موظفو الدولة لن يُتركوا من دون رواتب؟
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
قبل هذه الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، التي يعيشها لبنان هذه الأيام، كانت الوظيفة في "الدولة" تُعتبر الأكثر أمانًا. وكان الذين يريدون أن يحظوا بوظيفة في أي إدارة رسمية أو في أي وزارة يضطرّون لـ "تبويس" أيدي السياسيين حتى ولو كان هذا "التبويس ضحكًا على الذقون"، مقابل عدد كبير من الذين يدخلون إلى "جنّة" الدولة وهم من المحسوبين على هذه الجهة السياسية أو ينتمون إلى "أحزاب السلطة".
وهذا ما تمّ التعارف على تسميته بـ "التوظيف السياسي". وأغلب هؤلاء يقبضون ولا يعملون حتى أن كثيرين منهم لا يعرفون مكان عملهم، باعتبار أن لا أحد يجسر على أن يقول لهم "ما أحلى الكحل بعيونهم"، وذلك بفعل انتمائهم إلى ما يُسمى بـ "أحزاب السلطة". عندما أنشأ الرئيس الراحل فؤاد شهاب مجلس الخدمة المدنية كان حريصًا في توجيهاته المعطاة للذين أعدّوا المراسيم التطبيقية لقيام هذا المجلس على منع توظيف أي شخص ينتمي إلى حزب أو إلى نقابة، وذلك إدراكًا منه لما يمكن أن يكون عليه الوضع في حال دخلت إلى ملاك القطاع الرسمي "سوسة" الأحزاب على تعدّدها وتنّوعها. وهذا ما هو حاصل اليوم في الإدارات الرسمية المحشوة بالأزلام والمحاسيب، وهم يُعتبرون عبئًا ثقيلًا على الدولة وعلى ماليتها العامة، خصوصًا أن هذا الحشو لا تستفيد منه الدولة، بل قد يكون من بين أكثر المصادر لتفشّي الفساد في إدارات القطاع العام، حيث تكثر الرشاوى والسمسرات و"البارطيل" وما يُسمى بـ "البخشيش". وهكذا يؤكل حقّ الموظف "الآدمي"، وهو عادة لا ينتمي إلى أي من "أحزاب السلطة"، وهو يُعتبر من المغبونين، من حيث الأفضليات وتخصيصه بساعات عمل إضافية وساعات الليل وما يُسمى بـ "الضغط" و"الإنتاج" و"الحيوية"، وهي مصطلحات لم ترد في أي بند من بنود قانون العمل، بل هي من بين البدع الكثيرة، والتي هي من "اختراع" عدد من الوزراء الحزبيين، الذين استفادوا من مواقعهم في السلطة لـ "تظبيط وضع جماعتهم" في الإدارات التابعة لهم اداريًا، حيث استشرى الفساد في الإدارات العامة في شكل غير مسبوق. وهذا ما كان يخشاه الرئيس شهاب عندما ألحّ على عدم توظيف أي حزبي في مؤسسات الدولة. ولأن في مؤسسات الدولة وفي الإدارات العامة هذا الكمّ الهائل من "الحشو" والفائض من الموظفين يجد، الذين أيديهم في النار ويتحمّلون المسؤولية الملقاة على عاتقهم وحدهم دون غيرهم، أنفسهم عاجزين عن تأمين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام، ومن بينهم أولئك "الآوادم" النظيفو الكفّ، والذين لولاهم لكانت هذه المؤسسات انهارت بالكامل.
فلو لم يكن في هذه المؤسسات هذا العدد من الموظفين الذين يقبضون ولا يعملون لما كانت مالية الدولة قد وصلت إلى ما وصلت إليه من عجز، ولما كان كل هذا الهدر وكل هذه المصاريف غير المجدية، والتي تؤمن من جيب المكلف اللبناني. وعليه فإن الاهتمامات ستتركز على المسلك الذي ستسلكه مشكلة تشريع الاقتراض المالي للدولة من مصرف لبنان، علمًا أن هذا المأزق يتجه نحو تداعيات سلبية إذا تمترس الأطراف المعنيون به وراء المواقف التي اتخذوها في الأيام الأخيرة، وهم الحكومة ومجلس النواب وحاكمية مصرف لبنان. فلا الحاكم الجديد بالنيابة سيكون سهلًا عليه القبول باستمرار آليات الانفاق المالي على متطلبات الدولة كما كانت جارية أيام الحاكم السابق رياض سلامة في ظل ما تسببت السياسات السابقة من كوارث. ولن يكون سهلًا على الحكومة او المجلس تحمّل تبعات تغطية المسّ بالاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان، وهو بقايا أموال المودعين. وتبعًا لذلك فان المأزق يواجه انسدادًا خطيرًا تتوجه معه الأنظار الى ما يمكن ان يجرى من مباحثات بين رئاسات الحكومة والمجلس وحاكمية المصرف المركزي والقوى السياسية أيضًا لأن الازمة الناشئة تهدد بتداعيات حادة في حال عدم اجتراح مخرج لها بسرعة. لكن ما هو أكيد أن الموظفين، وبالأخص "الآوادم" منهم لن يُتركوا يواجهون المصير المجهول، على رغم أن رواتبهم قد أصبحت لا تساوي شيئًا قياسًا إلى نسبة التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی الإدارات ما کان
إقرأ أيضاً:
صورة جامعة في دار الفتوى..الرئيس عون : لا مشروع يعلو على مشروع الدولة القوية
برزت صورة المشاركة السياسية والدينية الواسعة التي طبعت حفل الإفطار الذي أقامه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى مساء امس وتميز بالحضور الكثيف لكل اركان الدولة والسياسة والطوائف .وقد تقدم الحضور رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام ورؤساء الجمهورية السابقون امين الجميل وميشال سليمان وميشال عون ورؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي وحسان دياب ورؤساء الطوائف يتقدمهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والبطريرك الأرثوذكسي يوحنا العاشر والمطران الياس عودة وشيخ عقل الطائفة الدرزية ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورؤساء الأحزاب.
وفي كلمته في المناسبة تناول الرئيس جوزف عون "أهميةُ المشاركةِ السياسيةِ لجميعِ شرائحِ المجتمعِ اللبناني، من دونِ تهميشٍ أو عزلٍ أو إقصاءٍ لأيِّ مكونٍ من مكوناتِه". وقال "ان هذهِ المشاركةَ تقومُ على مبدأٍ أساسٍ وهو احترامُ الدستورِ ووثيقةِ الوفاقِ الوطنيِّ، وتفسيرِهما الحقيقيِّ والقانونيِّ لا التفسيرِ السياسيِّ أو الطائفيِّ أو المذهبيِّ أو المصلحي. إن الدولةَ اللبنانيةَ بمؤسساتِها المختلفة، وبقدرِ حرصِها على حمايةِ التنوعِ اللبنانيِّ وخصوصيتِه، فإنها ملتزمةٌ، وقبلَ أيِّ شيءٍ، بحفظِ الكيانِ والشعب، فلا مشروعَ يعلو على مشروعِ الدولةِ القويةِ القادرةِ العادلة، التي ينبغي بناؤُها وتضافرُ جميعِ الجهودِ لأجلِ ذلك".
واضاف "في خضمِّ التحدياتِ التي يواجهُها وطنُنا، يبرزُ موضوعُ تنفيذِ القرارِ 1701 واتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ كقضيةٍ محوريةٍ تستدعي اهتمامَنا وعنايتَنا. فلا يمكنُ أن يستقرَّ لبنانُ ويزدهرَ في ظلِّ استمرارِ التوترِ على حدودِه الجنوبية، ولا يمكنُ أن تعودَ الحياةُ الطبيعيةُ إلى المناطقِ المتضررةِ من دونِ تطبيقِ القراراتِ الدوليةِ التي تضمنُ سيادةَ لبنانَ وأمنَهُ واستقرارَه، وانسحابَ المحتلِّ من أرضِنا وعودةَ الأسرى إلى أحضانِ وطنِهم وأهلِهم. وهذا يوجبُ أيضًا وضعَ المجتمعِ الدوليِّ أمامَ مسؤولياتِه للإيفاءِ بضماناتِه وتعهداتِه، وتجسيدَ مواقفِه الداعمةِ للدولةِ ووضعِها موضعَ التنفيذ. إن إعادةَ إعمارِ ما دمرتْهُ الحربُ تتطلبُ منا جميعًا العملَ بجدٍّ وإخلاص، وتستدعي تضافرَ جهودِ الدولةِ في الداخلِ والخارج، والمجتمعِ المدنيِّ والأشقاءِ والأصدقاء، والقطاعِ الخاص، لكي نعيدَ بناءَ ما تهدم، ونضمدَ جراحَ المتضررين، ونفتحَ صفحةً جديدةً من تاريخِ لبنان".
اما المفتي دريان فتوجه الى الرئيس عون قائلا " أثبت اللبنانيون بانتخابكم رئيسا للبلاد، وتشكيل حكومة واعدة برئيسها ، ومؤتمنا على الدستور ووثيقة الطائف ، وقيما على الوحدة الوطنية ، أنهم يعرفون ماذا يريدون ، وأنهم يعرفون كيف يحسنون صنعا .. وكيف يحولون الأماني إلى وقائع. نعرف أن قيادة سفينة كانت على وشك الغرق ، ليس أمرا سهلا . ولكن بحكمة العقلاء وفي طليعتهم فخامتكم، ورئيسا مجلس النواب والوزراء ، والشخصيات اللبنانية الفاعلة ، والغيورة على مصلحة الوطن سيبدأ في لبنان عهد مشرق في الإنقاذ والإصلاح ، فنحن ما عهدناك يا فخامة الرئيس إلا رجل المهمات الصعبة ، وفي المهمة الجليلة التي تتولاها اليوم مع الحكومة ورئيسها ، لن تكونوا وحدكم ، ويجب أن لا تكونوا . إن الشعب اللبناني جميعه معكم ، يشد أزركم ليحمي الوطن بما يمثله من شعب ونبل وكرامة وعزة".
مواضيع ذات صلة سلام في افطار السرايا: لا مشروع يعلو على استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم وعلى الاصلاح Lebanon 24 سلام في افطار السرايا: لا مشروع يعلو على استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم وعلى الاصلاح