تحالف التطبيع.. والمقاومة
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
Ali95312606@gmail.com
الجهر بمعصية التطبيع اليوم، لابد أن يعود بنا إلى بدايات القرن العشرين وما رافقه من أحداث ومؤامرات، وتهافت الغرب الاستعماري على غنائم وميراث الرجل المريض والمتمثل بالدولة العُثمانية. كانت هذه الأحداث التي تظهر في زمنها على أنها صراع نفوذ ومصالح بين المستعمرين الإنجليزي والفرنسي على وراثة العُثماني، تبيَّن أنَّها مخططات مُتفق عليها لتفتيت الأمة العربية إلى كانتونات صغيرة تُسمى "أقطار"، وتحمل ملامح الدول من أعلام وعملات وأناشيد وطنية وحدود سياسية أصبحت فيما بعد رموز "سيادية"؛ حيث كان يُريد المستعمر من هذه التقسيمات خلق أقطار وظيفية ممزقة ومشتتة، تتقاتل على فُتات رموز الدولة فيما بينها باسم السيادة، وتخدم المستعمر الجديد بوعي وبلا وعي وقت الحاجة.
ثم أتَى الفصل الثاني والأخطر من المخطط وتمثل في وعد بلفور وما تلاه من وعود وتمكين لليهود بفلسطين بالحيلة والقوة، وصولًا إلى قرار التقسيم لفلسطين عام 1936م.
تعثُّر المخطط الاستعماري في تنفيذ بنوده بشكل مريح لسببين؛ الأول: اشتعال الحربين الأوروبيتين (العالمية)، والسبب الثاني: وجود بعض الزعامات العربية التاريخية والتي قاومت المخطط واستشعرتْ الخطر على الأمة في زمن مُبكر.
خرج الاستعمار من الباب وعاد من النافذة، بتكريس التبعية والانبهار والانفراد بالأقطار العربية الفاعلة في مواجهته والتحريض عليه. تمكين الكيان الصهيوني من فلسطين عام 1948م بتوافق إقليمي ودولي في ظل غياب وتغييب دولة الاستقلال العربي تمامًا، وتمرير وضع الكيان على أنه وضع تاريخي طبيعي، دون التصريح بأنه استثمار غربي وقاعدة متقدمة له في قلب الأمة، جعل بعض العرب يُصدِّقون سرديات الكيان الصهيوني ورعاته ويبحث عن مبررات لتسويق وتقبل وجوده بزعم اختلال موازين القوى بيننا الكيان. الحروب والمعارك التي خاضها العرب مع الكيان لم تكن مشجعة كثيرًا لخلق ثقافة مقاومة حقيقية تتنزع الحق العربي الفلسطيني من براثن الصهيونية العالمية.
اليوم.. بات جليًّا وظيفة الكيان الصهيوني الحقيقية في قلب الأمة كمعطل تاريخي لها من الوحدة والنهوض حتى على الصعيد الفردي؛ حيث حارب ودمر الغرب عبر الكيان الصهيوني كل كيان عربي فاعل أو تجربة عربية يمكن أن تُشكل نموذجًا وقدوة في أي مجال تنموي، فقتل العلماء ودمر المفاعلات النووية، وسمم البذور والتربة والثروة الحيوانية حتى لا تصبح هناك تجارب عربية للأمن الغذائي.
يأتي "طوفان الأقصى" اليوم ليسقط أوهام سبعة عقود من تغييب العقل العربي، ويسقط معها سرديات الكيان ورعاته واتباعه، بصورته النمطية المتمثلة في القوة العسكرية والرفاهية. أتى الطوفان وبعض العرب على وشك الاقلاع نحو أحضان التطبيع، وتسويق حل الدولتين، مستغلين حضور غصن الزيتون وغياب البندقية عن أيدي أصحاب الحق لعقود خلت، فما كان للمطبعين من خيار إزاء هذه الصدمة التاريخية سوى الهروب الى الأمام، والجهر بمعصية التطبيع رغم فساده، والتحالف مع العدو ضد من يحمل سلاح أو فكر أو ثقافة المقاومة.
من الصُّدف غير الجميلة لتيار التطبيع أن تيار المقاومة يتواجد في جغرافيات مختلفة؛ الأمر الذي يجعل من مواجهتها أو القضاء عليها مُكلف وصعب للغاية، كما يجعل هامش المناورة لدى فصائل المقاومة وعمقها الجغرافي عميق؛ الأمر الثاني أن الهرولة نحو التطبيع أتت في زمن خروج العدو من الخدمة وضعف وتقهقر داعميه إقليميًّا ودوليًّا، والأمر الثالث وهو الأخطر، أن التطبيع والتحشد مع العدو أتى في زمن الصواريخ والمسيرات العابرة للحدود بأنواعها، وفي زمن تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب ومتضارب المصالح.
--------------
قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.
وبالشكر تدوم النعم...،
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فلسطين.. بين ناصر ونصر الله! طه العامري قيل إن (ناصر) ولج للإسلام من بوابة العروبة وإن (نصر الله) ولج للعروبة من بوابة الإسلام في تجسيد شكله الثنائي للحقيقة الراسخة أن لا عروبة بلا إسلام ولا إسلام بلا عروبة.. وأن الثنائي يتكاملان ويكملان بعضهما في مواجهة
يكتبها اليوم / طه العامري
قيل إن (ناصر) ولج للإسلام من بوابة العروبة وإن (نصر الله) ولج للعروبة من بوابة الإسلام في تجسيد شكله الثنائي للحقيقة الراسخة أن لا عروبة بلا إسلام ولا إسلام بلا عروبة.. وأن الثنائي يتكاملان ويكملان بعضهما في مواجهة المشروع الصهيوني _الاستعماري، وإيمانهما بالحرية لكل المضطهدين في العالم وسعيهما للتصدي للهيمنة الاستعمارية والقيم الإمبريالية، بل وتسخير حياتهما النضالية في سبيل تحرير فلسطين وطرد المحتل الصهيوني والانتصار للحقوق العربية ومناصرة قضايا المسلمين والمستضعفين في الأرض وإشاعة قيم الحرية والكرامة والحق والعدل بين أبناء الأمتين العربية والإسلامية.. قواسم مشتركة جمعت بين سيرة ومسيرة (ناصر) و(نصر الله) اللذين دفعا حياتهما في سبيل فلسطين وقضيتها العادلة وفي سبيل كرامة وسيادة الأمة، وكما لم يكن (ناصر) قائدا لمصر وحسب بل كان زعيما للأمة ومنافحا عن قضاياها وقضايا المسلمين، وترك فكرا ومنهجا ورؤية ومشروعاً، قيم ومفاهيم تستوطن وجدان وذاكرة الأمة وأجيالها المتعاقبة، وبهما أوجدت مدرسة نضالية تنتمي لناصر ويعتز منتسبوها بهذا الانتماء، فإن (نصر الله) أيضا لم يكن قائدا لحزب مقاوم ولا زعيما للبنان بل كان قائدا لأمة ومدافعا عن سيادتها وكرامة المسلمين، وترك خلفه فكرا ومنهجا ومشروعاً نضالياً ومدرسة جهادية ستظل حاضرة في وجدان وذاكرة الأمة وأتباعه الذين يقتفون أثره .. زعيمان عرفتهما الأمة تركا بصماتهما في ذاكرة تاريخها وفي وجدان مواطنيها وأجيالها المتعاقبة وستبقى سيرتهما محفورة في الوجدان، رغم الحملات المناهضة لهما والتهم الجزافية والمخادعة التي طالتهما والتي صورت الأول بأنه صاحب مشروع هيمنة على الأمة وصل حد اتهامه بمحاولة (استعمار الوطن العربي)، والثاني كذلك تم تصويره بأنه صاحب مشروع مماثل، أي الهيمنة على الأمة ومحاولة تطويعها لصالح إيران ..
وكما اجتمع وتميز الزعيمان بمشروعهما المعادي للصهيونية والاستعمار، وتم تصنيفهما عربيا وإسلاميا ودوليا، كعدوين لدودين للعدو الصهيوني والمشاريع الأمريكية _الاستعمارية الغربية، وعدوين لقوى الرجعية والارتهان العربية، فإن ذات الأطراف التي عادت عبدالناصر وعادت مشروعه النضالي القومي والتحرري والحضاري الإنساني إقليميا ودوليا، هي ذاتها الأطراف التي عادت وتآمرت على السيد حسن نصر الله – سيد المقاومة والكرامة ..
وعادت مشروعه النضالي بكل ما يحمل من قيم وأخلاقيات عادلة، وكما وصف (ناصر) ضمن روزنامة التهم التي وجهت إليه بـ (الشيوعية)، وصف السيد (نصر الله بـ (الشيعي)، في محاولة رجعية استعمارية للانتقاص منهما ومن دورهما النضالي في سبيل الأمة وتحرير فلسطين، مع أنهما لم يكونا يعملان إلا لتحقيق حرية وكرامة وسيادة واستقلال أمة ونصرة المستضعفين وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من انتزاع حريته وإعلان دولته المستقلة على ترابه الوطني .. وذات القوى التي ابتهجت برحيل (ناصر)، هي ذاتها التي رقصت طربا بسقوط السيد حسن شهيدا على طريق القدس، حتى يخيل لي أن (حزب الله) كان في عهد سيد المقاومة يؤدي ذات الدور الذي كانت تؤديه مصر عبدالناصر، وإن بصورة مصغرة، وان كل ما نخشاه أن يوغل المتآمرون على (الحزب) لينتهي به المطاف بعد (نصر الله) كما انتهى المطاف بمصر بعد (ناصر)..
إننا في عالم استعماري أسوأ ما فيه حالة العقل العربي المستلب استعماريا والذي أصبح يرى في كل من يعادي الصهاينة والأمريكان (إرهابياً، وطائشاً، ومغامراً) رغم أن دعاة (السلام، والعقلاء، والحكماء) المزعومين الذين تمسكوا (بخيار السلام والشرعية الدولية والقوانين الدولية) وارتهنوا لأكاذيب أمريكا وخداعها وحيل وغدر الصهاينة، لم يجنوا من وراء هذه المزاعم والأكاذيب غير الهزائم والنكسات والعار الذي يلطخ سيرتهم ومسيرتهم.
فيما العدو يواصل الإيغال في استفزاز دعاة “السلام والحكمة والعقل” ومن يعتمدوا خيار المفاوضات بديلا عن خيار المقاومة والذين لم يجنوا من سلامهم وتعقلهم وحكمتهم ومفاوضاتهم سوى المزيد من الإهانات من قبل الصهاينة والأمريكان والغرب ومزيد من التحقير لهم وازدراء مواقفهم بشهادة واقع الحال والسلوك الصهيوني _الأمريكي _الغربي الذي يمارس ضد محور الانبطاح والارتهان العربي..
ظواهر وسلوكيات تجعل المواطن العربي يتمسك بخيارات ومواقف ونظرية (ناصر، ونصر الله) اللذين وحدهما من ادركا حقيقة العدو وأهدافه وحقيقة وأهداف من يقف خلفه داعما ومساندا.. رحم الله ناصر ونصرالله وأسكنهما فسيح جناته.. وإنا على يقين أن مسيرتهما لن تنطفئ والشعلة التي أوقدواها في سماء وطننا العربي وفي ذاكرتنا ووجداننا لن تنطفئ وإن خفت نورها لبعض الوقت، لكنها ستظل متقدة حتى النصر والتحرير ودحر العدو وإفشال كل مخططات أمريكا وأعوانها في المنطقة والعالم.