إسرائيل في حرب استنزاف عقب هزيمة استراتيجية
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
أسفرت حرب الإبادة الوحشية المستمرة منذ عشرة أشهر التي تنفذها المستعمرة الصهيونية في غزة تحت أنظار العالم عن استشهاد أكثر من أربعين ألف فلسطينيّ معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة نحو تسعين ألفا آخرين، وتدمير قرابة 70 في المئة من المباني السكنيّة والـمَرافق العامّة والمستشفيات والمساجد والمدارس والبنى التحتيّة.
لم يخطر ببال أحد أن حركة مقاومة فلسطينية محلية محاصرة لا يتجاوز عدد مقاتليها بضعة عشرات الآلاف وبقدرات عسكرية متواضعة دون دعم دولي، ومحيط عربي عدائي ودون قدرة على امتلاك أسلحة متطورة، سوف تقف ندا لأحد أقوى الجيوش في العالم، والذي يتمتع بدعم غربي واسع وإسناد عسكري غير محدود من الولايات المتحدة، القوة العالمية الأولى، ومع ذلك كله فإن عددا متزايدا من الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب على الفلسطينيين رغم جنون حرب الإبادة والعنف الكارثي والتدمير الممنهج للبنية التحتية.
يحمّل اللوبي الصهيوني الغربي والعربي حركة حماس مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وأن حماس لم تكن تقديراتها صائبة حول الرد الإسرائيلي واستفزاز الهجوم الإسرائيلي، لكن حسابات حماس تتجاوز النظرة العسكرية الآنية القاصرة وترنو إلى تحقيق أهداف سياسية استراتيجية بعيدة
ويحمّل اللوبي الصهيوني الغربي والعربي حركة حماس مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وأن حماس لم تكن تقديراتها صائبة حول الرد الإسرائيلي واستفزاز الهجوم الإسرائيلي، لكن حسابات حماس تتجاوز النظرة العسكرية الآنية القاصرة وترنو إلى تحقيق أهداف سياسية استراتيجية بعيدة. فعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، أطاحت بركائز الأمن القومي الإسرائيلي، وجرّت إسرائيل إلى حرب استنزاف واسعة، فسرعان ما دخل محور المقاومة على خط المواجهة في اليوم التالي، حيث شرع حزب الله اللبناني بمواجهة محسوبة بهجمات عبر صواريخ ومسيّرات منسقة ومتدرجة، وساندت قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية في لبنان جبهة غزة، وامتدت جبهات المساندة إلى جماعة أنصار الله في اليمن وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق.
لا جدال في أن حركة حماس تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية من خلال عملية "طوفان الأقصى"، فمعايير النصر والهزيمة لا تستند إلى القوة العسكرية المجردة، فالحرب هي استمرار للسياسة بطرق أخرى. وقد أعادت عملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية التذكير بهجوم "تيت" في فيتنام، وفتحت المجال أمام المقارنات رغم الفروقات والاختلافات. ففي نهاية كانون الثاني/ يناير عام 1968، وخلال فترة الهدنة المعلنة خلال الحرب، للاحتفال برأس السنة القمرية الفيتنامية، المسماة "تيت"، قامت فيتنام الشمالية بشن واحد من أكبر الهجمات المفاجئة ضد فيتنام الجنوبية الموالية للنظام الأمريكي، والذي عرف باسم "هجوم تيت"، فقد شن الفيتكونغ والجيش الشعبي الفيتنامي سلسلة من الهجمات على أكثر من 100 هدف في جنوب فيتنام، وضمن ذلك العاصمة سايغون في ذلك الوقت، والقواعد العسكرية، والبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
وقد خسر الثوار الفيتناميون المعركة وضحوا بالكثير من البنية التحتية السياسية والعسكرية السرية التي بنوها بصبر على مدار سنوات، ومع ذلك، كان هجوم تيت لحظة أساسية في هزيمتهم للولايات المتحدة، حيث حطمت العصابات الفيتنامية المسلحة بأسلحة خفيفة وهم النجاح الذي روجت له إدارة جونسون للشعب الأمريكي، وأوضحت للأمريكيين أن الحرب التي طُلب منهم التضحية بعشرات الآلاف من أبنائهم من أجلها لا يمكن الفوز بها.
كما هو حال حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، قامت القيادة الفيتنامية بقياس تأثير أعمالها العسكرية من خلال آثارها السياسية وليس من خلال التدابير العسكرية التقليدية، مثل خسارة الرجال والعتاد أو اكتساب الأراضي، ما دفع هنري كيسنجر الذي كان رئيسا لشؤون الأمن القومي عام 1969 إلى القول: "لقد خضنا حربا عسكرية؛ خصومنا خاضوا معركة سياسية. سعينا للاستنزاف الجسدي، كان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا النفسي. وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخس، والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر".
أكدت الأشهر التي تلت عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أنه لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما في فلسطين من قبل، ومن المؤكد أن هذا هو الهدف الرئيس لحركة حماس من شن عملية "طوفان الأقصى"، فقد تنامت قبل العملية تصريحات عدد من القيادات الإسرائيلية بالدعوة علنا دون مواربة إلى استكمال النكبة، التي تعني التطهير العرقي لفلسطين، فلم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة طبيعية لما أفضت إليه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والعنف الاستعماري الإسرائيلي
وعلى خطى كيسنجر يرى جون ألترمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، أن إسرائيل معرضة لخطر كبير بالخسارة أمام حماس، حيث قال: "إن مفهوم حماس للنصر العسكري يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد. إن حماس لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل. في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها بغضب، وتساعد في انهيار حكومة السلطة الفلسطينية من خلال ضمان أن ينظر الفلسطينيون إليها على أنها ملحق ضعيف للسلطة العسكرية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن تجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أمريكي حول إسرائيل، مما يؤدي إلى تدمير الدعم الحزبي الذي تتمتع به إسرائيل هنا منذ أوائل السبعينيات".
أكدت الأشهر التي تلت عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أنه لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما في فلسطين من قبل، ومن المؤكد أن هذا هو الهدف الرئيس لحركة حماس من شن عملية "طوفان الأقصى"، فقد تنامت قبل العملية تصريحات عدد من القيادات الإسرائيلية بالدعوة علنا دون مواربة إلى استكمال النكبة، التي تعني التطهير العرقي لفلسطين، فلم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة طبيعية لما أفضت إليه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والعنف الاستعماري الإسرائيلي الممنهح في غزة الذي حولها إلى معتقل وسجن كبير بدعم من الإمبريالية الأمريكية والغربية وخنوع الأنظمة العربية، التي تجاهلت الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل، الأمر الذي جعل من تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة روتينا عاديا، حيث أصبح الوهم القائل بأن الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية يمكن محوها أو نسيانها حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين والإقليميين، وتنامى الاعتقاد بأن المسألة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى من خلال القوة العنيفة، وقد عززت مسارات تطبيع الكيان الاستعماري مع الدول الاستبدادية العربية برعاية إمبريالية أمريكية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية.
حطمت العملية العسكرية التي قادتها حماس جملة الأساطير التي زعمت أن إسرائيل قوة لا تقهر، وأطاحت بتخرصات وتوقعات مواطنيها بالهدوء إلى الأبد في الوقت الذي تهدر فيه حياة الفلسطينيين. فقبل أسابيع فقط من عملية "طوفان الأقصى"، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتباهى بأن إسرائيل نجحت في "إدارة" الصراع إلى درجة أن فلسطين لم تعد تظهر على خريطته "للشرق الأوسط الجديد". ومع "اتفاقيات أبراهام" العلنية الوقحة، والتحالفات السرية المشينة الأخرى، كان معظم القادة العرب يحتضنون إسرائيل، وكانت الولايات المتحدة تروج لخطة "صفقة القرن"، حيث ركز الرئيسان دونالد ترامب وجو بايدن على "التطبيع" مع الأنظمة العربية التي كانت على استعداد لترك الفلسطينيين عرضة للاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وبدا أن الطريق بات ممهدا لتصفية القضية الفلسطينية ومحو اسم فلسطين من الوجود.
شنت المستعمرة الصهيونية حرب إبادة على غزة وصعدت من الهجمات على جنوب لبنان في لحظة شك وجودي، في محاولة يائسة لاستعادة المكانة المفقودة وقوة الردع المهدورة. وقد نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا للبروفيسور في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا "دافيس"، زئيف معوز، عرض فيه تحليلا انتقاديا لسياسة "إسرائيل" الخارجية والأمنية منذ إقامتها، قائلا إنّ "الهزيمة الأكبر في تاريخ إسرائيل هي حرب غزّة، والتي ستسجّل للأبد باعتبارها الهزيمة الأكثر خزيا في تاريخنا.. وهذا من دون أن نأخذ في الحسبان فضيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 العسكرية".
وفي سياق الهزيمة والفضيحة خاضت إسرائيل الحرب على غزة دون وجود خطة استراتيجية واضحة بأهداف محددة ، ولم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب باستعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس وردع حزب الله وأنصار الله وجبهات المساندة، وهو ما أفضى بإسرائيل إلى التورط في فخ حرب استنزاف ومصيدة متعددة الجبهات، ذخاضت إسرائيل الحرب على غزة دون وجود خطة استراتيجية واضحة بأهداف محددة ، ولم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب باستعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس وردع حزب الله وأنصار الله وجبهات المساندة، وهو ما أفضى بإسرائيل إلى التورط في فخ حرب استنزاف ومصيدة متعددة الجبهات، ذلك أن الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع تحولت إلى هدف بذاتها وليست وسيلة لتحقيق أهداف سياسيةلك أن الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع تحولت إلى هدف بذاتها وليست وسيلة لتحقيق أهداف سياسية كما هو شأن الحروب السابق، وهو ما أدركه في مرحلة مبكرة الكاتب الإسرائيلي المختص في شؤون الأمن والاستخبارات يوسي ميلمان؛ الذي يرى أن أحد أسباب تعثّر الجيش الإسرائيلي في تحقيق هدف الحرب، هو أن المستوى السياسي منذ البداية لم يُحدّد أهدافا دقيقة للحرب، إذ إن الأهداف المُعلنة يُنظر إليها منذ اليوم الأول على أنها أهداف غير واقعية، ولذلك فإسرائيل لا تملك أية استراتيجية أو تصور لإنهائها.
وحسب إيان لوستيك، أعلنت إسرائيل عن قائمة متزايدة الاتساع من أهداف الحرب التي تشمل القضاء على حماس، وإعادة جميع الرهائن، والضمانات بأن غزة لن تهدد إسرائيل مرة أخرى، ومنع السلطة الفلسطينية من أي دور في حكم الأراضي، و"منع أي "عنصر" يربي أطفاله على الإرهاب، ويدعم الإرهاب، ويمول الإرهاب، ويدعو إلى تدمير إسرائيل"، وإنشاء منطقة عازلة واسعة داخل غزة تفصل إسرائيل عن سكان القطاع. ومع ذلك، لم يشرح أي زعيم إسرائيلي كيف يمكن لـ"عملية السيوف الحديدية"، كما أُطلق على حملتهم العسكرية، أن تحقق هذه الأهداف.
في ظل استمرار الحرب دون أفق سياسي تدخل إسرائيل إلى هزيمة تاريخية حسب صحيفة معاريف الإسرائيلية التي قالت: يبدو أن إسرائيل تواجه هزيمة تاريخية رغم القتال الضاري الجاري في غزة والأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية العسكرية لحماس، فأهداف الحرب لم تتحقق، ومع ذلك يستمر مجلس الوزراء الحربي وهيئة الأركان العامة في "تضليل الجمهور بإصدار تصريحات مبهمة وأنصاف حقائق" حسب الصحيفة.
فاستمرار غياب تصور سياسي إسرائيلي واضح لمستقبل قطاع غزة، بالتزامن مع الاستمرار بإطلاق شعارات كبيرة وتبنّي أهداف غير منطقية وغير قابلة للتحقق؛ يعني أن إسرائيل تتجه نحو السقوط في مصيدة خطيرة من الاستنزاف متعدّدة الجبهات، وهو ما أكده الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة في 17 أيار مايو/ الماضي، حيث قال: "رغم حرصنا الكامل على وقف العدوان على شعبنا، مستعدون لمعركة استنزاف طويلة للعدو، ولسحبه لمستنقع لن يجني فيه ببقائه أو دخوله لأي بقعة من غزة سوى القتل لجنوده واصطياد ضباطه، وهذا ليس لأننا قوة عظمى بل لأننا أهل الأرض وأصحاب الحق، نحن غزة بسمائها وهوائها وبحرها ورمالها".
فالغطرسة الإسرائيلية والانفصال عن الواقع تقود المستعمرة إلى حرب شاملة ومفتوحة في قطاع غزة؛ وحرب استنزاف مع حزب الله على الجبهة الشمالية قد تنزلق إلى حافة القتال المفتوح، واستمرار هجمات الحوثيين وتصاعده من اليمن ضد إسرائيل لمحاولة فرض حصار مائي من الجنوب بشكل كلي أو جزئي، وتزايد احتمال انفجار خطر المواجهة العسكرية المفتوحة في الضفة الغربية واندلاع انتفاضة ثالثة، وتصاعد انخراط المقاومة الإسلامية في العراق وسورية في المواجهة وتوسيع هجماتها ضد إسرائيل، وقد تتطور المواجهة باتجاه حرب إقليمية واسعة بين إيران وإسرائيل.
إن محاولة تسويق صورة للنصر في غزة يتناقض مع مقومات مفهوم النصر الإسرائيلي، بينما يتطابق مع مفهوم النصر عند المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، فمفهوم النصر يشكل أحد الأسس الأربعة التي تقوم عليها عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب الردع، والإنذار المبكر، والدفاع، حيث تميز العقيدة الإسرائيلية بين أربعة أنواع من النصر وهي: النصر التكتيكي بإبطال قدرات العدو القتالية، والنصر العملياتي بتفكيك نظام القتال للعدو من خلال سلسلة من الاشتباكات أو المعارك، والنصر العسكري الاستراتيجي بإزالة التهديد العسكري لسنوات قادمة، والنصر النظامي بتغيير الوضع الاستراتيجي بشكل أساسي سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
وثمة إجماع على أن إسرائيل عاجزة عن تحقيق نصر نظامي، بإحداث تغيير جوهري في وضعها الاستراتيجي، من خلال إزالة التهديد الذي تفرضه حماس. فالنصر النظامي لا يتحقق من خلال الوسائل العسكرية فحسب؛ بل يتطلب إجراءات سياسية ومدنية واقتصادية تؤدي تدريجيا إلى تغيير في المنطق الكامن خلف سلوك حماس، والذي يتطلب إضعاف الحاضنة الشعبية الداعمة لحماس والمقاومة، وهو ما فشلت فيه الألة العسكرية والمؤسسة السياسية الإسرائيلية. أما مفهوم النصر لحركة المقاومة والتحرير فيقوم على أسس مختلفة، تستند إلى الصمود ودعم الحاضنة الشعبية، الصراع بين إسرائيل وإيران ذو طبيعة جيوسياسية، بينما القضية الفلسطينية هي مسألة احتلال استعماري استيطاني، والمقاومة هي مشروع تحرر وتقرير مصير، وما دفع حركات المقاومة الفلسطينية إلى الاقتراب من إيران هو غياب أي مشروع عربي لدعم المقاومة وتحرير فلسطين والاستسلام للسرديات الأمريكية والإسرائيليةفحركة حماس، باعتبارها حركة مقاومة، تركز على عنصر بسيط وهو الصمود والبقاء، وقدرة الحركة على إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، وإدارة المقاومة والرأي العام، وممارسة النفوذ على حكم غزة ما بعد الحرب. ولذلك تخوض حماس باقتدار مفاوضات صعبة مع إسرائيل بشأن الرهائن، بما في ذلك المطالبة بضمانات أمريكية لوقف إطلاق نار دائم والانسحاب الإسرائيلي من غزة.
خلاصة القول أن إسرائيل دخلت في حرب استنزاف وتلبست بهزيمة استراتيجية، ولن تفلح الخطابات الاستعلائية المنمقة للتفوقية العرقية اليهودية الاستيطانية في محو وتصفية القضية الفلسطينية. فقد باتت قرارات محكمة العدل الدولية واضحة حول الاحتلال والاستيطان، وسوف تنهار السردية الإسرائيلية بربط المقاومة الفلسطينية بالمشاريع الإيرانية، فالصراع بين إسرائيل وإيران ذو طبيعة جيوسياسية، بينما القضية الفلسطينية هي مسألة احتلال استعماري استيطاني، والمقاومة هي مشروع تحرر وتقرير مصير، وما دفع حركات المقاومة الفلسطينية إلى الاقتراب من إيران هو غياب أي مشروع عربي لدعم المقاومة وتحرير فلسطين والاستسلام للسرديات الأمريكية والإسرائيلية.
ولا يبدو أن الولايات المتحدة متحمسة للدخول في حرب شاملة مع إيران لصالح إسرائيل، وثمة قناعة بدأت تسود بأن عملية "طوفان الأقصى" فضحت هشاشة المستعمرة وكشفت عن ضعفها البنيوي. ولا يقتصر الإقرار بهزيمة استراتيجية لإسرائيل على الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين، فقد صدرت تحذيرات من عدد من المفكرين اليهود، مثل الكاتب الإسرائيلي يوفال نوح هراري، وهو مؤرخ صهيوني وأستاذ جامعي في قسم التاريخ في الجامعة العبرية في القدس، بأن حركة "حماس" تقترب من إلحاق هزيمة بإسرائيل لأن "الحملة في غزة لا تتعلق بمن يقتل المزيد من الناس، بل بمن يقترب من تحقيق أهدافه السياسية". فالأهداف السياسية في حالة حماس "واضحة تماما" وقد تحقّق بعضها بالفعل، بينما في "إسرائيل" فهي "غامضة إلى غير موجودة"، وبدون أفق سياسي ستهزمنا حماس"، فـ"من يربح الحرب بين إسرائيل وحماس في الحرب؟ الفائز ليس بالضرورة هو الشخص الذي يقتل المزيد من الناس أو يأخذ المزيد من السجناء أو يدمرّ المزيد من المنازل أو يحتل المزيد من الأراضي، الفائز هو الجانب الذي يحقق أهدافه السياسية".
x.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل المقاومة الهزيمة النصر إسرائيل غزة النصر المقاومة الهزيمة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من تشرین الأول المقاومة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى إسرائیل إلى حرب استنزاف أن إسرائیل حرکة حماس المزید من حزب الله من تحقیق ومع ذلک من خلال لم تکن فی غزة فی حرب وهو ما
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة وتفكيك الدولة تحت غطاء الحرب (2-3)
محمد عبدالله إبراهيم
Mohammedabdalluh2000@gmail.com
في خضم نيران هذه الحرب الضارية، تتكشف ملامح المشروع الإسلامي المناهض للثورة بأوضح صورة، حيث لا ترتكب جريمة ولا يقمع صوت، إلا وتحت إشراف عقل مدبر يعمل في الخفاء حيناً وفي العلن حيناً آخر، لاسترداد ما خسرته النخبة الإسلامية بعد ثورة ديسمبر المجيدة، فهذه الحرب ليست مجرد صراع مسلح، بل تمثل ذروة مشروع إسلامي شمولي يسعى لاغتيال حلم الشعب السوداني، وإعادة هندسة الوعي الجمعي تحت فوهات البنادق ومنابر التحريض.
لقد أُطلقت يد الفوضى، وانتشرت كتائب الإسلاميين المؤدلجة في مختلف مناطق سيطرة الجيش، وهي تشكيلات كتائب عسكرية عديدة ومتعددة المهام أنشأها النظام البائد، وتلقت عناصرها تدريبات عسكرية متقدمة منها في إيران وباكستان والشيشان وروسيا وتركيا، وشاركت في عمليات حربية وإرهابية داخل وخارج السودان، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، شاركت تلك الكتائب في حروب الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، مدفوعة بأيديولوجيا دينية لا تقيم وزناً لحياة الإنسان، وهي لا تمد الى الدين باي صلة، وانما تتغذى على خطاب الكراهية وثقافة القتل والتعذيب، وذلك بحكم تربيتهم الفكرية والسياسية والعقائدية.
ولم تتوقف ممارسة الحركة الإسلامية في الداخل، بل امتدت استثمارات الحركة الإسلامية الحربية إلى دول الجوار، باعتراف قادتها أنفسهم، من محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1996، إلى التورط في الحرب الليبية، حيث أقر البشير بأن قواته كانت بين أول من أسقط طرابلس في يد الجماعات الليبية المتطرفة، بل ذهبت وزارة الخارجية السودانية آنذاك إلى حد التحريض على المواطنين السودانيين في ليبيا، بزعم انتمائهم للحركات المسلحة الدارفورية المتمردة، وللمفارقات هي ذات الحركات التي تتحالف معها اليوم في هذه الحرب، وامتدت مخططات ومؤامرات الاسلاميين إلى الحرب في تشاد وأفريقيا الوسطى وإريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، وصولا الى حرب اليمن، التي شهدت لأول مرة مشاركة الجيش السوداني في حرب أهلية خارجية مدفوع الثمن وبعيداً عن أي مصلحة وطنية.
منذ نشأتها، بنت الجبهة الإسلامية مشروعها السياسي على صناعة العنف والتعبئة، مستغلة العاطفة الدينية لدى ملايين السودانيين، لا سيما في عهد الحرب في جنوب السودان، التي وفرت لها بيئة لتوسع نفوذها وسط فئات الطلاب والشباب، عبر ماكينة إعلامية ضخمة سخرت لها كافة مقدرات الدولة، وكرست الخطاب الديني التحريضي وسط المجتمعات السودانية لتأجيج النعرات القبلية، مما أسهم في إشعال الانقسامات والحروب بين القبائل، وفي مناطق التماس الإثني على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان، استغلت القبائل وقامت بتحريضهم وتعبئتهم تعبئة عنصرية ودينية وزجت بهم في حرب الجنوب، التي أفضت لاحقاً إلى انفصال الجنوب عام 2011، في مشهد لم يهز مشاعر الإسلاميين ولم يعني لهم شيئاً.
بعد انفصال الجنوب، ورغبة من الإسلاميين في استثمار الحروب الاهلية ضد مواطنيهم، قاموا بإشعال الحرب في جبال النوبة في 6 يونيو 2011، والنيل الأزرق في 5 سبتمبر 2011، تحت ذريعة "محاربة المتمردين من الحركة الشعبية والجيش الشعبي"، بدأت مرحلة جديدة من فصول الحرب، وللمفارقات كان من بين المستهدفين فيها نائب القائد العام الحالي للجيش مالك عقار، الذي يقاتل اليوم في خندق واحد مع الإسلاميين أنفسهم، وللمفارقات أيضا كانت ذرائع تلك الحرب هي ذات الذرائع التي تستخدم اليوم لتبرير الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، "محاربة تمرد الدعم السريع"، في تكرار مأساوي لمشهد الحرب الأهلية الذي لم يعرف للسودان استراحة منذ عقود.
لقد نجحت الحركة الإسلامية، خلال ثلاثين عاماً من الحكم، في تحقيق أخطر أهدافها في السودان؛ وهو السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وثروات البلاد، وكان الاستثمار الأول لها هو الحرب، التي وسعت من دوائرها لتشمل كل أطراف السودان، "حروب أهلية وتطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم حرب ..الخ"، جرائم موثقة وأسماء مطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية، "البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وضباط آخرون من القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة مع الإسلاميين، خاصة في دارفور"، وفي المدن، لم تتوقف حرب الإسلاميين ضد بنات وأبناء الشعب السوداني، حيث استمرت عبر آلة القمع في استهداف النشطاء والنقابيين والطلاب والمتظاهرين السلميين في جميع انحاء السودان منذ ذلك الحين والى الان.
لم يكتف الإسلاميون بإشعال هذه الحرب، بل هم أحد أركانها الأساسية، يخططون ويمولون ويجندون ويروجون لها عبر آلة إعلامية وخطب دينية تنضح بالحقد والكراهية، ويوظفون النصوص الدينية لتبرير القتل وكافة الجرائم، وألبسوا مشروعهم الدموي ثوب الجهاد، من جديد، في محاولة جديدة لاستقطاب الشباب وتسويق الحرب تحت شعارات مضللة تستخدم فيها العقيدة كطريق إلى الجنة.
ان الخطر الحقيقي للإسلاميين لا يكمن فقط في حجم الحرب والدمار، بل فيما يزرعونه في أعماق المجتمعات السودانية من بذور نزاعات لا تنتهي، ويسعون الى تقسيم السودان لا على أساس تنوعه المشروع، بل وفق خطوط الكراهية والانقسام، وتحويله من وطن يسعى للمدنية والحرية والسلام والعدالة، إلى أرض محروقة تعبث بها جماعات الموت والإرهاب والمصالح الضيقة.
يتبع ...
والمجد للساتك"