هل ستقف واشنطن مكتوفة الأيدي أمام التمدّد الإيراني في المنطقة؟
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
من يراقب الحركة الأميركية الخارجية يلاحظ أن واشنطن تتحرّك على أكثر من خط ساخن، وتتعامل مع كل ملف على أنه منفصل عن الآخر، وإن تكن عيناها شاخصة نحو الحركة الإيرانية في المنطقة من خلال سعيها إلى ربط مصالحها في البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر حلفائها سواء بالنسبة إلى حركة "حماس" في نضالها ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي فتح الجبهة الجنوبية من لبنان بقرار انفرادي على رغم معارضة شريحة واسعة من اللبنانيين لتفرّده بقراري الحرب والسلم، مع ما قد يستجلبه هذا الأمر من توريط لبنان بكامله في حرب شاملة غير مهيأ لها ميدانيًا وبشريًا واقتصاديًا على المستوى الرسمي.
فالموقف الأميركي من التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة التمدد نحو البحر الأبيض المتوسط عبر حلفائها، يُعدّ من المواضيع الحساسة والمعقّدة في السياسة الخارجية الأميركية، إذ أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تسعى تاريخيًا إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة بسبب مخاوف تتعلق بأمن حلفائها الإقليميين، والاستقرار الإقليمي، ومنع انتشار التأثير الإيراني الذي تعتبره تهديدًا لمصالحها ولمصالح شركائها. ليس سرًّا أن يقال مثلًا أن واشنطن تعتبر أمن إسرائيل واستقرارها، وكذلك الأمن والاستقرار الخاص بدول الخليج العربي، وبالأخص المملكة العربية السعودية، جزءًا لا يتجزأ من أولوياتها الاستراتيجية الخارجية، وإن كان الربط بين استقرار المنطقة وأمن دولة إسرائيل يتعارض مع الموقف العربي الموحد تجاه ما يتعرّض له الفلسطينيون من حرب إبادة وتهجير في قطاع غزة، وما يواجهه فلسطينيو الضفة الغربية من مضايقات واضطهادات واستفزازات، وكان آخرها اقتحام المسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود. فواشنطن تعتبر أن أي تمدّد إيراني نحو البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا ولبنان يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل وحلفاء آخرين في المنطقة، وهذا ما لا تقبل به لا اليوم ولا غدًا ولا في أي وقت من الأوقات، على رغم معارضتها الظاهرية على الأقل لتمادي إسرائيل في حربها المدّمرة في غزة، مع سعيها المتواصل لمنعها من شنّ حرب واسعة على لبنان، لذي تريده آمنًا ومستقرًّا لألف سبب وسبب. وهذا لا يعني بالمفهوم الأميركي أن الوضع المتفجّر في الجنوب آيل إلى الانفراج طالما أن "حزب الله" يعلن بلسان أمينه العام وجميع مسؤوليه أن وقف العمليات التي تنطلق من الجنوب مرهون بوقف الحرب على غزة. وما دام الوضع متوترًا هناك فلا هدوء هنا. فهذه المعادلة يعرفها الأميركيون، الذين يعملون حاليًا على حصر مفاعيلها في المنطقتين الجنوبية من لبنان والشمالية من إسرائيل في انتظار ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج مفاوضات الدوحة بعدما دخلت مصر طرفًا مساهمًا في التوصّل إلى تسوية يُعتقد أنها قطعت شوطًا متقدمًا. وبالتوازي مع مساعيها الديبلوماسية والمفاوضات من تحت الطاولة لم توقف الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها لإيران عبر ما تفرضه عليها من عقوبات اقتصادية شديدة الوقع على المجتمع الإيراني بهدف الضغط عليها لتقليص نفوذها الإقليمي ووقف دعمها لحلفائها مثل "حزب الله" في لبنان، والحوثيين في اليم، مع تفضيلها بالطبع استخدام الأدوات الاقتصادية والديبلوماسية، وأحياناً العسكرية، لاحتواء التمدد الإيران، ومنع طهران من فرض سيطرتها شبه الكاملة في المنطق، وذلك من خلال وجودها العسكري في عدة مواقع استراتيجية في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين وقطر و العراق وسوريا. ومن بين أهداف هذا الوجود ردع أي تحركات قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى لصالح إيران، مع تحريكها السريع لأسطولها البحري في كل مرّة تشعر فيها واشنطن أن مصالحها في المنطقة مهدّدة. لا يخفى أن من بين أهداف المفاوضات الأميركية النووية مع طهران هدف رئيسي وهو محاولة أكبر لاحتواء النفوذ الإيراني عبر الديبلوماسية، على رغم أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق في 2018، وقد تعيد الكرّة في حال عودة ترامب إلى السلطة من جديد. وهذا يعني أن التحالفات الأميركية الإقليمية قد تتغير بناءً على التطورات الدولية، مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، والتي قد تؤثر على كيفية التعاطي مع إيران حاضرًا ومستقبلًا، فضلًا عمّا تمتلكه من قوة مؤثرة على الأوضاع الداخلية في إيران، مثل الضغوط الاقتصادية والسياسية، التي قد تؤثر على قدرة النظام الإيراني على التوسع الإقليمي. خلاصة القول أن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بتمدد إيراني غير مقيد نحو البحر الأبيض المتوسط، وسوف تستمر في استخدام مجموعة من الأدوات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة أي تحركات إيرانية تُعتبر تهديدًا لمصالحها ولمصالح حلفائها في المنطقة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: البحر الأبیض المتوسط الولایات المتحدة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
عراقجي: لم نتلق رسائل من الإدارة الأميركية الجديدة
نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي -اليوم الأربعاء- صحة التقارير التي زعمت وجود اتصالات أو رسائل متبادلة بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدا أن بلاده لم ترسل أو تتلقَّ أي رسائل من جانب واشنطن.
وصرح عراقجي -خلال اجتماع حكومي في طهران- أن إيران تتابع من كثب سياسات الإدارة الأميركية الجديدة وستقيّم مواقفها بناء على الأفعال لا الأقوال.
وأضاف أن أي محادثات مستقبلية مع واشنطن لن تتم إلا من "موقف متكافئ"، مشددا على أن "حالة انعدام الثقة لا تزال قائمة بين البلدين، ولا يمكن تجاوزها من خلال التصريحات الإيجابية وحدها، بل تحتاج إلى إجراءات عملية تثبت جدية الجانب الأميركي في التزاماته".
وأكد عراقجي أن التجربة السابقة أثبتت أن إيران التزمت بجميع بنود الاتفاق النووي لعام 2015، بينما كانت الولايات المتحدة هي التي خرقته بانسحابها الأحادي عام 2018 في عهد ترامب، وفرضها عقوبات مشددة ضد إيران، مما أدى إلى تصعيد التوترات الإقليمية والدولية.
وفيما يتعلق بالمحادثات مع الدول الأوروبية، أشار عراقجي إلى أن المفاوضات لا تزال قائمة، لكن طهران تنتظر أن تحدد الدول الأوروبية سياساتها بوضوح تجاه الملف النووي الإيراني، وتتعامل مع الاتفاقات السابقة بمصداقية.
إعلان موقف إيران من إدارة ترامببدوره، أكد مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، أن طهران تدرس حاليا سياسات إدارة ترامب تجاه إيران، موضحا أن الحكومة الإيرانية وضعت إستراتيجيات وخططا لمواجهة أي تصعيد محتمل.
وأوضح تخت روانجي أن إيران لن توافق على توسيع نطاق المفاوضات لتشمل قضايا أخرى غير الملف النووي، في إشارة إلى مطالب الولايات المتحدة بإنهاء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ودورها في النزاعات الإقليمية.
وعلى الصعيد الداخلي، قال عضو اللجنة البرلمانية الإيرانية فدا حسين مالكي إن الدستور الإيراني لا يمنح الحكومة تفويضا لإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن أي تواصل يجب أن يتم عبر قنوات الوساطة.
وحذر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي المسؤولين الإيرانيين من الوقوع في "فخ الدبلوماسية الأميركية"، داعيا إلى الحذر في أي مفاوضات محتملة مع واشنطن.
وقال خامنئي خلال اجتماع مع كبار القادة السياسيين والعسكريين "خلف ابتسامات الدبلوماسية، هناك دائما عداوات وضغائن خفية وخبيثة. يجب أن نفتح أعيننا ونكون حذرين مع من نتعامل ونتفاوض".
وعلى الرغم من أن تصريحاته أكدت على نهج الحذر والتشدد في التعامل مع الولايات المتحدة، فإن بعض المحللين رأوا فيها إشارة ضمنية إلى إمكانية إجراء مفاوضات مستقبلية، لكن بشروط صارمة تضمن عدم تكرار تجربة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وتأتي هذه التصريحات في ظل استمرار التوتر بين طهران وواشنطن، حيث لم تعقد أي مفاوضات مباشرة بين البلدين منذ عام 1980. وكانت إيران قد انخرطت في محادثات غير مباشرة لمدة 18 شهرا مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن بين عامي 2021 و2022 لإحياء الاتفاق النووي، لكن المفاوضات انتهت دون نتيجة.