حرب النفايات وإيذاء النفس وتدمير الذات
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
لينا الموسوي
الصراعات والحروب بين البشر ظهرت منذ القدم، واختلفت أساليبها وأسبابها باختلاف عصورها وأزمنتها، وهذا يرجع إلى الطبيعة البشرية التي تفاوتت في حبها للمال والجاه والسلطة.
ولكن مع الأسف الشديد، أصبح بعض البشر يبذلون قصارى جهودهم لاختراع وتطوير الأسلحة والأدوات اللازمة لتدمير غيرهم من البشر لاعتقاد البعض بأنَّ البقاء للأقوى.
فإذا رجعنا إلى الخلف، سنجد أنَّ أساليب الحروب وأسلحتها اختلفت حسب اختلاف قوى الشعوب وثقافتها؛ فمنها من يحارب بالسلاح، ومنها من يدمر بالاقتصاد، ومنها من يفتعل الأزمات ليفكك المجتمعات، ومنها من اخترع أسلوبا جديدا لتدمير بيئة ونفسية بعض المجتمعات وذلك باستخدام بالونات مليئة بالنفايات والقاذورات كما فعلت إحدى الدول مع جارتها حسب ما قرأته في أحد تقارير نشرات الأخبار.
وهذا ما جعلني أتفكر وأتساءل وانظر للموضوع من زاوية أخرى، زاوية بعيدة كل البعد عن السياسة التي أدت لحرب النفايات.. إنها زاوية تركز على عمق الفكرة ومدى تأثيرها السلبي على البشر من كل النواحي البيئية والاجتماعية والتكنولوجية والنفسية.
فإذا نظرنا إليها من الناحية البيئية، سنجدها من أحد أكبر الملوثات التي تضر بصحة المجتمعات؛ لزيادة الملوثات، فتحد من النظافة وتزيد الفوضى وتقلل النظام، ومن الناحية الاجتماعية تحطُّ من رفعة وقدر وقيمة ورقي هذه المجتمعات؛ لأن النظافة البيئية كنظافة المدينة والمعمار تعتبر أحد أهم عوامل الارتقاء.
أما من الناحية النفسية، وهذا ما وددت الحديث عنه، فحسب اعتقادي أن ما تحمله كلمة حرب النفايات من معنى آخر؛ ما يُسمَّى باللغة العربية بالكناية والتي تؤثر تأثيرا مباشرا على لغة التخاطب التي تُستخدم في المجتمعات بين الأشخاص كالكلام غير اللائق والعصبية والمسبَّات؛ سواء كانت داخل الأسر أو في شوارع والمدن، أو بين الأفراد، أشبه بالقاذورات اللغوية التي تُؤثر سلبا على نفسيات وسمعة الأفراد الذين يعيشون في تلك المجتمعات.
حيث نجد أحيانا أسلوب التخاطب بين أفراد المجتمع؛ سواء كان داخل البيوت أو في الشوارع أو الأحياء، أسلوب جارح وكلمات فظة مهينة، كأنها أسهم مسمومة تصيب القلب وتؤذي النفس وتحطم الذات. هذا النوع من لغة التخاطب قد يشعر الإنسان بالاستياء والضرر؛ فيؤثر تأثير سلبي على شخصه وأدائه، ويقلل من احترامه لنفسه وذاته.
وفي الحقيقة، هذا النوع من الحروب الذي يعم ويتغلغل داخل المجتمعات واحد من أهم أسبابه: الجهل وعدم التفكر في الأساليب والأحداث قد يكون سلاحه اقوى بكثير من الحرب المتعارف عليها. فالكلام غير الموزون الذي يتلفظ به الفرد يُحاسب عليه مع مرور الوقت، ويُتداول عبر الأجيال، فيقلل من رفعة وقيمة المجتمعات.
ما وددت قوله من خلال كلامي عن قصة هذه الحرب الغريبة التي تداولتها نشرات الأخبار قبل مدة، والتي سخرنا منها لغرابتها، دون أن نتوقف قليلا ونتفكر في عمق وأبعاد ما تحتويه من مؤثرات قد تكون في الحقيقة أغرب وأقوى الحروب المدمرة لأساس بناء المجتمعات؛ فبناء وتطوير النفس والحفاظ على نظافتها وسلامتها هو أساس البناء الصحيح للمجتمع وتطوره.
لذلك؛ أحبتي التفكُّر بما يحدث وانتقاء الكلام الجميل الراقي يُفرِح النفس ويغذِّي الروح ويرفع من شأن الإنسان ومجتمعه؛ فبمعاشرة الكرام يرتفع المقام .
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فيلم اللّذة القاتلة.. إجازة عائلية تكشف عن أزمة الذات والتصدع الاجتماعي
ما بين دراما العائلات واستكشاف الأماكن يمكن النظر إلى العديد من الأفلام التي تستعرض تلك اليوميات الخاصة بأفراد العائلة في إطار من الروتين اليومي أو الفعاليات اليومية.
وهنا سوف تتفاوت دراميا الأهداف من وراء تلك الدراما التي سوف تتطور تدريجيا إلى نوع من الرضا والتسامح والتعاطي مع الأمر الواقع، مع أن الواقع يتكشف عن مشكلات وتعقيدات ما تلبث أن تتفجر وتنعكس على الشخصية الدرامية.
هذه المقدمة تنطبق على العديد من الأفلام التي تنتمي إلى هذا النوع، نذكر منها، فيلم "الطريق الذي سلكناه- 2009" وفيلم "السمكة الكبيرة 2003"، وفيلم "دان في حياته الحقيقية -2007"، وفيلم "صخرة العائلة – 2005"، وفيلم "هانا وأخواتها -1986"، وفيلم "بيت من أجل العطلة – 1996"، وفيلم "قابل الوالدين -2000"، وفيلم "راتشيل تتزوج – 2008"، وفيلم "حياة لا نهائية -2005" وغيرها من الأفلام...
واقعيا نحن أمام فيلم "اللذة القاتلة" للمخرجة نيل ستوفين وهو من إنتاج ألماني - فرنسي، وقد افتتح عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي اختتم قبل أقل من شهر من الآن، وهو يحاكي إلى حد ما ذلك النوع من أفلام العائلات، كما انه من جهة أخرى يمزج ما بين الفانطازيا والرعب والجريمة في شكل سينمائي، يبني من جانب آخر على ما يمكن أن نسميه اختلاف الثقافات.
وإذا توقفنا عند هذه النقطة الأخيرة قبل أن نغوص عميقا في أحداث الفيلم، فإن سلسلة من الإحالات يمكن التوقف عندها، فالعائلة الألمانية ميسورة الحال قادمة لقضاء إجازتها في منطقة بجنوب فرنسا، وما أن تصل إلى ذلك البلد حتى تجد نفسها وسط موجات من التظاهرات في ذلك الوقت وكلها بالطبع تتعلق بتحسين الأحوال المعيشية.
هذا التمهيد وفيما العائلة محاصرة في داخل السيارة والمصادمات بين المتظاهرين ورجال الشرطة الفرنسية والضرب واستخدام الغازات تجري من حولهم، كلها صور ومشاهد تبدو وكأنها المرة الأولى التي تشاهدها العائلة وهو ما سوف تؤكده مرة أخرى في علاقتها مع طبقة صغار الموظفين التي تنظر إليها من الأعلى حتى تتسلط على العائلة فتاة تدعى تيودورا - الممثلة الإسبانية كارلا دياز التي سوف تتمكن من فرض الأمر الواقع على العائلة وتعيش في وسطهم بصفة مدبرة منزل ومن ثم تبدأ التسلل إلى حياة تلك الأسرة وصولا إلى تداعيات خطيرة لم تكن في الحسبان.
واقعيا نحن أمام قصة درامية تتكشف من خلالها شخصيات نستطيع أن نقول إنها تائهة وشبه منقطعة عن الواقع، فضلا عن تصدعات كانت متوارية وسرعان ما تتكشف تباعا، سواء في طبيعة العلاقة بين الزوجين والتي تتجلى من خلال العديد من المشاهد التي تجمع الزوجين القادمين من تلك الطبقة الموسرة، وهما اللذان يشعران كأن العائلة أصبحت مثل سمكة خارج الماء عندما وجدت نفسها على تماس مع طبقة الخدم ومشاهدة المتظاهرين ولاحقا انضمام تيدورا إلى العائلة من خلال الحادث المدبر الذي لفقته بحجة أنها صدمت بسيارة جون وفقدت وظيفتها بعد ذلك ومن ثم أصبح تسللها إلى العائلة في حكم الأمر الواقع.
يقول الناقد نيل بيثرو الناقد السينمائي في موقع سكرين رانت:" لا شك أن رسالة الفيلم تأتي هنا على شكل رمزية بصرية متميزة وحوارات متقنة، ولكن القصة والشخصيات تصبح تدريجيًا أقل تأثيرا للتعبير عن الفكرة الرئيسية للفيلم، رغم أن رسالته تبقى قوية ومؤثرة طوال الوقت.
القصة تأتي ثانوية مقارنةً برمزية الفيلم المتعددة الطبقات، والتي تُكرّر النقاط الواردة في المشهد الافتتاحي بطرق لافتة للنظر ويُعدّ هذا سلاحًا ذا حدين للفيلم. فبينما تُعدّ العناصر البصرية للفيلم مُكمّلًا مثاليًا للتعبير عن سردية الفيلم، إلا أن هذا المستوى نفسه من التفاعل لا يُترجم بشكل واحد من طرف الشخصيات".
أما الناقدة السينمائية كارينا بلوم في موقع ميت كريتيك فتقول: "على الرغم من أن الفيلم يُقدم على أنه دراما إثارة منزلية تقليدية، مدعومة بالمؤامرات، إلا أنه يصمد دراميا رغم بعض الحوارات غير المتقنة في مقابل المهارات الإخراجية التي تفوق النص المكتوب، ويمكن القول إن المخرجة قد نجحت في انتزاع أداء قوي من الممثلين، وإضفاء جو كثيف ومتوتر على القصة التقليدية، على خلفية براعة تصوير فرانك كريب".
لاشك أن تسلل تيدورا كان عبارة عن ثقب اسود كبير بدأت العائلة تدخله بالتدريج عندما استدرجت الزوجة تعبيرا عن سخطها من إخفاق زوجها وانضمامها إلى ثلة تيدورا من الشباب المنطلقين على دراجاتهم النارية ليلهم كنهارهم وخلال ذلك تفصح تيدورا بوضوح أنها تنتمي إلى جيل سوف يعجزون عن السيطرة عليه أو إدراك نواياه، وهو ما تشير من خلاله إلى الدوامة التي سوف يدخل فيها الجميع ولن يخرجوا منها بسلام.
إخراجيا عمدت المخرجة إلى بناء حلول جمالية وتعبيرية من خلال خطوط السرد المتعددة، إذ أتاحت لكل شخصية أن تعبر عن أزماتها الخاصة وحيث الصمت المطبق يخيم على الطفلين لكن شهادة الطفلة لوحدها التي لا تستمع إليها الأم كانت كفيلة بكشف نوايا تيدورا في التسلل إلى حياة العائلة سواء بسرقة هاتف الزوجة أو التفتيش في دولابها.
وهنا يمكننا التوقف عند التداعي المستمر للشخصيات ضمن نطاق السرد الفيلمي القائم على فكرتي الممكن والمتوقع والمبني على رغبات أكثرها يتميز بالأنانية وعدم الانفتاح على الآخر وهي ثغرات مهمة كانت كافية للكشف عن الشخصيات وهي في أشد أزماتها صعوبة حتى إذا انتقلنا إلى الحل الإخراجي وما رسمه السيناريو بأن تيدورا وأصحابها بالإضافة إلى التنسيق فيما بينهم للإيقاع بالضحايا إن هم إلا مجموعة من مصاصي الدماء وهو ما سوف يظهر في المشاهد الأخيرة، وفي الحقيقة إنه تفصيل لم يكن ذا قيمة مهمة على صعيد الدراما الفيلمية.
ومن جهة أخرى وجدنا أن جون وزوجته بما أوتيا من خبرات وتجارب وتاريخ مهني وطبقة أرستقراطية، إلا أنهما بديا شبه مغفلين وبالإمكان خداعهما والتلاعب بهما وخاصة من طرف تيدورا وأصدقائها وهو تضارب ملفت للنظر في بناء الشخصيتين، وربما كانت الطفلة أكثر يقظة من والديها اللذين سوف ينحدران تباعا في اللعبة التي يصنعها أصدقاء تيدورا وهي مفارقة درامية ملفتة للنظر واستثنائية.
لاشك أن الفيلم على بساطة الفكرة التي عالجها على صعيد هذا النوع من الدراما العائلية، إلا أنه امتزج بمعطيات كثيرة وتماهى مع فكرة فيلم الرعب والكوميديا السوداء وأفلام مصاصي الدماء في مزيج درامي جعل مسألة الاهتمام والمتابعة للأحداث مؤكدة ومثيرة للاهتمام لدى المشاهد.
...
سيناريو وإخراج/ نيل ستوفين
تمثيل/ فاليري باشنر في دور إستر، فخري يارديم في دور جون، كارلا دياز في دور تيودورا
مدير التصوير/ فرانك كريب
موسيقى/ فولكر برتيلمان
العرض الأول/ مهرجان برلين السينمائي الدولي - 2025
• اسم الفيلم تم تعديله من طرف نيتفليكس من اللذة إلى اللذة القاتلة.
• الفيلم ليس للمشاهدة العائلية.