تواجه آمنة محمد واقعا معيشيا معقدا مع تداعيات الحرب في  السودان المشتعلة منذ أكثر من عام. فآمنة -التي فقدت زوجها في الحرب- صارت بعد رحيله تسعى لتعول أسرتها المكونة من 4 أطفال لتكابد قلة الموارد المالية وغلاء الأسعار التي تضاعفت بنسبة 100%.

توفر آمنة تكلفة وجبة واحدة في اليوم لأطفالها مع تجاوز سعر صرف الدولار ألفي جنيه سوداني في السوق الموازية في ظل تدهور العملة المحلية، ولا يبدو نفي المسؤولين حدوث أزمة غذائية تلوح في الأفق وندرة السلع سوى حبر على ورق.

نهب المحاصيل الزراعية

وتشهد العديد من ولايات السودان ارتفاعا في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والمحروقات، وبجانب غلاء الأسعار تعيش المناطق التي توجد بها قوات الدعم السريع ندرة وانعداما في المواد الغذائية.

وتتهم لجان المقاومة في ولاية الجزيرة قوات الدعم السريع بنهب مناطق الإنتاج عبر سرقة آلاف الآليات الزراعية ومحصول المزارعين الشتوي والصيفي وترحيله خارج الولاية، وللمرة الأولى منذ 100 عام يتوقف مزارعو مشروع الجزيرة عن فلاحة أراضيهم.

ويقع مشروع الجزيرة على مساحة تقدر بـ2.2 مليون فدان، وهو أكبر مشاريع مروية في السودان وينتج المحاصيل الأساسية في البلاد.

اتهامات لقوات الدعم السريع بنهب مناطق الإنتاج عبر سرقة آلاف الآليات الزراعية ومحصول المزارعين (الجزيرة) تقلص مساحات الزراعة

بدوره، كشف وزير الزراعة والغابات السوداني أبو بكر عمر البشرى في حديث للجزيرة نت عن تقلص المساحات المستهدفة بالزراعة إلى 36 مليون فدان بسبب الحرب بعد أن كان من المخطط زراعة 46 مليون فدان.

وفي أبريل/نيسان الماضي قال البشرى إن الحرب أثرت على الزراعة في السودان والمحاصيل النقدية والغذائية، لأنها حرب شاملة شملت ولايات عدة، حيث تأثرت ولايات إقليم دارفور الخمس وولايتا غرب وجنوب كردفان والجزيرة والخرطوم، وكان الأثر بالغا في إيصال مدخلات الزراعة إلى هذه المناطق ونقص الأيدي العاملة.

وتحدث البشرى عن نهب قوات الدعم السريع الآليات ومدخلات الإنتاج والأسمدة من مشروع الجزيرة، إذ تم التخطيط لزراعة 650 ألف فدان من القمح، ولكن لم يزرع سوى ما بين 220 و250 ألف فدان فقط.

أما في ولاية سنار فحذر مرصد حقوقي هناك من كارثة غذائية وشيكة الحدوث، وقال إنه وثق نهب الدعم السريع أكثر من 273 جرارا زراعيا ومئات من براميل الوقود المخصص للزراعة في محليات شرقي وغربي مدينة سنار، كما تمددت قوات الدعم السريع إلى مناطق الإنتاج الزراعي شرقا وغربا وجنوبا ونهبت كل شيء، وصارت الآن أكثر من 3 ملايين فدان خارج دائرة الإنتاج.

تداعيات نهب مناطق الإنتاج

ومع سقوط منطقة جبل موية غربي ولاية سنار منتصف يونيو/حزيران الماضي في يد الدعم السريع أُغلقت طرق رئيسية لنقل البضائع والمواد الغذائية تربط ولاية سنار بولايتي الجزيرة والنيل الأبيض لتشهد مدينة المناقل وولاية النيل الأبيض غربي سنار ارتفاعا وشحا في السلع الغذائية والاستهلاكية.

كما تشهد ولايتا شمال وجنوب كردفان ارتفاعا في أسعار السلع الغذائية، وهما تحت سيطرة الجيش السوداني، لكن تمدد الدعم السريع غرب وشمال كردفان أدى إلى إغلاق الطرق بين الولايات، إلى جانب ارتفاع سعر الصرف الذي انعكس على استيراد السلع من جنوب السودان.

ومن مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان قال صاحب مخبز -فضل عدم ذكر اسمه- إن تكاليف إعداد الخبز أصبحت مرتفعة.

وفي حديثه للجزيرة نت أوضح أن سعر شوال الدقيق (25 كيلوغراما) بلغ سعره 60 ألف جنيه (23 دولارا) بزيادة 20 ألف جنيه، في حين بلغ سعر "جركن الزيت" (وعاء بلاستيكي يزن 16 كيلوغراما) 70 ألف جنيه (27 دولارا)، بزيادة 25 ألف جنيه عن يونيو/حزيران الماضي.

وفاقم انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة منذ شهرين المعاناة وأصبحت تكلفة 4 غالونات من الغازولين 80 ألف جنيه (30.7 دولارا)، وتوقفت بعض المخابز عن العمل، إلى جانب إحجام تجار عن البيع بسبب الزيادة اليومية في الأسعار.

وأضاف أن البضائع تأتي إلى المدينة من خارج الولاية عن طريق التجار، لكن تكاليف الترحيل إضافة إلى النهب في الطرق والرسوم التي تفرضها قوات الدعم السريع وقطاع طرق في الشوارع المؤدية لمدينة الأبيض وارتفاع سعر صرف الدولار أدت إلى زيادة الأسعار.

مواطنون في مدينة المناقل كشفوا عن توقف تدفق السلع الغذائية إلى سوق المدينة وشح في الوقود (الجزيرة) ولاية الجزيرة

وفي مدينة المناقل التي تقع شمالي غرب ولاية سنار- كشف شهود عيان عن توقف تدفق السلع الغذائية إلى سوق المدينة وشح في الوقود. وقال مواطن في المدينة للجزيرة نت إنه في ظل ارتفاع الأسعار يوميا سينتهي الحال بموت كثير من المواطنين جوعا مع فقدان عدد منهم مصادر دخلهم الرئيسية وارتفاع أسعار السلع بنسبة 50 إلى 100%.

النيل الأبيض

ومن مدينة الدويم في ولاية النيل الأبيض وسط السودان يقول المواطن محمد الأمين للجزيرة نت "ارتفعت أسعار الدقيق والأرز والعدس واللحوم بنسبة 100%، كما ارتفع سعر الدقيق زنة 25 كيلوغراما من 25 ألف جنيه (9.3 دولارات) إلى 57 ألف جنيه (21.3 دولارا)، وشوال القمح من 40 ألف جنيه (15 دولارا) إلى 95 ألف جنيه (35.6 دولارا)".

وأضاف أن الزيادة في السكر بلغت 50%، إذ انتقلت من سعر 88 ألف جنيه (33 دولارا) إلى 133 ألف جنيه (49.8 دولارا).

ويقول الأمين للجزيرة نت إن توفير البدائل من الصعوبة بمكان، لأن هذه هي السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في غذائه، واكتفى المواطنون بتناول وجبة أو اثنتين في اليوم واستغنوا عن اللحوم والخبز، في ظل محدودية دخل مواطن المدينة، وقد تؤول الأوضاع إلى انعدام المال لشراء المواد الغذائية.

انهيار سعر الصرف

لم يكن نهب مناطق الإنتاج والمحاصيل الزراعية من قبل قوات الدعم السريع أو حصاره المدنيين في بعض المناطق العامل الأوحد فيما تشهده الأسواق في السودان، بل فقدت العملة المحلية نحو 65% من قيمتها خلال 3 أشهر.

وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني ليتجاوز حاجز 2500 جنيه.

ويقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إن ارتفاع أسعار السلع يرتبط جوهريا بانخفاض قيمة الجنيه السوداني.

وأضاف فتحي في حديثه للجزيرة نت أن ندرة المواد التموينية ترتبط بتوفير النقد الأجنبي لاستيرادها ومدخلات الإنتاج، إضافة إلى تأثيرات الحرب واتساع رقعتها، مما ينذر بنقص في الغذاء.

غياب السكر وسلع غذائية أخرى

وتتفاوت ندرة وشح السلع الغذائية في ولايات السودان، ففي مدينة السوكي بولاية سنار قالت غرفة الطوارئ إن المدينة تشهد انعداما تاما لسلعة السكر، إضافة إلى إنعدام بعض السلع الاستهلاكية الأخرى.

وفي ولاية الخرطوم، قال المتحدث باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة للجزيرة نت إن أسعار السلع الأساسية تشهد ارتفاعا كبيرا، مشيرا إلى غياب سلعة الأرز التي بات يعتمد عليها نحو 80% من سكان العاصمة في غذائهم.

وأضاف "لا يوجد مسار آمن لدخول البضائع إلى الخرطوم، والتي تصل عن طريق التهريب، ويتحمل الجيش والدعم السريع مسؤولية أي حالات لموت المواطنين جوعا".

عون إنساني عاجل

من جهته، يقر وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم صديق فريني بارتفاع أسعار السلع الغذائية مؤخرا نتيجة تراجع قيمة الجنيه السوداني.

ويقول للجزيرة نت "هذه معادلة أخلّت بتوفر بعض السلع مثل الأرز الذي يعد سلعة أساسية لأغلب التكايا والأطفال، وندرة بعض السلع تعود إلى تقلب الأسعار، وسرعان ما ستعود إلى الوفرة عاجلا".

وتابع الوزير "الوضع الإنساني مستقر رغم قلقنا، في ظل توقف صرف مرتبات العاملين، وهذا ما دفع بهم إلى الفقر المدقع والحاجة للعون الإنساني العاجل".

وأكد المسؤول الحكومي متابعة الولاية الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الجيش، مشيرا إلى أنها تراقبها أيضا في بقية مناطق الولاية بقلق وتعمل على توفير المواد الضرورية ومنح فرصة واسعة للمنظمات العاملة في المجال الإنساني لتقديم العون إلى المحتاجين.

وقال إن قوات الدعم السريع تتعمد الإفقار الممنهج للمواطنين ومحاصرتهم وتشهد المناطق التي تتواجد فيها مجاعة حقيقية.

أسعار السلع الأساسية شهدت ارتفاعا كبيرا في العاصمة الخرطوم وولايات أخرى (الجزيرة) العاصمة الإدارية

ومن مدينة بورتسودان شرقي البلاد يقول التاجر عاصم أحمد (اسم مستعار) إن هناك وفرة في السلع الغذائية، لكنها تشهد ارتفاعا في الأسعار.

وفي حديثه للجزيرة نت قال أحمد إن أغلبية السلع تأتي من السعودية ومصر، ونسبة ارتفاع أسعارها تترواح بين 30 و40%، مضيفا أن انهيار العملة المحلية والزيادات الجمركية المتواصلة تسببا في ارتفاع أسعار هذه السلع.

آليات ضبط الأسعار

وبشأن آليات ضبط ومراقبة السلع ووفرتها في الأسواق وكبح جماح انفلات الأسعار لم تتلق الجزيرة نت ردا على استفساراتها من وزارة التجارة والتموين.

وإثر تداعيات انفلات الأسعار في الأسواق أصدر رئيس مجلس الوزراء المكلف مساء 18 يوليو/تموز الجاري قرارا بإعفاء وزير التجارة والتموين من منصبه وتكليف وزيرة الصناعة بمهامه.

وفي وقت سابق، توقع برنامج الغذاء العالمي استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السودان بنسبة 500%.

بدوره، قال الباحث الاقتصادي عمر محجوب الحسين إن ارتفاع أسعار السلع وندرتها مرتبطان بتداعيات الحرب، لكن يمكن للحكومة السيطرة على تدهور قيمة الجنيه من خلال توفير العملات الأجنبية بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، واتباع سياسة نقدية مرحلية للتحكم بمعدل الربح الذي يُدفع للاقتراض قصير المدى.

وشدد محجوب الحسين -في حديث للجزيرة نت- على ضرورة اتخاذ إجراءات رقابية على أسعار السلع، وفتح وتسهيل المجال للاستيراد من خلال البنوك وخفض الجمارك، فضلا عن تأمين الحكومة طرق التجارة وحماية مخازن الحبوب في أماكن الإنتاج، ومنع الاحتكار.

ومنذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023 تضاعف اعتماد الحكومة السودانية على استيراد السلع والبترول من الخارج.

وقالت وزارة التجارة في مايو/أيار الماضي إن "الصادرات في الربع الأول من 2024 قفزت إلى 3.8 مليارات دولار، في حين بلغت الواردات 8.6 مليارات دولار، ليبلغ عجز الميزان التجاري 4.7 مليارات دولار".

ودفع تدمير الحرب 85% من المصانع وزارة التجارة والتموين إلى استيراد السلع لسد الفجوة، خاصة السكر والشاي واللبن والدقيق، في حين أدى انكماش الاقتصاد وتدمير الأسواق إلى فقدان ملايين السودانيين وظائفهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ارتفاع أسعار السلع قوات الدعم السریع السلع الغذائیة ولایة سنار فی السودان للجزیرة نت فی ولایة ألف جنیه

إقرأ أيضاً:

دعوة أممية لنشر قوة محايدة بالسودان.. وتقرير بشأن جرائم الحرب

دعا خبراء من الأمم المتحدة، الجمعة، إلى نشر قوة "مستقلة ومحايدة من دون تأخير" في السودان، بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الطرفان المتحاربان منذ نيسان /أبريل عام 2023.

وخلص الخبراء المكلفون من قبل مجلس حقوق الإنسان في تقرير، إلى أن المتحاربين "ارتكبوا سلسلة مروّعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، يمكن وصف الكثير منها بأنّها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

قالت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، إن "طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات على نطاق كبير قد تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية"، وأوصت البعثة بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين.


وذكر التقرير الصادر عن البعثة والمؤلف من 19 صفحة، مستندا إلى 182 مقابلة مع ناجين وأسرهم وشهود، أن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية مسؤولان عن هجمات على مدنيين ونفذا عمليات تعذيب واعتقال قسري".

وقال محمد شاندي عثمان رئيس البعثة، "تبرز خطورة هذه النتائج ضرورة اتخاذ إجراء فوري لحماية المدنيين"، داعيا إلى نشر قوة مستقلة ومحايدة دون تأخير.

وهذا هو أول تقرير تصدره البعثة، المكونة من ثلاثة أعضاء، منذ أن كونها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.


ويواجه المدنيون في السودان المجاعة والأمراض والنزوح الجماعي بسبب الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 17 شهرا.

وقال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة الشهر الماضي إنهم حصلوا على ضمانات من كلا الطرفين في محادثات سويسرا لتحسين آليات توصيل المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات عرقل إحراز تقدم.

وكانت الحكومة السودانية، قد جددت الخميس، هجومها على مفاوضات مدينة جنيف السويسرية التي انطلقت بدعوة من الولايات المتحدة لإجراء محادثات حول سبل وقف الصراع المتواصل في السودان، محذرة من تبعات النظر إلى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أنهما "طرفا صراع" يقتتلان من أجل السلطة.

وقال وزير الخارجية السوداني المكلف حسين عوض، إن "مخرجات اجتماعات سويسرا وما جاء فيها من التزامات قدمتها مليشيا الدعم السريع ورعاتها لحماية المدنيين هي مجرد دعاية كاذبة لا تنطلي على أحد".

مقالات مشابهة

  • دعوة أممية لنشر قوة محايدة بالسودان.. وتقرير بشأن جرائم الحرب
  • لماذا تفاعل العالم مع دافور وتغاضى عن الإبادة الجماعية بالسودان؟
  • مجازر ونزوح بالسودان: أسوأ أزمة إنسانية في العالم لا تهم أحدا
  • مجازر ونزوح بالسودان.. لوبس: أسوأ أزمة إنسانية في العالم لا تهم أحدا
  • عاجل| رئيس شعبة المواد الغذائية يكشف حقيقة نقص السكر في التموين (فيديو)
  • شعبة المواد الغذائية: المخزون الاستراتيجي للسلع التموينية يكفي لـ 6 أشهر «فيديو»
  • شعبة المواد الغذائية: لا صحة لنقص السكر في التموين.. والكل بيصرفه
  • وزير الزراعة السوداني: لاتوجد مؤشرات مجاعة بالسودان
  • من أقرب نقطة للحدود الأوكرانية الروسية.. كاميرا الجزيرة ترصد الأوضاع
  • تراجع الأسماك وارتفاع الخضروات بأسواق الغربية