كانت الدول الآسيوية والجنوبية الأكثر إحساسا وتضامنا مع القضية الفلسطينية، ورغم ذلك ظل العرب يولون وجوههم شمالا وغربا نظرا لموازين القوى الدولية وطبيعة النفوذ الغربي الذي رمى العالم العربي في حضن التحالفات الغربية لأسباب تاريخية، وسياسية واقتصادية وعسكرية. وجاءت عملية طوفان الأقصى الأخيرة لتكشف عن تغير كبير في موازين القوى الدولية فيما يتعلق بالتعامل مع الملف الفلسطيني، خاصة دور كل من روسيا والصين.
لا يمكن اعتبار أن اللقاءات المتكررة التي تتم بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية بكين هي مجرد لقاءات بروتوكولية كغيرها من اللقاءات التي تمت في عدة عواصم قبل ذلك لعدة اعتبارات؛ أولها أن مجرد خروج هذه اللقاءات من العواصم العربية والإسلامية مثل القاهرة وأنقرة إلى عاصمة دولة عظمى آسيوية في أتون الحرب الدائرة الآن هو بحد ذاته خبر يستحق التوقف عنده ونقطة تحول هامة في مسار الصراع. فتاريخيا هذا الدور كانت تقوم به القاهرة والرياض والجزائر. وثانيا، تشير هذه اللقاءات بما لا يدع مجالا للشك إلى أن الجانب الأمريكي بدأ يفقد أو فقد بالفعل القدرة على إدارة الصراع مع إسرائيل في الشرق الأوسط. وثالثا وهو الأهم؛ طبيعة الدور الصيني القادم في الشرق الأوسط وملامحه، وهو الدور الغامض حتى الآن.
لا يمكن اعتبار أن اللقاءات المتكررة التي تتم بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية بكين هي مجرد لقاءات بروتوكولية كغيرها من اللقاءات التي تمت في عدة عواصم قبل ذلك لعدة اعتبارات
كانت الولايات المتحدة تمسك بكثير من خيوط الملف الفلسطيني عن طريق رعايتها للاتفاقات السلام منذ كامب ديفيد، وصولا لتطبيع مزيد من الدول العربية خلال السنوات الماضية ومرورا باتفاقية أوسلو. وبغض النظر عن تقييم هذا الدور الأمريكي، إلا أنه في نهاية الأمر كان مغلفا بسياج قيمي باسم حقوق الإنسان، والتواصل الثنائي مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ومحاولات إمساك العصا من المنتصف في أحيان كثيرة ولو بشكل دعائي، فضلا عن الترويج لفكرة السلام والتعايش. كل هذا سقط سقوطا مدويا في الحرب الحالية على قطاع غزة، فليس ثمة سلام ولا اتفاقات ولا حتى استخدام نفوذ لإدخال المساعدات لأهالي القطاع. وبدا الجانب الأمريكي ليس منحازا فقط لإسرائيل، بل غير قادر على مواجهة سياسي أرعن هو بنيامين نتنياهو؛ يواجه غضبا شعبيا ورسميا إسرائيليا عارما.
الصدع الذي أصاب الدور الاستراتيجي للولايات المتحدة في الملف الفلسطيني والذي تحاول الصين تعويضه الآن؛ يواجه عدة تحديات، على رأسها أن الصين ليس لديها أي سياج قيمي محدد. فلا روابط تاريخية أو دينية، والأمر منحصر فقط في نطاق لعبة المصالح والنفوذ. فإذا كان الأمر في إطار لعبة عض الأصابع بين بكين وواشنطن خاصة فيما يتعلق بملف تايوان، بالنسبة للفصائل الفلسطينية فإن أي تجمع في أي مكان هو مكسب على الصعيد الداخلي لكل حركة أو فصيل وعلى الصعيد الوطني بشكل عام، إذ ليست هناك أية مؤشرات على نية الأطراف الدولية التقليدية في العودة إلى الدبلوماسية التقليدية في الملف الفلسطيني، والتي تتمثل في إعطاء دور للفصائل ووحدتهافليس من الواضح إلى أي مدى متوقع من الموقف الصيني أن يصمد، اللهم إلا إذا دخل في إطار دعم الصين للمحور الإيراني بشكل عام، والقضية الفلسطينية هي أحد ملفاته.
بالنسبة للفصائل الفلسطينية فإن أي تجمع في أي مكان هو مكسب على الصعيد الداخلي لكل حركة أو فصيل وعلى الصعيد الوطني بشكل عام، إذ ليست هناك أية مؤشرات على نية الأطراف الدولية التقليدية في العودة إلى الدبلوماسية التقليدية في الملف الفلسطيني، والتي تتمثل في إعطاء دور للفصائل ووحدتها. فالسلطة الفلسطينية في مأزق كبير يزداد كل يوم مع المحاولات الإسرائيلي لتقزيم ما تبقى لها من دور، وبقية الفصائل تحت ضغط طول الحرب والخذلان الواضح من الجيران العرب، فكل الأطراف لديها مصلحة تكتيكية في هذا الدور الصيني.
أما على المستوى الاستراتيجي، فأتصور أنه من الأفضل للقضية الفلسطينية وللصين نفسها أن يتطور هذا الدور ضمن مظلة إقليمية ودولية أوسع، ولتكن مبادرة الحزام والطريق التي ترعاها الصين وتضم دولا إسلامية عدة. فمن ناحية يكون الدور الصيني في الملف الفلسطيني مدعوما بدول أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا، ومن ناحية ثانية يضمن التماس مع الملفات التنموية لهذه المبادرة بما يسمح بأن يكون هناك دور لهذه الدول وللصين في ملفات إعادة الإعمار وغيرها من الملفات التنموية الأخرى مستقبلا.
twitter.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الفصائل الصينية فلسطين الصين مصالحة فصائل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الملف الفلسطینی التقلیدیة فی على الصعید هذا الدور
إقرأ أيضاً:
إحالة ملف المتهمين بقضية التآمر بتونس إلى دائرة الإرهاب
قررت محكمة التعقيب "النقض"، في تونس؛ رفض طعن هيئة الدفاع عن المعتقلين في ملف"التآمر"، وإحالة الملف على الدائرة الجنائية المختصة في "الإرهاب".
واجتمع قضاة المحكمة الثلاثاء الماضي، للنظر في طعون لسان الدفاع المتعلقة بملف "التآمر" الذي تم على إثره اعتقال عدد كبير من المعارضين السياسيين منذ شباط/ فبراير من عام 2023 بتهمة التآمر على أمن الدولة.
وقالت عضو هيئة الدفاع المحامية منية بوعلي الأربعاء، في تصريح لـ"عربي21"، إن "المحكمة رفضت الطعون وقررت الإحالة على الدائرة الجنائية المختصة في الإرهاب".
وأكد المحامي مختار الجماعي لـ"عربي21" أنه "تم رفض الطعن ما يعني نهاية مرحلة التحقيق وترحيل الملف لطور المحاكمات العلنية، لذا من المتوقع تعيين بداية الجلسات في خلال شهرين تقريبا".
ويقبع في السجون شخصيات سياسية بارزة بتهمة التآمر وهم القيادي السابق بحركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، والمحامي غازي الشواشي، والمحامي رضا بالحاج، والأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، وعضو جبهة الخلاص، وأستاذ القانون الدستوري، جوهر بن مبارك، والناشطة شيماء عيسى، والمحامي الأزهر العكرمي، ورجل الأعمال كمال اللطيف.
وتوسعت التحقيقات في ملف "التآمر" وبلغ عدد المشمولين بالقضية أكثر من 40 شخصا بين موقوفين ومن هم بحالة سراح أو صادر بحقهم بطاقات حبس، وفق فريق الدفاع.
ويواجه المشمولون بالتحقيق، تهما وصفها الدفاع بـ"القاسية جدا" على اعتبار أنها تصل للإعدام، مؤكدين أن الملف "سياسيا" وليس قضائيا. على حد قولهم.
وكانت جبهة الخلاص، وجهات حقوقية وطنية وأيضا خارجية وعائلات المعتقلين قد طالبوا بضرورة إطلاق سراح المعتقلين واعتبارهم في حالة احتجاز قسري، وأن تهمتهم الوحيدة معارضة النظام.
ومنذ شباط/ فبراير من عام 2023، تشهد تونس حالة من التأزم السياسي بين معارضة تعتبر ما يحصل بالبلاد انقلابا على الشرعية مقابل تأكيد من الرئيس الحالي قيس سعيد أن البلاد تخوض حرب تحرير وطنية وأنه لاعودة للوراء.
ومنذ لحظة اعتقال الشخصيات السياسية تواترت التحركات الاحتجاجية من المعتقلين أنفسهم عبر مقاطعة التحقيقات وإضرابات الجوع بالسجون وكذلك اعتصامات العائلات والدخول في إضرابات متتالية.