إطلاق إصلاحات صندوق النقد الدولي
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
في يوليو من عام 1944 أي قبل ثمانين عاما بالضبط، اجتمع ممثلو 44 دولة في قرية نائية في نيو هامبشاير للتفاوض على اتفاقية بريتون وودز التي أسست صندوق النقد الدولي، ومن منظور كثيرين فقد يكون بلوغ سن الثمانين سببا لهذا الاحتفال. أما في حالة صندوق النقد الدولي، فإن الذكرى السنوية لا تسلط الضوء إلا على مدى إلحاح الإصلاح.
بعض الإصلاحات الضرورية واضحة ومباشرة ومتفق عليها على نطاق واسع، وهذا يثير التساؤل حول الأسباب وراء عدم تبنيها، فيتعين أولا على صندوق النقد الدولي أن يزود أعضاءه بمخصصات سنوية منتظمة من أداته المالية الداخلية، أو حقوق السحب الخاصة، وهذا من شأنه أن يوفر بديلا للدولار الأمريكي كمصدر للسيولة العالمية في حين يعالج أيضا مشكلة اختلال التوازن العالمي المزمن.
ويتعين ثانيا على صندوق النقد الدولي أن يعمل بشكل أفضل على تنظيم عمليات إعادة هيكلة ديون البلدان المنخفضة الدخل، إذ لم تَـبـلُـغ أحدث محاولاته التي حملت مسمى الإطار المشترك لمعالجة الديون غايتها، وعليه يجب أن يضغط الصندوق بقوة أكبر لحمل حكومة الصين ومؤسساتها المالية الجاهلة بمسؤوليات الدائن السيادي على التعاون، وينبغي له أن يدعم الإصلاحات الرامية إلى تسريع عمليات إعادة الهيكلة، وأن يؤيد المبادرات الرامية إلى فرض إجراءات صارمة ضد الدائنين الممانعين.
وفيما يتصل بمراقبته لسياسات البلدان، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعالج افتقاره الملحوظ إلى الإنصاف والمساواة في المعاملة؛ ففي حين تخضع البلدان الناشئة والنامية لمعايير قاسية، تُـتـرَك البلدان المرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة دون عقاب.
يحتاج الصندوق إلى إعادة تنشيط تحليله للتأثيرات العابرة للحدود الناجمة عن السياسات التي تنتهجها البلدان الكبرى، وهي العملية التي تمكنت الولايات المتحدة من قمعها. وفيما يتصل بسياسات الإقراض، فيجب أن يفصل الصندوق حجم القروض عن نظام الحصص الذي عفا عليه الزمن، وأن يخفض أسعار الفائدة العقابية المفروضة على البلدان المتوسطة الدخل. ولضمان أفضل قيادة ممكنة، لابد من اختيار المدير الإداري من خلال عملية تنافسية، حيث يقدم المرشحون بياناتهم ويجرون المقابلات، وبعد ذلك تصوت الحكومات الـمُـساهِـمة، وينبغي أن يكون الفائز هو الفرد الأفضل تأهيلا وليس فقط الأوروبي الأكثر تأهيلا، كما كان الحال تاريخيا.
وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعترف بأنه لا يستطيع أن يكون كل شيء للجميع، ففي عهد المديرين الإداريين الأخيرين، وسّع الصندوق أجندته من تفويضه الأساسي، أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي، ليشمل المساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، وغير ذلك من القضايا غير التقليدية، وهذه موضوعات لا يتمتع خبراء الاقتصاد الكلي في صندوق النقد الدولي بأي خبرة فيها، وقد حَـذَرَت بحق الهيئة الرقابية الداخلية في صندوق النقد الدولي، أو مكتب التقييم المستقل من أن المغامرة في هذه المجالات قد تؤدي إلى إرهاق موارد الصندوق البشرية والإدارية.
ومن الـمُـسَـلَّـم به أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع تجاهل تغير المناخ؛ لأن الأحداث المناخية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وينتمي تعليم المرأة، ومشاركة القوى العاملة، وترتيبات رعاية الأطفال إلى أجندته بقدر ما تؤثر هذه الأمور على النمو الاقتصادي، وبالتالي على استدامة الديون. لكن السياسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والتكيف مع تغير المناخ تُـعَـد في جوهرها قضايا متعلقة بالتنمية الاقتصادية، وهي تتطلب استثمارات طويلة الأجل، وعلى هذا فإنها تقع في الأساس ضمن اختصاص البنك الدولي، المؤسسة الشقيقة لصندوق النقد الدولي التي يقع مقرها عبر شارع 19 في واشنطن، وتتمثل إحدى مزايا الأجندة التي تركز على التفويض الأساسي لصندوق النقد الدولي في أن الحكومات الوطنية أكثر ميلا إلى منح إدارة الصندوق وموظفيه حرية العمل اللازمة للتحرك بسرعة في الاستجابة للتطورات التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي.
يفتقر صندوق النقد الدولي إلى استقلالية البنوك المركزية الوطنية، وفي الوقت الحالي تتسم عملية صُـنع القرار بالـبُـطء وفقا لمعايير الأزمات المالية التي تتحرك بسرعة، إذ يجب أن تحظى القرارات بالموافقة من قِبَل مجلس تنفيذي يتألف من معينين سياسيين، وهم بدورهم مسؤولون أمام حكوماتهم، لكن استقلال البنوك المركزية لا يتسنى لأن محافظي البنوك المركزية مكلفون بتفويض ضيق يركز على استقرار الأسعار، والذي يمكن الحكم على أفعالهم استنادا إليه. وعلى مدار ربع قرن من الزمن زعم مراقبون أن صندوق النقد الدولي الأكثر استقلالا ورشاقة سيكون أفضل، ولكن كلما خففت المؤسسة من أجندتها، كلما أصبحت مثل هذه الاستقلالية أشبه بحلم بعيد المنال. العامل الآخر الذي يدعم صلاحية استقلال البنوك المركزية هو أن صناع السياسات النقدية على المستوى الوطني مسؤولون أمام جهات سياسية شرعية، أو البرلمانات والوزراء في عموم الأمر، أما شرعية مساءلة صندوق النقد الدولي فهي أكثر التباسا، وذلك بسبب بنية الحكم في هذه المؤسسة؛ فلأسباب عفا عليها الزمن تمتلك الولايات المتحدة - والولايات المتحدة وحدها - حق النقض على القرارات المهمة التي يتخذها صندوق النقد الدولي، وتحظى أوروبا بتمثيل مفرط في المؤسسة، في حين لا تحظى الصين بتمثيل كاف. وإلى أن تُـصَـحَّـح هذه الاختلالات، ستظل حوكمة الصندوق ملتبسة، وهذا لا يجعل احتمالات الاستقلال التشغيلي أكثر بعدا فحسب؛ بل يحول أيضا دون أي إصلاح حقيقي تقريبا، بما في ذلك التغييرات المباشرة المذكورة أعلاه، والواقع أن رسم أجندة إصلاح صندوق النقد الدولي أمر سهل، لكن تنفيذها صعب؛ لإن الإصلاح الحقيقي يتطلب تخلي الولايات المتحدة عن حق النقض في المؤسسة، ويتطلب أن تتحمل الصين قدرا أعظم من المسؤولية عن الاستقرار العالمي والمشكلات التي تواجه اقتصادات أخرى، كما يستلزم أن تعمل الولايات المتحدة والصين معا، ولأن هذين البلدين لم يظهرا أي قدر يُـذكَـر من القدرة على التعاون في السنوات الأخيرة، فإن إصلاح صندوق النقد الدولي سوف يكون نقطة انطلاق طيبة.
باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك في الدفاع عن الدين العام.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على صندوق النقد الدولی أن الولایات المتحدة البنوک المرکزیة
إقرأ أيضاً:
الحكومة تحسم الجدل بشأن طلب مصر زيادة شريحة صندوق النقد
قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إن الشائعات المتداولة بشأن طلب مصر زيادة شريحة صندوق النقد الدولي تهدف للتشكيك في توافر العملة، وأن تقرير البنك المركزي الأخير بشأن تحويلات المصريين بالخارج مؤشر إيجابي للغاية.
وأضاف مدبولي، خلال مؤتمر صحفي، أن الدول الناشئة تواجه تحديات التنمية في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، وأن مصر أطلقت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة لدعم مستهدفات التنمية.
وأوضح أن الأوضاع الاقتصادية لمصر تسير بشكل مستقر، ومصر تفي دائما بالالتزامات والاستحقاقات المالية المطلوبة في مواعيدها المحددة.
وبشأن القضية الفلسطينية، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، أن مصر موقفها ثابت من إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.