نظريات المؤامرة تحيط بالانهيار العالمي التقني
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
من الترويج للخوف من "حرب عالمية ثالثة" تلوح في الأفق إلى الروايات الكاذبة التي تربط عصابة من النخبة العالمية بهجوم إلكتروني، انطلق سيل من نظريات المؤامرة عبر الإنترنت يوم الجمعة بعد انهيار كبير في تكنولوجيا المعلومات.
وغرقت شركات الطيران والبنوك والقنوات التلفزيونية والمؤسسات المالية في اضطرابات بعد الحادث، وهو أحد أكبر الحوادث في السنوات الأخيرة والذي كان نتيجة لتحديث برنامج خاطئ لبرنامج مكافحة الفيروسات الذي يعمل على نظام التشغيل Microsoft Windows.
إن انتشار نظريات المؤامرة التي تخرق الإنترنت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي - والتي أزال العديد منها حواجز الحماية التي كانت تحتوي ذات يوم على انتشار المعلومات المضللة - يوضح الوضع الطبيعي الجديد لفوضى المعلومات بعد حدث عالمي كبير.
لقد أفسح انقطاع الخدمة الطريق لدوامة من المنشورات الخالية من الأدلة على موقع X، الموقع المملوك لإيلون ماسك والمعروف سابقًا باسم تويتر، والذي روج لسرد مروع: كان العالم يتعرض لهجوم من قبل قوة شائنة.
كتب أحد المستخدمين على موقع X: "قرأت في مكان ما ذات مرة أن الحرب العالمية الثالثة (الحرب العالمية الثالثة) ستكون في الغالب حربًا إلكترونية".
كما أثار انهيار تكنولوجيا المعلومات نظرية لا أساس لها من الصحة مفادها أن المنتدى الاقتصادي العالمي - الذي كان لفترة طويلة نقطة جذب للأكاذيب الجامحة - قد خطط لهجوم إلكتروني عالمي.
ولجعل هذه النظرية تبدو ذات مصداقية، ربطت العديد من المنشورات مقطع فيديو قديمًا للمنتدى الاقتصادي العالمي يحذر من احتمال وقوع "هجوم إلكتروني بخصائص تشبه خصائص كوفيد".
وحذر الفيديو، المتاح على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، من أن الطريقة الوحيدة لوقف الانتشار المتسارع للتهديد السيبراني هي فصل ملايين الأجهزة الضعيفة عن بعضها البعض وعن الإنترنت.
"شهادة حزينة"
لقد كان المنتدى الاقتصادي العالمي منذ فترة طويلة هدفا لمنظري المؤامرة الذين يروجون لفكرة وجود عصابة غامضة من النخب تعمل لتحقيق مكاسب خاصة تحت ستار حل القضايا العالمية.
كما اكتسبت المنشورات التآمرية اهتمامًا سريعًا عبر الإنترنت باستخدام هاشتاج "المضلع السيبراني"، في إشارة إلى حدث تدريب عالمي يهدف إلى الاستعداد لهجمات مستقبلية محتملة.
وقال رافي مندلسون نائب رئيس شركة سيابرا لأمن المعلومات المضللة لوكالة فرانس برس إن "انتشار نظريات المؤامرة في أعقاب الأحداث العالمية الكبرى مثل انقطاع الخدمة هو شهادة حزينة على الطبيعة المتقلبة للنظام البيئي للمعلومات".
"ما يميز مثل هذه الأحداث هو كيف تعمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات وتطبيقات المراسلة على تسهيل النشر السريع للمحتوى، مما يسمح للنظريات باكتساب قوة جذب بسرعة والوصول إلى جمهور عالمي."
يُظهر هذا الاتجاه قدرة الأكاذيب على التحول إلى روايات فيروسية على منصات التكنولوجيا، والتي قلصت الإشراف على المحتوى وأعادت الحسابات المعروفة بأنها مزودي معلومات مضللة.
خلال الأحداث الإخبارية سريعة التطور، غالبًا ما يسود الارتباك على منصات التكنولوجيا الكبرى، حيث يتدافع المستخدمون للحصول على معلومات دقيقة فيما يبدو أنه بحر من المنشورات الكاذبة أو المضللة التي تكتسب زخمًا سريعًا.
"دوافع شريرة"
وقال مايكل دبليو موسر، المدير التنفيذي لمختبر التضليل العالمي في جامعة تكساس في أوستن، لوكالة فرانس برس: "هذا يطرح السؤال الأكبر المتمثل في مكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة".
"إن مستوى الثقة المطلوب لقبول المعلومات من المصادر ذات السمعة الطيبة قد انخفض إلى هذا الحد
لا يعني ذلك أن الناس أكثر استعدادًا لتصديق المؤامرات الوحشية التي "يجب أن تكون حقيقية" بدلاً من تصديق المعلومات الواقعية التي يتم نقلها إليهم.
وكان الانقطاع العالمي، الذي أدى إلى توقف جوانب لا تعد ولا تحصى من الحياة اليومية وأدى إلى انخفاض الأسهم الأمريكية، مرتبطًا بخلل في تحديث لبرنامج مكافحة الفيروسات لأنظمة Windows من مجموعة CrowdStrike الأمريكية للأمن السيبراني.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاقتصادی العالمی نظریات المؤامرة
إقرأ أيضاً:
ماذا بعد؟
سالم بن حمد الحجري
في جولة إلكترونية لمنشورات التواصل الاجتماعي بحثا عن إجابات لموضوع بحثي مختص بالخوارزميات التي تستخدمها تلك البرامج وتأثيرها على المستخدم، لفتني ذلك الاتجاه الذي ينحوه بعض الشباب (من الجنسين) لاقتحام ما يسمى بالشهرة عبر زيادة عدد المتابعين بأي طريقة كانت، وهو اتجاه سائد في عصر انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال المتعددة.
ولم تعد وسائل التواصل تقدم وظيفة وحيدة وهي تقريب المسافات وتعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية، إلى أن تكون وسيلة لنشر الثقافة والعلوم والخبرات والمعارف المتعددة، وهي كذلك منصات ساهمت في تطوير الأعمال وانتشارها ووصولها السريع للمستهلكين، لكنها في الوقت ذاته كانت السُلّم السريع والطريق الأقصر للملايين طمعا في الشهرة واجتذاب المتابعين، الاتجاه الذي انتهجه البعض للشهرة الرخيصة المعتمدة على الابتذال والمحتوى الرخيص في انتهاك صريح للقيم والأخلاق للأفراد والمجتمع دونما رقابة أو محاسبة.
يعج الفضاء الرقمي- الذي فيما يبدو في الطريق لفقد البوصلة القِيَمِيَّة- بالعديد من الحسابات الإلكترونية في منصات التواصل الاجتماعي التي تدوس على مبادئ المجتمع وقيمه الإنسانية النبيلة وهي في طريقها نحو مسار ما يسمى بالشهرة عبر المحتوى الهابط الذي يعتمد في أحيان على الغرائز الجسدية واستغلال مشاهد الإغراء لجذب المتابعين، وفي أحيان أخرى بصناعة المحتوى الدرامي الصادم الذي يعتمد على التحديات الخطرة والمشاهد المؤثرة على الصحة والسلامة، وفي مواضع أخرى، نشر خصوصيات الناس وأسرارهم وتفاصيل شخصية دون مراعاة للكرامة وللنتائج المترتبة على ذلك السلوك المُشين، ولا عجب فيما تحمله آلاف المقاطع اليومية حول العالم من محتوى مبتذل طافح بالبذاءة والانحطاط الخُلُقي وجارح للقيم والأخلاق مما يشكل خطرًا كبيرًا على أفراد المجتمع خاصة مرحلة الطفولة والمراهقة.
من الطبيعي جدًا ونحن نعيش عصر الثورة الرقمية وما تطرحه منصات التواصل الاجتماعي أن نتساءل، ما أسباب كل هذا السقوط المخيف نحو مسار الشهرة "الرخيص"؟ وهل بالفعل أن هذا شرٌ لا بُدّ منه؟ مبدئيا، لنتفق أن ما نتحدث عنه هنا هو الوجه المظلم للتقنية الحديثة التي تخدم البشرية وتسهم في تنمية حياة الإنسان ورفاهيته، وما ساعد هذا "الوجه المظلم" في الانتشار هو المنطق التجاري للمنصات التواصلية التي تطور خوارزمياتها (وهي مجموعة من العمليات والأوامر المصممة إلكترونيا لإنجاز مهمة ما) لتحفز المحتوى المثير والذي يحقق تفاعلا كبيرا ومشاهدات عالية مما يزيد من الانتشار وبالتالي ارتفاع دخل المنصة من الاعلانات ويُقاس ذلك بمقاييس وأدوات إلكترونية، كما أن أحد اهم أسباب صناعة المحتوى غير اللائق هو التهافت نحو الكسب المادي الذي حققه الآخرون من وراء حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي وهم متيقنون بأنهم سيحصدون الآلاف من المتابعين وبالتالي ضمان الشهرة السريعة، فضلا عن الجهل المستشري عند الكثير من هذه الطبقة بسوء عاقبة ذلك النوع اللاأخلاقي من المحتوى عليهم وعلى المجتمع حيث تنتشر ثقافة الأفكار السطحية التي لا تُنتج فكرًا ولا تُقوِّم سلوكًا؛ بل يساهم ذلك في انتشار الانحلال الأخلاقي والبذاءة اللفظية وانهيار المعايير القيمية لدى النشء ليس فقط في العالم الافتراضي بل يتعدى ذلك إلى السلوكيات اليومية في البيت والمدرسة والشارع، فضلا عن شيوع ظاهرة الاحتفاء بما يسمى ب"المشاهير" وما هم إلا انتهازيين فارغين أو مروجين تجاريين تصل المنافسة غير الشريفة بينهم حدا سحيقا من الاسفاف في تقديم محتوى معبرًا عن ذاته المضطربة نفسيًا.
وهناك جانب خفي من استخدام الانترنت لا يظهر في محركات البحث العادية ولا على المنصات الشائعة، يُعرف بـ"الدارك ويب" أو "الشبكة المظلمة"، ذلك الفضاء الرقمي الذي يكتنفه الغموض وتُرتكب فيه بعضٌ من أخطر الجرائم الإلكترونية، من تجارة غير مشروعة، إلى غرف دردشة سرية تنشط فيها شبكات الاستغلال والانحراف الأخلاقي، وتلك حكاية أخرى لا يتسع المجال هنا للخوض فيها.
جُبِل الإنسان على السعي والانجاز، والجري وراء المادة، إلّا أن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال على بيع النفس للأهواء ولا التحلل من الكرامة الإنسانية والمُثل العليا مقابل فتات مادي، التسول الإلكتروني قد يحقق لفاعله تربحا ماديا لكن الحر الشريف يعف نفسه عن طرق الابتذال ويصونها عن مواطن الرخص والهوان.