وقف ازدهار الطاقة الخضراء في الصين سيكون كارثة
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
منذ إجازة إدارة بايدن التشريع المُسمَّى قانون خفض التضخم في عام 2022 ظل يساورنا القلق من انطلاق سباقٍ حول دعم الصناعة الخضراء. كرّسَ سردية هذا السباق الحديث عن الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين.
قد يترتب عن هذا التنافس في تقديم الدعم إهدار لموارد حقيقية ولأموال دافعي الضرائب. وهنالك مخاطر بأن تتحول الرسوم الجمركية المفروضة على ألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية الى حرب تجارية أوسع نطاقا.
لكن ماذا إذا كفَّت عن ذلك الأطراف الثلاثة الرئيسية وهي الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي في فترة الاثني عشر شهرا القادمة؟ على الرغم من أن ازدهار الطاقة الخضراء تدفع به قُدُما ابتكارات تقنية قوية الى جانب تراجع التكاليف لكن قد يتضح أنه أقل متانة مما يأمل العديدون منا.
المطلوب من الاتحاد الأوروبي تجديد وتمديد تعهدات خطة التعافي المعروفة باسم «الجيل التالي للاتحاد الأوروبي» إلى ما بعد عام 2026 للحيلولة دون نضوب الدعم المقدم للصفقة الخضراء.
حقا في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2019 كان من الواضح أن السياسات تتجه نحو الموارد المتجددة. لكن لم تكن تلك هي الحال بعد انتخابات الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي مع التحول الى اليمين.
وكان من المرجح أن تعزز الانتخابات التشريعية الفرنسية التحول ضد تسريع السياسة الخضراء. صحيح، معسكر مارين لوبان (الذي حلّ في المركز الثالث) ليس من المتشككين في خطورة التغير المناخي مثل دونالد ترامب. لكن أقوى وعود حزبها « التجمع الوطني» كان خفض أسعار الديزل لقاعدته الانتخابية من سائقي سيارات نقل البضائع.
كما وعد ترامب في حال انتخابه بالقضاء على دعومات جو بايدن لجهود الانتقال إلى الطاقة المتجددة. لكن فريق بايدن استبق ذلك بجعل الدعومات مغرية للصناعة وأفضى ذلك الآن الى تشكل جماعة ضغط في قطاع الأعمال للدفاع عنها.
لكن هنالك خيط رفيع بين التحول الحقيقي إلى الطاقة الخضراء والتظاهر بذلك (الغسيل الأخضر) ويمكن من خلال تعديل الإجراءات الإدارية تحويل قانون خفض التضخم إلى «محرِّك» دعمٍ للمشروعات المفضلة للوبي النفط مثل الهيدروجين الملوِّث الذي يُنتج من الوقود الأحفوري.
إذا أعيد انتخاب بايدن ستظل الولايات المتحدة في مسار الطاقة الخضراء. مع ذلك، إذا لم تحدث معجزة، لن يكون هنالك أمل يُذكر لتأمين أغلبية في الكونجرس تدعم سَنّ تشريع مناخي جديد. فقانون خفض التضخم أفضل ما يمكن أن نأمل فيه.
لكن أهمية ما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة تتقزَّم إزاء القرارات التي يجب على بكين اتخاذها خلال الاثني عشر شهرا القادمة. فغازات الاحتباس الحراري التي تطلقها الصين في الهواء تزيد عما تطلقه أوروبا والولايات المتحدة معا. واستثمار الصين في الطاقة الخضراء في عام 2024 أكبر من استثمار أوروبا أو الولايات المتحدة.
استثمارات الصين في الطاقة الخضراء وتحديدا في التقنية الكهروضوئية والبطاريات وسيارات الطاقة الجديدة ونقل الكهرباء فائقة الجهد لمسافات طويلة حازت قصب السبق في تحقيق الحجم الكافي الذي تبدأ به حقا تغيير المشهد الاقتصادي بأكمله. ففي عام 2023، وفقا لحسابات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، كان الاستثمار في الطاقة الخضراء أكبر محرك منفرد للنمو الاقتصادي في الصين.
في الفترة من الآن وحتى ربيع عام 2025 على الصين صياغة تعهداتها الجديدة لتقليل انبعاثات الكربون بموجب اتفاقيات باريس للمناخ. والسؤال هو هل لدى مخططي بكين الشجاعة والقناعة الكافيتان لكي يرموا بثقلهم خلف السرعة المذهلة التي تقود بها شركات الصين الانتقال إلى الطاقة المتجددة أم سيتراجعون الى موقف أكثر حذرا.
وكما ذكر لوري ميليفيرتا وهو أحد كبار الخبراء الغربيين المختصين بشؤون الطاقة في الصين هنالك فجوة مثيرة للقلق بين سرعة التحول الذي تحقق بالفعل في السنوات القليلة الماضية والرؤية المستقبلية التي يبدو أنها المفضلة لكبار الإداريين المسؤولين عن الطاقة في بكين. ففي حين أضافت صناعة طاقة الشمس والرياح في الصين سعة توليدية جديدة بلغت ما يقرب من 300 جيجاواط في عام 2023 تتصور إدارة الطاقة الوطنية الصينية توسعا يزيد قليلا عن 100 جيجاوط سنويا.
لتفسير هذا الحذر من جانبها تشير الإدارة إلى الحاجة للمزيد من التنسيق في استثمارات الطاقة الخضراء وإلى أنظمة تسعير أكثر سلاسة لتعزيز موثوقية نظام الطاقة المتجددة.
هذه مشاكل مألوفة في الغرب. لكنها إذا كبحت ازدهار الطاقة (المغيِّر للعالم) في الصين سيشكل ذلك كارثة ذات أبعاد تاريخية.
السرعة غير العادية للاستثمار في الطاقة الخضراء بالصين في السنوات الأخيرة قد تثير ردود أفعال دفاعية في الغرب. لكنه أفضل أمل لنا في تحقيق استقرار فعلي للمناخ في الوقت المناسب لتجنب كارثة كوكبية.
في مواجهة الحاجة الملحَّة لهذا الاستثمار، التفكير في ايجاد توازن (مع الصين) يرقى الى أن يكون شكلا ناعما من أشكال إنكار التغير المناخي. ومن شأنه أن يجعل تحدي تحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060 أشد صعوبة. ويقوِّض بذلك صدقية الالتزام بمكافحة التغير المناخي الذي يشكل عاملا أساسيا لبناء تحالف عريض للتخلص من انبعاثات الكربون.
في الفترة 2008- 2009، كانت الصناعة الثقيلة في الصين محفِّزا لجزء كبير من النمو الاقتصادي في العالم وارتفعت بانبعاثات ثاني الكربون العالمية إلى مستويات جديدة. فهل ستحرك الصين زخم النمو العالمي للطاقة الخضراء في السنوات المقبلة؟ الإجابة على هذا السؤال ترتكز على القرارات التي ستُتَّخذ في الاثني عشر شهرا القادمة.
آدم توز أستاذ التاريخ بجامعة كولومبيا ومؤلف عدة كتب أحدثها «الإغلاق: كيف هزَّ كوفيد-19 العالم»
عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الطاقة الخضراء فی الصین الصین فی فی عام
إقرأ أيضاً:
محللان: مشهد تسليم الأسيرات سيكون سببا في خروج نتنياهو من السلطة
لم يكن مشهد تسليم المجندات الإسرائيليات الأربع اللائي شملتهن الدفعة الثانية من صفقة التبادل مهينا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقط، لكنه كان أيضا دليلا على نهاية مشروع تهجير الفلسطينيين، برأي الأمن العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى.
فعلى عكس ما جرى خلال تسليم الدفعة الأولى من الأسرى قبل أسبوع، كان مشهد تسليم الدفعة الثانية منظما وحمل الكثير من الرسائل السياسية والعسكرية لقادة إسرائيل وشعبها.
وفي حين كان المشهد يدعو كل فلسطيني حر للشعور بالفخر، فإنه كان يحمل الكثير من الإهانة لنتنياهو الذي تأكد الجميع اليوم أنه لم يتمكن من القضاء على المقاومة، كما قال البرغوثي في برنامج "مسار الأحداث".
انتهاء مخطط التطهير
كما أكد مشهد تسليم المجندات الأربع -من وجهة نظر البرغوثي- فشل إسرائيل في استعادة أسراها بالقوة وفي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأن عودة النازحين إلى شمال القطاع تؤكد انتهاء مخططات التطهير العرقي تماما.
وحتى داخل إسرائيل، أصبح كثيرون يعتقدون أن نتنياهو ذهب إلى هذا الاتفاق مرغما لأنه نص على الانسحاب من غزة ولم يتضمن إنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للقطاع، كما يقول الدكتور مهند مصطفى.
إعلانكما ينص الاتفاق أيضا على إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين وهو أمر كان محظورا إسرائيليا منذ 2011 وكانت الأجهزة الأمنية والعسكرية وكل التيارات السياسية بمختلف توجهاتها تعتبره خطا أحمر غير قابل للتجاوز، كما يقول مصطفى.
لكن الإسرائيليين لم يعودوا حاليا معنيين بهذه التنازلات السياسية لأنهم -من وجهة نظر مصطفى- يعتبرون عودة الأسرى مسألة وجودية ويربطونها بقدرة إسرائيل على مواصلة الحياة.
هزيمة سياسية كبيرة
بالتالي، فإن الإسرائيليين حاليا غير معنيين بالقضاء على حماس عسكريا ولا سياسيا ولكنهم معنيون بمواصلة تنفيذ الاتفاق الذي يمثل هزيمة سياسية كبيرة لنتنياهو، حسب تعبير مصطفى.
ومع ذلك، فإن اللحظة الأكثر صعوبة على نتنياهو -كما يقول البرغوثي- ستكون عند البدء في تسلم الجثث لأنه سيواجه وقتها أسئلة بشأن رفضه الاتفاق في مايو/أيار الماضي مما تسبب في مقتل عشرات الأسرى والجنود.
ليس هذا وحسب، فالأمر الآخر المهم -برأي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية- هو أن إسرائيل تعرف جيدا أن إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالمؤبدات سيدفع مزيدا من الشباب نحو المقاومة لأنهم يدركون الآن أن هناك من سيعمل على تحريرهم في حال وقعوا في الأسر.
لحظة تسليم المجندات الإسرائيليات الأربع للصليب الأحمر في ميدان فلسطين بغزة (الجزيرة)لذلك، يعتقد الدكتور مهند مصطفى أن محاولة نتنياهو المماطلة في الانسحاب من محور نتساريم بحجة عدم إطلاق حماس سراح أسيرة خامسة هي أريل يهود، ليست إلا نوعا من الحقد لأنه كان يخطط لتفريغ القطاع واستيطانه وإجبار حماس على الاستسلام.
وحتى خطة الجنرالات التي كانت تحاول الحكومة اليمينية من خلالها إجبار حماس على قبول مبدأ الأرض مقابل الأسرى، لم تنجح وكانت سببا في انتهاء فكرة تهجير سكان تماما، برأي مصطفى.
إعلانوبناء على هذه المقدمات، يعتقد مصطفى أن هذه الحرب ستكون سببا في خسارة مدوية لنتنياهو في أول انتخابات إسرائيلية مقبلة، لأن صورة تبادل الأسيرات التي ظهرت فيها حماس مسيطرة بشكل شبه كامل على القطاع تلغي أي نجاح آخر قد تتحدث عن الحكومة.
وتم الإفراج عن المجندات الإسرائيليات مقابل الإفراج عن 200 أسير فلسطيني بينهم 121 من المحكومين بالمؤبدات و79 من ذوي الأحكام العالية.