثمانين عاما بالضبط، اجتمع ممثلو 44 دولة في قرية نائية في نيو هامبشاير للتفاوض على اتفاقية بريتون وودز التي أسست صندوق النقد الدولي، ومن منظور كثيرين فقد يكون بلوغ سن الثمانين سببا لهذا الاحتفال. أما في حالة صندوق النقد الدولي، فإن الذكرى السنوية لا تسلط الضوء إلا على مدى إلحاح الإصلاح.

بعض الإصلاحات الضرورية واضحة ومباشرة ومتفق عليها على نطاق واسع، وهذا يثير التساؤل حول الأسباب وراء عدم تبنيها، فيتعين أولا على صندوق النقد الدولي أن يزود أعضاءه بمخصصات سنوية منتظمة من أداته المالية الداخلية، أو حقوق السحب الخاصة، وهذا من شأنه أن يوفر بديلا للدولار الأمريكي كمصدر للسيولة العالمية في حين يعالج أيضا مشكلة اختلال التوازن العالمي المزمن.

ويتعين ثانيا على صندوق النقد الدولي أن يعمل بشكل أفضل على تنظيم عمليات إعادة هيكلة ديون البلدان المنخفضة الدخل، إذ لم تَـبـلُـغ أحدث محاولاته التي حملت مسمى الإطار المشترك لمعالجة الديون غايتها، وعليه يجب أن يضغط الصندوق بقوة أكبر لحمل حكومة الصين ومؤسساتها المالية الجاهلة بمسؤوليات الدائن السيادي على التعاون، وينبغي له أن يدعم الإصلاحات الرامية إلى تسريع عمليات إعادة الهيكلة، وأن يؤيد المبادرات الرامية إلى فرض إجراءات صارمة ضد الدائنين الممانعين.

وفيما يتصل بمراقبته لسياسات البلدان، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعالج افتقاره الملحوظ إلى الإنصاف والمساواة في المعاملة؛ ففي حين تخضع البلدان الناشئة والنامية لمعايير قاسية، تُـتـرَك البلدان المرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة دون عقاب.

يحتاج الصندوق إلى إعادة تنشيط تحليله للتأثيرات العابرة للحدود الناجمة عن السياسات التي تنتهجها البلدان الكبرى، وهي العملية التي تمكنت الولايات المتحدة من قمعها. وفيما يتصل بسياسات الإقراض، فيجب أن يفصل الصندوق حجم القروض عن نظام الحصص الذي عفا عليه الزمن، وأن يخفض أسعار الفائدة العقابية المفروضة على البلدان المتوسطة الدخل. ولضمان أفضل قيادة ممكنة، لابد من اختيار المدير الإداري من خلال عملية تنافسية، حيث يقدم المرشحون بياناتهم ويجرون المقابلات، وبعد ذلك تصوت الحكومات الـمُـساهِـمة، وينبغي أن يكون الفائز هو الفرد الأفضل تأهيلا وليس فقط الأوروبي الأكثر تأهيلا، كما كان الحال تاريخيا.

وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعترف بأنه لا يستطيع أن يكون كل شيء للجميع، ففي عهد المديرين الإداريين الأخيرين، وسّع الصندوق أجندته من تفويضه الأساسي، أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي، ليشمل المساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، وغير ذلك من القضايا غير التقليدية، وهذه موضوعات لا يتمتع خبراء الاقتصاد الكلي في صندوق النقد الدولي بأي خبرة فيها، وقد حَـذَرَت بحق الهيئة الرقابية الداخلية في صندوق النقد الدولي، أو مكتب التقييم المستقل من أن المغامرة في هذه المجالات قد تؤدي إلى إرهاق موارد الصندوق البشرية والإدارية.

ومن الـمُـسَـلَّـم به أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع تجاهل تغير المناخ؛ لأن الأحداث المناخية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وينتمي تعليم المرأة، ومشاركة القوى العاملة، وترتيبات رعاية الأطفال إلى أجندته بقدر ما تؤثر هذه الأمور على النمو الاقتصادي، وبالتالي على استدامة الديون. لكن السياسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والتكيف مع تغير المناخ تُـعَـد في جوهرها قضايا متعلقة بالتنمية الاقتصادية، وهي تتطلب استثمارات طويلة الأجل، وعلى هذا فإنها تقع في الأساس ضمن اختصاص البنك الدولي، المؤسسة الشقيقة لصندوق النقد الدولي التي يقع مقرها عبر شارع 19 في واشنطن، وتتمثل إحدى مزايا الأجندة التي تركز على التفويض الأساسي لصندوق النقد الدولي في أن الحكومات الوطنية أكثر ميلا إلى منح إدارة الصندوق وموظفيه حرية العمل اللازمة للتحرك بسرعة في الاستجابة للتطورات التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي.

يفتقر صندوق النقد الدولي إلى استقلالية البنوك المركزية الوطنية، وفي الوقت الحالي تتسم عملية صُـنع القرار بالـبُـطء وفقا لمعايير الأزمات المالية التي تتحرك بسرعة، إذ يجب أن تحظى القرارات بالموافقة من قِبَل مجلس تنفيذي يتألف من معينين سياسيين، وهم بدورهم مسؤولون أمام حكوماتهم، لكن استقلال البنوك المركزية لا يتسنى لأن محافظي البنوك المركزية مكلفون بتفويض ضيق يركز على استقرار الأسعار، والذي يمكن الحكم على أفعالهم استنادا إليه. وعلى مدار ربع قرن من الزمن زعم مراقبون أن صندوق النقد الدولي الأكثر استقلالا ورشاقة سيكون أفضل، ولكن كلما خففت المؤسسة من أجندتها، كلما أصبحت مثل هذه الاستقلالية أشبه بحلم بعيد المنال. العامل الآخر الذي يدعم صلاحية استقلال البنوك المركزية هو أن صناع السياسات النقدية على المستوى الوطني مسؤولون أمام جهات سياسية شرعية، أو البرلمانات والوزراء في عموم الأمر، أما شرعية مساءلة صندوق النقد الدولي فهي أكثر التباسا، وذلك بسبب بنية الحكم في هذه المؤسسة؛ فلأسباب عفا عليها الزمن تمتلك الولايات المتحدة - والولايات المتحدة وحدها - حق النقض على القرارات المهمة التي يتخذها صندوق النقد الدولي، وتحظى أوروبا بتمثيل مفرط في المؤسسة، في حين لا تحظى الصين بتمثيل كاف. وإلى أن تُـصَـحَّـح هذه الاختلالات، ستظل حوكمة الصندوق ملتبسة، وهذا لا يجعل احتمالات الاستقلال التشغيلي أكثر بعدا فحسب؛ بل يحول أيضا دون أي إصلاح حقيقي تقريبا، بما في ذلك التغييرات المباشرة المذكورة أعلاه، والواقع أن رسم أجندة إصلاح صندوق النقد الدولي أمر سهل، لكن تنفيذها صعب؛ لإن الإصلاح الحقيقي يتطلب تخلي الولايات المتحدة عن حق النقض في المؤسسة، ويتطلب أن تتحمل الصين قدرا أعظم من المسؤولية عن الاستقرار العالمي والمشكلات التي تواجه اقتصادات أخرى، كما يستلزم أن تعمل الولايات المتحدة والصين معا، ولأن هذين البلدين لم يظهرا أي قدر يُـذكَـر من القدرة على التعاون في السنوات الأخيرة، فإن إصلاح صندوق النقد الدولي سوف يكون نقطة انطلاق طيبة.

باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك في الدفاع عن الدين العام.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على صندوق النقد الدولی أن الولایات المتحدة البنوک المرکزیة

إقرأ أيضاً:

"بلومبرج": أوكرانيا ترفض طلب واشنطن إنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكرت وكالة "بلومبرج" نقلا عن مصادر أن أوكرانيا رفضت طلبا أمريكيا بإنشاء صندوق تعويضات بقيمة 500 مليار دولار كجزء من صفقة لنقل عائدات إنتاج المعادن الأوكرانية.

وأوضحت الوكالة: "الصندوق يعوض الولايات المتحدة عن كل النفقات على الدعم الذي تم تقديمه منذ بداية الصراع، لكن كييف تزعم أن المبلغ الفعلي للمساعدات أقل بخمس مرات من المبلغ المعلن ويبلغ 90 مليار دولار فقط".

وذكرت أن "حالة عدم اليقين التي تعيشها كييف بشأن الحصول على مزيد من الدعم المالي والعسكري من واشنطن تظل موضوعا للنقاش".

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه يتوقع التوصل سريعا إلى اتفاق مع كييف بشأن التزامات تعويض الولايات المتحدة عن المساعدات التي قدمتها.

كما كشفت وكالة "رويترز" نقلا عن مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة ستقطع شبكة "ستارلينك" عن أوكرانيا في حال رفض فلاديمير زيلينسكي التوقيع على اتفاقية الثروات المعدنية.

وصرح دونالد ترامب في 3 فبراير بأن واشنطن تتوقع من كييف تقديم ضمانات بشأن توريد المعادن النادرة كجزء من خطة لتعويض ما بين 400 إلى 500 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة على أوكرانيا.

وأعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، السبت، أن مشروع الاتفاق المستقبلي بشأن الشراكة الاقتصادية بين واشنطن وكييف ينص على أن الدخل الذي تتلقاه كييف من استخراج الموارد الطبيعية والأصول الأخرى سيتم توجيهه إلى صندوق خاص، وستذهب السيطرة عليه إلى واشنطن.

وسيتم توجيه الإيرادات إلى صندوق سيادي أمريكي يتعين على أوكرانيا أن تساهم فيه حتى يصل إلى 500 مليار دولار وهو المبلغ الذي طالب به ترامب.

مقالات مشابهة

  • قائد شرطة محافظة إدلب المقدم ماهر محمد هلال: تواصل وزارة الداخلية من خلال قيادة شرطة محافظة إدلب ووحداتها المنتشرة العمل بأقصى جهد ممكن للحد من ظاهرة إطلاق النار العشوائي التي تمثل استهتاراً بأرواح وسلامة المواطنين
  • رئيس «صندوق الإسكان» تعلن إتاحة رابط إلكتروني لتقديم طلبات التصالح
  • "بلومبرج": أوكرانيا ترفض طلب واشنطن إنشاء صندوق بقيمة 500 مليار دولار
  • جهاز الاستثمار العُماني يستثمر في صندوق "جولدن جيت فينتشرز" السنغافوري
  • التعليم العالي: صندوق رعاية المبتكرين يدعم المشروعات التي تحقق التنمية المستدامة
  • التفكير من خارج الصندوق.. إلى أين يقود ترامب؟
  • "صندوق خليفة" يحدث نقلة نوعية في مشاريع رواد الأعمال البحرية
  • مفوضة الاتحاد الأوروبي لمنطقة المتوسط: شروط لتخصيص نصف مليار يورو للبنان
  • بسعة 41 ألف متفرّج وبحضور «نجوم» عالميين.. «ملعب بنغازي الدولي» يعود للحياة
  • “إنسان” تتوج بالمركز الأول في ملتقى “نمو” للاستدامة المالية