وصل ضباط كبار من قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) إلى ليبيا اليومين الماضيين، والتقوا بقيادات سياسية وعسكرية وأمنية في الغرب والشرق الليبيين. وليست هذه الزيارة الأولى لضباط من أفريكوم، بل ربما هذه هي الزيارة السادسة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ما يعكس اهتماما خاصا بليبيا؛ عزاه الأمريكان إلى التهديدات الإرهابية والحدود المستباحة والحاجة لتشكيل قوة عسكرية أو أمنية مشتركة بين الغرب والشرق المنقسمين.
غير أن هناك تهديدا جديدا متمثل في تقدم روسيا في خطة تعزيز وجودها في ليبيا وفي دول الساحل، ظهر هذا جليا في بيانات وتقارير أفريكوم، وعكسه التصعيد في الخطاب الأمريكي تجاه الوجود الروسي في البلاد واعتباره مقوّضا لأمنها واستقراراها، بل أمن واستقرار المنطقة برمتها.
تقارير صحفية نقلت كلاما منسوبا لقائد القيادة العسكرية لأفريكوم، الجنرال مايكل لانغلي، مفاده أنهم يبحثون عن حلفاء جدد في المنطقة بعد خروج القوات الأمريكية من النيجر مؤخرا، وليبيا تدخل في دائرة البحث. ومع التنبيه إلى عدم التأكد من صحة التصريح، إلا إنه قد لا يكون مستبعدا إذا طال أمد الأزمة الليبية وتعزز الوجود الروسي فيها، لكن ما يبدو جليا من اتجاهات السياسة الأمريكية في الوقت الراهن هو الاعتماد على خيارات سياسية ودبلوماسية والقوات المحلية كوسائل لاحتواء التغلغل الروسي في البلاد.
أفريكوم قللت من التركيز على لجنة 5+5 الأمنية والتي لم تنجح في تحقيق أي تقدم ملموس على المسار الأمني في البلاد، واتجه اهتمامها إلى القيادات والقوات النافذة على الأرض
الملاحظ أن أفريكوم قللت من التركيز على لجنة 5+5 الأمنية والتي لم تنجح في تحقيق أي تقدم ملموس على المسار الأمني في البلاد، واتجه اهتمامها إلى القيادات والقوات النافذة على الأرض. ففي الشرق وقع التواصل بين أفريكوم وأبناء حفتر الذين يشغلون مناصب عسكرية وأمنية عليا، ويزداد نفوذهم وثقلهم في المناطق الخاضعة لحفتر في الشرق وجنوب البلاد. وكان وفد أفريكوم قد زار اللواء 444 في غرب البلاد باعتبار أنه قوة عسكرية تتميز عن غيرها من المجموعات المسلحة في غرب البلاد بانضباطها. وتحدثت مصادر عدة عن إمكانية أن تكون هذه القوات النواة للقوة المشتركة التي تسعى الولايات المتحدة إلى تشكلها للقيام بمهام تأمين الحدود وإخراج المرتزقة ومجابهة التهديدات الإرهابية.
صحيح أن مهام وغايات أفريكوم تركز على محاصرة المجموعات المتشددة، لكن اهتمامها صار أكبر خلال الأعوام الخمسة الماضية بالوجود الروسي في ليبيا ودول الساحل، بل إن القلق صار يساور الأمريكان من طبيعة الحراك الروسي في أفريقيا، وهذا ما ذكره لانغلي في آخر إحاطة له في الكونغرس الأمريكي؛ من أن روسيا تتخذ خطوات عدوانية في أفريقيا، في محاولة للسيطرة على مناطق تمتد من الحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي في ليبيا إلى الأجزاء الغنية بالموارد في وسط أفريقيا، ووتيرتها متسارعة لتحقيق ذلك، حسب تعبيره.
الاتجاه إلى التعامل مع القيادات والقوات النافذة والمنظمة في الغرب والشرق قد لا يحقق للأمريكان غايتهم من محاصرة الوجود والتحرك الروسي في المنطقة، فموسكو حليفة لقوات الشرق الليبي، وتقدم دعما لحفتر أكثر بكثير مما تقدمه الولايات المتحدة، وإخراج القوات الروسية من الشرق وجنوب ووسط البلاد سيضعف حفتر عسكريا،صحيح أن مهام وغايات أفريكوم تركز على محاصرة المجموعات المتشددة، لكن اهتمامها صار أكبر خلال الأعوام الخمسة الماضية بالوجود الروسي في ليبيا ودول الساحل، بل إن القلق صار يساور الأمريكان من طبيعة الحراك الروسي في أفريقيا وليس في مخططات واشنطن أن تكون بديلا كفؤا لموسكو بالنسبة لحقتر، فكيف يمكن أن تكون قوات الشرق طرفا في تحجيم الوجود الروسي فضلا عن تقويضه؟!
من ناحية أخرى، الانتخابات الأمريكية على الأبواب، وحظوظ دونالد ترامب أوفر في الفوز حسب عديد استطلاعات الرأي، ومعروف موقف وخيارات ترامب المخالفة لسياسة جو بايدن في مصادمة الروس، ومن المتوقع أن تتغير السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بأوكرانيا وليبيا في حال فوز ترامب، مما يعني تراجع والحراك الذي تقوم به أفريكوم في ليبيا وتعثر خططها المتعلقة بالترتيبات العسكرية والأمنية في البلاد، ولنتذكر أن ترامب هو الذي أعطى الضوء الأخضر لحفتر للهجوم على العاصمة عام 2019م.
صحيح أن المؤسسات الأمريكية الفاعلة، الخارجية والدفاع والأمن القومي والمخابرات، تحفظت على موقف البيت الأبيض ووقع تغير تجاه الحرب في ليبيا وقتها، لكن هذا لا يعني أن هذه المؤسسات قادرة على دفع ترامب للاستمرار في سياسة مواجهة خطط روسيا في أفريقيا، كما كان الاتجاه خلال السنوات الأربع الماضية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أفريكوم ليبيا روسيا حفتر ليبيا امريكا روسيا حفتر أفريكوم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوجود الروسی فی فی أفریقیا فی البلاد فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
المشير حفتر في ذكرى الاستقلال: يجب إنقاذ ليبيا من أزماتها المتفاقمة ببناء دولة دستورية حديثة
ليبيا – ألقى القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، المشير خليفة حفتر، كلمة مطولة بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، أكد خلالها أهمية التمسك بروح الوحدة الوطنية لإعادة بناء الدولة، مشددًا على أن الاستقلال الحقيقي يتمثل في سيادة الشعب وحريته، وحذر من تداعيات الأزمات السياسية على أمن واستقرار البلاد.
استحضار كفاح الأجداداستهل المشير حفتر كلمته بتوجيه تهنئة للشعب الليبي بمناسبة ذكرى استقلال البلاد، قائلًا:
“باسمي وباسم جميع منتسبي القوات المسلحة العربية الليبية، أتقدم بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، الذي جاء تتويجًا لكفاح آبائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. نحيي ذكرى أولئك الوطنيين الذين حرصوا على وحدة الدولة الليبية الناشئة وأرسوا دعائمها بتضحياتهم.”
ودعا حفتر إلى الاقتداء بهؤلاء الوطنيين لتجاوز الخلافات الحالية، قائلاً:
“ما أحوجنا اليوم إلى أن نستلهم من وطنيتهم كيف نواجه التحديات بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.”
انتقادات للواقع الحاليانتقد المشير حفتر الوضع الراهن، معتبرًا أن العديد من العوامل ساهمت في عرقلة تحقيق أهداف الاستقلال. وقال:
“الاستقلال الذي نحتفل بذكراه اليوم يفقد معناه إذا تفككت وحدة البلاد وأصبحت عرضة للتدخلات الخارجية، وإذا غاب القانون وانتشر الفساد وعمّت الفوضى.”
وأضاف:
“علينا أن نتساءل: كيف نحتفل باستقلال ليبيا وهي تعاني تصدعات في مؤسساتها؟ كيف نحتفل وقد تحولت البلاد إلى ساحة للصراعات على السلطة، وفقد المواطن حقه في العيش الكريم ضمن دولة تضمن حقوقه وتوحد صفوفه؟”
انتصارات الكرامة وأهمية الأمنأكد حفتر أن أهم الإنجازات التي تحققت كانت انتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب، مشيرًا إلى أن هذا الانتصار حافظ على حاضر ومستقبل ليبيا. وقال:
“لولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحانا وكل من ساهم في تحقيق هذا النصر.”
وشدد على أن الأمن والاستقرار هما حجر الأساس لبناء الدولة، مشيرًا إلى أهمية وجود جيش قوي وشرطة حديثة تواكب تطورات العصر.
دعوة لبناء الدولة الدستورية الحديثةودعا حفتر إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية لبناء دولة دستورية حديثة. وقال:
“يجب العمل على مشروع جاد يضمن بناء الدولة الحديثة، وينقذ البلاد من أزماتها المتفاقمة. قواتكم المسلحة ستكون في مقدمة الداعمين والمدافعين عن هذا المشروع بكل قوة.”
وأضاف أن جميع المبادرات السابقة فشلت في تحقيق أهدافها، مما يعرض المكتسبات الوطنية للخطر.
الجاهزية العسكريةطمأن حفتر الشعب الليبي بأن القيادة العامة للقوات المسلحة تراقب المتغيرات في المنطقة، قائلاً:
“نحن على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا، وسنمضي قدمًا في البناء والإعمار رغم التحديات. لن ندخر جهدًا لتحقيق طموحات الشعب الليبي وجعلها واقعًا ملموسًا.”
ختام الكلمةاختتم حفتر كلمته بالدعاء للوطن، قائلاً:
“نسأل الله أن يوفقنا لتحقيق طموحات الشعب الليبي عاجلاً غير آجل. وما توفيقي إلا بالله.”
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله:
أتقدم باسمي وباسم جميع المنتسبين للقوات المسلحة العربية الليبية بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لإعلان استقلال ليبيا دولة حرة مستقلة ذات سيادة، تتويجًا لكفاح أبنائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. ونحيي في هذه المناسبة كل من ساهم في تحقيق ذلك الإنجاز التاريخي العظيم في ظروف عالمية معقدة وصراع دولي ساخن على النفوذ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونحيي الوطنيين الذين حرصوا بعد استقلال ليبيا على تماسك الدولة الليبية الناشئة ووحدة ترابها بروحهم الوطنية الصادقة، والحكمة، وبعد النظر، والترفع عن المصالح الشخصية الضيقة. وما أحوجنا اليوم أن نقتدي بوطنيتهم ونتعلم من سلوكهم ومنهجهم كيف نتجاوز الخلافات فيما بيننا ونواجه التحديات والأزمات السياسية وغيرها، بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.
لقد ضحى آباؤنا وأجدادنا المجاهدون بأرواحهم ودمائهم من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل أن تنشأ الدولة الليبية المستقلة ويعيش تحت كنفها ورعايتها كل الليبيين، أسيادًا فوق أرضهم، في أمن وسلام، إخوة في السراء والضراء، يصنعون حاضرهم ومستقبلهم بالتوكل على الله واعتمادهم على أنفسهم، وتسخير ثروات بلادهم من أجل الانتقال من حالة الجهل والتخلف والفقر إلى النهضة والتقدم والعيش الكريم.
لكن وبكل أسف، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ حيث اجتمعت عوامل عدة لا تخفى على أحد -ولا مجال لذكرها في هذا المقام- حالت دون بلوغ تلك الأهداف النبيلة السامية. حتى قادتنا تطورات الأحداث وتعقيداتها عبر عقود منذ إعلان الاستقلال إلى ما هو عليه الحال الذي نشهده اليوم. نحمد الله الذي وفقنا أن ننتصر انتصارًا ساحقًا على أهم تلك العوامل وأخطرها إطلاقًا بانتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب. ولولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحى الكرامة، ولكل من أسهم في انتصارها على الإرهاب.
الشعب الليبي الكريم، إن الاستقلال الذي نحتفل بذكرى إعلانه اليوم يفقد قيمته ومعناه ويصبح مجرد ذكرى في سجلات التاريخ إذا تفككت وحدة البلاد، وانتهكت سيادة الوطن، وارتهن مصير الوطن بما يصدر من قرارات خارج حدوده، وانتزع من الشعب حقه في تقرير مصيره بنفسه، وعمّت الفوضى، وغُيّب القانون، وانتشر الفساد في مؤسسات الدولة دون رادع، وضعفت المؤسسات في أداء واجباتها كاملة لخدمة المواطن، واقتحم الفقر بيوت المواطنين، وأصبح المواطن يعيش غريبًا في وطنه. إن المعنى الحقيقي للاستقلال لا ينحصر في قرار تصدره الأمم المتحدة، بل يعني السيادة والحرية والكرامة. الاستقلال أن يمتلك الشعب قراره في تقرير مصيره وإدارة شؤونه، وأن يكون الشعب سيدًا في وطنه.
علينا ومن حقنا أن نتساءل: كيف لنا أن نحتفل باستقلال ليبيا وقد تصدعت فيها أركان الدولة وأساساتها، وتحولت إلى حقل فسيح للتجارب الفاشلة والصراع من أجل السلطة؟ هل حقًا قامت الدولة التي حلمنا بها ودفعنا أثمانًا باهظة من أجل بنائها؟ الدولة التي تجمع تحت مظلتها كل الليبيين بلا تمييز بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم ومناطقهم، تحمي حقوقهم وتضمن لهم العدالة والمساواة وفرص العمل الشريف، الدولة التي تهزم الفقر والجهل والتخلف، تحتكر السلاح، ترد المظالم، تجبر الضرر، وتضمن ديمومة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن؟
إن جميع المساعي والمبادرات التي استهلكت منا جهدًا مضنيًا ووقتًا ثمينًا لبناء تلك الدولة، نرى الواقع يشهد على فشلها، وهو ما يعرض للخطر كل المكاسب والإنجازات التي تحققت عبر سنين التضحية والكفاح في شرق البلاد ووسطها وجنوبها على وجه الخصوص من أمن واستقرار وبناء وعمار. وعليه أصبح الظرف أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لتتكاتف الجهود المحلية والدولية على حد سواء قبل فوات الأوان، والعمل على مشروع جاد يتجنب تكرار التجارب الفاشلة، ويضمن بناء الدولة الدستورية الحديثة التي تواكب متطلبات العصر وتطوره، وتنقذ البلاد من أزماتها السياسية المتفاقمة وخطورة تداعياتها على سلامة الوطن. وستكون قواتكم المسلحة في مقدمة الداعمين له والمدافعين عنه بكل ما لديها من قوة.
ختامًا: نطمئنكم أن القيادة العامة تراقب المتغيرات الخطيرة التي تجتاح المنطقة، وإننا على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا ومقدراتنا، والحفاظ على ما تحقق من أمن واستقرار. نحن سائرون بعون الله في طريق البناء والإعمار رغم كل التحديات والعوائق. ولا غاية لنا إلا أن نرى طموحات وآمال المواطن الليبي صارت أمرًا واقعًا، وأن دماء شهدائنا وجرحانا لم تذهب سدى.
ندعو الله أن يوفقنا عاجلًا غير آجل لبلوغ ذلك، وما توفيقي إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعات المرصد – خاص