خطة اليوم التالي.. ماذا عن مشاركة قوات عربية في غزة؟
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
طُرحت فكرة مشاركة قوات عربية بصيغ مختلفة في وقت مبكر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في إطار التفكير بمستقبل القطاع في اليوم التالي للحرب، على أساس أن الاحتلال الإسرائيلي والأميركان وحلفاءهم الغربيين حسموا موقفهم بمنع عودة حماس لإدارة القطاع تحت أي شكل.
وظلت الفكرة ضمن السيناريوهات المطروحة طوال الأشهر الماضية، بغض النظر عن مدى جديتها وإمكانية تنفيذها، أو وجود ميل عربي أو فلسطيني أو إسرائيلي أو دولي تجاهها.
بيدَ أن هناك قبولًا أميركيًا بالفكرة، واستعدادًا للمشاركة في إنفاذها، بل وسعيًا عمليًا لدى الأطراف المختلفة لتسويقها.
الموقف الإسرائيليظهرت فكرة إشراك قوات عربية في ترتيبات اليوم التالي لإدارة القطاع ضمن السيناريوهات التي طرحتها جهات إسرائيلية في الشهر الأوّل للحرب، وظلّ هذا معروضًا في "السوق"، غير أنّ الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو لم تتبنَّ هذا السيناريو رسميًا حتى الآن.
في المقابل، فإن شخصيات رئيسية في الحكومة تبنّت الفكرة أبرزها بيني غانتس ويوآف غالانت.
وتنبع أهمية تبني غانتس للفكرة أنه الأكثر شعبيّة في دولة الاحتلال، وأنه الشخص الأوفر حظًا لرئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد نتنياهو، وسبق له أن تولى قيادة الجيش الإسرائيلي.
وقد أوضح فكرته في برنامج النقاط الست الذي طرحه (قبيل انسحابه وحزبه من الحكومة الإسرائيلية في 8 يونيو /حزيران 2024) ودعا إلى آلية مدنية دولية لحكم قطاع غزة، بمشاركة أميركية أوروبية عربية فلسطينية، مع استبعاد حماس والسلطة الفلسطينية في رام الله منها.
أما غالانت، فتكمن أهمية طرحه أنه نفسه وزير الجيش الإسرائيلي، وعضو رئيسي في حزب الليكود الحاكم حاليًا.
وقد طرح غالانت فكرته منذ أشهر وأعيد نشرها في أواخر يونيو /حزيران 2024 (واشنطن بوست ويديعوت أحرونوت)، واقترح وجود لجنة توجيه بقيادة الولايات المتحدة تشاركها دول عربية "معتدلة" وتشرف على الأمن، بينما يتولى الأميركان الجانب اللوجيستي والقيادي من خارج غزة. وذكرت يديعوت أحرونوت أن غالانت قسّم قطاع غزة إلى 24 منطقة، وستأخذ قوة فلسطينية تدريجيًا السيطرة الأمنية، ويتم تنفيذ الخطة على مراحل من شمال القطاع باتجاه جنوبه.
أما اليمين الديني المتطرف (سموتريتش وبن غفير)، فيرفض الفكرة، ويدعو إلى إعادة السيطرة على القطاع، وإلى إعادة الاستيطان، مع تهجير أو توفير ظروف تهجير الفلسطينيين من القطاع. بينما حافظ نتنياهو على قدر من الغموض، ولم يُلزم نفسه بأي خطة مستقبلية، سوى الإشارة للتحكم في مستقبل القطاع، وهو غموض يخدمه إلى حد ما في متابعة إدارته للحكومة؛ لكنه يتسبَّب في اتساع دائرة الاستياء والضغوط من الدوائر العسكرية والأمنية والمعارضة، التي تريد أن ترى أفقًا واضحًا للخروج من مأزق القطاع.
الموقف العربيظهرت إشارات غير رسمية عن رغبة عدد من الدول العربية، بأن ينتهي الهجوم الإسرائيلي بإسقاط حكم حماس للقطاع، وإنهاء العمل المقاوم هناك.
غير أنه لم تظهر في الأشهر الأولى للعدوان تقارير تؤكد موافقة أي من هذه الدول على المشاركة في قوات أمنية في ترتيبات اليوم التالي لإدارة القطاع. ولعله كانت هناك بيئة رافضة أو متحفظة تجاه هذه الفكرة.
وكانت الرؤية العربية تركز بشكل عام على إنهاء العدوان والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وأن أي ترتيبات لمستقبل القطاع تتم في إطار مسار التسوية السلمية في المنطقة، وتنفيذ حلّ الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يكون للسلطة الفلسطينية في رام الله دور أساس في الترتيبات المتعلقة باليوم التالي للحرب على القطاع.
كما أنّ بيان القمة العربية في المنامة المنعقد في 16/5/2024 دعا لنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة باتجاه إنفاذ حل الدولتين. فربط وجود القوات الدولية بترتيبات إنهاء الاحتلال، وليس بإنفاذ شروط الاحتلال.
لكن على ما يبدو، فإن دولًا عربية أخذت تميل مع الزمن لإمكانية المشاركة ضمن قوات دولية. وتحدثت فايننشال تايمز في 6 مايو /أيار 2024 عن أن هناك دولًا عربية أصبحت مرحبة بالفكرة لكنها نبّهت إلى معارضة قطر والسعودية والأردن لذلك.
كما أن تصريحات الرئيس الإندونيسي سوبيانتو في مطلع يونيو/حزيران 2024 باستعداد إندونيسيا للمشاركة في قوات حفظ سلام في غزة، قد خدم الفكرة.
حل مشكلة الإسرائيلي أم الفلسطيني؟يظهر من كل الاقتراحات المعروضة لإدارة قطاع غزة بمشاركة عربية بعد انتهاء الحرب؛ وكأنها في إطار ترتيبات مرحلة انتقالية تقوم القوات العربية فيها بدور أساس في توفير الغطاء للانسحاب الإسرائيلي، وبما يحقق إدارة قطاع غزة وفق الشروط والمعايير الإسرائيلية والأميركية، ويضمن عدم عودة حماس وقوى المقاومة لإدارة القطاع، ومتابعة تفكيك القوى العسكرية والمدنية للمقاومة، وصولًا إلى إدارة مدنية فلسطينية يرضى عنها الاحتلال أو تُنفذ أجندته. والطرح العربي لا يتماهى ابتداء مع هذا السياق.
وتظهر أبرز المعوقات في أن الطرف العربي سيظهر وكأنه يقوم بحلّ المشاكل والصعوبات التي يواجهها الطرف الإسرائيلي، وليس المعاناة والتحديات التي
يواجهها الطرف الفلسطيني؛ وكما لو أن الاستلام والتسليم جاء على ظهر دبابة إسرائيلية.
من ناحية ثانية، سيبدو الأمر تكريسًا للاحتلال واستدامته (عن طريق الوكلاء) وليس خطوة باتجاه إنهاء الاحتلال، وهي من ناحية ثالثة تكرس عقلية الوصاية على الشعب الفلسطيني وإرادته، وكأن الشعب الفلسطيني لم ينضج بعد أكثر من مائة عام من المقاومة والصمود والتضحيات ليأخذ حقه في تقرير مصيره.
إذ إن أمر إدارة قطاع غزة هو شأن داخلي فلسطيني، يقرره الفلسطينيون بأنفسهم، ولا يفرضه الإسرائيليون، ولا حاجة لوكلاء ينوبون عنهم. ومن ناحية رابعة، فإن ثمة مخاوف حقيقية كبيرة لدى البلاد العربية؛ بسبب رفض حماس، واحتمال مواجهة قواتها القادمة إلى غزة بردود عنيفة أو مسلحة، تُفشل قدرتها على العمل، كما تُسيء (فوق ما هي عليه) إلى صورة هذه الحكومات لدى شعوبها.
الموقف الفلسطينيتبدو السلطة الفلسطينية في حالة ارتباك وهي تجد نفسها خارج سياق الأحداث، وهي تواجه "طوفانًا" من الانتقادات لضعف أدائها، وعدم قيامها بمسؤولياتها الوطنية المطلوبة، وقمعها للمقاومة وللحراك الشعبي في الضفة الغربية؛ مع انتقادها حماس والمقاومة.
وهي في الوقت نفسه، تتحدث عن استقلالية القرار الفلسطيني، وأن مستقبل غزة شأن فلسطيني داخلي، وتؤكد أنها الجهة التمثيلية المعتمدة. لكن تشكيلها لحكومة محمد مصطفى دون التفاهم مع حماس وباقي قوى المقاومة الفلسطينية، جعلها تبدو وكأنها تجهز لاستحقاقات ما بعد حماس في القطاع، وفق معايير يرضى عنها الإسرائيليون والأميركان. وهو ما يثير استياء شعبيًا واسعًا.
أما حماس وفصائل المقاومة، فترفض مشاركة قوات عربية ضمن الترتيبات الأميركية الإسرائيلية المقترحة؛ وتعدُّ ذلك خدمة للاحتلال وسلوكًا عدائيًا. وتعتقد أن ترتيبات اليوم التالي لقطاع غزة هو شأن فلسطيني داخلي يقرره الفلسطينيون بأنفسهم، وهي منفتحة على قيادة السلطة والمنظمة لعمل الترتيبات في إطار التوافق الوطني الفلسطيني، وفي إطار إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
الرأي العام الفلسطينييدعم الرأي العام الفلسطيني، وفق استطلاعات الرأي التي نشرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (ومقره رام الله)، موقفَ حماس بقوة. فقد تضاعفت شعبية حماس في الوسط الفلسطيني، وهي مرشحة للفوز بشكل ساحق في أي انتخابات قادمة، كما تزايد الالتفاف الشعبي حول خط المقاومة، وتزايد في المقابل الرفض الشعبي لمسار التسوية واتفاق أوسلو، بل وارتفعت نسبة المطالبين بسقوط السلطة الفلسطينية إلى نحو 60%.
وفي أحدث استطلاع للرأي في يونيو /حزيران 2024، وهو لا يختلف في جوهر نتائجه عن الاستطلاعين السابقين في أثناء معركة طوفان الأقصى (ديسمبر/كانون الأول 2023، ومارس/آذار 2024) أجاب 61% بأنهم يفضلون حماس لحكم قطاع غزة بعد الحرب، فيما لو كان الأمر متروكًا لاختيارهم، بينما دعم 1% فقط قيام دولة عربية أو أكثر بذلك، وفضل 6% فقط السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، بينما فضل 6% آخرون السلطة الفلسطينية من دون عباس. وهذا يعني أن المزاج الشعبي العام ما زال يقف خلف المقاومة.
وما يُعقّد الأمر تجاه مشاركة الدول العربية أن هناك نسبًا تفوق 86% عبّرت عن عدم رضاها عن الأداء العربي تجاه ما يجري في غزة. كما عبّر 67% عن ثقتهم بأن حماس ستخرج منتصرة من الحرب.
الخلاصة:من الواضح أن فكرة مشاركة قوى عربية في ترتيبات اليوم التالي تواجهها تعقيدات كبيرة تجعلها مستبعدة على الأقل في المرحلة الحالية. فالحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو ما تزال غير مستعدة لتقديم أي التزامات تجاه مستقبل غزة، وتريد إبقاء خيوط التحكّم بيدها.
والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس تحقق أداء بطوليًا على الأرض، وترفض أي تدخل عربي قد يصب في خدمة الأجندة الإسرائيلية، وثمة إجماع فلسطيني على أن مستقبل غزة هو شأن داخلي فلسطيني، كما أن ثمة أغلبية شعبية ساحقة تلتف حول حماس وبرنامج المقاومة، وترفض التدخل العربي في سياقه الذي يسعى لإنهاء المقاومة وتصفيتها، بل وترفض سلطة رام الله بالشكل الضعيف والمتخاذل الذي ظهرت عليه.
وهو ما يجعل موضوع مشاركة القوات العربية أمرًا افتراضيًا، بانتظار "كسر شوكة حماس" حسب الفكر الرغائبي للمُطبِّعين؛ بينما تظهر المعطيات على الأرض قدرة المقاومة على الصمود والاستمرار لآماد مفتوحة، لفرض شروطها في النهاية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة الإسرائیلیة السلطة الفلسطینیة لإدارة القطاع قوات عربیة حزیران 2024 عربیة فی رام الله قطاع غزة فی إطار
إقرأ أيضاً:
حماس والجهاد الإسلامي يبحثان استئناف المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة
الجديد برس|
بحث وفدان من قيادة حركتي المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامي في فلسطين، اليوم الخميس، في العاصمة القطرية الدوحة، استئناف المفاوضات لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بالإضافة إلى خروقات العدو الصهيوني المتواصلة.
وجاء في بيان صدر عن حركة “حماس” أن “وفدا من قيادة الحركة برئاسة محمد درويش رئيس المجلس القيادي استقبل وفدا من حركة الجهاد الإسلامي ضم زياد النخالة ونائبه الدكتور محمد الهندي، اليوم الخميس في الدوحة.
وأشار البيان بأن الوفدان ناقشا مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، والخروقات الإسرائيلية المتكررة، واللقاءات التي تمت خلال اليومين الماضيين، بهدف استئناف المفاوضات.
وأكد الجانبان ضرورة الالتزام الكامل ببنود وقف إطلاق النار ومراحله المختلفة، خاصة الانسحاب من محور فيلادلفيا، وفتح المعابر، وتطبيق البروتوكول الإنساني، وإدخال كافة احتياجات قطاع غزة، والشروع بتطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق دون قيد أو شرط.
وشدد المجتمعون على التزام المقاومة باستمرار التطبيق “الأمين” لاتفاق وقف إطلاق النار، وجهوزيتها التامة لاستكمال هذا التطبيق.
كما أدان المجتمعون ما يقوم به العدو الصهيوني من جرائم في القدس والضفة المحتلتين، وعمليات التدمير بحق المخيمات في جنين ونور شمس وغيرها من مناطق ومدن الضفة، بالإضافة إلى منع المصلين من الصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف، الذي يعتبر انتهاكًا خطيرًا ومساسًا بالأوقاف الإسلامية والأماكن الدينية.
هذه المباحثات تأتي في إطار الجهود المستمرة لإنهاء المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، وضمان تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في إنهاء الحصار ووقف العدوان الإسرائيلي، مع التأكيد على استمرار المقاومة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.