الخرطوم- أعلنت قوات الدعم السريع ظهر أمس السبت مقتل القائد الميداني بقواتها عبد الرحمن البيشي وذلك على لسان عدد من القيادات الميدانية والسياسية وسرعان ما أكدت ذات المعلومات مصادر في الجيش السوداني.

قتل البيشي والذي كانت عملية السيطرة على سنجة عاصمة ولاية سنار آخر محطات ظهوره الإعلامي، حيث ظهر في مقطع من داخل مكتب والي سنار ومقطع آخر من أمام مقر قوات الجيش السوداني داخل ذات المدينة ثم انصرف نحو القتال حتى أصبح اليوم مقتله خبرا.

تتعدد الروايات

ومنذ أعلنت قيادات رفيعة في قوات الدعم السريع مقتل المقدم عبد الرحمن البيشي منتصف السبت، كان السؤال كيف قتل الرجل النشط في العمليات العسكرية؟

رواية الدعم السريع جاءت على لسان النقيب سليم الفاضل أحد قادتها الميدانيين والذي زامل البيشي في عدد من المعارك، حيث أكد النقيب الفاضل -للجزيرة نت- أن البيشي قتل فجر السبت إثر غارة جوية نفذها الطيران الحربي للجيش السوداني.

وهي رواية تتسق مع حديث اللواء المتقاعد المعتصم الحسن والذي قال -للجزيرة نت- إن الجيش كان يتعقب البيشي وتمكن من قتله بعد الرصد والمتابعة عبر غارة جوية وأن جثته وجدت لاحقا متفحمة.

لكن رواية أخرى جاءت على لسان الناطق باسم المقاومة الشعبية في ولاية سنار عمار حسن عمار والذي قال للجزيرة نت، إن البيشي أصيب في اشتباك عسكري وتوفي لاحقا متأثرا بإصابته وتم استلام سيارته العسكرية.

مصدر رفيع في الجيش السوداني -طلب حجب هويته- قال للجزيرة نت "تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن البيشي قد هلك في محور ولاية سنار، ولا نملك حتى الآن تفاصيل إضافية حيث إن المنطقة التي قتل فيها تشهد قتالا ضاريا منذ 3 أيام" وفقا لتعبيره.

وجه من وسط السودان

لا توجد معلومات وافرة عن عبد الرحمن البيشي والذي انضم لقوات الدعم السريع ومنح رتبة الرائد ثم أصبح مسؤولا عن قطاع النيل الأزرق بعد أن ترقى لرتبة مقدم، وذلك قبيل حرب منتصف أبريل/نيسان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

البيشي وفقا لمصدر في أسرته تحدث للجزيرة نت، ينحدر من بدو قبيلة رفاعة العربية التي تسكن ولاية سنار خاصة تخومها الجنوبية، لكنه نشأ وترعرع في منطقة بوط بولاية النيل الأزرق وعمل بالتجارة الحدودية بين السودان وجنوب السودان مما مكنه من معرفة جغرافية هذه المناطق بشكل جيد.

ووفقا لذات المصدر لم يتلق البيشي تعليما جامعيا إلا أنه كان حاضرا في منصات التواصل الاجتماعي التي تهتم بالشؤون العامة، وكان كثير الانتقاد للحكومة المركزية التي كان يتهمها بأنها لم تحافظ على مصالح أهله خاصة من الرعاة.

الكاتب الصحفي إبراهيم الصديق يقول في تغريدة على فيسبوك، إن البيشي له صلات مع الجيش السوداني، إلا أن مصدرًا عسكريًّا نفى أن يكون للبيشي سابق ارتباط منظم مع الجيش السوداني، لكنه -وفقا لنفس المصدر- كانت له صلات استخبارية مع الجيش السوداني باعتباره من أبناء منطقة النيل الأزرق والتي كانت تشهد معارك مع قوات الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار.

ذات المعلومة يؤكدها من جانب قوات الدعم السريع النقيب سليم الفاضل والذي قال للجزيرة نت، إن البيشي لا علاقة له سابقة مع الجيش السوداني وإن مدخله للعسكرية كان عبر الدعم السريع.

العملية العسكرية الأولى على البيشي

لم يكن البيشي من ضمن القادة المعروفين في قوات الدعم السريع حتى وقعت الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، وحملت الأنباء استسلام قوات الدعم السريع في مدينة الدمازين حاضرة إقليم النيل الأزرق دون قتال.

لكن في التاسع من مايو/أيار، أي بعد نحو 3 أسابيع، ظهر البيشي مع مجموعة من جنوده في الخرطوم في واقعة أثارت الاستغراب. هنا يقول النقيب الفاضل إن البيشي تمكن من خداع الجيش السوداني في الدمازين وخرج بقواته عبر طرق وعرة حتى وصل الخرطوم.

وكان البيشي نفسه قد قال في تصريحات إنه قاد قافلة من أكثر من 60 عربة قتالية من الدمازين للخرطوم دون أن يضطر للقتال. لكن مصادر في الجيش السوداني تقول إن البيشي هرب تحت جنح الليل ولم تكن معه قوة عسكرية تذكر، وإن ما حدث في الخرطوم من ادعاء أنه وصل بقوات عسكرية ضخمة كان مجرد بروباغندا، على حد وصف هذه المصادر.

جدل في مضارب القبيلة وحضور إعلامي كثيف

أثار إعلان البيشي وقوفه مع قوات الدعم السريع بعد اندلاع القتال ضد الجيش السوداني موجة من النقاش داخل عشيرة البيشي من قبيلة رفاعة، ورأوا في ذلك خيانة عظمى للوطن والقبيلة، لكن البيشي دافع عن موقفه باعتبار أنه مقاتل أدى قسم الولاء للدعم السريع ولا يمكن أن يقلب لرفاقه ظهر المجن في يوم الحارة (يوم اشتداد القتال)، وفقا لذات المصدر الأسري الذي تحدث للجزيرة نت.

ويضيف اللواء المعتصم الحسن للجزيرة نت، أن تصرف البيشي بمساندة الدعم السريع كان مثار استهجان وسط أهله ومعارفه وحتى أسرته الصغيرة.

بدأت قوات الدعم السريع في الاستثمار في وجه البيشي المنحدر من وسط السودان وليس له أي امتدادات غربي السودان للتدليل على قومية هذه القوات، وفقا للصحفي الغالي شغيفات المقرب من قوات الدعم السريع، والذي وصف -في حديثه للجزيرة نت- البيشي بأنه "صاحب قدرات قيادية خارقة".

لكن البيشي لم يكن وجها إعلاميا فقط بل قائدا عسكريا كامل القدرات، كما يقول النقيب سليم الفاضل، والذي زامله في العمليات العسكرية.

فالبيشي وفقا للفاضل من أوائل الذين دخلوا "مدني" حاضرة ولاية الجزيرة في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد معارك ضارية مع الجيش السوداني، ثم توغل جنوبا مع قواته نحو ولاية سنار. ويضيف الفاضل أن البيشي كان قائد القوات التي سيطرت على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار عبر عملية التفاف ناجحة مما يؤكد مهاراته القيادية، بحسب الفاضل.

آثار غياب البيشي عن المشهد

النقيب الفاضل يصف فقد البيشي بالكبير لقوات الدعم السريع. ويمضي الصحفي حافظ كبير المقرب من قوات الدعم السريع في حديثه للجزيرة نت بالتقليل من ذلك الأثر، حيث يقول على الصعيد العسكري، إنه لن يكون هناك أثر كبير، فالدعم السريع لا يعتمد في القتال على قائد أوحد، بل يعمل بصورة أفقية، وتساعده في ذلك الهيكلة المختلفة تماما عن الجيش، ولذلك سيكون الأثر الأكبر لغياب البيشي على المستوى المعنوي، وحضوره الكبير كقائد محبوب وسط جنوده، حسب تعبيره.

لكن اللواء الحسن يمضي إلى أن أثره السالب سيكون على قوات الدعم السريع التي فقدت مفتاحا يعرف خبايا المنطقة وجغرافيتها وتمكن من تجنيد عدد كبير من أبناء بدو وسط السودان في صفوف المليشيا، لكن الآن يعرف الجميع بأنهم مرصودون واحدا تلو الآخر من قبل الجيش السوداني الذي يفضل اصطياد الرؤوس الكبيرة عوضا عن عوام الجنود المخدوعين عبر وكلاء الدعم السريع من أمثال البيشي الذين نشطوا في تجنيد البسطاء، على حد قوله.

وأضاف اللواء الحسن أن إستراتيجية الجيش في اصطياد الرؤوس الكبيرة آتت أكلها؛ فمِن بين 10 من القيادات البارزة والمؤثرة تم قتل 3 على أقل تقدير حيث تم قتل اللواء علي يعقوب قائد العمليات في دارفور، والقائد الميداني شيريا في كردفان، ثم أخيرا وليس آخرا البيشي في وسط السودان، إلى جانب مقتل قيادات كبيرة ومؤثرة لم يتم الإعلان عنها. ومضى الحسن مبينا أن هذه الإستراتيجية في التركيز على اصطياد الرؤوس الكبيرة أدت لاختفاء قيادات بارزة بل هروبهم من الميدان كالفريق عبد الرحيم دقلو، واللواء عثمان عمليات، وغيرهم.

خليفة البيشي

قيادة الدعم السريع لم تنشر أي نعي رسمي بشأن مقتل المقدم البيشي، ويفسر ذلك الصحفي الغالي شغيفات بأن عدم إصدار بيانات رسمية في هذا الصدد بات سنة عند قيادة الدعم السريع حتى لا يحدث تمييز بين الشهداء، وفقا لتعبيره.

مصادر في الدعم السريع أعلنت اختيار حمودة البيشي خلفا لابن عمه عبد الرحمن البيشي في قيادة العمل العسكري في منطقة سنار.

والبيشي الصغير أكمل تدريباته بقوات الدعم السريع ومنح رتبة النقيب ثم ترقى لرائد وكان مسؤولا عن استخبارات الدعم السريع في منطقة النيل الأزرق.

اللواء الحسن يصف التعيين بأنه تأكيد على أن ما وصفها بالمليشيا مكون قبلي أسري وأنها تعتمد على نظرية الوكلاء المحليين خاصة بعد انهيار الصف الأول من قواتها بعيد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان، مما جعلها أحيانا تضطر لاستيراد مرتزقة من الخارج.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع مع الجیش السودانی الدعم السریع فی النیل الأزرق وسط السودان للجزیرة نت ولایة سنار

إقرأ أيضاً:

إعفاء 213 موظفا في جنوب دارفور بسبب مساعدتهم الدعم السريع

الفاشر- أعلنت حكومة ولاية جنوب دارفور فصل 213 موظفا من الخدمة المدنية بعدما ثبت تقديمهم المساعدة لقوات الدعم السريع، وهي خطوة تندرج في إطار الجهود المستمرة لمواجهة الانتهاكات العنيفة التي ارتكبتها تجاه المدنيين في مختلف مدن البلاد.

وتم اتخاذ هذا القرار بعد إجراء تحقيقات دقيقة أثبتت تورط هؤلاء الموظفين في دعم العمليات العسكرية لقوات الدعم السريع، وهو جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعفاء وفصل المزيد من الموظفين الذين يثبت انتماؤهم للدعم السريع في المنطقة.

وقال والي جنوب دارفور المكلف بشير مرسال حسب الله للجزيرة نت إن "الإجراءات الحالية تأتي استجابة لمطالب المواطنين الذين طالبوا بضرورة اتخاذ تدابير صارمة ضد أي فرد أو مجموعة تسعى لزعزعة الأمن وإرهاب السكان".

وأوضح أن "هناك أفرادا يقومون بتجميع المستنفرين (الذين تمت تعبئتهم) وإيواء المرتزقة من بعض الدول المجاورة، ويدفعون بهم للقتال في مناطق أخرى، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية وزيادة معاناة المواطنين".

وأكد أن الحكومة مصممة على مواجهة هذه الأنشطة بحزم وقوة، مشيرا إلى أنه تم اتخاذ قرار بإعفاء 77 من قادة الإدارة الأهلية في المنطقة، في إطار جهود الحكومة لتعزيز الاستقرار والأمن.

كما دعا الجميع إلى التعاون من خلال الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة أو تهديدات للأمن في المنطقة.

ردود متباينة

وتباينت ردود الفعل المحلية تجاه هذا القرار، فقد اعتبره البعض خطوة إيجابية تهدف إلى تقليل عمليات الحشد القبلي والتعبئة التي تقوم بها قوات الدعم السريع في المنطقة.

في المقابل، قلل آخرون من أهميته، مؤكدين على أن الأشخاص الذين تم إعفاؤهم لا يعترفون بهذه القرارات، خاصة أنهم يوجدون في منطقة تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.

ويقول الناشط السياسي الفاضل هارون للجزيرة نت إن "هذا القرار قد يكون له تأثير محدود، خصوصا إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع".

ويشدد هارون على أهمية اتخاذ خطوات عملية لاستعادة السيطرة على هذه المناطق، مشيرا إلى أن إصدار القرارات وحده لن يكون كافيا ما لم يتبعه تنفيذ فعلي على الأرض.

بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم "حركة جيش تحرير السودان– المجلس الانتقالي" الأمين إسحاق زكريا -في تصريح للجزيرة نت- إن هناك ترتيبات جارية تهدف إلى استعادة السيطرة على كافة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وأكد زكريا أن "هذه الخطوات تأتي في إطار موقف الدولة تجاه مليشيا الدعم السريع وأتباعها من الواجهات الاجتماعية والسياسية، حيث قام هؤلاء بإجراء تسوية مالية مع قادة المليشيا المتمردة مقابل حشد شباب القبائل ودفعهم إلى المعارك".

وشدد على أهمية توحيد الجهود بين جميع الأطراف المعنية لتحقيق هذا الهدف، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع قد تجاوزت حدود العنف، مما يستدعي تصنيفها منظمة إرهابية تهدد السلم والأمن الدوليين، ومحاربة كل من يتعاون معها للحفاظ على وحدة السودان وإعادة البلاد إلى حالة الاستقرار والأمان، وفق تعبيره.

اشتباكات بالفاشر

وعلى صعيد آخر، شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان تجددا للاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني والقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.

وفي منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك، قالت قيادة الفرقة السادسة مشاة إنها حققت تقدما كبيرا في المعارك، وتمكنت من استعادة السيطرة على مواقع إستراتيجية عدة وقتل نحو 150 عنصرا من قوات الدعم السريع.

يشار إلى أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بدأت معارك عنيفة بين الجيش السوداني -الذي يقوده رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان- وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 11 مليون سوداني، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالتاريخ الحديث، وفقا للأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • تقدم ملحوظ للجيش السوداني.. والبرهان: لا وقف لإطلاق النار إلا بانسحاب الدعم السريع
  • بعد إعلان نجاح الجيش على قوات الدعم السريع.. الوافدون السودانيون يدشنون مبادرة «راجعين لبلد الطيبين»
  • الفيتو الروسي .. القرار يتيح للجيش السوداني الدفاع عن نفسه ضد ميليشيا الدعم السريع
  • بابكر فيصل: قائد الجيش عرّف الحرب على أنها “حرب عبثية” والدعم السريع قال إنها حرب ضد “الفلول”
  • إعفاء 213 موظفا في جنوب دارفور بسبب مساعدتهم الدعم السريع
  • سلاح إماراتي وضربات مصرية.. تعليق جديد من الدعم السريع في السودان
  • ماذا تبقى في جعبة الجيش السوداني والحركة الإسلامية من خيارات لتفادي خسارة الحرب؟
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 150 من قوات الدعم السريع ويكشف تفاصيل معركة ضارية في الفاشر
  • مواطنون يرون الانتهاكات التي تعرضوة لها من قبل قوات الدعم السريع بمنطقة الحلفايا – فيديو
  • السودان...تجددُ الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في الفاشر