لم يسبق أن أثارت تحركات الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد؛ هذا القدر من الجدل على مدى السنوات العشر الماضية من زمن الحرب، لكن زيارته إلى مدينة إسطنبول التركية منتصف الأسبوع الماضي، أعادت الرجل إلى واجهة المشهد اليمني في خضم عاصفة من التوقعات والتكهنات بشأن عودة محتملة للرجل إلى سدة السلطة في اليمن المضطرب.



في مدينة إسطنبول التركية هناك تجمع ثقيل الوزن لسياسيين وقادة ورجال أعمال ورجال رأي وإعلاميين، حرصت القوى المهيمنة على الصراع في اليمن على إبقائهم خارج حسابات السياسة، ونصّبتهم أعداء ومتربصين وأصحاب أجندات مترعة بالتمويلات السخية ومتكاملة مع كل ما قد يربك الترتيبات المتصلة بصياغة مستقبل اليمن طبقا لمصالح القوى الإقليمية المهيمنة.

كان دافع أولئك الذين شيطنوا كتلة إسطنبول الوطنية، هو تعمد إضعاف المكافحين من أجل استعادة الدولة والمؤمنين بالمسار الوطني لاستعادتها، والذي يحتمل في حده الأدنى المضي في عملية سلام منصفة وعادلة تعيد الدولة والسيادة للشعب، وفي حده الأعلى هو امتلاك القرار العسكري الذي يعد خطوة ضرورية لتوظيف الطاقات الهائلة للشعب اليمني في مواجهة أعداء الدولة اليمنية، وفي صدارتهم جماعة الحوثي الشيعية المدعومة من إيران، والجماعات المسلحة الانفصالية المدعومة من الإمارات.

تبقى مهمة الرجل ضربا من المحاولات اليائسة ما دام بعيدا عن اهتمام الرياض وأبو ظبي، أما حين يكون السلام المنشود متطابقا مع أولويات الشعب اليمني ومحققا لتطلعاته، فإن التحرك ينبغي أن يكون أشمل وأكثر وضوحا لجهة انحيازه للمشروع الوطني المغدور، أي أنه يحتاج إلى قوة دفع وطنية هائلة
من المؤكد أن زيارة الرئيس علي ناصر محمد إلى إسطنبول كانت بدافع شخصي محض، يندرج في سياق تعزيز موقفه كرجل نصب نفسه داعية للسلام في اليمن والوطن العربي، وكان لافتا غياب بقية أعضاء وفد مجموعة السلام العربية التي يرأسها، على الرغم من أن الجميع كانوا في زيارة إلى موسكو التقوا خلالها نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، خصوصا أن مهمة الرئيس علي ناصر لا تنفصل عن مهمة ودور المجموعة التي تأسست تحت مظلة الجامعة العربية.

لقد أراد الرجل أن يضفي على تحركاته نحو بناء إجماعٍ يمنيٍ حول السلام قدرا من الزخم، وقد حققت له زيارة إسطنبول ما أراد، لكن تبقى مهمة الرجل ضربا من المحاولات اليائسة ما دام بعيدا عن اهتمام الرياض وأبو ظبي، أما حين يكون السلام المنشود متطابقا مع أولويات الشعب اليمني ومحققا لتطلعاته، فإن التحرك ينبغي أن يكون أشمل وأكثر وضوحا لجهة انحيازه للمشروع الوطني المغدور، أي أنه يحتاج إلى قوة دفع وطنية هائلة تستطيع أن تكسر الدائرة التفاوضية العبثية الخطيرة التي تضم أطرافا محلية وإقليمية؛ ليس من بين خياراتها إعادة الدولة اليمنية إلى ما قبل 21 أيلول/ سبتمبر 2014.

يتميز الرئيس علي ناصر محمد بموقف إيجابي صلب وواضح من قضية الوحدة اليمنية، ويعتقد أنه أحد آباء هذه الوحدة، على الرغم من أنها لم تتحقق على يديه، لكن وللإنصاف، دوره كان حاسما في وصول قيادتي شطري اليمن السابقين إلى إعلان الوحدة الاندماجية بينهما.

يظل الإشكال الحقيقي في أن الرجل يصيغ مواقفه بشأن اليمن الراهن، متأثرا بالبيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي كان فيها رئيسا لجنوب اليمن في ثمانينيات القرن الماضي، فهو لا يزال يتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران ودمشق، وحزب الله، الأمر الذي انسحب على موقفه التصالحي حتى لا نقول المتعاطف مع الحوثيين
ويمكن تفهم لماذا ينظر الرجل بازدراء إلى المجموعة السياسية الانفصالية التي تشكلت بمدينة عدن في أيار/ مايو 2017، في خضم معركة التحالف العربي لاستعادة الدولة اليمنية ودحر الانقلابيين. ليس فقط لأن هذه المجموعة التي تعرف اليوم باسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" تشكلت وأفرزت قيادة مناطقية مهيمنة تتشابه مع تلك التي أنتجتها حرب الثالث عشر من شباط/ فبراير 1986، ولكن أيضا لأنها جسدت النموذج الأكثر فجاجة للارتهان، وهو ما لا يحتمله الرجل الذي تميز بنزعة شبه استقلالية في قيادة الدولة الجنوبية السابقة إلى الحد الذي دفعه إلى تجاوز خطوط حمر، لم يكن مسموحا بتجاوزها، وخصوصا الانفتاح على دول مجلس التعاون الخليجي الحليفة لواشنطن.

يتمتع الرئيس علي ناصر محمد بذاكرة جيدة وذهنية لا بأس بها، فيما يظل الإشكال الحقيقي في أن الرجل يصيغ مواقفه بشأن اليمن الراهن، متأثرا بالبيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي كان فيها رئيسا لجنوب اليمن في ثمانينيات القرن الماضي، فهو لا يزال يتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران ودمشق، وحزب الله، الأمر الذي انسحب على موقفه التصالحي حتى لا نقول المتعاطف مع الحوثيين.

هذا الأمر قد يفيد إذا انحصرت مهمة الرجل في جهود وساطة تعيد الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، لكنها لا تؤهله إلى العودة إلى قيادة البلاد، لأنني على الصعيد الشخصي لا أثق بأي تسوية خادعة لا تقوض القوة التي يتكئ عليها مجرمو الحرب الحوثيين ولا تحيد الجماعات المسلحة الانفصالية في جنوب البلاد، ولا تعيد السيادة كاملة غيرَ منقوصة إلى الشعب اليمني.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمني السلام الوحدة اليمن السلام شخصيات الوحدة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرئیس علی ناصر محمد

إقرأ أيضاً:

“الإصلاح اليمني”: التكتل الوطني مفتاح رئيسي للحل الذي طال البحث عنه

يمن مونيتور/ قسم الأخبار

قال حزب الإصلاح اليمني، الثلاثاء، إن إشهار التكتل الوطني للأحزاب السياسية والقوى في العاصمة المؤقتة عدن، جاء استجابة لحاجة اللحظة، هو حل أيضا، أو على أقل تقدير مفتاحاً رئيسيا للحل الذي طال البحث عنه.

وكتب نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح عدنان العديني، في منشور على منصة إكس، “الواقع السياسي اليمني أثبت حاجةً ماسة منذ فترة – وليس من اليوم – لتوحيد الجهود والطاقات صوب الغاية التي يتطلع إليها شعبنا؛ وهدفه المنشود باستعادة الدولة المختطفة؛ والمسار السياسي  حتماً سيقود إلى حل للمشكلات؛ وفي أسوأ الأحوال لن يكون مشكلة بذاته كما هو الحال مع ما عداه من خيارات”.

وأضاف “الأحزاب السياسية اليمنية ومثلها القوى والمكونات الأخرى الفاعلة ما زالت قادرة على إنتاج أفكارا للحل، والتوافق الذي شهدته مدينة عدن اليوم هو خطوة في الإتجاه الصحيح، وفوق أنه استجابة لحاجة اللحظة، هو حل أيضا، أو على أقل تقدير مفتاحاً رئيسيا للحل الذي طال البحث عنه” على حد تعبيره.

وفي وقت سابق، أعلن رسمياً إشهار التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية المناوئة لجماعة الحوثي، برئاسة أحمد بن دغر، وذلك في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.

وأعلن التكتل في بيان الاشهار، عن برنامج سياسي لتحقيق عدد من الأهداف، تضمنت “استعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية كقضية رئيسية ومفتاح لمعالجة القضايا الوطنية، ووضع إطار خاص لها في الحل السياسي النهائي”.

وتشمل أهداف برنامجه السياسي “الحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية، بما يلبي تطلعات أبناء جميع المحافظات، والحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني”.

كما شملت “تعزيز علاقة اليمن بدول الجوار ومحيطها العربي والمجتمع الدولي، ومحاربة الفساد والغلو والإرهاب ورفض التمييز بكافة أشكاله، واستئناف الحياة السياسية في عموم محافظات الجمهورية، ورفض فرض المشاريع والرؤى السياسية بالعنف، ومساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن”.

مقالات مشابهة

  • مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل
  • الإمارات تعيد دعم فصائلها في اليمن وسط تحولات جديدة في المشهد السياسي والعسكري
  • لقاء الهوية والسيادة: بناء دولة ديموقراطية تعيد بناء الاقتصاد
  • عاجل- بالأرقام ترامب يعود للبيت الأبيض.. رحلة من الرئيس 45 إلى الرئيس 47 وحسم الولايات يغير المشهد السياسي الأمريكي ( التفاصيل الكاملة)
  • “الإصلاح اليمني”: التكتل الوطني مفتاح رئيسي للحل الذي طال البحث عنه
  • جلسة لمجلس الأمن اليوم بشأن اليمن تناقش نظام العقوبات التي تنتهي منتصف هذا الشهر
  • شاهد: المذيعة ”مايا العبسي” لـ”المشهد اليمني”: ”أيام اليمن” بموسم الرياض رسالة سلام وأمل وبرنامجي القادم مفاجأة للجمهور
  • الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني .. ويؤكد على أمن واستقرار اليمن
  • «رشاد العليمي».. يشكر مصر على الجهود التي تقوم بها لدعم دولة اليمن
  • رئيس «القيادة اليمني»: الرئيس السيسي يقود نهضة عمرانية فريدة في تاريخ المنطقة