الوادي الكبير.. حديث من الذاكرة المنسية
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
◄ تنازلنا عن كثير مما كنَّا نعتقد خطأ عن الآخر وحذفنا الكثير من الأقوال والأفعال والمعتقدات من قاموسنا الضيق فكان ذلك درسًا غير مكتوب في التعايش
علي بن سالم كفيتان
زُرت الوادي الكبير للمرة الأولى في أكتوبر 1989، حينها كنت طالباً مستجداً بجامعة السلطان قابوس، فقد كان باص الجامعة يأخذنا في رحلته المجدولة كل يوم إثنين في تمام الساعة الرابعة عصرًا إلى روي، وهناك باص آخر يذهب إلى السيب، وكالعادة كانت روي هي الوجهة المفضلة لمُعظم الطلبة، فكان الجميع يتسابقون للظفر بمقعد روي؛ حيث جامع السلطان قابوس ودروس الشيخ الخليلي من المغرب إلى العشاء، والأسواق والمطاعم ومركز "الأوكي سنتر" المفعم بالحياة.
عندما نصل هناك نتفرَّق كل حسب حاجته، حتى نجتمع في محطة الباصات مجدداً في تمام التاسعة، لنعود من حيث أتينا، كنَّا نتجول راجلين لنصل إلى سينما النجوم عبر شارع فندق الشيراتون النابض بالحياة، كل شيء كان مبهرًا للقادمين من القرى الجبلية البعيدة، وكم يلفت انتباهي الاسم المعنون على اللوحات المرورية الزرقاء العملاقة "الوادي الكبير"، لكننا لم نكن نتجه يمينًا إلى هناك، بل يساراً إلى شارع المال والأعمال، مروراً بعقبة روي، وصولاً إلى دوار السمكة الشهير في مطرح؛ فسيارات النقل العام (بيك آب) بكراسيها المنجدة بالنقوش الزاهية، ومظلتها من قماش الخيم الكاكي، تكتفي بمئتي بيسة لإنجاز هذه الرحلة، والاستمتاع بأجواء مطرح وسوقها الشهير كل شيء في مسقط يتحوَّل بسرعة والناس على عجلة من أمرهم رغم أنَّ خليجها يبدو كبركة ساكنة لا تكاد تسمع لها حسيساً.
حينها كُنا نتعلم أبجديات التعايش على يد السلطان قابوس -طيب الله ثراه- فنحن طلبة جَمَعتهم الأقدار معاً من أقاصي ظفار إلى رؤوس الجبال في مسندم، لم يكن هناك حيِّز للتفكير في المذهب أو المنطقة أو العرق؛ فالجامعة حوت الجميع، كان زملاؤنا من أبناء الأسرة المالكة، ومن أبناء التجار المعروفين، ومن أبناء الشيوخ ووجهاء المحافظات وعلمائها، ومن أبناء عامة الناس، معاً لا تمييز مطلقاً، الجميع يستكشفون الجامعة التي أهداها السلطان العظيم إلى شعبه بمرافقها المتعددة وساحاتها الرحبة ومناشطها التي لا تهدأ. بنات حواء خُصِّصت لهن ممرات علوية تُوصلهن إلى جميع قاعات الدرس، ونحن نذرع الممرات الأرضية التي لا تنتهي، كانت أعواماً لا يمكن نسيانها، فقد انصهرنا معاً لنشكل لوحة عجيبة من التعدد اللغوي والثقافي والعقائدي، فلن تستغرب إذا سمعت أبناء ريف ظفار وهم يرطنون بلغتهم الجنوبية الرشيقة في الوقت الذي تتهادى إلى مسمعك اللغة السواحلية بمفرداتها الجميلة التي تجمع العربية والإنجليزية، ولهجات أخرى قادمة من القارة السمراء، ستستمع إلى المهرية والبلوشية والشحية والحرسوسية والبطحرية، وصنوف أخرى من اللسان العُماني الذي يظهر عظمة هذا الوطن؛ فالجميع يتعلم من الجميع، وتجمعنا العربية، كنَّا سعداء بهذا التباين وتلك الفسيفساء الواسعة، تنازلنا عن كثير ما كنا نعتقد خطأ عن الآخر، وحذفنا الكثير من الأقوال والأفعال والمعتقدات من قاموسنا الضيق الذي قَدِمنا به من قُرانا وحِللنا الصغيرة، مجَّدنا العلم الذي يجمعنا، وأحببنا قابوس، حتى بات ذكره يسري كالدم في عروقنا، كان ذلك درسًا غير مكتوب في التعايش وقبول الآخر.
كنت أتنازل عن بعض وقتي في سوق روي لأستمع إلى درس الشيخ أحمد الخليلي -حفظه الله- في جامع السلطان قابوس بروي بعد صلاة المغرب، وذلك في السنوات الأخيرة لي بالجامعة، تأسرني فصاحته وإحاطته الواسعة بالدين، وسماحته مع الجميع، وأذكر أنني سألته يوما عن زكاة الأنعام فرد عليَّ مطولاً، وعند خروجه من الجامع ذهبت للسلام عليه قبل أن يلج السيارة، فوقف لي وسألني: من أين أنت يا بُني؟ أجبته: من ظفار، فأثنى على أهل ظفار وشجاعتهم وبسالتهم، وقبل أن يغادر سألني إن كانت لي حاجة فرددتُ بالنفي، بينما رأيته يجمع أوراقًا من الناس، علمت لاحقاً أنه يأخذها ويقرأها ويحيلها للجهات المختصة، فتزكية الشيخ مُجابة ورأيه مأخوذ به.
أول مبيت لي بالوادي الكبير كان في ضيافة الشيخ سالم بن مسلم بن علي فالت -عليه رحمة الله- بمنزله هناك، حيث كان حينها يشغل منصباً رفيعاً، فلم أكن أعرف الرجل عن قرب بحكم عمله خارج ظفار مطولاً، ولكن بضع دقائق كانت كفيلة بمعرفة شخصية عُمانية من الطراز الرفيع، لا زلت أذكر نصائحه القيمة وقراءته الواقعية لعُمان وشعبها؛ فالرجل عمل في مُعظم محافظاتها، وأضفت شخصيتة القبلية البارزة بُعداً آخر، للمشهد كلمني مطولاً عن طموحات السلطان وتطلعاته وأمله فينا نحن جيل الشباب في تلك الحقبة، فكانت ليلتي تلك هي الليلة الأولى التي قضيتها في ضواحي الوادي الكبير، واليوم التالي سيكون الجمعة توجهنا إلى الجامع القريب من المنزل، كان الخطيب أزهريًّا، والمصلون من كل المذاهب، وشاهدت يومها -وللمرة الأولى- التربة التي يأخذها إخواننا الشيعة ويسجدون عليها.. وللحديث بقية عن الوادي الكبير.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نهائي أغلى الكؤوس.. يوم تاريخي يحفر في الذاكرة ودافع كبير لأندية شمال الشرقية للمنافسة في مختلف الألعاب
عبّر نجوم الرياضة العُمانية بمحافظة شمال الشرقية عن انطباعاتهم وسعادتهم الكبيرة باستضافة المحافظة للمباراة النهائية لمسابقة كأس جلالة السلطان لكرة القدم، التي ستُقام يوم الخميس المقبل بالمجمع الرياضي بإبراء، مؤكدين أن هذا اليوم سيكون تاريخيًا يُحفر في الذاكرة، ودافعًا كبيرًا للأندية من أجل المنافسة في مختلف الألعاب الرياضية، نظرًا لما تمتلكه هذه الأندية من مواهب ولاعبين مجيدين، الذين وضعوا لأنفسهم اسمًا وتاريخًا كبيرًا في البطولات المحلية والإقليمية والعالمية.
كما أكدوا أن هذه الاستضافة ستنعكس إيجابيًا على الأندية وشباب المحافظة مستقبلًا، مما يحفزهم لبذل المزيد من الجهد للمنافسة في مختلف الألعاب، خاصة وأن المجمع الرياضي بإبراء مكتمل المرافق والخدمات، بما يشمله من صالات وملاعب رياضية وحوض سباحة، مما يمثل فرصة للمنافسة والإبداع وتحقيق البطولات، كما أن ولايات المحافظة سيكون لها حضور كبير في التغطية الإعلامية المختلفة، إلى جانب الحراك السياحي، نظرًا لما تتميز به هذه الولايات من تنوع جغرافي.
فخر واعتزاز للجميع
قال حارس منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم سابقًا علي الحبسي: "نشعر بالفخر والاعتزاز بأن يُقام نهائي مسابقة كأس جلالة السلطان لكرة القدم لأول مرة في تاريخ محافظة شمال الشرقية، وهو دلالة كبيرة على حرص المقام السامي ووزارة الثقافة والرياضة والشباب على تحقيق التنوع في المكاسب الناتجة عن هذه البطولة والنهائيات، وتوزيع إقامتها في مختلف محافظات سلطنة عمان، كما أنها رسالة واضحة بأن الرياضة تُعدّ عنصرًا أساسيًا في المجتمع، ويتم توصيلها بشكل صحيح للجميع. لذلك، سيضيف هذا النهائي الكثير للمحافظة في الجوانب الرياضية والاقتصادية والسياحية، مع الحضور الجماهيري الكبير الذي ستتاح له فرصة زيارة العديد من الأماكن التي تتمتع بها محافظة شمال الشرقية".
وأشار الحبسي إلى أن المحافظة قادرة على استضافة العديد من البطولات الرياضية المختلفة، مع وجود المجمع الرياضي المكتمل المرافق والخدمات، والذي يمكن استغلاله بشكل مميز مع استفادة الأندية والمدارس بشكل أوسع في السنوات القادمة. وأضاف الحبسي: "أتمنى أن يستمر التطور الرياضي في المحافظة، بدعم من وزارة الثقافة والرياضة والشباب والاتحادات الرياضية المختلفة، وفق خطط مرسومة ومدعومة تستهدف فئات الناشئين والشباب والأكاديميات الرياضية، لأن بناء الأساس الرياضي يبدأ من المراحل العمرية الصغيرة".
وقدم علي الحبسي نصيحته للأندية بضرورة استغلال هذه المرافق بشكل جيد، مشيرًا إلى أن وزارة الثقافة والرياضة والشباب ترحب بجميع الأندية وكذلك المدارس، حيث هناك توجه كبير لاستغلال المجمع والملعب، لتستفيد منه الجامعات والكليات المختلفة في المحافظة، وكذلك الفرق الأهلية.
شرف كبير للجميع
وقال لاعب المنتخب الوطني لكرة القدم سابقًا سلطان الطوقي، عن هذه المناسبة الرياضية الكبيرة: "إنها شرف كبير لأبناء المحافظة، وتحمل معاني كبيرة لشباب سلطنة عمان والمجتمع المحلي، باعتبارها تحمل اسم صاحب الجلالة، مما سيحقق مكاسب كبيرة من خلال تسليط الأضواء الإعلامية والجماهيرية على المحافظة، والجميع يعلم حجم البطولة ومكانتها بين الرياضيين على امتداد السنوات الماضية".
وأضاف الطوقي إن المحافظة بشكل عام، وولاية إبراء بشكل خاص، تشهد حراكًا تجاريًا وسياحيًا كبيرًا من حيث تدفق الجماهير إلى ولايات المحافظة، وهو ما يحمل الكثير من المكاسب والقيمة المضافة خلال هذه الأيام، التي تعودنا عليها وغالبًا ما تسبق يوم المباراة.
وأوضح سلطان الطوقي أن المجمع الرياضي بإبراء أصبح مهيأً لاستضافة المباريات والبطولات المختلفة، ويمكن أن يحتضن بطولات ومسابقات على المستوى الإقليمي، مع وجود إدارة ناجحة، بل ويمكن حتى للمنتخبات الوطنية إقامة مبارياتها في استاد المجمع، لذلك، نأمل أن يتم استثماره مستقبلاً من قبل جميع الاتحادات الرياضية، وخاصة اتحاد كرة القدم، باعتبارها اللعبة الشعبية الأكبر التي تحتضن العديد من الفئات العمرية والمراحل السنية المختلفة.
فرصة لشباب المحافظة
وقال لاعب المنتخب الوطني لألعاب القوى بركات الحارثي: "باعتبارنا أبطالًا في مختلف الألعاب من هذه المحافظة، لا بد أن يكون انطباعنا بشكل عام مليئًا بالفخر والاعتزاز بهذه المناسبة الغالية، حيث يتحقق الحلم بإقامة نهائي أغلى الكؤوس لكرة القدم، وهذا شرف لنا في شمال الشرقية بشكل عام، وولاية إبراء بشكل خاص. ومن المؤكد أن هذا الحدث سيضيف للمحافظة الكثير من الجوانب الجميلة والمهمة، وأهمها الجانب التسويقي والاستثماري في المنشآت الرياضية بشمال الشرقية، التي تمتلك العديد من المقومات السياحية والرياضية في مختلف الولايات، وهو ما يشكل قيمة مهمة للمستقبل".
وأضاف: "نقدم الشكر لوزارة الثقافة والرياضة والشباب على إنشاء مجمع رياضي متكامل في محافظة شمال الشرقية، وهذا يُعدّ دافعًا للمشاركة واستقطاب البطولات الدولية والإقليمية في المستقبل، باعتبار أن المجمع مكتمل المرافق والخدمات، مما يشكل حافزًا كبيرًا لشباب أندية المحافظة والفرق الأهلية، ليكون لهم فرصة المنافسة على البطولات في مختلف الألعاب، مع ممارستها في أماكن مهيأة ومتكاملة بطريقة حديثة. لذلك، أتمنى من الأندية التركيز على الألعاب الفردية الأولمبية، وخاصة ألعاب القوى، لأننا بحاجة إلى تحقيق ميدالية أولمبية، كما يجب استثمار منشآت المجمع في الألعاب الفردية الأخرى، وتشجيع الأبطال على هذه الألعاب لتحقيق إنجاز لسلطنة عمان".
مستقبل رياضي مشرق
بينما أوضح العداء أحمد المرجبي أن استضافة نهائي كأس جلالة السلطان لكرة القدم شرف كبير وفخر لمحافظة شمال الشرقية، وهذا الحدث يعكس التقدير الكبير للمحافظة وقدرتها على تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، حيث تتشرف المحافظة باستضافة هذا الحدث الذي سيعزز من مكانتها الرياضية والسياحية على مستوى سلطنة عمان والمنطقة، كما سيسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال زيادة السياحة الرياضية واستضافة الفرق والجماهير. لذلك، نرى أن المستقبل الرياضي لمحافظة شمال الشرقية مشرق، خاصة مع الاهتمام المتزايد بالبنية الأساسية الرياضية وتطوير المواهب المحلية، ومن المتوقع أن تحقق المحافظة مكاسب كبيرة من خلال دعم الشباب وتشجيعهم على ممارسة الرياضة بشكل منتظم، وكذلك منحهم فرصة المشاركة في إدارة وتنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير.
وأضاف إن بإمكان المحافظة استضافة بطولات على مختلف المستويات، حيث تمتلك البنية الأساسية المناسبة والخبرات التنظيمية اللازمة لجذب البطولات، مع وجود القوى الشبابية البشرية التي تمكنها من تنظيم وإدارة أي بطولة أو حدث رياضي كبير. لذلك، أنصح الأندية بالاستفادة الكاملة من المرافق المتاحة في المجمع الرياضي لتعزيز تدريباتها وتحسين أداء اللاعبين، كما أوصي الشباب بالمشاركة الفعالة في الأنشطة الرياضية المقدمة، واستغلال الفرص المتاحة لتطوير مهاراتهم، وبناء مستقبل رياضي واعد لمحافظة شمال الشرقية بشكل خاص، ولسلطنة عمان بشكل عام.