جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-23@17:32:35 GMT

ما بعد حادثة الوادي الكبير؟

تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT

ما بعد حادثة الوادي الكبير؟

 

 

◄ نقترح إقامة مركز وطني للدراسات والبحوث الإستراتيجية لإجراء دراسات حول القضايا المتعلقة بالوحدة الوطنية وتحديات سلمية الفكر والمجتمع

 

د. عبدالله باحجاج

بداية.. لابد من الافتخار والاعتزاز باحترافية وسرعة الأجهزة الأمنية والعسكرية في تعاملها مع حادثة الوادي الكبير، والاعتزاز والافتخار نفسه بالإجماع الوطني -نُخَب ومواطنين- على إدانة ورفض الحادث، والتعبير عن ذلك من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، في ملحمة وطنية مثَّلت قوة ناعمة حيَّرت كل مُراقبي شأننا الداخلي، وجعلت الأشرار الذي كانوا يتربصون بداخلنا يلزمون الصمت القهري؛ لأنهم لن يجدوا أي خاصية من خواص الاستماع لهم، وكانوا سيجابهون بحملة وطنية تكشفهم وتفضح خلفياتهم؛ لذلك فضَّلوا الصمت؛ فالعُمانيون مُتَّحِدون ومتضامنون مع ذاتهم الجماعية وفي قضايا وطنهم الإستراتيجية، وهذا ينبغي أن يكون معلومًا بصورة دائمة وثابتة.

وتساؤل العنوان أعلاه يقودنا لاهتمامات وطنية معينة لتعزيز جبهتنا الداخلية بعد هذا الحادث، في ظل انكشاف بُعدها المحلي التنفيذي، وبالذات طبيعة الفكر الدافع لها الذي بدوره يجعلنا نعيد النظر في تفكيرنا للتحديات والإكراهات من منظور الاستثناء في ظل ذلك الثابت، ولعل ما نلفت الانتباه إليه هو الدعوة لتصويب بعض المفاهيم والمقولات المتعارف عليها كمقولة "محاربة الفكر بالفكر" فلم تعد مُطلَقَة، وإنما ينبغي أن يتزامن معها مفهوم الردع القوي كثنائية متلازمة المسار والتطبيق، فليست كل الأفكار يُمكن أن تحاربها بالأفكار، فهناك أفكار جامدة لا يُمكن التغلغل فيها للتأثير عليها، فهي تستهدف حصد أرواح بريئة لمجرد أنها تختلف مع أفكار الآخر كحادث الوادي الكبير، فكيف تحارب بالفكر؟!

والمتابِع للأفكار قبل الحادث وبعده، سيخرج بأن المنطقة عامة ستدخل في حقبة صراع مع الأفكار مُتعددة الاتجاهات والمصادر؛ لذلك يقتضي الأمر إعادة التفكير بالمخاطر، وهنا تساؤلات وطنية ينبغي أن تطرح أبرزها:

أولاً: كيف نحصن جيلنا الجديد من الأفكار الإقصائية -"داعش" نموذجا- والباطلة -النسوية والإلحاد والمثلية نماذج أخرى؟ ووراءها دول أجنبية ونخب وجماعات أيديولوجية مسلحة تحيط بالمنطقة الخليجية من شمالها وجنوبها.

ثانيا: كيف نُعظم أدوار التنمية الشاملة والتربية والتعليم والأسر في الحصانة الفكرية؟ وهذا التساؤل مُلحٌّ في ضوء التحولات المتسارعة والمقلقة على مختلف الصعد، وفي سياق خصوصية الديموغرافية العمانية الفتية؛ حيث يُشكل الشباب في الفئة العمرية 18-29 ما نسبته 20% من إجمالي العُمانيين، وقد بلغوا في العام 2020 نحو 549،420 شابا؟

ثالثا: ما هو دور النُّخب العمانية السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية في تعزيز استدامة التعايش الفكري والاجتماعي في بلادنا؟ لا نطرح هذا التساؤل لوجود أزمة ينبغي أن تُعالج، وإنما لدواعي التأكيد على مسارات قائمة ورفع درجة الوعي في مناطق معينة.

لا يُمكننا في هذه العجالة أن نُشبع هذه المحاور المهمة بالنقاشات المستحقة، لكننا سنشير إلى بعضها سريعًا رغم أن تلكم التساؤلات تكفي لذاتها؛ لأنها ناطق باحتياجات المصير في مراحله المختلفة؛ فهى تبطن استشرافات متعددة مقبلة بعضها معلوم، والأخرى تحملنا التفكير خارج الصندوق لرسم خارطة بالتحديات المقبلة، والمفارقة في المعلوم وجود نخبة خليجية لا يمكن انتزاع الصفة الحكومية منها، أصدرت قبل الحادث محتوى فكريًّا يمثل رأس الحربة المتقدمة للفتن المعاصرة في المنطقة، وتروج له في منطقة واسعة تشمل كذلك شمال إفريقيا، وهى تعلم أنها تلعب بنيران الفتنة في المجتمعات المسالمة والآمنة، ولا يهمها اللعنة الإلهية المترتبة عليها رغم خلفياتها الدينية والسياسية، بقدر ما هي مُلزمة بتنفيذ أجندات سياسية إقليمية ودولية، ولن تنجح مطلقا، مثلما فشلت في الماضي، ورغم ذلك، ينبغي أن نشدد على التوعية الاجتماعية العامة بالمخاطر المقبلة في ضوء حادثة الوادي الكبير.

قراءتنا لطبيعة الحقبة المقبلة للمنطقة الخليجية على وجه الخصوص أنها تحمل صراعا بين الحق والباطل؛ فلابد أن ننأى ببلادنا عن كل ما يمس وحدتها الوطنية والحيلولة دون السماح للأفكار الضالة والباطلة أن تُدخلنا في مأزق الطائفية والعنصرية والمذهبية والصراعات الاجتماعية. ومن هنا، فإنَّ ما طرحناه من تساؤلات سابقة يُمثِّل الوعي السياسي بتلكم التحديات والإكراهات المقبلة، ومواجهتها تتم من خلالها؛ فمثلا عندما نفتح نافذة سريعة عن دور النخب العمانية فإننا ينبغي أن نستحضر هنا أسباب انهيارات سلم الأمن الفكري والاجتماعي لبعض الدول؛ حيث كان نتيجة ما يكتب في إعلامها وخطب علمائها أو ما يصرح به مسؤولوها في وسائل الاعلام، الخطابات كلها تكون جدالا وسجالا؛ لأنها تدافع عن المصالح الفئوية وانتماءاتها المذهبية الضيقة غير عابئة بمصالح بلدانها ووحدة أوطانها وأمن شعوبها.

وكان من نتاج كل ذلك صناعة مجتمعات مملؤة بالكره والتباغض، وموسومة بشيطنة الآخر وعدم الاعتراف بحقه داخل الوطن الواحد، ولله الحمد هذه الممارسات لا تعرفها بلادنا، لكننا نذكِّر بها كل نُخبنا، ولماذا هم؟ لأنهم يملكون الوعي بالواقع، ويرون ما لا يرى غيرهم، ولأنهم قادة الرأي في المجتمع؛ لذلك هم ملزمون بالحفاظ على الوحدة الوطنية في سلمها المشترك وأمنها الفكري المتعدد، وملزمون بصناعة الوعي بأهمية نعمة الامن والأمان، وملزمون بالتبصير بسد مآلات المسارات والخيارات التي قد تؤثر على سيكولوجية الجيل الجديد الفتي.

وينبغي التأكيد على أنَّ ضمانة المسير الآمن تقوم على ركنيين أساسيين؛ هما: التنمية المستدامة واستيعابها لتطلعات الديموغرافية الوطنية؛ فلا ينبغي أن نسمح للأفكار الضالة والباطلة أن تستغل الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والآخر التربية والتعليم، فينبغي تحصينها حتى لا يتأثر الجيل الجديد بالأفكار الضالة والباطلة، وتأثره متعدد المصادر، وأخطر ما فيها الاختراقات الفكرية عن طريق التقنية القادرة على غسل مخهم بالكامل، وتغيير اتجاهاتهم الفكرية، وهنا ينبغي أن تتكامل أدوار التربية والتعليم المؤسساتية مع أداور الأسر حتى لا تجد الأفكار الضالة والفاسدة ثغرات تنفذ منها.

ونقترح إقامة مركز وطني للدراسات والبحوث الإستراتيجية يضم كفاءات عمانية متخصصة في كل العلوم وتكنوقراطية، ومشهود لها بالوطنية وتمسُّكها بالقيم والمنظومة الأخلاقية العمانية، ومستوعبة قضايا الحداثة والتطور للدولة والمجتمع؛ بحيث يكون من بين أهم أهدافه -أي: هذا المركز- إجراء دراسات وبحوث حول القضايا المتعلقة بالوحدة الوطنية وتحديات سلمية الفكر والمجتمع، ودراسة البيئتين الإقليمية والعالمية وتأثيراتها على ثوابتنا الداخلية، وكذلك دراسة حجم السياسات الحمائية وكفايتها وضمانة الحفاظ على قوة المجتمع ومنظومة ولاءاته الفوقية والتحتية الوطنية.. واقتراح التوصيات اللازمة للتصحيح والتصويب في الآجال الزمنية المستحقة بناء على دراسات علمية ومن مصدر وطني موثوق به.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«الأزهر»: 2 مليون فتوى تتعلق بفقه العبادات والمعاملات وقضايا الفكر

قدم الأزهر الشريف حصاد فتاواه لعام 2024، حيث شهد هذا العام إقبالاً على الفتاوى من قبل مراكز الفتوى المختلفة داخل المشيخة. وأعلن مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية إحصاء بجهوده الإفتائية خلال عام 2024، فى إطار أنشطته المكثفة لنشر الوعى وتصحيح المفاهيم، من خلال برامج متكاملة، وحضور متواصل على جميع المنصات الإعلامية، وفى الميادين المختلفة.

وواصل «مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية» فى عام 2024 مواجهة خطابات الفكر المتطرف بأشكاله المختلفة، وتفنيد شبهاتها وأباطيلها، والإسهام فى القضاء على فوضى الفتاوى وتصحيح الأفكار المغلوطة، من أجل تحصين المسلمين، لا سيما الشباب من السقوط فى براثن التطرف، مع إمداد المسلمين بالفتاوى والعلوم الشرعية المنضبطة والصحيحة فى شتى بقاع الأرض.

ورد مركز الفتوى الإلكترونية، خلال عام 2024، على نحو 1.961.711 فتوى هاتفية ونصية وميدانية وبحثية وإعلامية وعلى وسائل التواصل، تتعلق بكل ما يهم الناس فى حياتهم اليومية، وفى كل فروع الفقه من عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وقضايا الفكر والأديان، وما يعرض للجمهور من شبهات، تتعلق بأمور الدين والدنيا.

كما واصل «بنك فتاوى الأزهر الإلكترونى» التابع لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، تقديم خدماته المتميزة للجمهور، والذى بدأ العمل فيه منذ ديسمبر 2019، ليكون ركيزة للبحث الإفتائى، ونشر المنهج الوسطى الرصين لجماهير المسلمين محلياً وعالمياً، حيث وصل عدد الفتاوى التى تم إعدادها بالبنك هذا العام إلى ما يزيد على (4.600) فتوى.

وتنوعت الفتاوى التى أصدرها مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، لتشمل الفتاوى النصية وبلغت 534.943 فتوى، و419.941 فتوى هاتفية، والفتاوى الميدانية، والتى بلغ عددها 393.695 فتوى، فضلاً عن فتاوى وسائل التواصل الاجتماعى وبلغت 75.003، وفتاوى وسائل الإعلام وبلغت 263.731، كما بلغ عدد الفتاوى الواردة لقسم فتاوى النساء 59.735 فتوى، والفتاوى باللغات الأجنبية 8.752.

فى السياق نفسه، شهد عام 2024 نشاطاً دعوياً متميزاً لمجمع البحوث الإسلامية؛ إذ واصل المجمع جهوده فى نَشْر القِيَم الإسلامية السمحة، وتعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال، لمواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية فى وقتنا المعاصر. وقدم المجتمع ما يقارب من 140 ألف رسالة دعوية ركزت على التحديات الراهنة وعلاقتها بالمفاهيم الإسلامية الأصيلة، ما أسهم فى توعية الجمهور وتعميق فهمه للقيم الدينية، إضافة إلى ذلك، أُقيم 308.341 درساً دينياً فى المساجد على مستوى الجمهورية، ما أسهم فى إثراء الفكر الدينى وتبسيط المفاهيم الشرعية للمصلين.

وفى السياق، أطلق مجمع البحوث الإسلامية 180 قافلة دعوية متحركة استهدفت المناطق النائية، إضافة إلى 156 قافلة ثابتة فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، لنشر القيم الإسلامية وتعزيز الوعى الدينى، كما أطلق المجمع 125 قافلة مشتركة بالتعاون مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، فى إطار تكاملى يهدف إلى تعزيز الوحدة بين المؤسسات الدينية.

وعمل المجمع على التواصل المستمر مع جميع فئات المجتمع من خلال عدد من اللقاءات الميدانية المتنوعة التى شملت 25.307 لقاءات فى دُور الرعاية الاجتماعية، و15.890 لقاءً فى مراكز الشرطة، و1.121 لقاءً مع أفراد الأمن المركزى، إلى جانب تنظيم 3.268 لقاءً داخل السجون، تم خلالها إلقاء الضوء على أهمية الإصلاح النفسى والتوجيه الأخلاقى للنزلاء، إضافة إلى 17746 زيارة للمستشفيات، وعَقْد نحو 50 ألف لقاء بالمدارس والمعاهد والشركات والمصانع.

وحرص المجمع على إشراك الشباب فى الأنشطة الثقافية والدينية، إذْ تم تنظيم 69.348 حلقة نقاشية فى مراكز الشباب، و12.071 حلقة فى قصور الثقافة، إضافة إلى 21.571 لقاءً فى المقاهى الثقافية، التى شكلت منصَّة حوارية مبتكرة لطرح القضايا الفكرية والدينية.

وفى إطار حرص المجمع على تعزيز دور المرأة فى المجتمع، تم تقديم 50.722 درساً دينياً موجهاً للنساء، وركزت هذه الدروس على القيم الأسرية والاجتماعية، كما أُقيمت 42.205 أمسيات دِينية، تناولت قضايا الحياة اليومية وكيفية التعامل معها وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي.

وأطلق مجمع البحوث الإسلامية عدة مبادرات نوعيَّة؛ أبرزها مبادرة بناء الإنسان، التى شهدت 18.336 لقاءً، لتحسين وعى الأفراد بأهمية بناء الذات وفقاً للقيم الإسلامية، كما أُقيم 67.534 لقاءً فى إطار التأصيل الأخلاقى، لتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية فى المجتمع، إضافة إلى 56.816 لقاءً ضمن برنامج (المنبر الثابت)، الذى استمر فى نشر العِلم الشرعى وتعميق الفهم الصحيح للمفاهيم الدينية.

وأعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فى تقرير حصاده، أن عام 2024 شهد استقبال آلاف من الأسئلة من فئات جماهيرية متنوعة فى مختلف لجان الفتوى الرئيسية والفرعية فى جميع محافظات مصر، والتى تقترب من نحو 230 لجنة فتوى فى مدن الجمهورية، فى إطار توجيهات من الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بتلبية احتياجات الجمهور فى الجوانب المعرفية الشرعية والمجتمعية بما يحقق رسالة الأزهر ودوره فى ضبط المفاهيم وتوعية الناس وتثقيفهم ورفع الوعى المجتمعى العام.

مقالات مشابهة

  • ترامب: ينبغي خفض أسعار النفط والفائدة عالميا لإنهاء الصراعات
  • "معلومات الوزراء" يستعرض أبرز نتائج استطلاعات مراكز الفكر العالمية
  • "معلومات الوزراء" يستعرض أبرز نتائج استطلاعات مراكز الفكر والاستطلاعات العالمية
  • جامعة جنوب الوادي تناقش متطلبات تحقيق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة
  • بعد حادثة الطائرة المنكوبة.. كوريا الجنوبية تخطط لإجراء تعديلات في مطاراتها
  • فتوى تبيح قتل الكلاب الضالة تثير جدلاً في دهوك.. منظمة تطالب بحلول إنسانية
  • تفسير حلم إطعام الكلاب الضالة في المنام لابن سيرين.. خير أم شر؟
  • إحالة سائق للجنايات لاتهامه بالشروع في قتل جاره
  • «الأزهر»: 2 مليون فتوى تتعلق بفقه العبادات والمعاملات وقضايا الفكر
  • رفض تسديد مصاريف مدرسة أطفاله.. زوجة تلجأ لمحكمة الأسرة لخلع زوجها